#سواليف

هل سمعت يوما الجملة الشهيرة “ماكو #عراق بدون #صدام”؟ لم تعد هذه الجملة عراقية خالصة، بل إنها باتت تلخّص توجها سياسيا عربيا آمن به كثيرون، استمرت تلك الجملة سنوات طويلة يتندر بها البعض نتيجة الحال القاسية التي وصل إليها #العراق، دولة الخير القديم، يتناقلونها سواء في الجلسات السياسية أو حتى في جلسات السمر والنميمة.

“ماكو عراق بدون صدام” تعني أنه لا وجود لدولة العراق دون سيادة صدام، فدمار العراق أو بقاؤه مرهون بوجود صدام حسين فقط، مأساوية الجملة ومحوريتها تستمر حتى كتابة هذه السطور ربما، تتناقل تاريخ الدولة العريق الذي يُحكى على جثث أهلها، بوصفه بات تاريخ سلسلة من #الحروب الداخلية والخارجية، ربما لذلك سخّرت له السينما والأدب نفسها على مدار كل تلك السنوات منذ بداية الألفية الحالية، وهو ما يبدو مفتتحا جيدا للحديث عن العراق، وللحديث أيضا عن فيلم “إخفاء صدام حسين” (Hiding Saddam Hussein) الذي عُرض في الدورة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر في جدة السعودية.

ابتسامة العراقي علاء نامق الذي خدع 150 ألف جندي أمريكي بكامل عتادهم وأخفى صدام حسين قرابة عام

منذ حوالي 20 عاما، كانت #قوات_الاحتلال_الأمريكي تبحث في العراق عن الرئيس صدام حسين الذي اختفى قبيل سيطرتها على أغلب الدولة، وبعد عام تقريبا وجده الجنود في مدينة الدّور، بعدما كان يعيش في خندق بين أشجار النخيل في بستان حفره سائقه وحارسه الشخصي وطبّاخه الذي وجده صدفة في آخر أيامه، ووثق فيه كما لم يثق في أحد.

مقالات ذات صلة جثة ثلاثيني ملقاة في منطقة ترابية بالكفرين 2024/06/23

هذا الرجل هو المزارع العراقي علاء نامق البالغ من العمر الآن أكثر من 50 عاما، وقد أخفى صدام حسين مدة 235 يوما، عندما وضعت أمريكا على رأسه ملايين الدولارات.

صدام.. “أضحية كما يفعل المسلمون عادة في هذا العيد”

ثمة تواريخ ربما من الواجب وضعها في الاعتبار لفهم السياق أكثر، في 20 مارس/ آذار 2003 قررت أمريكا اختلاق أسباب لإشعال حرب لإسقاط نظام صدام حسين في العراق، ثم في 9 إبريل/ نيسان 2003 دخلت العاصمة بغداد وأسقطت النظام، لانعدام تكافؤ الحرب معها، لكنها لم تستطع القبض على رئيسها، لقد اختفى صدام حسين أشهرا.، لكن خطوات آلاف الجنود ومعداتهم ظلت تتعقّبه خلال عام، حتى قبض عليه وأُعدم بعد ثلاث سنوات في عام 2006 صبيحة عيد الأضحى، وربما لن ينسى أي عربي طوال حياته التعليقات الأجنبية التي قالت إنه كان يقدم بمثابة “أضحية كما يفعل المسلمون عادة في هذا العيد”

صورة حقيقية للحظة إعدام الرئيس العراقي صدام حسين في عام 2006 صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك

بشكل عام ستشغل هذه القصة المخرج الكردي العراقي هالكوت مصطفى، وتظل في رأسه حتى تدفعه لعمل محاولات صناعة فيلم عن الرجل، يسرد قصته للمرة الأولى في هذا الفيلم الوثائقي الذي استغرق صنعه حوالي 14 عاما، وكان من الضروري إحاطته بقدر كبير من السرية، فحتى فريق العمل لم يكن يعرف الموضوع الحقيقي للفيلم.

يبدو الفيلم حاملا لكل شيء في السينما الوثائقية، وهو من إنتاج “جان هيلتنيس” و”أندرس هيريد” و”هالكوت مصطفى”، وفيه ستجد العراق الأم في ظلال المزارع المثير الذي أخفى صدام، ربما كان التفكير في صناعة هذا الفيلم أساسا شيئا ذكيا جدا على رغم من كل ما فيه، حتى عرضه في ظروف احتلال مماثل، تقتل فيه إسرائيل الفلسطينيين بمباركة أمريكية، وتحت حماية الرجل الأبيض الغربي أيضا.

