الرزيقات.. قبيلة سودانية دعمت الثورة المهدية ولعبت أدوارا تاريخية
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
تنتمي قبيلة الزريقات إلى مجموعة عرقية كبيرة تتألف من عدة قبائل وعشائر وبطون وأفخاذ تجمع بينهما لغة واحدة وديانة واحدة وعادات وتقاليد مشتركة. يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة وتنتشر في حزام جغرافي واحد يعرف بحزام البقارة يمتد من تخوم الحدود الإثيوبية الإريترية مع السودان حتى أطراف الحدود مع نيجريا وتشاد.
وتعد الرزيقات أهم المجموعات الإثنية في السودان وتشاد، إذ لعبت دورا تاريخيا وسياسيا كبيرا، خاصة خلال فترة الدولة المهدية وما بعدها.
وينسب السواد الأعظم من القبيلة إلى جنيد بن أحمد الجهني، الذي قدم أبناؤه من شبه الجزيرة العربية إلى أفريقيا عبر تونس ومصر وشمال أفريقيا واختلطوا بالسكان المحليين، وينقسمون إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهم بقارة دارفور وبقارة كردفان وبقارة تشاد (البقارة معناها القبائل التي تعيش على تربية الأبقار).
وتضم مجموعة البقارة في دارفور قبيلة الزريقات، ومن فروعهم المحاميد والماهرية والعريقات والعطيفات. وتعود تسمية الرزيقات إلى رزيق بن علي الرحال بن عطية بن الشيخ جنيد ابن شاكر بن أحمد الأحدب.
الموقع الجغرافيتتمركز قبيلة الرزيقات في أقصى الجنوب الشرقي لولايات دارفور في منطقة تحد شرقا بقبيلة حمر والبرتي، ومن الغرب بدار الهبانية ومن الشمال بالبرقد ومن جهة الجنوب بقبائل الدينكا ببحر الغزال بجنوب السودان.
والرزيقات أبرز القبائل في السودان في الصفات الحربية، بل ومن أكثرها نزوعا إلى الحرب، وقد ساعدتهم هذه النزعة الحربية على تأسيس أوطانهم في البلاد الجديدة التي دخلوها، كما مكنتهم من الدفاع عن هذه الديار.
أدوار تاريخيةكانت قبائل دارفور من أوائل القبائل التي انضمت إلى الثورة المهدية وآزرتها، ومن بين هذه القبائل قبيلة الرزيقات بقيادة زعيمها مادبو علي عبد الحميد، الذي لبى الدعوة وانضم للثورة منذ أيامها الأولي دون تردد، وبايع المهدي في قدير بعد هجرته إليه، وقد كان عضوا هاما في سيطرة المهدية على دارفور بعد أن أمّرَه عليها المهدي.
ويرجح مؤرخون أن الدوافع الأساسية التي دفعت الرزيقات وبعض القبائل العربية لمناصرة المهدي هو التخلص من الحكم التركي المصري واستعادة ما فقده السودان من أراض خلال ذلك العهد.
وشهدت مدينة الضعين -وهي معقل القبيلة- زيارة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في عام 1960م، إبان عهد الرئيس السوداني إبراهيم عبود، واستقبله أهلها بعشرات الآلاف الخيول.
أبرز رموز الرزيقاتومن أبرز من تولوا مواقع في السلطة من قبيلة الزريقات آدم موسى مادبو، الذي شغل منصب وزير الدفاع عام 1965 في حكومة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي. ومن أبرز أعيانها مادبو علي عبد الحميد وموسى هلال ومحمد حمدان دقلو "حميدتي".
مادبو علي عبد الحميدأحد كبار شيوخ قبيلة الرزيقات، وهو من عشيرة الماهرية، قاد قبيلته لمؤازرة الثورة المهدية والانضمام إليها عام 1881، وذلك لرغبته الملحة في التخلص من الحكم التركي، الذي أضر بتجارة القبائل العربية آنذاك.
