طاهر عمر

كتاب أفيون المثقفين لريموند أرون صدر عام 1955 و هو كتاب مهم جدا و صادف فجر الإستقلال في السودان و لو إنتبهت النخب السودانية لصراع الأفكار و أهتمت بالفلسفة السياسية لأنقذت المشهد الفكري في السودان كما فعل ريمون أرون حين أنقذ حقول الفكر في فرنسا من أساطير الشيوعيين. كانت فرنسا في حقبة الحرب الباردة و قد أخذت موقعها بين الشرق و الغرب و قد جعلها هذا الموقف السياسي أرض معركة فكرية ضارية و حينها كان صوت الشيوعية عالي و كان ريموند أرون واحد ضد الكل.


كتابه أفيون المثقفين عنوانه تعديل لمقولة ماركس الدين أفيون الشعوب و إذا بريموند أرون يقول للشيوعيين أن الشيوعية كدين بشري قد أصبحت أفيون المثقف الشيوعي و أساطيره التي قد أصبحت آخر الأساطير العالقة في أكمام التاريخ و هنا يقصد بأن التاريخ و الإنسانية التاريخية قد إتخذت منه الأسطورة الأخيرة أي أن التاريخ هو أسطورة المجتمعات الحديثة و هذا ما نجده في إستخدام كلود ليفي أشتروس للأنثروبولوجيا التاريخية و في راهن فرنسا اليوم نجده في إستخدام عمانويل تود كانثروبولوج لها كبعد فلسفي و هو لا يبتعد عن إستخدام ريمون أرون للأنثروبولوجيا و علم الإجتماع كبعدين فلسفيين لمعالجة مستجدات مجتمعنا الحديث أي مجتمع ما بعد الثورة الصناعية.
ريموند أرون في جهوده الفكرية و فكرة الشرط الإنساني يجعل السياسة هي التي تتقدم على علم الإجتماع و بالتالي يصبح الفكر السياسي و الفلسفة السياسية هي كما الشرط الإنساني لمجتمع يجابه مصاعب متجددة و بلا نهاية و من هنا تأتي أهمية معادلة الحرية و العدالة و أهمية إفتراض أن الإنسان أخلاقي و عقلاني و له القدرة على أن يعبر بمسيرة تراجيدية و مأساوية تجاببها مصاعب لا تعرف نهاية و من هنا تأتي نقطة إختلافه مع كل من فكر الوضعية المنطقية أوجست كونت و مع الماركسية و الهيغلية التي تتحدث عن عقل يتمظهر و يسوق لنهاية تاريخ و نهاية صراع طبقي متوهمة و هيهات.
ما أود قوله أن هذا الكتاب و فكره أي أفيون المثقفين إذا وجد مكانه في المكتبة السودانية منذ عام 1955 لما أصبحت حقول الفكر السودانية على هذه الحالة التي تثير الرثاء اليوم كما نجدها في طرح الشيوعي السوداني الجذري و هو غارق في أساطيره التي تحدث عنها ريموند أرون من قبل سبعة عقود و هي عمر إستقلال السودان.
تحدث عن أسطورة وحدة اليسار كوهم من أوهام الشيوعيين و تحدث عن أنه يتمحور حول أفكار لا يمكن أن تتوافق حتى مع بعضها البعض بين أجزاء اليسار المنقسم على بعضه البعض و عن اليمين في توهّم الشيوعيين و عن يسار يتحدث عن صراع أبدي ضد فكرة الدولة و ضد ما يتوهم الشيوعيين بأن الدولة أداة في يد طبقة تخدم بها مصالحها و تحدث ريموند عن يميين من لحظة إنتصار الثورة الفرنسية و مرورا بالحقبة الدموية و الى لحظة ميلاد قيم الجمهورية.
