وهتبقى أد الدنيا.. نبوءة الرجل العثة!
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
(مات لم- يمت)
في أيام عيد الأضحى مات نعوم تشومسكي ونعاه كثيرون.. وزير مالية اليونان الأسبق (يانيس فاروفاكيس)، وجاري العجوز اليساري (الحاج حسين)، وأعداد كبيرة حول العالم سارعت بنشر الصور وكلمات الرثاء على منصات السوشيال ميديا!
قلت لنفسي: كنا في سيرة تشومسكي حيا في المقال السابق، فهل نواصل الحديث عنه ميتا في المقال الحالي؟
زجرني ديكارت بدبوس الشك، فدخلت أتحقق من الخبر، ولم أجده منشورا في مصادر موثوقة، فأجلت الكتابة عن "أيقونة اليسار"، وعزفت عن التعليق على الخبر في السوشال ميديا بالنفي أو التصحيح.
في اللحظة نفسها ظهر أمامي "بوست" في صفحة الطبيب الاشتراكي النبيل الدكتور علاء عوض يقول فيه: "كلمات الرثاء تملأ التايم لاين، فقط رجاء التحقق من دقة الأخبار.. نعوم تشومسكي لايزال على قيد الحياة".
قلت لنفسي مرة ثانية: العالم ينظّف نفسه بنفسه.. فقط تريث واتركه يعمل. قالت لي نفسي هذه المرة: تذكر قانون جريشام: العملة السيئة تطرد العملة الجيدة من السوق.. هل تكفي معرفتك ومعرفة الدكتور عوض لتصحيح معرفة الملايين التي تنعي الميت وهو حي، وتشهر في وجهك "وصلات" منسوبة لوسائل إعلام دولية طالما انتقد تشومسكي دورها في تزييف وعي الناس؟!
قد ينتج عن السؤال "تعب" و"حيرة"، لكن هذا "التعب" وتلك "الحيرة" هما شرط التعلم، لأن العالَم نفسه "مكان متعِب ومحيّر"، أما إذا استسلمنا لكل خبر يذاع ولم نسأل ونتحقق، فإننا لن نكون أفرادا جيدين، بل مجرد نسخة مزيفة من عقل فاسد بدأ الكذبة التي وجد من يرددها بعده، حتى صارت هي الواقع
سمعت صوت نعوم نفسه يسأل: لماذا تسير الأمور هكذا؟ لم يكن يتحدث عن خبر موته لأنه لا يزال في غيبوبة بعد إصابته بجلطة في المخ، لكنه كان يتحدث عن نقطة البداية في التعلم الجاد، لا بد لكل راغب في العلم أن يسأل نفسه (ولا مانع من أن يسأل الآخرين أيضا): لماذا تسير الأمور هكذا؟!
قد ينتج عن السؤال "تعب" و"حيرة"، لكن هذا "التعب" وتلك "الحيرة" هما شرط التعلم، لأن العالَم نفسه "مكان متعِب ومحيّر"، أما إذا استسلمنا لكل خبر يذاع ولم نسأل ونتحقق، فإننا لن نكون أفرادا جيدين، بل مجرد نسخة مزيفة من عقل فاسد بدأ الكذبة التي وجد من يرددها بعده، حتى صارت هي الواقع، حتى تسمح نفس آليات الكذب بتصنيع "واقع آخر"!
(من أين تأتي المصيبة؟)
بالطبع لم يكن خبر موت تشومسكي مناسبا لحجم مصيبة الأحزان التي تخوّف المصريون من وقوعها في عيد الأضحى، حسب نبوءة متداولة لسيدة "مستنبئة" تدعى ليلى عبد اللطيف، وبالطبع أيضا لم تكن المصيبة في خبر موت الداعية عمر عبد الكافي الذي روجه داعية آخر، قبل أن يتراجع الجميع عن أخبارهم (أو نبوءاتهم)!
المصيبة تأتينا دائما من خطيئة "الخلط بين الخبر والنبوءة"، وهذا الخلط الخبيث ليس مجرد تحفظ مهني بارد لتذكير العاملين في صناعة ونشر الأخبار، وتذكيرهم بتقاليد التحقق قبل النشر ونسبة الخبر لمصادر ذات صلة وثيقة بالموضوع، الخلط الخبيث تشارك فيه وتدعمه غريزة إنسانية عميقة تغري الأفراد باستباق الواقع، والقفز في الفراغ نحو المستقبل.. "بكره تشوفوا يا مسريين"!!
