هل بدأت فرصُ السلام تتلاشى في اليمن؟
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
علي ظافر
التحَرّكات الأمريكية والسعوديّة والإماراتية تؤكّـد حقيقة واحدة، هي أن دول العدوان مجتمعة لا تريد السلام، وإنما تستغل الوقت وضبط النفس، الذي تُبديه صنعاء، في مرحلة خفض التصعيد.
لم تهدأ الحرب في اليمن، في مختلف أشكالها، خلال مرحلة خفض التصعيد؛ فالإجراءات الأخيرة، التي أقدمت عليها دول العدوان، لا تخدم السلام ولا توحي في الرغبة فيه؛ إذ إنها إجراءات حرب وليس غير ذلك، بدءاً بحجب نحو أربعين قناة وطنية يمنية عن يوتيوب، إلى تعزيز السعوديّة مرتزِقتها بـ 1.
هذه المعطيات من شأنها أن تحبط فرص السلام بالتدريج في اليمن، إذَا ما اقترنت بتعقيد المسارات الإنسانية، وصعوبة اختراق جدار تعنت دول العدوان في ملفات الحصار والمرتبات والأسرى. ويبدو أن ذلك هو ما دفع صنعاء مؤخّراً إلى تصعيد لغة التهديد والتلويح بمعادلات عسكرية جديدة، من شأنها أن تقلب الطاولة على أطراف العدوان.
مهدّداتُ السلام:
في الأيّام القليلة الماضية، وضمن صراع النفوذ العسكري الإماراتي السعوديّ على باب المندب، دفعت الرياض الفصائل الموالية لها إلى مديريتي المضاربة ورأس العارة، المطلتين على باب المندب؛ مِن أجل طرد فصائل الإمارات من هناك، وفرض واقع عسكري جديد، بينما عمدت أبو ظبي إلى تحريك الفصائل الموالية لها، بقيادة طارق عفاش، إلى منطقة طور الباحة، الواقعة جنوبيَّ محافظة لحج وبوابة الدخول لعدن، في مسعى منها للسيطرة على سواحل رأس العارة والمضاربة، وُصُـولاً إلى رأس عمران القريبة من عدن، ولتكون حاجز صدّ إماراتياً في مواجهة الفصائل المدعومة سعوديّاً.
في موازاة ذلك حطّت قبل أسبوع طائرة عسكرية أمريكية تحمل على متنها عدداً من ضباط المارينز والاستخبارات الأمريكية، يرافقهم السفير الأمريكي ستيفن فاجن كنوع من الغطاء الدبلوماسي على عمل عسكري استخباري أمريكي. وكشف محافظ لحج، الشيخ أحمد جريب، أن الأمريكيين نقلوا، خلال تلك الزيارة، أجهزة تنصت إلى قصر معاشيق، بالتزامن مع تحريكهم قطعاً عسكرية في اتّجاه السواحل اليمنية.
التحَرّكات الأمريكية والسعوديّة والإماراتية تؤكّـد حقيقة واحدة، هي أن دول العدوان مجتمعة لا تريد السلام، وإنما تستغل الوقت وضبط النفس، الذي تُبديه صنعاء، في مرحلة خفض التصعيد؛ مِن أجل تكريس التقسيم وتفتيت اليمن، وتثبيت الحضور العسكري وتكريس الهيمنة، في مقابل وعود فارغة لم يتحقّق منها شيء على الصعيد الإنساني من باب أولى، باستثناء اختراق بسيط في ملف السفينة صافر، وإدخَال عدد محدود من السفن والرحلات التجارية لمطار صنعاء، على نحو لا يرقى إلى مستوى الحاجة الإنسانية في اليمن المحاصَر والمدمّـر منذ تسعة أعوام.
خيارات صنعاء ومعادلاتها:
في مقابل التحَرّكات المعادية، يبدو أن صنعاء مضطرة إلى فرض خيارات جديدة لكسر حالة الجمود القائمة، وإسقاط رهانات التحالف على كسب مزيد من الوقت والفرص، وذلك ما تشي به تصريحات نائب وزير الخارجية حسين العزي، ومفادها أن “دول العدوان لم تتجاوز مربع الكلام بشأن السلام”، وأكّـد أن “التراجع عن الرحلات الإضافية نحو الوجهة الوحيدة من مطار صنعاء خطوة مَقيتة، تعكس عدم رغبة تحالف العدوان في السلام وبناء الثقة”، وأن استمرارها في المماطلة يفرض على صنعاء “الذهاب نحو خيارات أُخرى”، في إشارة إلى تفعيل معادلات عسكرية مؤلمة.
