سودانايل:
2024-06-29@13:14:58 GMT

جون بيرييلو: قبل استدعاء بعثة حفظ السلام للسودان

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم
بدا من المبعوث الخاص الأميركي للسودان توم بيرييلو في كلمة أخيرة له لائح يأس من إنهاء حرب السودان بجلوس أطرافها للمفاوضات، فقال إنه لم يبق إلا القليل لبلوغ صفقة سلام من طريق المفاوضات. ومن دون انعقادها عسر كبير. فالقوات المسلحة ظلت تقطع الطريق إليها وقوات "الدعم السريع" ستأتيها، إن أتت، بقلب غير سليم.

ودعا متى تعذرت المفاوضات إلى أن تكون للعالم الخطة (ب)، وهي إعداد قوة لحفظ السلام تحت الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة.
والأكثر تيئيساً في عبارة بيرييلو ليس استدعاءه لقوات حفظ سلام لوقف الحرب في السودان بدلاً من المفاوضات على كآبته، بل في يأسه هو نفسه أيضاً من جاهزية العالم لإطلاق هذه القوة لحفظ سلام السودان. فقال "وسأكون أول من يقول إن الإرادة السياسية لمثل المهمة لا تلوح".
لا أعرف إن كان بيرييلو استنفد كل حيله قبل أن "يدي الحلة عيطة والنقارة عصا" في مجازنا للتعبئة العامة وقت الفزع. فكان العالم وأميركا تعبأ لحمل "الدعم السريع" ألا يهاجم مدينة الفاشر ويرفع الحصار الذي ضربه حولها. وهي عاصمة شمال دارفور وما تبقى من مدن الولاية في غير يد "الدعم السريع"، وآخر ملاذ لسكانها الفارين ممن بلغوا مليون نسمة وربع. فقالت أمريكا في 24 أبريل الماضي إنها منزعجة لأخبار الهجوم الوشيك على الفاشر من قوات "الدعم السريع"، وإنها متكدرة من التقارير التي وثقت لقضاء تلك القوات السريع على عدد من القرى غربي المدينة.
وخيّرت واشنطن "الدعم السريع" بين أمرين هما أن يواصل ما هو فيه فيكبد الناس الزعازع في مجازفة بتفكك دولتهم، أو وقف الهجوم. ودعت في الـ 11 من يونيو الجاري لوقف إطلاق النار على الفاشر التي أخذ "الدعم السريع" في مهاجمتها منذ أبريل الماضي رأفة بملايين من الخلق الأبرياء.
ووصفت المندوبة الدائمة لأميركا في الأمم المتحدة لندا توماس- قرينفيلد الفاشر بأنها على شفا حفرة من مجزرة. وطلبت من "الدعم السريع" رفع الحصار عنها، أو أن العواقب ستكون وخيمة على المسؤولين عن الهجوم على الفاشر، بل وأوقعت وزارة الخزانة عقوبة على قياديين على رأس قوات "الدعم السريع" التي تهاجم المدينة بوضعهما في القائمة السوداء.
من جهة أخرى صوت مجلس الأمن للقرار (2736) لعام 2024 يطلب من "الدعم السريع" أن يتوقف عن حصار مدينة الفاشر والامتناع الفوري من القتال والتصعيد داخل المدينة وفي نواحيها. وقال مندوب بريطانيا في المجلس إن "الهجوم على الفاشر سيكون كارثياً لمليون ونصف المليون ممن نزحوا إليها فارين بجلدهم". وقال مندوب سويسرا إن القرار يبعث برسالة لا لبس فيها لـ "الدعم السريع" لإنهاء حصارها للفاشر. ولم يسمع "الدعم السريع" نداءات أميركا والعالم له بوقف التصعيد، ويواصل الهجوم لساعتنا لاحتلال القلعة الدارفورية الأخيرة بلا عقوبة، واكتفى بيرييلو كما رأينا بالدعوة للدعم السريع من جديد ليجلس للتفاوض لإنهاء القتال على نطاق السودان صامتاً عن انتهاكه للدعوات له بالكف عن التصعيد.