ذلك "الفراغ" الذي يُغيّبنا عن الحالي ويخدرنا بالتالي، تنوعت أشكاله بشدة على مر السنين: البنورة السحرية، العراف الأعمى، المندل، الفنجان، الكف، أوراق التاروت، جهاز التليفزيون، الإنترنت، الأبراج ونجوم السما، وكل ما يخطر على بال المنجمين والمحتالين من حيل وأدوات تساعدهم في تهميش الواقع، واختراع حكايات تشغلنا بالغد وما يحدث فيه، بينما يسرق اللصوص اليوم بكل ما فيه!
"الفراغ الاحتيالي" يتجاوز استغلال الواقع ليستغل أحلام الإنسان أيضا ويسخّرها للتنبؤ، بطريقتين؛ الأولى سلبية تماما تعتمد على الفصام والهروب من الواقع، والثانية تجمع بين السلبي والإيجابي في عامل واحد هو تنشيط "غدة الأمنيات"، والفصل بين الايجابي والسلبي فيها يعتمد على تقييم النتائج. والطريقة الثانية هي التي هيأت للضابط المصري عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي رؤية نفسه في الأحلام ممسكا بالسيف والصولجان
ذلك "الفراغ الاحتيالي" يتجاوز استغلال الواقع ليستغل أحلام الإنسان أيضا ويسخّرها للتنبؤ، بطريقتين؛ الأولى سلبية تماما تعتمد على الفصام والهروب من الواقع، والثانية تجمع بين السلبي والإيجابي في عامل واحد هو تنشيط "غدة الأمنيات"، والفصل بين الايجابي والسلبي فيها يعتمد على تقييم النتائج. والطريقة الثانية هي التي هيأت للضابط المصري عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي رؤية نفسه في الأحلام ممسكا بالسيف والصولجان، في الوقت الذي كانت ثلاجة بيته فارغة إلا من المياه ويوبخه قائده لأنه يغرس الدبوس في "الأستيكة العهدة" (طبعا الدبوس في هذه العملية ليس دبوس ديكارت)!
قبل مرحلة الأحلام كان الطفل المنطوي موزعا بين النظر إلى الأرض برأس منحنٍ في طريقه إلى المسجد المجاور أو المدرسة في شارع الجيش، وبين النظرة المحنطة نحو السماء وهو يجلس واجما بالساعات في شرفة مسكنه في إحدى حواري الجمالية (حسب شهادة وزير سابق كان قريبا من العائلة)..
تمر السنوات العجاف وتتحقق نبوءة "ضابط الأوميجا"، ولما يصبح حاكما لأم الدنيا، يحترف إنتاج "النبوءات السياسية"، ويبدأها بالنبوءة الأم التي أعلنها على شاشات الإعلام مؤكدا فيها للعالم أن "أم الدنيا" ستصبح تحت حكمه "أد الدنيا"..
مرت السنوات وانتظر الناس تحقق النبوءة الموعودة ليذوقوا طعم الرغد بعد عناء، فإذا بهم يشتاقون إلى طعم الرغيف، وإذا بالحاكم الذي وصف الشعب بأنه يحتاج من يحنو عليه، يدخر كل حنانه لمخزون الغاز ومحطات الكهرباء فيخفف عنها الأحمال، ويلقي بالأحمال كلها (بغير رحمة) على الظهر المكسور للشعب المقيد!..
الفاجعة هنا حدثت نتيجة أننا أخطأنا فخلطنا بين "الخبر" و"النبوءة"، الخبر (كما يجب أن نتعامل معه بدقة وحسم) هو حدث وقع بالفعل وبالتالي صار واقعا لا يمكن تكذيبه ولا الرجوع فيه، أما "النبوءة" فهي مجرد كلام يحتمل الصدق والكذب.. تصريح غائم عن المستقبل.. وعد سياسي أو انتخابي بلا محاسبة.. غلي الحصي في الماء و"اصبروا عليا كمان سنتين"...
(ستموت في العشرين)
لا يصح أن نتعالى على فكرة هوس الناس بالمستقبل والتنبؤ بالآتي، لكن الاعتراف بحق الناس في ذلك (مثل كل سلوك رشيد في حياة الإنسان) يحتاج إلى "جرعة مناسبة"، فالخطأ في الاستخدام وفي الجرعة يقلب النفع إلى ضرر، كما في الأدوية وكل الأشياء التي تزيد عن حدها فتنقلب ضد نفسها.