الخيارات العسكرية يبدو أن ميدانها هذه المرة سيكون في المياه الإقليمية اليمنية، ليس في البحر الأحمر فحسب، بل أَيْـضاً ضمن مسرح عملياتي، ربما يمتد إلى العمق الحيوي لليمن في المحيط الهندي، وقد يشمل شعاع العمليات جزيرتي سقطرى وميون وغيرهما. وهذا ما لمّح إليه الرئيس مهدي المشاط، خلال زيارته محافظة المحويت، أواخر الشهر الفائت، عبر قوله إن صنعاء تعتزم، خلال المرحلة المقبلة، “إجراء تجارب في بعض الجزر اليمنية، بإذن الله، فعدونا متغطرس متكبر لا يعرف إلّا لغة القوة، وسنعمل كُـلّ ما نستطيع؛ مِن أجل ردع العدوان”. هذا التهديد أعقبه تهديد مماثل لوزير الدفاع، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، مفاده أن تكلفة الوجود الأجنبي غير المشروع في المياه الإقليمية اليمنية ستكون “باهظة الثمن”، و”سنقابل التحدي بالتحدي، والتصعيد بالتصعيد، والاحتلال بالمقاومة، والمناورات بالتطبيق العملي، والسلام بالسلام”.
حتى الآن، لا يمكن أن نجزم بالخيار العسكري، لكنه غير مستبعَد إذَا استمرت حالة التعنت في الملفات الإنسانية، وإن استمر التحشيد والتدفق العسكريان والاستخباريان الأجنبيان إلى اليمن. فهذه الأمور من شأنها الإجهاز على ما تبقّى من فرص السلام، ودفع الأمور نحو جولة جديدة وقاسية من الحرب العسكرية، بالغة التكلفة اقتصاديًّا على دول العدوان، بما فيها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، حتى تعود الأمور إلى نصابها، ويستعيد اليمنيون حياتهم بصورة طبيعية وعبر سلام حقيقي دائم وعادل. والسلام بالضرورة يقتضي إنهاء كُـلّ أشكال الحرب العدوانية، وسحب كُـلّ القوات الأجنبية، ومعالجة ملفات الحرب، وبدء التفتيش عن مرجعيات سياسية جديدة تلائم المرحلة وتستوعب المتغيرات.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: دول العدوان فی الیمن
إقرأ أيضاً:
الحرب مع السعودية والإمارات حتمية «ترامبية»!!
نقول لأمريكا ترامب وقبله بايدن- ومن قبلهما وحتى من بعدهما- لستم منحازين لإسرائيل بل أنتم إسرائيل، وبالتالي فكل ما راكمتموه في التعامل مع الأنظمة وتطويعها هو إلى فشل حتمي فوق إعلامكم وإعلام الأنظمة، وما حدث منذ طوفان الأقصى يؤكد أن الحق سيظل وسيكون الأقوى..
كون أسوأ إبادة جماعية في العصر الحديث وأكبر وأوسع دمار شامل في غزة لم يحقق انتصاراً لأمريكا والناتو والغرب ربطأ بإسرائيل، فنتائج وأبعاد ذلك لم تعد رهناً بقرارات بايدن أو ترامب، والمقاومة ومحور المقاومة باتوا أقوى من أي قرارات أمريكية وكل ما مرّ الزمن ستكون أكثر قوة..
إذا إدارة أمريكية سابقة غزت بنما واختطفت رئيسها وأودعته سجن أمريكا، فتصريح «ترامب» في حفل تنصيبه حول قناة بنما ليس أكثر من مضحكة وهو يقدم ضعف أمريكا وليس التبرير بأن الصين هي من يسيطر على القناة يؤكد فقط ضعف أمريكا الاستراتيجي وأنها فقدت الرؤى والتفكير الاستراتيجي..
ولهذا فإن المعتوه «ترامب» في كل ما يسير فيه من قرارات هوجاء عوجاء إنما يؤكد واقعية ضعف أمريكا واقعاً وفقد الرؤى والتفكير الاستراتيجي غير المسبوق لقرن من الزمان..