ومعلوم أن من يطلب وقف الحرب نهائياً يحرص أول ما يحرص على وقف التصعيد. فأول إنهاء الحرب وقف تصعيدها. فبالتصعيد يكسب طرف في الحرب أراض قد تُصَعب جلوس الخاسر إلى مائدة المفاوضات عالماً أن نصها تقرر سلفاً في الميدان العسكري. وعليه فالتصعيد مما يهزم المفاوضات التي يدعو لها بيرييلو التي قال إنه لم يبق إلا وقت في غاية القصر لانعقادها، أو انتقلنا إلى الخطة (ب)، وهي إيكال أمر السودان إلى بعثة حفظ سلام قارية أو عالمية هو نفسه قليل الثقة في إمكان حصولها.
ومما يستغرب أن تدير أميركا وجهها للناحية الأخرى من صلف "الدعم السريع" وحكومتها، مُنذرة من أعضاء من الكونغرس منذ أول أبريل لتطبيق قانون "ماغنيتسكي 2016" على "الدعم السريع" خلال 120 يوماً، وهو القانون الذي يفوض الحكومة الأميركية لمقاطعة موظفي أية حكومات أجنبية ممن ينتهكون حقوق الإنسان بتجميد أرصدتهم وحظر دخولهم في الولايات المتحدة، ويريد هؤلاء الشيوخ إيقاع العقوبة بالفريق أول محمد حمدان دقلو لترويعه سكان قرى تسع من حول مليط في شمال دارفور في نهاية مارس الماضي. وربما كان عقاب حميدتي بـ "قانون ماغنيتسكي" مجرد تربيت على الكتف متى نظرنا إلى هجومه على مدينة سيتهجر منها مليون وأكثر من السودانيين للمرة الثانية أو الثالثة. وهم بطريقهم أن يكونوا عبئاً ثقيلاً آخر على الجهد الإنساني لتدارك آثار الحرب السودانية. فتغاضي أمريكا والعالم عن امتناع الدعم السريع الامتثال لنداءاتهم لا يتناسب والحافهم عن أن الغاية في سياستهم تأمين مثل أهل الفاشر من الأذى فوق كل شيء آخر.
من الجهة الأخرى ربما انحجبت حال الحرب السودانية في خصوصيتها السياسة والاجتماعية والتاريخية عن بيرييلو بالمماثلات التي يقيمها بينها وبين أوضاع بلدان أخرى. فقال ناظراً إلى أوضاع ليبيا إنه ربما رتب "الدعم السريع" ليقيم دولة مستقلة أو منشقة، لهم في دارفور إذا ما احتلوا الفاشر. وصرف هذه الفكرة كمجرد وهم صح لهم أن يسارعوا إلى التخلص منه، وليضيف أن الولايات المتحدة لن تعترف بهذه الدولة تحت أي ظرف من الظروف.
وغير خاف أن بيرييلو نظر في تقديره إلى ما يطمح له "الدعم السريع" من دولة في دارفور منشقة عن حكومة الخرطوم إلى ظاهرة الحكومتين، طرابلس وبنغازي، اللتين أسفرت عن حرب ليبيا الأهلية عنهما. غير أن الظاهرة من حقائق التاريخ الليبي. فطرابلس وبنغازي ظلتا دولتين مستقلتين في تاريخ ليبيا حتى وحّدهما الاستعمار الإيطالي عام 1934.
فقيام حكومتي العاصمتين الليبيتين الآن ذاكرة في التاريخ لا مثيل لها في السودان، فمعلوم أن دارفور جاءت بالفعل متأخرة للسودان خلال العهد التركي المصري (1821- 1885)، وفي عهد الاستعمار الإنجليزي (1898 - 1956) ولكنه مثل أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي. فجاءت مثلاً للسودان بعد 16 عاماً من حكم الإنجليز بقية السودان، ولكن سلطانها كان يدفع الجزية للإنجليز عرفاناً بسيادتهم في الإقليم. ناهيك عن أن "الدعم السريع" في الواقع خلو من وهم إنشاء دولة في دارفور يستدبر بها الخرطوم. فقواته الآن في عاصمة البلاد تزعم أنها تسيطر على 90 في المئة منها بما في ذلك القصر الجمهوري. فمراد "الدعم السريع" حكم السودان.