وكان مادبو علي عبد الحميد أول من أشعل نار الثور المهدية في دارفور، وأبلى فيها بلاء حسنا، وحقق انتصارا كبيرا، مما دفع إلى استسلام السلاطين وانهيار الحكم التركي.
لكن سرعان ما تراجع مادبو عن تأييد المهدية بعد أن عين المهدي محمد خالد زقل أميرا على دارفور، على الرغم من دور مادبو في تحقيق انتصارات كبيرة للثورة في المنطقة.
طلب الخليفة عبد الله من مادبو استكمال تحركاته في الخرطوم، والهجرة بقبيلته إلى أم درمان لكنه رفض، حاول الخليفة استمالة مادبو وقبيلته مرة أخرى وإقناعهم بالهجرة إليه لكنه لم يستجب.
في ذلك الوقت كان مادبو يجري اتصالاته بالقبائل المجاورة لتحريضها على عصيان الخليفة، حتى أصبح يشكل خطرا على حكم الخليفة بعد أن قاد العصيان.
حشد الخليفة الجيوش بقيادة محمد كركساوي وأمرهم بالتوجه إلى شكا لقمع ثورة مادبو وأنصاره، وطالب قبيلة الرزيقات بالانفضاض من حول مادبو، معتبرا أنه انحرف عن طريق الثورة المهدية.
ألحقت الهزيمة بمادبو وألقي القبض عليه وأرسل إلى الخليفة وقتل عام 1886، ورحّل الخليفة عوائل مادبو إلى أم درمان وأسر عددا من أعوانه وفر الباقون منهم.
موسى هلالولد موسى هلال عام 1961 في مدينة كتم شمال دارفور، وينحدر من عشيرة المحاميد من قبيلة الرزيقات، كوّن مليشيا "قوات الجنجويد"، وأصبح قائدا لها.
حاربت قواته بجانب الحكومة السودانية في نزاع دارفور عام 2003، ووجهت له تهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والقيام بأفعال نتج عنها انتشار الأمراض وحدوث مجاعة.
اتُّهم فيما بعد بعرقلة عملية السلام في دارفور عام 2006، مما أدى إلى فرض حظر السفر عليه وتجميد ممتلكاته، ووضعته الإدارة الأميركية على قوائم المشتبه بارتكابهم جرائم حرب.
تلقى هلال وقواته الدعم من الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير وعينه مستشارا خاصا، وأصبح عضوا في البرلمان عام 2010، وتنامى نفوذه في الخرطوم.
انقلب الوضع، ولجأ البشير إلى حميدتي للتعاون معه وهمش موسى هلال، وكلف حميدتي بإلقاء القبض عليه لرفضه نزع سلاح قواته، وتم إلحاقها بقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، وبعد إطلاق سراحه بدأت علاقته مع الجيش تتزايد.
في أبريل/نيسان 2024 أعلن هلال للمرة الأولى تأييده الكامل وانحيازه للجيش السوداني من أجل الحفاظ على استقرار السودان، والوقوف بجانبه بشكل صريح في الحرب الدائرة في البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023.
محمد حمدان دقلو "حميدتي"ولد عام 1975 في ولاية شمال دارفور، تعود أصوله إلى عشيرة الماهرية المتفرعة من قبيلة الرزيقات، عمل في تجارة الإبل والأغنام واستيراد القماش، خاصة بين ليبيا ومالي وتشاد، وكون ثروة كبيرة.
أسس مليشيا لتأمين القوافل، وردع قطاع الطرق، وتنامت قوتها حتى جذبت أنظار الحكومة السودانية إليها، وسميت فيما بعد باسم قوات الدعم السريع عام 2013، حصل بعدها على دعم كبير من البشير حتى زادت ثروته ونفوذه وقواته، إلى أن تخلى عن البشير وشارك في انقلاب عسكري أدى إلى الإطاحة به في 2019.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 اندلعت الخلافات بين حميدتي والبرهان حول السلطة والنفوذ، لكن رئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك وأعضاء من مجلس السيادة تدخلوا للصلح بينهما.