الجيد أن الأيام أثبتت صحة أفكار ريموند أرون السياسية و لمن يريد أن يدرك صحة أفكاره أي أفكار ريموند أرون سيجدها في إنتصار أفكاره على أفكار سارتر و قد تفرغ للدفاع عن الشيوعية كنظام شمولي بغيض و بعدها قد أصبحت فرنسا توكفيلية و ليست ماركسية و كذلك قد أصبحت فرنسا المنتصرة لفكر ريموند أرون و ليست فرنسا السارترية التي يهيمن على أفقها أساطير الشيوعيين كما ذكرها ريموند أرون حين قال أن الشيوعيين أسيري أسطورة اليسار و أسطورة الثورة و أسطورة البروليتاريا و كلها كما يقول ريجيس دوبريه عن بريق الأيديولوجية الذي يعمي أي أن الشيوعية تفاؤلية مريضة و عمياء و إذا أردت أن تعرف بأن بريق الأيديولوجية يعمي فتأمل في طرح الشيوعي السوداني الجذري و هذا وحده يثبت لك بأن الشيوعي السوداني منفصل عن واقع الفكر السياسي بمسافة سبعة عقود أي منذ صدور كتاب أفيون المثقفين لريموند أرون منذ عام 1955.
و من طرح الشيوعي السوداني الجذري يظهر لك بأن الشيوعية كنظرة تفاؤلية مريضة و عمياء تجعل من أتباعها أصوليين و لا فرق بين الأصولي الكوز و الأصولي الشيوعي في عبادتهما للنصوص و ايمانهما بالمطلق و أي منهما الشيوعي السوداني و الكوز يخططان لهرمجدون و من هنا جاءت مقولة ريموند أرون بأن الشيوعية هي أفيون الشيوعي و ريموند أرون كان مدرك بأن الشيوعية كأصولية و يمكننا أن نضيف أنها مثلها مثل أصولية الكوز هي خطرة على حاملها و خطرة على المجتمع و كما يرى كثير من مقيّمي كتاب ريموند أرون في وضوحه ضد أصولية الشيوعية وهناك من وصفه أي ريموند أرون أنه أخلاقي في زمن سادت فيه الشيوعية كأصولية بنظرة تفاؤلية مريضة و عمياء أي أن أرون كان أخلاقيا في زمن الايديولوجيات.
و عن خطورة حامل الفكر الأصولي سواء كان كوز أو شيوعي على نفسه و على المجتمع يمكن قراءتها في كيف أصبح الكوز خطر على المجتمع خلال الثلاثة عقود الأخيرة و الى لحظة حربهم العبثية مع صنيعتهم الدعم السريع و خطورة أصولية الشيوعي السوداني على نفسه و على المجتمع تتضح في لا مبالاتهم بما يحدث و إستمرارهم في طرحهم الجذري الذي يجسد أيمانهم بأسطورة اليسار و أسطورة الثورة و أسطورة البروليتاريا و إنتظارهم كإنتظار أي أصولي لهرمجدون.
ما يجب التنبيه عنه أن ريمون أرون في كتبه ينطلق من ثلاثة محاور فهو فيلسوف و عالم اجتماع و مؤرخ و اقتصادي ملم بالنظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي و قد ظهر تمكنه من محاوره في مواجهته لفلاسفة ما بعد الحداثة قبل و أثناء ثورة الشباب في فرنسا و يظهر ذلك في حواره مع ميشيل فوكو في عام 1967 بمناسبة كتابه المتتبع لأفكار علماء الإجتماع منذ حقبة منتسكيو مرورا بتوكفيل و إرتكازا على أفكار ماكس فيبر و رفضه الى أفكار الوضعية المنطقية في أفكار أوجست كونت و رفضه الى الهيغلية و الماركسية في غائيتها و لاهوتها الديني و قد أصبحت أفيون المثقفين.