فيلم مهم عن قصة الرجل الذي أخفى صدام حسين عن أمريكا قرابة عام، عن رجل عراقي خدع 150 ألف جندي أمريكي بكامل عتادهم، رجل عربي أصيل وصادق، ومن خلال قصته يحاول الفيلم الاشتباك مباشرة مع إجرام الرجل الأبيض، وإعادة سرد أحداث زمن غابر من وجهة إنسانية غير مشغولة بالحكم السياسي على تجربة صدام حسين، بقدر الانشغال بوصوله في ظرفية تاريخية استثنائية من مُلك البلاد إلى العيش في خندق تحت الأرض، قصة عن العراق الكبير، مندفق أنوار الحضارة العربية التي دمرتها أمريكا كعادتها.

#خندق_صدام_حسين.. سر غامض استغرق سرده عقدا كاملا

يقول هالكوت مصطفى الذي يقيم في النرويج في مقابلة مع الجزيرة الوثائقية إنه عمل على هذا الفيلم منذ 12 عاما، لكي يتمكن من سرد القصة الحقيقية للحفرة التي عثر على صدام حسين فيها، لأن شخصا واحدا فقط يمكنه أن يحكي تلك القصة، وهو الشخص الذي حفر هذه الحفرة لصدام.

كانت صحيفة “واشنطن بوست” قد ذكرت اسم علاء أول مرة عام 2012، ووجد المخرج نفسه مسحورا للبحث عن هذا الرجل. يقول استطعت الحصول على رقم هاتف رئيس عشيرته عبر وسائل إعلام، ثم بعد وساطات كثيرة استطعت إيجاده والحديث إليه، وعلى مدار السنوات التالية حاولت إقناعه بالحديث عن كل ذلك.

خندق صدام حسين الذي بقي فيه لمدة 235 يوما

يستكمل حديثه قائلا “الهوس الأساسي في صناعة هذا الفيلم كان حول الخندق؛ معرفة ما حدث خلال الفترة التي كان صدام يعيش خلالها في هذا الخندق، وما الذي كان يقوم به، خندق يحمل السر والغموض الكبير، كما سعيت أن يعرف العالم نهاية الأشخاص الذي يتمتعون بسلطة كبيرة ويسيئون استخدامها، في النهاية هذا الفيلم كلف الكثير جدا”.

ويضيف هالكوت أنه لن يقدم على تجربة بمثل تلك الصعوبة مرة أخرى، وأن أكبر عقبة تمثلت في داعش التي احتلت المنطقة في 2014، لقد توقف المشروع بطريقة ما، وكانت هناك عقبة أخرى هي رغبتي في إبعاد الجانب المادي عن المشروع، حتى نجعل سبب إنتاجه معنويا، ولكشف الحقائق، وأن نمنح الفرصة لرجل عراقي لسرد قصة شغلت العالم سنوات، عن حكاية رجل لا يمكن الحديث عن دولة العراق دونه.

يمتنع المخرج عن التورط في الحديث أكثر عن أماكن التصوير، أو كيفية التسجيل على مدار أكثر من 10 سنوات لمواد فيلمية كان يخفيها حتى عن الطاقم الذي صوّر معه كما يقول، وكل ما يكتفي بقوله هو السعي الخطر لصناعة هذا الفيلم، ومبرره أنه يحافظ بذلك على حياة بطل الفيلم علاء نامق.

سرد الأحداث.. مكاشفة مباشرة تدعمها المشاهد التمثيلية

يبدأ الفيلم مباشرة بمشهد تأسيسي يقول كل شيء عن وجهة نظر المخرج في صناعة هذا الفيلم، يتربع علاء المزارع على الأرض، يدخن سيجارته بتأنٍّ وارتقاب، وينظر للكاميرا أمامه مباشرة، ليقول كل شيء حدث له في هذه الرحلة الاستثنائية.

هكذا يقرر المخرج أن يكون فيلمه مكاشفة مباشرة يقولها الرجل أمام الكاميرا، إلى جانب مشاهد تمثيلية يستحق ممثلوها جوائز تكريمية لأدوارهم التي كانت أكثر ما ساعد في المعايشة مع هذا الفيلم.