فعالم الزلازل الهولندي مثلا قد يستخدم بعض الظواهر الجيولوجية والمتابعات الإخبارية ويقدم خلطة تجمع بين العلم والتكهن، بينما تتحول "الخلطة" إلى مهزلة في حالة ترويج مقاطع من البرامج التليفزيونية الملفقة للإعلامي المصري توفيق عكاشة واعتبارها تنبؤات أثبت الزمن صدقها، مع أنها تحصيل حاصل، مثل الحديث عن وصول قطار من القاهرة إلى للإسكندرية الساعة كذا.. فتلك نتائج تعتمد على مقدمات، وهو منهج شبه علمي يعتمد على القياس والاستقراء واستنباط النتائج بدرجة تحتمل التحقق في حال لم تقع حوادث أو عوائق تمنع القطار من الوصول إلى المحطة في الموعد المحدد سلفا..
ولمزيد من التوضيح أعود إلى ثنائية "التعب والحيرة" لتساعدنا على التعلم الجيد حسب نصيحة تشومسكي، وأضرب مثلا بفيلمين لإضافة التشويق للقضية المطروحة، الفيلم الثاني بعنوان "نبوءات الرجل العثة" وسوف أتناوله في الفقرة التالية.
أما الفيلم الأول فهو فيلم سوداني قصير بعنوان "ستموت في العشرين"، وقد حاز مؤخرا على جوائز دولية مرموقة، ويحكي باختصار عن مأساة أسرة أنجبت طفلا بعد صبر طويل، وأثناء الاحتفال بميلاده يصدمهم الشيخ المبارك للقرية الفقيرة بأن الطفل لن يعمر وسوف يموت في العشرين من عمره، ويتعامل الجميع مع النبوءة كأمر واقع، فيهجر الأب القرية مصدوما للعمل في إثيوبيا، وتتحمل الأم جبل الهموم وتواصل الدفاع عن حياة ابنها القصيرة الذي يناديه الجميع بلقب "ابن الموت". وفي مواجهة القرية المستسلمة للنبوءة يظهر مثقف بسيط من القرية يضع النبوءة خلف ظهره، ويحرض الصبي على الفن واللعب وحب الحياة، غير عابئ بالنبوءة وعدد سنين العمر الذي سرقته نبوءة الشيخ الصوفي منذ ميلاد الطفل.
إلى جانب الاحتفاء بالعائد المبهر الذي حققه الفيلم في مهرجانات السينما العالمية، صدرت انتقادات تهاجم القصد العلماني للفيلم باعتباره يقلل من قيمة الدين ورموزه، وهكذا يبدأ التعب وتنشا الحيرة التي تحتاج من كل فرد أن يكون صاحب اختبار وقرار، لكي يحدد موقفه من كل القضايا بالحث والتدقيق، وليس باتباع الآخرين دون سؤال: لماذا تسير الأمور هكذا؟
(الفيلم الثاني)
ارتبكت حياة محرر صحفي في "واشنطن بوست" بعد سلسلة من الحوادث المحيرة، بدأت بموت زوجته إثر حادث سيارة، وتبين بعد موتها أنها شاهدت أمامها رجلا ضخما يشبه فراشة سوداء عملاقة بعينين حمراوين واسعتين، وكررت رسم صورة ذلك الكائن أثناء احتجازها في المستشفى، وبعدها دخل الزوج في سلسلة من المتاعب بعد أن التقى بأشخاص يشاهدون نفس الكائن، ثم بدأ يسمع أصواتا تخبره عن كوارث ستقع في المستقبل:
في دنفر سيموت 99 (في اليوم التالي شاهد في التلفزيون خبرا عن تحطم طائرة في دنفر ومقتل 99 شخصا على متنها).
على خط الاستواء سيموت 300 (في اليوم التالي يطالع خبرا عن زلزال في الإكوادور راح ضحيته 300 شخصا).
مأساة عظيمة على نهر أوهايو..!!!