ريموند أرون إذا تتبعت مسيرة جهوده الفكرية تجدها متواصلها منذ عام 1929 لحظة الكساد الإقتصادي العظيم و الى لحظة و فاته تجد أفكاره متناسقة و تسوق كل فكرة الى الفكرة التالية و ذكرنا هنا حواره مع ميشيل فوكو كدليل لأنه بعد أكثر من عقد من صدور كتابه أفيون المثقفين. في حواره مع ميشيل فوكو وضّح مسألة مهمة جدا و هي أن الابستميلوجيا في حالة تواصل ما بين مرحلة و مرحلة كما تحدث عن صحة ذلك في أفكار شومبيتر و نظرية النمو الإقتصادي و هذا ما لم يفهمة ميشيل فوكو و هو يتحدث عن القطيعة للابستميلوجيا بين مرحلة و مرحلة و أستدل ريموند أرون على ذلك بأن منتسكيو كان يقع في مرحلة و كأنه جسر بين المجتمع القديم و المجتمع الحديث لذلك نجد أن أفكاره مشبعة و كأنها مبتداء علم الإجتماع.
ريموند أرون كان في فترة الكساد العظيم مشارك في مسألة التدخل الحكومي أي يرى أن النظرية الكينزية على حق فيما يتعلق بمسألة التدخل الحكومي و هنا نجد إختلافه مع فردريك هايك و هو يقدم فكر النيوليبرالية و يعتقد فردريك هايك بأن الكينزية و مسألة التدخل الحكومي ما هي إلا أفكار إشتراكية و كان كينز متهم من قبل كثر بأنه شيوعي مندس يريد تحطيم الرأسمالية من الداخل و هذا ما جعل فردريك حايك يقول أن فكرة التدخل الحكومي الكينزية ستفضي الى الإشتراكية و ستفتح الطريق الى العبودية لأن في نظر فردريك حايك أن الإشتراكية هي الطريق المؤدي الى العبودية و لكن ريموند أرون كان يرى في فكر فردريك هايك في النيوليبرالية و رفضه لفكرة التدخل الحكومي ما هو إلا ماركس اليميني و ما النيوليبرالية غير الماركسية اليمينية و المضحك اليوم نجد الشيوعي السوداني ينتقد النيوليبرالية و ما درى أن النيوليبرالية في رفضها للتدخل الحكومي ما هي إلا ماركسية يمينية و ما فردريك هايك غير ماركس يميني و هنا وجب التوضيح و هو أن الماركسية ترفض فكرة الدولة من الأساس و تعتقد في أنها أداة في يد الطبقة المهيمنة من أجل إدامة سيطرتها على الطبقات الدنيا و فردريك هايك يرفض فكرة تدخل الدولة كما يفرضها كينز و بالتالي يلتقي فردريك هايك مع ماركس في رفضه لفكرة الدولة و تدخلها.
لذلك منذ بداية الكساد الإقتصادي العظيم و ظهور الكينزية و فكرة التدخل الحكومي و منذ إختلاف ريموند مع هايك في مسألة التدخل الحكومي كانت الرؤية واضحة لريموند الى لحظة صدور كتابه أفيون المثقفين و بالتالي تصبح عنده أن السياسة شرط إنساني و تتقدم على علم الإجتماع بعد أن أصبح بعد معرفي في صميم الديالكتيك و عنده تصبح الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية روادها متقدمين على علماء الإجتماع و القانونيين و المؤرخيين التقليديين و إذا أراد القارئ ملاحظة ذلك يمكنه أن يلاحظها في حالة المؤرخيين التقليديين السودانيين و القانونيين السودانيين و كيف أنهم أضعف حلقة في سلسلة المثقفين السودانيين و ظهر تهافتهم في الوثيقة الدستورية و بسببها ضاعت ثورة ديسمبر بسبب إعطاء الفرصة لشراكة العسكر و لاحظ أن القانونيين السودانيين يلتقون مع الكيزان في لقب مولانا و هم أضعف حلقة في سلسلة المثقفين السودانيين لذلك كررنا كثيرا بأن حمدوك بحكمه تخصصه كإقتصادي فهو الأقرب للعب دور الشخصية التاريخية و الأبعد عن أن يتعاطي أفيون المثقفين.