لا يخلو الفيلم بسبب ذلك من ملل نسبي، فعلاء يتربع على الأرض من أول الفيلم حتى آخره، أمامه الكاميرات في كل اتجاه، وقطعات مونتاجية بين تلك المشاهد التمثيلية والمشاهد الأرشيفية الأخرى التي صورت العراق القديم وقت الحرب.

يقول مصطفى “لدي 25 ساعة مصوّرة بخلاف ما عرض في الساعة ونصف الساعة التي عرضتها في الفيلم”، وربما ذلك ما يجعلنا ننتقل إلى بعض نقاط الضعف النسبي في القصة، ومن سخرية القدر أنها هي الأسباب ذاتها التي يمكن أن تصبح نقاط قوة.

إرضاء الجماهير.. موضوعية مفرطة في مادة هائلة

ربما من أهم تلك النقاط أن محاولة عمل قصة كهذه في فيلم، كانت تستدعي التأسيس أكثر للتورط مع علاء الذي يحب صدام ويهابه حتى في أصعب لحظات ضعفه، في لحظة خانقة قد تتسبب في موته تماما، كما تستدعي التأسيس للمقاومة وقتها، والدخول الأمريكي، والمأساة العامة التي تسبب فيها صدام، حتى يصبح المُشاهد معه.

باتت المادة الزائدة على الحد عبئا نسبيا على سرد القصة الذي جاء مرتكزا على سرد قصة وحيدة، وهي قصة حفر الخندق من قبل مزارع يعامل صدام معاملة الوالد، وهو يحكيها بشكل لا يجعلها سياسية بأي حال، ويتجاهل كل شيء آخر حولها يحتاج أن تُغلق استفساراته.

مخرج فيلم “إخفاء صدام حسين” هالكوت مصطفى

الأمر الآخر هو حرص المخرج الشديد على التعامل مع المادة الهائلة بموضوعية مفرطة حتى يتجنب الجدل السياسي حول الفيلم، وربما ذلك ما جعل أغلب من شاهدوا الفيلم لم يتورطوا بشكل كامل في الفيلم، الرهان الأساسي للسينما الوثائقية هو محاولة عرض وجهة نظر ما، إلى جانب وجهات النظر الأخرى، بينما يصعب على الإنسان أن يحقق الرضا لجميع من يشاهد فيلمه، وقد حاول المخرج محاولة مستحيلة لنيل رضا الجميع، فأصبحت نقطة ضعف نسبي في فيلم مذهل وواعد.

“مذكرات كلب عراقي”.. سيرة ذاتية مأساوية على لسان الحيوان

في كتاب “مذكرات كلب عراقي” نجد الكاتب عبد الهادي سعدون يحكي ما يريد على لسان الكلب العراقي المدعو “ليدر”، أو ما يمكن أن يعبر عن شخصية الكاتب نفسه، تقارب بأسلوبها الروايات الصعلوكية، عبر تتبع حياة الإنسان منذ ولادته حتى موته.

يسرد البطل في مذكراته الوقائع الغريبة والأحداث العجيبة التي جرت له في 28 فصلا، منها ولادته عند نهر دجلة، ورفقته لصاحبه المعلم المعارض السياسي لأوضاع البلاد في ظل الحكم البعثي، ورحلات الصيد، وظروف تشرده وحبسه وانفصاله عن صاحبه، وفقدانه لعائلته وتهجير أشقائه، ثم موت معلمه على يد الغوغاء بعد أن عانى من سجون الحكم السابق.

غلاف كتاب “مذكرات كلب عراقي” للكاتب عبد الهادي سعدون

كل ذلك يقدمه من خلال كلب، أو ما يريد أن يوضحه تحديدا هو أن الحياة التي عاشها داخل العراق لم تكن أكثر من حياة حيوانية قاسية نتيجة الحرب والتشرد، وربما لم تتخطَّ تلك القسوةَ عدةُ كتابات وأعمال سينمائية تناولت القصة، بينما يبدأ فيلم “إخفاء صدام حسين”، وينتهي من منطقة أبعد من صدام نحو اللحظات الأخيرة في حياته.