حينها لم يعد المحرر الحائر قادرا على تجاهل النبوءات، فيبدأ في تصديقها والعمل من أجل منعها، وفي سبيله إلى ذلك يسعى للقاء عالم فلك أصدر كتابا عن الغيبيات والإدراك المسبق (النبوءات)، ويدور الحوار بينهما ليضفي المزيد من التعب والحيرة، فالقضية لن تنتهي بالحسم في اتجاه واحد يفصل بين الواقع وبين المستقبل، أو يقضي على رغبة الإنسان في التنبؤ والتعلق بأخبار الغد (صحيحها وكاذبها).
يعرض المحرر على العالِم رسوم الزوجة، فيعلق الخبير: هذه فراشة الليل، المعروفة في الثقافات القديمة باسم "العثة"، وكانوا يعتبرونها رمزا لروح حبيسة إلى الأبد في عوالم الموت الجهنمية، وقد شاهدها الأوكرانيون 100 مرة قبيل انفجار مفاعل تشيرنوبيل، وشوهدت في جالفستون (مدينة ساحلية في تكساس) قبل الإعصار مباشرة، وترتبط رؤيتها في مكان ما بوقوع كوارث غامضة..
يسأل المحرر: كنت مع زوجتي في السيارة أثناء الحادث، فكيف شاهدَت وحدها "العثة" بينما لم أر شيئا؟
العالِم: لا يتساوى الجميع في الرؤية، إذا لم تستطع رؤية شيء، فإن هذا لا يعني أنه غير موجود، هناك أشياء كثيرة موجودة حولنا ولا نراها، كهرباء، موجات قصيرة، أشعة تحت حمراء.. إلخ، فالوجود لا يعني الطبيعة الجسدية والمادية فقط، هناك أشياء لا تراها لكن يمكن إدراكها بالشعور (إذا كنت تملكه).. هل تشعر بتراكم الطاقة قبل أن يحدث شيء؟.. ذلك الإحساس بأن شعرك يقف قبل أن تضرب الصاعقة!
المحرر: لماذا تتصرف كائنات مثل "العثة" بهذه الطريقة الغامضة؟ هل يتسببون عمدا في الكوارث؟ أم يظهرون لتحذيرنا منها؟ ماذا يريدون؟..
العالم: ليس لدي أي فكرة، عموما معظم الناس ليسوا حساسين بما فيه الكفاية لرؤية مثل هذه الأشياء.. هل رأيتهم أنت؟
المحرر: تلقيت رسائل صوتية من كائن غريب يعرف كل شيء..
العالم (مقاطعا): كل شيء، كل شيء؟!.. هل تعني مثل الله؟!
المحرر: شخص اسمه إندريد كولد أخبرني بتفاصيل عن حياتي الخاصة ونبوءات كلها تحققت.
العالم: قد يكون لديه نوع من المعرفة، لكن ليس "كل شيء"، فإذا كان صديقك يزعم أنه مثل الله فقد انحرف، أما إذا كان فقط قد أخبرك بشيء يعرفه وأنت لا تعرفه، فهذا مجرد علم عادي، المؤكد أن لديك مثله في مواقف مختلفة.
المحرر: كيف؟
العالم يشير إلى عامل فوق رافعة مرتفعة يمسح زجاج واجهة بناية عالية ويقول للمحرر: انظر إلى ذلك العامل، إذا وقع حادث سيارة على بعد 10 بنايات في أول الشارع، فإنه سيراه ويستطيع أن يخبرنا عنه، بينما نحن لم نشاهد ولم نعرف، وهذا لا يعني أنه الله، ولا يعني حتى أنه أكثر ذكاءً منا، فقط المكان الذي يوجد فيه أتاح له ذلك..