في ختام هذا المقال أود أن نوضح نقطة مهمة جدا فيما يتعلق بفكرة الصراع الطبقي عند ماركس و ماذا قال عنه ريموند أرون و قوله أي ريموند أرون أن مفهوم الصراع الطبقي عند ماركس جعله لا يستطيع التفريق بين طبيعة المجتمع القديم أي مجتمع ما قبل الثورة الفرنسية و مجتمع ما بعد الثورة الفرنسية فمجتمع ما بعد الثورة الفرنسية أي إختلال فيه لا يعد صراع طبقي بل يحتاج فقط للفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و تشريعات تعيد التوازن لمعادلة الحرية و العدالة التي تؤدي لتوسيع الطبقة الوسطى و بالتالي لا نحتاج الى ديكتاتورية البروليتاريا و هنا يقول ريموند أرون عن مفهوم ماركس للصراع الطبقي فإنه أي ماركس يريد أن يواجه مشاكل مجتمع ما بعد الثورة الفرنسية و كأنه مجتمع ما قبل الثورة الفرنسية أي المجتمع القديم و هذا ما فات على ماركس و ما فات أيضا على ماركس بأن الناس قبل قيام الثورة الفرنسية و شعارها الحرية و المساواة و الأخاء لا يولدون أحرار و بعد شعار الثورة الفرنسية فقد أصبح الناس يولدون أحرار و بالتالي لا يوجد صراع طبقي بعد الثورة الفرنسية بل تواجه المجتمع إختلالات و إختناقات إقتصادية و يمكن حلها بالفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و التشريعات التي يقودها السياسيين و الإقتصاديين و ليس عبر دكتاتورية البروليتاريا كما يتوهم ماركس.
عليه نوصي القارئ المحترم بأن يقراء كتاب أفيون المثقفين فهو يقع في مسافة ثلاثة عقود من بداية جهود ريمون الفكرية بعد تقديمه لأفكاره عبر فلسفة التاريخ الحديثة و ثلاثة عقود بعدها و بعدها أن سيل حياته قد هدى لذلك يعتبر كتابه أفيون المثقفين قمة دالته الفكرية منها يمكنك أن ترى ثلاثة عقود بداياته و ثلاثة عقود نهاياته و أقصد بأن تطّلع على أفكار قبل أفيون المثقفين و كتبه بعد أفيون المثقفين.
و بقى أن نختم قولنا بأن فرنسا اليوم قد إنتصر فيها توكفيل على ماركس و ريموند أرون على سارتر و من هنا وجب تنبيه النخب السودانية أن فرنسا اليوم توكفيلية و ليست ماركسية و بالتالي نجد في فرنسا إستخدام مفهوم ماركس في الأغلال و ليس ماركس طليقا كما يتوهم الشيوعي السوداني و يعني أن ماركس قد أصبح فيلسوف عادي لا يختلف عن بقية الفلاسفة و عندما نقول ماركس في الأغلال أقصد بأن ما يواجة مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية لا تحتاج لديكتاتورية البروليتاريا بل تحتاج فقط لفلسفة سياسية و فلسفة إقتصادية و تشريعات يطبقها السياسي و الإقتصادي لإعادة التوازن لمعادلة الحرية و العدالة في مجتمع حديث قد أصبحت فيه الرأسمالية ذات علاقة طردية مع الديمقراطية و أن الماركسية ذات علاقة عكسية مع الديمقراطية و يمكننا القول أن طرح الشيوعيين السودانيين الجذري ذو علاقة عكسية مع التحول الديمقراطي في السودان.