وجرت على لسان بيرييلو مماثلة أخرى للسودان بالصومال. فقال إن الوضع الأكثر إرعاباً على البسيطة في السودان بسبيله أن يزداد إرعاباً فوق إرعاب. وسيكون بالنتيجة نسخة أخرى من الصومال "على ستيرويد" (في معنى هولها المجلوب بهذا المركب العضوي لبناء الجسد) لـ 20 أو لـ25 عاماً. ولكن شتان ما بين الوضعين. فلما سقطت دولة سياد بري، رئيس جمهورية الصومال في 1991، انحل الجيش الوطني الصومالي. وكان آخر ما وفره لسياد مدرعة حملته إلى كينيا. واصطرعت من بعد انحلال الجيش أربع حركات عسكرية وحزبان لوراثة الدولة. وجاءت حركة المؤتمر الصومالي منقسمة إلى أتون ذلك الصراع واشتبك طرفاها بقيادة محمد فرح عديد وعلي مهدي محمد، في معارك طاحنة للسيطرة على العاصمة مقديشو. وكانت حرباً أهلية لا جيش فيها.
والسودان بخلاف ذلك، فلم ينهر جيشه الذي أحنى ظهره مع قوات "الدعم السريع" لعاصفة الثورة المدنية عام 2019 حتى قضيا عليها معاً في انقلاب الـ 25 من أكتوبر 2022. وبوجود الجيش السوداني في هذه الحرب، مهما كان الرأي فيه، تمتنع مقارنته بالوضع في الصومال.
وتغيب حتى عند بعض كتابنا واقعة أنه لا يزال فينا جيش نظامي في اضطرابنا العظيم خلافاً للصومال وغيره، أو أنها حقيقة غير مرغوب فيها عندهم على خطرها. فجاءت الصحافية رشا عوض أخيراً لتقييم المؤسسات العسكرية السودانية بمعيار حماية المواطن وحفظ حقوقه الإنسانية. وأخذت تقيس بمعيارها هذا كسب المواطن من كل من القوات المسلحة و"الدعم السريع" مما يعني أنها عدت "الدعم السريع" مؤسسة عسكرية على قدم المساواة مع الجيش. ولم يجتز لا الجيش ولا "الدعم السريع" اختبارها لحماية المواطن، ولكن كان الجيش هو الأخسر. فالجيش في قول رشا مأزوم ومدان تاريخياً منذ تأسيسه ومن ذلك صناعته "الدعم السريع"، أو خروجه من رحمه كما تجري العبارة.
وعليه فالجيش، عند رشا، هو "المصيبة الأم" منذ تأسيسه لنحو 70 عاماً، بينما "الدعم السريع" هو "المصيبة الفرع" التي لم تلبث فينا سوى 10 أعوام، فإن احتج أحد على انتهاكات "الدعم السريع"، التي لم تكن فينا لأكثر من عقد من الزمان، في قول رشا، فالجيش أولى بالاحتجاج عليه لإدمانه هذه الانتهاكات سبعة عقود حسوماً.
ومع أن الجيش و"الدعم السريع" سواء في الفظاظة وإيذاء المواطنين إلا أن الجيش في درك بما سمته "الأقدمية" في الصنعة. فإذا احتج الجيش، في قولها، على مساواته بـ "الدعم السريع" في شرور انتهاك حقوق المواطنة، فالأولى بالاحتجاج في الحقيقة بالمساواة هو "الدعم السريع" الذي لا يزال بكراً في ميدان هذه الشرور، ومها يكن من أمر فالمقارنة بين جيش نظامي وميليشيات هو، في أحسن الأحوال، مقارنة بين برتقال وتفاح كما تقول الفرنجة.
وبدا من لائح يأس بيرييلو في وقف الحرب بالتفاوض بين الأطراف صدى من كلمة لمبعوث أميركي خاص سبقه للسودان هو جون دانفورث، مبعوث الرئيس جورج دبليو بوش الابن للسودان عام 2001، فقال وقد اعتراه إرهاق في مهمته لتحقيق السلام في السودان بين حكومة الإنقاذ الإسلامية والحركة الشعبية لتحرير السودان، "أعتقد أن عاجلاً أم آجلاً سيحين حين تتساءل الولايات المتحدة أو غيرها من الدول المشاركة في عملية سلام السودان عما إذا ما كانت هناك طريقة أفضل للاستفادة من وقتها".


IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان على الفاشر

إقرأ أيضاً:

حركة مناوي ترد على تصريحات الدعم السريع بشأن القتال معها.. ما علاقة الإمارات؟

قالت حركة جيش تحرير السودان "جناح مناوي": إن تصريحات المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع، محمد المختار، بأن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، طلب مبالغ مالية ليقاتل في صفوف قوات الدعم السريع ضد الجيش، ما هي إلا ادعاءات.

وأكد المتحدث الرسمي باسم الحركة، الصادق علي النور، أن تصريحات المختار بطلب قائد الجناح لأموال طائلة من اجل القتال ضمن صفوف قوات الدعم السريع بأنها "أكاذيب وسموم"، وأن قوات الدعم السريع لن تُوقف مسيرة ونضالات مناوي.



وأضاف المتحدث باسم الحركة أن هناك لقاء انعقد في أديس أبابا بمبادرة من "حميدتي" ما بين ممثلين من حركة التحرير بقيادة رئيسها مني أركو مناوي، ورفقة كل من يوسف حقار ومحمد سليمان يعقوب، ومن الدعم السريع، إدريس مدلل والمستشار، بينما شارك “حميدتي” في الاجتماع عبر الهاتف الخاص بإدريس.

وبحسب الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان، فإن الاجتماع ناقش عددا من القضايا، دون أن يتطرق إلى أي أمر يتعلق بالشأن المالي، مضيفا "أننا لو كنا نريد مد أيدينا للمال لطلبناه من كفيل حميدتي ".

حركة مناوي: لو كنا نريد مد أيدينا للمال لطلبناه من كفيل حميدتي مباشرةً وليس عن طريق حميدتي#السودان #sudan pic.twitter.com/xZrtidhZlN — Ataf Mohamed عطاف محمد (@atafmohamed3) June 26, 2024
وفي 24 أذار/ مارس الماضي، أعلن "مناوي" التحرك صوب ولاية الخرطوم للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش الذي يخوض معارك ضد قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل العام الماضي، ونشر وقتها عبر حسابه على منصة “فيسبوك” مقاطع مصورة لرتل من المركبات العسكرية بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل بشمال البلاد، متوجهة نحو العاصمة.

وسبق وأعلن عدد من الحركات المسلحة بينها حركة جيش تحرير السودان التي يرأسها مناوي، في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، خروجها عن الحياد، والقتال إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، بقيادة حمدتى.


ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.

وتعرضت الامارات في تشرين الثاني/ نوفمبر لاتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني، وقال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي"، كمان نقلت نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"عن مسؤولين أوغنديين، عثورهم في 2 حزيران/ يونيو 2023 على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

مقالات مشابهة

  • السودان والأسئلة المفتوحة
  • تجدد الاشتباكات في الفاشر والجيش السوداني يحاصر الدعم السريع غربي سنار
  • الدعم السريع تقصف الفاشر تحذيرات من خطر المجاعة في 14 منطقة سودانية
  • الجيش في السودان يؤكّد مقتل العشرات في عملية تحرير جبل موية
  • السودان.. 4 قتلى بقصف الدعم السريع مخيما للنازحين بالفاشر
  • الأمم المتحدة: أكثر من نصف السودانيين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد
  • قوات الدعم تقصف الفاشر وتحذيرات من خطر المجاعة في 14 منطقة
  • بينهم طفلة.. مقتل أربعة نازحين بمركز إيواء في مدينة الفاشر
  • كباشي يتفقد الجيش في سنار ويؤكد إفشال «مخططات تدمير السودان»
  • حركة مناوي ترد على تصريحات الدعم السريع بشأن القتال معها.. ما علاقة الإمارات؟