هل تستوعب عقولنا تصريحات سريالية عشوائية تخاصم البنية والدلالة معا، مثل "العلم الحقيقي: إن الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده، وبالرغم من كده، عملنا كده، ودي المعجزة".. وتلك المعجزة (اللي عملناها كده) هي التي جعلت الإيدز "صباع كفتة" يتغذى عليه الشعب المريض؟
المحرر: صوت الشخص الذي حذرني يوحي بأنه أكثر تقدما منا، فلماذا لا يأتي إلينا مباشرة، ويخبرنا بكل ما لديهم؟
العالم: أنت أكثر تقدما من الصرصور، هل سبق لك أن حاولت شرح ما لديك من أفكار إلى واحد منهم؟
(لا والله ما دولة عسكر)
في كتابه الشهير "البنى النحوية" سجل تشومسكي عبارة سليمة جدا من حيث البنية النحوية للجملة نصها: "الأفكار الخضراء عديمة اللون تنام بعنف"، والهدف من المثال هو الجملة لها هيكل سليم، لكنها بلا معنى سليم ولا دلالة متسقة مع نفسها، فكيف تكون الأفكار خضراء وعديمة اللون؟، وكيف يكون النوم (وهو دليل سكينة واسترخاء) مقرونا بقلق وعنف وشراسة؟ والمثال في تطبيقه العام يفيد في النظر إلى القانون والدستور وتصريحات الحكام وبنية ومؤسسات الدول، لنسأل أنفسنا مرة:
هل تجتمع البنية السليمة للخطاب السياسي مع معنى سليم ودلالة جيدة، أم نتجرع هياكل تصريحات سليمة ظاهريا، لكنها بلا معنى، مثلما نرفع الدعم والأسعار ثم نتحدث عن "حياة كريمة" و"إجراءات حمائية للفقراء، أو نهتف " تحيا مصر" ونحن ننكل بالمصريين ونستهين بحياتهم؟
ثم نسأل أنفسنا مرة ثانية:
هل تستوعب عقولنا تصريحات سريالية عشوائية تخاصم البنية والدلالة معا، مثل "العلم الحقيقي: إن الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده، وبالرغم من كده، عملنا كده، ودي المعجزة".. وتلك المعجزة (اللي عملناها كده) هي التي جعلت الإيدز "صباع كفتة" يتغذى عليه الشعب المريض؟ لنختتم هذا المقال المتعِب المحيّر بعبارة على غرار عبارة تشومسكي: "الأخبار الحمراء عديمة اللون تكذب بصدق"..
وهذه قمة الإعجاز العلمي في "دولة أشلاء" لم يصدق فيها وعد، ولم تتحقق فيها نبوءة، حتى نبوءة أحزان الأضحى!
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصريون الفراغ السيسي النبوءات مصر السيسي نبوءات الفراغ مقالات مقالات مقالات من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا یعنی هی التی العال م کل شیء
إقرأ أيضاً:
عندما تفقد المرأة قيمتها!!
من خلال سياحتنا الواسعة فى مجال العمل العام وحرصى الشديد على لقاء سيدات «معدمات» يقطن على حافة الحياة، أتنقل وسط «الناس الشقيانة»... التقى سيدات عفى عليهن الزمن، تاهت مشاعرهن وسط زحام الدنيا، غرقوا فى بحور الحياة، لم يجدن من ينقذهن، حكايات مأساوية تكشف عن الانهيار الأخلاقى والإنسانى ووهن المشاعر، واستباحة العلاقات المقدسة، لينتهى مصيرهن إلى آخر النفق المظلم إما مطلقات أو أرامل أو معيلات، وأخريات اخترن العيش فى مقابر أزواجهن بلا روح، فى بيوتهن أموات يتمردن على ظروفهن من أجل أطفالهن، يمررن بظروف معيشية سيئة، فقراء الأهل، اللهم أو أنهم فقدن «السند» فى كل شىء، يصعب عليهن إيواؤهن، ولم يجدن حلا إلا العودة إلى مقبرة الزواج.. وهكذا ينتهى مصيرهن.
وفى مجال الاستشارات الأسرية والتربوية وجدنا أنه للأسف واقع عجيب يفوق كل الجهود التى تبذلها الدولة لمواجهة كافة أنواع الظلم والاضطهاد والفقر المجتمعى والأسرى، ومن الواقع الحياتى لهؤلاء السيدات والفتيات وحالة الضعف والهوان والذل اللاتى يعشن فى بيئتهن، أننا صرنا نجد بعض الرجال إن لم يكن المعظم، يتحولون فجأة وجميعًا من مجرد رجالٍ مصلحين أو صالحين.. إلى رجال أطباء بشهادات متفوقة وتخصصات بارعة، يستغلون ضعفهعن.