في أكثر من موضع يؤكد المخرج في حواره أنه لم يسعَ قط لصناعة فيلم سياسي، لكنه إنساني تماما عن الخندق الذي حفره مزارع لسياسي شهير، لذلك كانت بالنسبة له قصة إنسانية تماما. يقول للوثائقية: كل الأفلام التي شاهدتها عن الحرب كان تميل للتورط السياسي في مأساة وجود صدام من عدمها، جعلني ذلك أطرح تساؤلا طويلا، وأحاول الإجابة عليه: لماذا لا نمنح رجلا عراقيا أنشأ الحفرة بنفسه لنسمع ما يقوله؟ لأنه لو تخلت الإنسانية والسياسة عن هذا الجانب، لن يعرف أحد ماذا حدث.

قصة الفيلم.. شهادة في لحظة يصعب فيها الحديث السياسي

ما يميز هذا الفيلم الاستثنائي بشكل كبير هو كونه يعد أكثر من نوع في وقت واحد، فهو فيلم سيرة ذاتية صريح يعايش البطل، يحمل من الدراما ما يجعله مورطا لكل مشاهد، ويمكن تأويل سرده سياسيا في أكثر من اتجاه للمؤيد والمعارض.

صورة لمحاكمة الرئيس صدام حسين بعد إلقاء القبض عليه مختبئا في خندق

نقطة القوة التي تمثلها السيرة الذاتية للبطل هنا، تبدو منطلقا جيدا للحديث عن التشابك الكبير بين سرد حيوات الناس لأنفسهم والكشف غير المباشر الذي تكشفه تلك الحكايات لتفسيرها سياسيا، حتى لو كان المخرج يؤكد كل مرة عدم سياسية الفيلم، فإنه يبقى دون قصد شهادة سياسية في لحظة يصعب فيها الحديث السياسي الجريء الكاشف.

ربما لأن تلك اللحظة الحرجة تماما التي نعيش فيها مشهدا شديد التقلب والاستثناء على مستوى أوسع وأكثر شمولا، تصبح الأحاديث الذاتية والقصص الشخصية ربما هي الأكثر تأسيسا وشرحا للمشهد، ليست تلك التي تنغرس داخل ذاتها متجاهلة الجميع بدعوى التركيز مع النفس، بل تلك التي تطرح التساؤل على الآخر ونفسها الأفعال التي وقعت ومدى تجنب إرهاصاتها السيئة والتفكير بصوت عال لإيجاد حلول قد تجنّب القادمين الوقوع المتكرر فيها، ومثلما تظهر في الحكايات المضحكة المبكية في “مذكرات كلب عراقي” تظهر أيضا في فيلم “إخفاء صدام حسين”.

رجل الخندق.. بطل هوليودي ذو كاريزما طاغية

بعيدا عن كل ذلك كان العراقي المزارع بمثابة بطل هوليودي عتيد ذي كايرزما طاغية، وصدق شديد فيما يقول، ونظرة جامدة لا يمكن توجيهها نحو أي اتجاه فكري، إذ لا يدري أي مشاهد الأسباب الحقيقية التي جعلته يقدم على هذا الخطر الذي تسبب في اعتقاله فيما بعد وتعذيبه ووفاة والده حسرة عليه.

المزارع العراقي علاء نامق الذي أخفى الرئيس العراقي صدام حسين في بستان منزله

يملك الرجل سكينة زائدة عن الحد يمكنها أن تعدي أغلب من يشاهده، وهو صادق ما زالت تؤثر فيه اللحظات الحميمية مع الرئيس الراحل، وغير مبال تماما بأي موقف سياسي، لا يفهم تعقيدات الأمور، فقط احتاجه الرئيس في خدمة ما، وكانت على رقبته فعلا.

بدأ الفيلم من محاولة حكاية سر الخندق، الحفرة التي صنعها مزارع عراقي بسيط لتحتوي في قلبها الرئيس المثير لكل جدل سياسي وإنساني، بينما كان الفيلم حكاية العراق كله في لحظة زمنية يتجاهلها التاريخ نسبيا؛ رجل يمثّل الشعب الوفي الكريم، ورئيس قد يمثل رؤساء آخرين في الحرب والسلم يقبض على شعبه، ثم لا يجد غيرهم لينقذه، في مأساة صنعها وتسبّب فيها بشكل مباشر وغير مباشر الرجل الأبيض، منبع المآسي العربية.