وفي أبريل/نيسان 2023 نشب النزاع من جديد بين البرهان وحميدتي حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية ومن سيتولى منصب قيادة الجيش، فاشتعل فتيل الحرب في أرجاء السودان وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين.
أبرز المحطات في تاريخ الرزيقات الثورة المهدية (1881-1899)كانت "الرزيقات" بقيادة زعيمها مادبو علي عبد الحميد من أوائل القبائل التي انضمت ودعمت الثورة المهدية منذ بدايتها، وشكل هذا الدعم وسيلة للتخلص من النفوذ التركي، الذي أفقد رؤساء القبائل الكثير من هيبتهم ونفوذهم في المنطقة.
كان مادبو أول من أوقد نار الثورة في دارفور، وجمع قواته وخرج في وجه السلاطين، وحقق انتصارا كبيرا في معركة شيكان، مما زاد من دعم الأهالي للثورة، وتقلص نفوذ الإدارة التركية، لكن دعمه للثورة المهدية تراجع فيما بعد.
تواصل عبد الله التعايشي -خليفة زعيم الثورة المهدية محمد المهدي- مع مادبو للضغط عليه لاستكمال تحركاته والسيطرة على الخرطوم، وطلب منه الهجرة إلى أم درمان بقبيلته، لكنه كان دائم الرفض.
حاول الخليفة استمالة الرزيقات سلميا، وطالبهم بالانصراف من حول مادبو وعدم الانصياع لأوامره، لكن محاولاته فشلت وأعلن مادبو عصيانه الصريح للخليفة.
خرج مادبو في مواجهة قوة من قبل الخليفة، لكن ما لبث أن انهزم وتسلل الخوف إلى نفوس أنصاره، وأرسل مادبو إلى أم درمان تنفيذا لطلب الخليفة، وألقي في السجن بعدها، ثم قتل في اليوم التالي، وقطع رأسه وأرسل إلى الخليفة وعلق في الجامع من صلاة الفجر وحتى الظهر، وأسر عدد من أعوانه، مما أدى إلى تشتت شيوخ قبيلة الرزيقات.
سعيد مادبو زعيم قبيلة الرزيقات (غيتي) صراعات ممتدةدخلت قبيلة الزريقات في صراعات دامية مع مجموعات عربية وأفريقية مثل بني حسين في شمال دارفور والمعاليا في جنوب دارفور والقمر بغرب دارفور، ونجم عن ذلك مئات القتلى والجرحي، إضافة إلى الدمار الكبير للنسيج الاجتماعي بين مجموعات عرقية وديمغرافية متعايشة منذ مئات السنين.
وأشد النزاعات دموية كان بين الزريقات وجيرانهم المعاليا، مما أسفر عن مئات الضحايا والنازحين، ووفقا لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، فإن عدد النازحين خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2013 وصل إلى 300 ألف.
حرب السودان 2023في أبريل/نيسان 2023 اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأعلن ناظر عموم الرزيقات محمود موسى مادبو تأييد القبيلة لقوات الدعم السريع والوقوف بجانبها.
واعتبرت القبيلة حميدتي "خطا أحمر"، كما وجه زعيمها رسالة إلى القبائل العربية في كردفان ودارفور بضرورة الوقوف بجانب قوات الدعم، وحذرهم من "تعرضهم لإبادة جماعية في حال هزيمة حميدتي".