taheromer86@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الثورة الفرنسیة الفلسفة السیاسیة الشیوعی السودانی علم الإجتماع على المجتمع ثلاثة عقود أرون کان الى لحظة هذا ما من هنا قد أصبح تحدث عن

إقرأ أيضاً:

كيف يحاول البرهان أحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم؟

كيف يحاول البرهان أحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم؟

تاج السر عثمان بابو

1

يواصل البرهان المزيد من التعقيد للمشهد السياسي والعسكري بمحاولة إحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم من خلال إدخال تعديلات غير دستورية على الوثيقة الدستورية “المعيبة” التي تم خرقها وشبعت موتا، وقضى عليها بانقلابه في 25 أكتوبر الذي قاد الحرب الراهنة.

فقد تم في تسريبات التعديلات حذف أي إشارة إلى المكون المدني أو قوات الدعم السريع، وتم تعزيز صلاحيات المؤسسة العسكرية والموالين لها، مما ينسف مطلب ثورة ديسمبر في الحكم المدني الديمقراطي، فضلا عن رفض المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي اللذان دعيا إلى انتقال ديمقراطي مدني في السودان كشرط لإعادة السودان لحضنه.

جاء ذلك في الوجهة التي قدمها البرهان لتشكيل حكومة في ظل استمرار الحرب.

كما تأتي هذه التعديلات أيضا في ظروف تطرح فيها قوات الدعم السريع قيام حكومة موازية أخرى غير شرعية كما حكومة الأمر الواقع غير الشرعية في بورتسودان، تهدد وحدة الوطن في محادثات العاصمة الكينية نيروبي قبل التوقيع على ميثاق سياسي من شأنه أن يمهد الطريق أمام تشكيل “حكومة السلام والوحدة”، مما يؤدي للمزيد من تصعيد الصراع والحرب، وتعطيل جهود وقف الحرب والحل التفاوضي  السلمي.

2

مضت حوالي ست سنوات على توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019 بين اللجنة الأمنية وقوى “الهبوط الناعم” في (قحت) التي كرّست هيمنة المكون العسكري في الشراكة، كما هو الحال في اتفاق تقاسم السلطة الذي أعطى العسكر:

– 21 شهرا الأولى.

– تعيين وزيري الداخلية والدفاع.

– الإبقاء على الدعم السريع والقوات المسلحة والشرطة في يد المجلس السيادي.

– الإبقاء على الدعم السريع وغض الطرف عن مليشيات النظام البائد (كتائب الظل، الدفاع الشعبي، الوحدات الجهادية الطلابية. الخ).

– تعيين المجلس السيادي لمفوضيات مهمة مثل: الانتخابات- الدستور- المؤتمر الدستوري.

– الإبقاء على المراسيم الدستورية من 11 أبريل 2019 إلى بداية سريان الاتفاق.

3

الاتفاق لم يأت نتاجا لتطور باطني سوداني، بل تمّ تجاوز ميثاق قوى الحرية والتغيير، وتدخل خارجي إقليمي وعالمي بات معلوما تفاصيله للجميع بهدف فرض “الهبوط الناعم” الذي يعيد سياسات النظام السابق الاقتصادية والقمعية وتحالفاته العسكرية التي تفرط في سيادة البلاد ونهب ثرواتها الزراعية والمعدنية والحيوانية وأراضيها الخصبة ومياهها الجوفية، والاستمرار في الاتفاقات الجزئية التي تعمق الصراعات القبلية والإثنية وتهدد وحدة البلاد، وضمان الحفاظ على مصالح تلك القوى (قواعد عسكرية، موانئ، الخ).

كما أبقى الاتفاق على المصالح الطبقية للرأسمالية الطفيلية المدنية والعسكرية ومصادر التراكم الرأسمالي الطفيلي (العائد من حرب اليمن، نهب وتهريب الذهب، وعدم ضم شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والمحاصيل النقدية، والماشية والاتصالات. الخ للدولة).

كان الهدف من الاتفاق كما هو جار الآن  إجهاض الثورة وأهدافها وقيام شراكة بين العسكر والمدنيين يكون المهيمن فيها المكون العسكري، بدلا من قيام الدولة المدنية الديمقراطية، إضافة لقطع الطريق أمام قيام نظام ديمقراطي يكون منارة في المنطقة.

4

ومنذ التوقيع على الوثيقة الدستورية كان الحصاد هشيما، كما أكدت تجربة العامين الماضيين صحة التوقعات بإجهاض الثورة والسير في “الهبوط الناعم” تحت هيمنة المكون العسكري كما في حالة:

– عدم الرضا والخرق المستمر للوثيقة الدستورية، وعدم تنفيذ جداولها الزمنية مثل مضي أكثر من ثلاثة أشهر على لجنة التقصي في مجزرة فض الاعتصام ولم يحدث شئ.

– عدم تكوين المجلس التشريعي.

– تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية بدلا من تحسينها ودعم الدولة للتعليم والصحة، وتمكين الشباب والمرأة. الخ، كما جاء في الوثيقة.