“إخفاء صدام حسين”.. قصة إنسانية برائحة سياسية

“إخفاء صدام حسين” هو فيلم مهم على كافة مستوياته، وذكي، ومفرط الحميمية، قصة إنسانية سياسية فيها من الحكايات ما يستدعي الوقوف أمامه طويلا، مع أن الحوار حول صدام لا يزال فيه المؤيد والمعارض، فالبعض يرى أن مقولة “ماكو عراق بدون صدام” باتت حقيقة بعد هذا الخراب، بينما يرى آخرون أنها كانت كذلك بالفعل.

مجرم العراق يصدر أمره بضرورة خروج الرئيس صدام من وطنه العراق وإلا..

ومع السعي الحثيث لعدم تسييس الفيلم عموما، ثمة حقيقة أوضح بأن هناك مجرما حقيقيا واضحا منذ تلك السنوات البعيدة وحتى الآن، وربما يبدو مما يحدث في فلسطين الآن أنه سيطل إلى الأبد، وهو حكومة الرجل الأبيض التي لا تجد من يعاقبها على قتل الآلاف، طالما تتحقق مصالحها.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف عراق صدام العراق الحروب قوات الاحتلال الأمريكي إخفاء صدام حسین الرجل الأبیض صدام حسین فی علاء نامق فی لحظة أکثر من فی هذا کل شیء

إقرأ أيضاً:

النخلة.. شاهد حي يحكي تراث وتاريخ الإمارات

إيهاب الرفاعي (منطقة الظفرة)
ظلت النخلة منذ القدم رمزاً للكرم والعطاء، تجود بخيرها على مر الزمان لتكون المعين للبدوي منذ القدم في الكثير من نواحي الحياة، فكانت الغذاء والدواء، وسعفها وجذوعها مادة أساسية لبناء المساكن وظلت إلى اليوم شامخة حاضرة شاهدة على عراقة وأصالة الماضي، وصبر وكفاح الأجداد والآباء.
ورغم ما تشهده الدولة من تطور ورقي وتقدم، ظلت التمور والرطب رمزاً للكرم والحفاوة الإماراتية، وملمحاً رئيساً من ملامح تراث الإمارات، فقد ارتبطت التمور ودلة القهوة بالتراث الإماراتي ولها دلالة خاصة في الماضي والحاضر خصوصاً فيما يتعلق بالحفاوة بالضيف، ومعاني الترحاب والاحترام والتقدير.
ويحتفل المزارع الإماراتي بقدوم موسم الرطب، من خلال تبادل أطباق الرطب بين الأقارب والأصدقاء، ويتكرر مشهد فنجان القهوة والدلة اللذين يكونان ملازمين مع أطباق الرطب التي تقدم للضيوف، حيث يعتبر موسم القيظ الذي يمتد لأربعة أشهر هو الموسم الوحيد الذي لا يغيب فيه صحن الرطب.
ويؤكد الدكتور عبد الوهاب زايد، أمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، أن الإمارات كعادتها، تعيش في هذه الأيام فرحة التباشير بقدوم موسم الرطب، الذي يحتل مكانة خاصة في نفوس أبناء الإمارات. يُعتبر الرطب ذا قيمة غذائية مهمة، ويحظي بشكل خاص باهتمام أبناء الإمارات مع أول ظهور له في كل موسم، والذي يبدأ عادة في مطلع شهر يونيو كل عام، مع تفاوت بسيط بين منطقة وأخرى، تبعاً لتفاوت درجات الحرارة والرطوبة ونوعية الأصناف المزروعة.
وأضاف أمين عام الجائزة، أن أهل الإمارات يمارسون عادات خاصة مع الرطب، حيث يبدأون بترقب عذوق النخل المحملة بالخيرات ليقطفوا منها أول حبة رطب، إيذاناً بافتتاح موسم الرطب. ونظراً لجماله وأهميته، يتسابق المزارعون لإعلان هذا النبأ المفرح على الملأ، حيث يؤكد المزارع من خلاله أن مزرعته هي إحدى السابقات في إعلان البشرى. وتُعتبر حبة الرطب الأولى ذات وضع خاص، حيث تُقدم لأعز الناس وأقربهم إلى قلب المزارع، دلالة على المكانة المرموقة للشخص المهداة له، سواء كان داخل الأسرة أو خارجها.
ويعتبر المزارع الإماراتي تباشير الرطب مثل قدوم المولود الجديد، إذ يحتل الرطب مكانة خاصة في ذاكرة أبناء الإمارات، لاسيما أهل المزارع، الذين يعتبرون أن النخلة هي واحدة من أفراد الأسرة، وهي من إحدى أقدم الأشجار في المنطقة، التي يرجع إليها الفضل الأكبر في استمرار حياة أبناء الجزيرة العربية قاطبة.