دعونا في المسألة اليمنية نستقرئ العدوان السعودي ـ وهو أمريكي ـ منذ 2015م والذي استعمل أقوى وأفتك الأسلحة وارتكب كل الجرائم والإجرام والدمار والتدمير، ومن ثم وربطاً بطوفان الأقصى وموقف الإسناد اليمني مارست أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني العدوان على اليمن بأقوى أسلحة البحر والجو وكل ذلك آل إلى الفشل..
ماذا يكون لجوء «ترامب» أمريكا لقرارات هوجاء عوجاء كذلك؟..
مسألة إضافة «أنصار الله» لقائمة الإرهاب تعرية عالمية لأمريكا بعد مشاهداته لأحداث غزة، فيما صنعاء تجاوزت التفكير بمثل هذه الخطوة المحتملة مسبقاً، وبالتالي فالسير في خطوة كهذه في هذا التوقيت هو لصالح الأنصار شعبياً ليس في اليمن فقط بل على مستوى العالم..
القرار الآخر لأمريكا بالعودة إلى مرتزقة اليمن ليقاتل بهم ضد وطنهم وشعبهم ومن أجل أمريكا وإسرائيل سيوصل الاستنفار الشعبي الوطني لمواجهة أمريكا وإسرائيل وكل من يوليهم أو كل مواليهم إلى ذروة بما يجعل الحرب فوق المحددات الأمريكية الواهمة والعاجزة معاً..
الذي نعرفه عن الحروب هو أنها ترتفع في التصعيد من الطرف الأقوى في التسليح، فيما أمريكا باللجوء إلى المرتزقة المحليين وإلى النظامين السعودي والإماراتي اللذين جربا قرابة العقد لا يمكن بالعقل المجرد والفهم البسيط إلا أنه ضعف أو عجز..
البعض يرى أن هذا القرار الأمريكي يريد أن يحقق بالاقتتال الداخلي ما عجز عنه الخارج الإقليمي العالمي وبقيادة ثلاثي الشر «أمريكا وبريطانيا وإسرائيل»..
إذا هكذا باتت أمريكا في سطحية التفكير وتسطح الفهم فهي إنما تسير من فشل عدوانها الأول بالنظام السعودي كرأس حربة ثم عدوانها الثاني والكيان الصهيوني شريك رأس الحربة السعودي، تسير من الفشل إلى ما يصبح انهزاماً لأن الدفع بالمرتزقة هو شراكة سعودية إماراتية، والحرب ستكون على السعودية والإمارات ربطأ بما يوصفونه داخلياً من ناحية ومن ناحية أخرى فالمرتزقه باتوا أعجز من العجز، فكيف يطلب العجز الأمريكي مما ومن هو أعجز منه أن ينصره؟..
الذي أراه هو أن صنعاء باتت «تريد» مواجهة مع النظامين السعودي والإماراتي ولا سبيل لذلك إلا بحماقة دفع المرتزقة لما يسمونها «حرباً داخلية» وذلك ما لم تجد أمريكا غيره كبديل..
إذا كانت هذه الخطوة والخيار الأمريكي «أصلا» دفع إلى تحريك المرتزقة بشكل يعتد به بما يبرر مواجهة السعودية والإمارات فتلك في تقديري «أمنية صنعاء» التي أعطيت على طبق من ذهب..
أقول لـ«ترامب» ولنظامي السعودية والإمارات أنه إذا دفع بالمرتزقة إلى ما يسمونه اقتتال داخلي فإنه يستحيل ليس فقط على أمريكا بل وعلى كل الأنظمة في العالم أن تمنع الحرب مع النظامين السعودي والإماراتي..
إذا المرتزقة المحليون باتوا محورية استراتيجية أمريكا «ترامب» فاستراتيجية اليمن ضرب السعودية والإمارات ويستحيل القبول بغير ذلك أو بأقل من ذلك..
على النظامين السعودي والإماراتي مراجعة «ترامب» إن أراد تجنب الحرب وأن لا تصدقان بأن في هذا العالم من يمنع أو يقنع صنعاء بغير ذلك..
صنعاء لا تقبل بما يسمونه باقتتال داخلي إلا بشرط مده وامتداده باتجاه النظامين المعروفين، والاحتكام بات للزمن القائم القادم!!.