-البطء في تفكيك النظام البائد واسترداد الأموال المنهوبة.

– عدم إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإصدار قوانين ديمقراطية للنقابات والاتحادات. الخ.

– لا عودة لجميع المفصولين العسكريين والمدنيين.

– لم يتم تكوين المحكمة الدستورية وإصلاح النظام العدلي والقانوني.

– خرق المكون العسكري للوثيقة الدستورية بهمينته على ملف السلام والسياسة الخارجية من مجلس الوزراء، والالتفاف علي “الوثيقة الدستورية”، وإفراغها من مضمونها، وتوقيع اتفاق جوبا الذي كان انقلابا “على الوثيقة الدستورية”، تعلو بنوده عليها، والتطبيع مع إسرائيل بلقاء البرهان- نتنياهو، والسماح بالقواعد العسكرية لأمريكا على البحر الأحمر. الخ.

– مصادرة حق الحياة الذي كفلته الوثيقة الدستورية، بالقمع وإطلاق النار على المواكب والتجمعات السلمية مما أدى إلى استشهاد البعض وجرحى، والاعتداء على الصحفيين والنساء من بعض المتفلتين من القوات النظامية، وقيام بيوت أشباح للدعم السريع، والتهاون مع مواكب الفلول، واستمرار الصراعات القبلية والإثنية في دارفور والشرق وجنوب وغرب كردفان. الخ.

– وصل الانحراف عن الوثيقة وأهداف الثورة بالدعوات للمصالحة مع الإسلاميين.

– الدعوات للانتخابات المبكرة بدون تحقيق أهداف الفترة الانتقالية واستحقاقاتها التي تؤدي لانتخابات حرة نزيهة بعد المؤتمر الدستوري ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يتوافق عليه الجميع.

كل ذلك، يؤكد ما ظللنا نشير إليه منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية (المعيبة) أنها أصبحت حبرا على ورق، ومعبرا لإجهاض الثورة، وامتدادا لسياسات النظام البائد في خرق العهود والمواثيق.

5

استمر خرق الوثيقة الدستورية حتى تم القضاء عليها بانقلاب 25 أكتوبر الذي قاد الحرب اللعينة الجارية حاليا، فضلا عن انه لا يحق للبرهان تعديل الوثيقة الدستورية.

عليه يصبح، لا بديل غير مواصلة التحالف القاعدي الجماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، والدفاع عن وحدة الوطن ووقف مهازل البرهان في تعديلات الوثيقة الدستورية لفرض حكم عسكري ديكتاتوري، ونقض العهود والمواثيق كما في عدم تسليم السلطة للمدنيين بنهاية فترة العسكر، مما يودي للمزيد من التصعيد للحرب بتكوين الحكومة الموازية، ومقاومة إعادة إنتاج الأزمة والحرب مرة بالشراكة مع العسكر والدعم السريع، والعودة لأوضاع ما قبل الحرب، وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.

الوسومالبرهان الدعم السريع السودان الشرطة النظام البائد الوثيقة الدستورية تاج السر عثمان بابو تفكيك التمكين جهاز الأمن

مقالات مشابهة

  • بحضور نخبة من المثقفين والإعلاميين.. أمسية فنية تراثية عراقية في جدة
  • صحيفة الثورة الاثنين 26 شعبان 1446 – 24 فبراير 2025
  • ثورة 21 سبتمبر في رسالة علمية
  • توقف العمل في مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة بإب
  • وزارة الأوقاف تكرم عدداً من المشايخ البارزين خلال الثورة السورية
  • السودانيون لا توحدهم حكومتان
  • صحيفة الثورة الاحد 25 شعبان 1446 – 23 فبراير 2025
  • كيف يحاول البرهان أحياء الوثيقة الدستورية وهي رميم؟
  • كميات من السحب تندفع نحو جنوب المملكة و زخات من الثلج محتملة فوق القمم الساعات القادمة
  • صحيفة الثورة السبت 24 شعبان 1446 – الموافق 22 فبراير 2025