أخبار ذات صلة هزاع بن زايد: الصبر والسلوان للأسرة الملكية والشعب المغربي طحنون بن زايد: خالص التعازي للمملكة المغربية الشقيقة

شارة البشارة
كعادة منطقة الظفرة التي تشتهر بزراعة النخيل وإنتاج أجود وأفضل أنواع الرطب والتمور بدأت تظهر بشائر الرطب والجديد هذا العام هو «شارة البشارة» التي أطلقها المزارع راشد بن حاذة المرر ليتنافس أصحاب مزارع ليوا لإنتاج بشائر من الرطب المبكر والمتميز ضمن أحد 4 أصناف مختلفة هي الخلاص والخنيزي والنغال والفئة المفتوحة.
ويؤكد راشد حاذة المرر، أن فكرة إطلاق شارة للبشارة لأول مرة في منطقة الظفرة جاءت بهدف تشجيع المزارعين وترجمة التنافس بينهم إلى خطط عمل وإنتاج منظم يصب في صالح النخلة والمزارع معا؛ مما ينعكس على مستوى الإنتاج وجودته من الرطب التي تنضج قبل موعدها المعتاد.
وأضاف المرر، أن جائزة شارة البشارة تشمل 4 فئات مختلفة، وهي الفئات الأشهر بين الرطب وتضم فئة الخلاص والخنيزي والنغال والفئة المفتوحة، وهي الفئة التي تضم أي صنف آخر بخلاف الأصناف السابقة، وتم رصد دروع وجوائز مادية للفائزين من المزارعين الذين يمكنهم استقبال بشائر الرطب في تلك الأصناف قبل غيرهم وفق آليات وشروط محددة تم وضعها. وأشار المرر إلى أن الشارة شهدت تجاوباً كبيراً من المزارعين وإقبالاً على المشاركة فاق التوقعات، وكان لها أكبر الأثر في زيادة كميات وأنواع بشائر الرطب، حيث شهد العام الحالي ولأول مرة استقبال بشائر الخلاص والخنيزي قبل موعدها، حيث اعتادت المزارع ظهور بشائر الخلاص خلال شهر يوليو، ولكن هذا العام تم استقبال بشائر الخلاص والخنيزي قبل موعدها بفترة كبيرة، وهو ما يعكس نجاح الجائزة في تحقيق أهدافها. ويوضح مطر سعيد المنصوري الفائز بالمركز الأول في الفئة المفتوحة لشارة البشارة: إن بشائر الرطب في الظفرة تميزت هذا العام عن غيرها بوجود اهتمام كبير من المزارعين بالنخلة، ووضع البرامج والآليات التي تضمن وجود إنتاج مبكر لها، خاصة أن التنافس على الفوز بالمركز الأول كان هدفاً للكثير من المزارعين من أجل تحقيق الفوز والتباهي بقدرة المزارع على النجاح وسط أصدقائه، وتوفير بشائر رطب متميزة قبل موعدها.
ومنذ القدم كان موسم الرطب يتسم بطقوس خاصة، منذ بداية النضج وحتى مرحلة التمر، وكانت كل مرحلة لها من الطقوس ما يميزها عن غيرها، وكان أهل البادية يحرصون على هذه الطقوس ويتمسكون بها، وكانت مصدر سعادة لهم، ومنها المشاركة في مرحلة التمر من أجل تحويله من تمر إلى عجين التمر، حيث لا توجد وقتها أدوات أو معدات حديثة، كما هو الحال حالياً.
التمور الإماراتية
تتعدد أصناف التمور على مستوى دولة الإمارات، حيث تصل إلى 250 صنفاً، منها 135 معروفاً تسمى الخرايف والبقية أصناف يطلق عليها الساير، وغالباً ما يسمى الصنف تبعاً للون الثمرة كما في حالة أصناف الأشهل، ودقلة بيض، والحمري، والخضري، وخضراوي، إلا أن هناك عوامل أخرى تدخل في تسمية الصنف، منها لون الثمرة والشكل الخارجي وموعد النضج، أو أماكن وجودها، أو قد تسمى باسم الشخص الذي يكتشف الصنف.. ولكل صنف من هذه التمور طعم ومذاق، وقد تسمى التمور على طعمها، فالأصناف ذات الحلاوة الزائدة تسمى بأسماء تدل على ذلك كما في السكري، والحلوة، وغيرها، وتصنف التمور بحسب موعد نضج الثمرة، فمنها المبكر والمتوسط والمتأخر.