ليجتهدوا فى كتابة وصفات العلاج ببراعة فائقة وذلك مجرد أن يروا امرأة قد جرحت فى قلبها، أو عانت من قصور سواء معنويا أو ماديا أو جرح غائر فى قلوبهن من جانب زوجها أول أهلها أو ظلم رجل آخر، أو فقدت أبسط حياة الرفاهية والرخاء أو أراد الله لها أن تفقد شيئًا ما من الملذات فى بيت الزوجية فتذبذبت أو تغيّرت أو لشىء ما قد اضطربت فى عواطفها فيظهر لها هذا بمظهر الملهم أو الناجى من المهالك أو الملاذ الآمن وهو ليس بآمن أبدا... حذار حذار أن تقعى فى فخ أحد الرجال المحترمين، ويظهر الآخر بمنطق الناصح الموهوب ويصف لها الدواء وما ذاك الدواء وذاك الدواء فى حقيقته إلا داء وداء، الحياه لا تحترم الضعفاء، فى وظيفتك ومجال عملك احذرى وانتبهى، فعلى شبكة النت والتواصل الاجتماعى كثر مدمنو «الشات».... إدمان إلى حد التوهان أقوى بكثير من متعاطى المخدرات.. احذرى وانتبهى سيدة كنت أم فتاة أن تنجرفى فى علاقات مشبوهة الخاسر فيها الأكبر أنت فقط لتصبحى بذلك أكثر إدمانا من الطرف الآخر تعيشين فى مستنقع الملذات والشهوات عالم واسع من الإغراءات لكلا الطرفين، كلاهما يكذب على الآخر، للأسف هى مريضه نفسيا أكثر من هذا الرجل تعانى من نقص شديد فى الحياء والأخلاق أو رغبة فى حصد بعض المال لتمردها على حياتها المعيشية.. انتبهى أكثر بين أقاربك الرجال والشباب احذرى وانتبهى.. أمام جيرانك الرجال والشباب احذرى وانتبهى أن تعيشى غارقة فى عالم خيالى واهم على منصات التواصل الاجتماعى بأنواعها، فى برامج متنوعة أسهل ما تكون أن تنزلق قدماك فى غرف نوم مغلقة تستحل فيها الأعراض وحرمة الجسد وهتك ما ستره الله فى البيوت، جرائم بشعة حدثت بسبب ضعف سيدات وفتيات فقدن الحياء أو الوازع الدينى أو البيئة الطيبة لأسر عريقة، ليفاجأن بأنهن وقعن فى أياد لا ترحم ليقعن فى دائرة الابتزاز والشبهة وسوء السمعة... انتبهى فقد كثر الذئاب كثيرًا فى هذا الزمان.
تأكدى أيتها «الملكة» جميلة الخلق والأخلاق، أن الرجولة عمل بطولى لا يصنع فى النوادى الرياضية ولا يقاس بأرقام كشوف الحسابات البنكية، الرجولة تجليات فى أبهى صورة لها من النخوة والشهامة والمروءة، والإيثار، والصبر على هموم ومتاعب الحياة والكفاح من أجل تكوين المنزل وحماية أسرته، بدءا من الأم والاب، والبر لهما، اللهم ثم وإنكار الذات بنفسك حكمة واحترامك للآخرين مصدر القوة، لكن احترامك لنفسك هو القوة الحقيقية، فقيمتك ليست فى عيون الاخرين.. ابدا والله.. قيمتك بداخلك أنت فالثقة بالذات تحييك ملكة، وكرامتك هى أولى أولوياتك فمن ﻻ يقدرها ليس له مكان فى حياتك نصيحة أكثر من رائعة للكاتب الروحى الفيلسوف الجميل الدكتور مصطفى محمود الذى خطف القلوب قبل العقول الاسم الذى يأخذك تلقائيا إلى «العلم والإيمان» وقبل كل ذلك ثلاثون عاما قضاها فى البحث عن الله قال العبقرى الذى أعشقه رحمة الله عليه فى كلمات له من ذهب «لكل امرأة، أيام زمان.. لم تكن المرأة فى حاجة إلى أى مجهود لاجتذاب الرجل، فهو دائما مجذوب من تلقاء نفسه كان مجذوبا، لأنه لم يكن يعثر لها على أثر، كان يعيش فى عالم كله من الرجال ويعمل فى عالم كله من الرجال.. وكانت المرأة شيئا شحيح نادرا لا يظهر فى الطرقات ولا يظهر فى المدارس، ولا فى المكاتب، وإنما يختبئ فى البيوت داخل عباءات وملاءات وجلاليب طويلة، ولم يكن هناك طريق للوصول إليها سوى