لكن على النقيض أعلن موسى هلال، الزعيم الأهلي لعشيرة المحاميد المتفرعة من قبيلة الرزيقات، وقوفه بجانب الجيش من أجل حفظ الأمن والاستقرار في السودان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع قبیلة الرزیقات إلى أم درمان أبریل نیسان فی دارفور موسى هلال من قبیلة
إقرأ أيضاً:
قوى سياسية وعسكرية سودانية تبحث «اليوم الأول» بعد الحرب .. في اجتماع بالقاهرة شارك فيه 15 حزباً ونظاميون متقاعدون
شهدت العاصمة المصرية القاهرة اجتماعاً لأكثر من 15 حزباً وتنظيماً، بالإضافة إلى تنظيم العسكريين المتقاعدين المعروف باسم «تضامن»، تناول بشكل أساسي خطة «اليوم الأول» بعد وقف الحرب، وهو أول اجتماع بين قوى سياسية كانت ترفض الجلوس مع بعضها البعض. كما بحث الاجتماع دور القوى المدنية في إيقاف الحرب، وتقريب المواقف وإغاثة الضحايا
كمبالا: الشرق الاوسط: أحمد يونس
شهدت العاصمة المصرية القاهرة اجتماعاً لأكثر من 15 حزباً وتنظيماً، بالإضافة إلى تنظيم العسكريين المتقاعدين المعروف باسم «تضامن»، تناول بشكل أساسي خطة «اليوم الأول» بعد وقف الحرب، وهو أول اجتماع بين قوى سياسية كانت ترفض الجلوس مع بعضها البعض. كما بحث الاجتماع دور القوى المدنية في إيقاف الحرب، وتقريب المواقف وإغاثة الضحايا وبناء مركز مدني موحد في مواجهة خطاب الكراهية.
وقال مصدر لـ«الشرق الأوسط» إن الأحزاب التي شاركت في الاجتماع هي: حزب «الأمة القومي» ومثّله أحمد المهدي وعبد الجليل الباشا، والحزب الشيوعي ومثّله صديق يوسف ومسعود الحسن، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز الحلو، و«المؤتمر الشعبي» مثّله عبد القادر عز الدين، و«المؤتمر السوداني» ومثّله بكري يوسف، وحزب «البعث القومي» ومثّله كمال بولاد، و«الحركة الاتحادية» ومثّلها أحمد حضرة.
كما حضر الاجتماع «التحالف السوداني» ومثّله ماهر أبو الجوخ، والحزب «الوحدوي الناصري» ومثلته انتصار العقلي، والحزب «الوطني الاتحادي» محمد الهادي، و«القومي السوداني» ميرغني إدريس، و«تيار الوسط للتغيير» محمد نور كركساوي، و«التيار الاتحادي الحر» معاوية الشاذلي، وحزب «البعث السوري» بابكر محجوب، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - التيار الثوري»، بالإضافة إلى ممثلين عن قيادة «تضامن» الذي مثّله اللواء متقاعد كمال إسماعيل، والعقيد متقاعد بجهاز أمن الدولة هاشم أبو رنات.
وأشار المصدر إلى أن أهمية الاجتماع تكمن في أنه «كسر الحواجز» بين القوى السياسية والمدنية، بما يمكّن من التحاور بينها من أجل وقف الحرب واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي. وأضاف أن المجتمعين أقروا عقد اجتماع آخر في وقت قريب من أجل صياغة «دليل عمل» يتضمن موقف القوى المدنية من المحاور الأساسية.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في 15 أبريل (نيسان) 2023، ظلت قوى مدنية وسياسية تعمل من أجل تكوين «مركز مدني موحد»، يضغط على القادة العسكريين في الجانبين المتحاربين من أجل وقف الحرب، واستعادة التحول المدني الديمقراطي، و«تحقيق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018» التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وأدت مساعي هذه القوى إلى تكوين تحالف باسم «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» المعروف اختصاراً بـ«تقدم»، ويقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي عزله انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي قام به قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان مع قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حينما كانا متعاونين قبل أن يتحاربا.
وعلى الرغم من أن تحالف «تقدم» يعد أوسع تحالف مدني تكوّن بعد اندلاع الحرب، فإنه لم يشمل قوى سياسية يسارية، أبرزها «الحزب الشيوعي» الذي كوّن تحالفاً آخر تحت مسمى «تحالف قوى التغيير الجذري»، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» الذي كوّن تحالفاً آخر باسم «الجبهة الشعبية العريضة للديمقراطية والتغيير».