ومن أشهر الأصناف المنتجة محلياً من التمور والتي تعتبر المفضلة بالنسبة للسوق المحلي، وهي: (الخلاص، المجدول، البارحي، اللولو، أبومعان، الجبري، الخنيزي، الخضوري، الدباس، الرزيز، السكري، السلطانة، المكتومي، الفرض، الشيشي، الهلالي، نبتة سيف، النغال، المسلي، عين بقر، الشهلة، الخصاب، جش حبش، جش ربيع، جش وعب، جش فلقة، جش جعفر، جش حمد، أبوالكيبال، والأنوان).
مراحل نمو النخلة
تحتاج النخلة إلى عناية كبيرة طيلة العام للوصول إلى إنتاج متميز تبدأ بعملية التعشيب تليها عملية تقليم النخيل، والاستفادة من مخلفاتها الثانوية، ثم عملية التنبيت «التلقيح»، حيث تعتبر عملية التنبيت «التلقيح» من العمليات الزراعية الهامة لما لها من تأثير مباشر على المواصفات الكمية والنوعية للتمور، حيث تتأثر نسبة العقد والإنتاجية بصنف الفحل وعدد الشماريخ الذكرية «كمية النبات» الملائم للطلعة الأنثوية الواحدة وموعد التنبيت. 
ويتم استخلاص حبوب اللقاح بـ 3 طرق تشمل جمع الطلع الذكري وتجفيفه واستخلاص حبوب اللقاح ميكانيكياً وفحص حيوية حبوب اللقاح.
ويعتبر خف حمل النخيل من العمليات المهمة في خدمتها والعناية بها لما لها من تأثيرات مباشرة على كمية الحاصل وتأثيرها على انتظام الحمل للمواسم القادمة والوقاية من ظاهرة المعاومة، وعملية التفريد عبارة عن تخليص أو تحرير العذوق من السعف والخوص والأشواك وتوزيعها بصورة دائرية منتظمة حول رأس النخلة.
فوائد صحية
يتميز الرطب في دولة الإمارات بالعديد من الفوائد الصحية، منها تقوية الأعصاب البصرية، والمحافظة على صحة العين وعلاج نقص الحديد والوقاية من فقر الدم وتقوية العظام والأسنان، والمحافظة على سلامة الجهاز العصبي وتنشيط عضلات الرحم وتنظيم حركتها وبناء العضلات في الجسم وإمداد الجسم بالطاقة.
مهرجانات 
تحرص الحكومة الرشيدة على تنظيم العديد من المهرجانات المخصصة للرطب والنخلة، وتبذل جهوداً متواصلة في توعية المزارع بأساليب الزراعة والإنتاج الحديثة لتوفير أجود أنواع الرطب بمذاق رائع وجودة عالمية، كما اهتمت بتشجيع المواطن من خلال فتح قنوات تسويقية لتصريف منتجات التمور المختلفة، ومنها مهرجان ليوا للرطب.

مقالات مشابهة

  • ركاب طائرة بريطانية يقاضون الحكومة.. ما علاقة صدام حسين؟
  • ضحايا طائرة الدروع البشرية في عهد صدام حسين يقاضون بريطانيا.. ما قصتهم؟
  • انفجار غامض بقوة ألفي قنبلة نووية!
  • وماذا بعد تلك التصريحات؟
  • ضحايا طائرة الدروع البشرية في عهد صدام حسين يرفعون دعوى ضد بريطانيا
  • مزارع ريفية
  • إيقاف مؤقت لعمل المزارع والمنتجعات السياحية في بلد
  • النخلة.. شاهد حي يحكي تراث وتاريخ الإمارات
  • مزحة السفيرة الأميركية
  • فيلم السبع موجات.. آخر ما وثقته الكاميرا في غزة قبل حرب الإبادة