أن يتزوجها على سنة الله ورسوله بدون معاينة وبدون كلام كثير، ولم تكن المرأة فى حاجة إلى ترويج بضاعتها لأنها كانت رائجة تتزاحم عليها المناكب ويأتيها الزواج حتى الباب، ولكن الظروف الآن تغيرت تماما، خرجت المرأة من البيت إلى الشارع، نتيجة ظروف وعوامل كثيرة فاصبح الرجل يتمتع برؤيتها بكم قصير وصدر عريان وأخيرا بالمايوه، كل هذا ببلاش، بدون زواج.. ونتيجة هذا التطور كانت نتيجة خطرة.. لقد بدأنا نشبع من رؤية النساء بالروج والشورت والمايوه، ولم تحمل لنا الحياة الجديدة متعة الرؤية فقط، وإنما حملت لنا أيضاً متعة أخرى هى الهزار، والمزاح بحكم الزمالة فى العمل ورفع الكلفة، والجرى واللعب، وتناول الغداء معا والعشاء معا، والذهاب إلى السينما والمشارب والمطاعم.. وهكذا فقدت المرأة هيبتها وأصبحت قريبة وسهلة، وهذه السهولة أبعدت فكرة الزواج من ذهن الشباب أكثر وأكثر، وعندما أصبحت المرأة تشارك الرجل فى عمله وكفاحه وعرق جبينه، أصبح لها مثله الحق فى أن تروح عن نفسها وتستمتع وتقضى وقتا طيباً لذيذا، تنسى فيه العمل ومشاكله ولكن كيف تستمتع، والرجل لا يريد الزواج ويهرب منه، لا مفر إذن من أن تتنازل عن تمنعها التقليدى وتسمح بقبلة أو حضن أو غير ذلك.. أعطت المرأة نفسها للرجل وهى تبكى فى حرقة.. وتقول: إنها تفعل ذلك بسبب الحب والغرام له وحده، تقول إنها لحظة ضعف، ولن تعود، إلا إذا كانت هناك وعود وعهود، ولكن الرجل غالبا ما يسمع هذا الكلام من أذن ويخرجه من أذن أخرى، وينام على هذه اللذة المجانية وينسى حكاية الزواج أكثر وأكثر، اصبح الرجل يتردد فى الزواج اكثر فاكثر، اصبح يرى الزواج مجازفة تقتضى منه كل شجاعته، اصبح الرجل يرى الزواج تضحية، تضحية بحريته وراحة باله فى سبيل اقامة بيت لا يعرف مصيره وبانه سوف يصبح ربا وسيدا وقواما على اسرة وسيصبح عبدا لالف حاجة وحاجة والف طلب وطلب، وخادما لأصغر فرد فى هذه الأسرة، ثم إن لذة المرأة الكبرى هى أن تحبل وتلد وتكون أما وملكة على بيت وأسرة، وصانعة لجيل جديد تربيه وترعاه، وزوجة لحبيب تؤنسه، ويؤنسها. وتتمنع بعشرته وحنانه وحبه واحترامه، وكيف تصل المرأة إلى هذه الغاية، فى هذه الظروف الجديدة التى قلبت المقاييس، وقلبت المرأة رجلا والرجل امرأة؟... إن الحل الوحيد، هو أن تكف عن اعتبار جسدها وجمالها وأنوثتها وسيلة كافية وحدها لاجتذاب زوج، إن الرجل الجديد طماع، إنه يطلب أكثر والأكثر هو أن تكون للمرأة قيمة فى ذاتها، أن تكون على قدر من الذكاء، على قدر من التعليم»..
كلمات من ذهب تعبر عن واقع أليم نعيشه كان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما لم يكن هناك وسائل التواصل الاجتماعى أو الشات، حيث كانت البساطة والتلقائية، الفيلسوف تنبأ بأسوأ ما أفرزت عنه العلاقة بين الرجل والمرأة فى زمن «الشيطان المحمول» ومواقع التواصل الاجتماعى والمنصات الاعلامية، التى تسبح فى فضاء عار تماما من كل «ساتر»، أباحت الأعراض واللحم الرخيص، فإياك والخضوع لضعف عواطفك، كونى قاسية وصلبة وعودى ذاتك على الوحدة والصدمات، حتى لا تشعرى بانكسار مرة أخرى، فلا شىء يستحق تحطمك، ضعي كرامتك فوق رأسك وقلبك تحت قدميك، ليبق من يبقى ويرحل من يرحل.. لا تلتفتى للوراء أبدا إن كان حضورهم شيئا فكرامتك كل شىء.... وللحديث بقية.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]