من المسؤول قانونيًا عن إعمار غزة وتعويض الفلسطينيين؟
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
كشف تسريب لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن دعوته إلى شنّ "هجوم مميت على جميع البنى التحتية في لبنان، وتدمير مراكز ثقل حزب الله وإلحاق أضرار جسيمة بعاصمة الإرهاب في بيروت"، حسب نص كلامه، داعيًا إلى خلق وضع يكون فيه لبنان منشغلًا في السنوات العشرين المقبلة.
وبخصوص الضفة الغربية قال: "ليعلم سكان جنين وطولكرم وقلقيلية أنه بسبب الإرهاب الذي يخرج من أراضيهم ستصبح مدنهم مدن خراب كما في غزة، إنها اللغة الوحيدة المفهومة في الشرق الأوسط".
كلام سموتريتش يعزز الاعتقاد بأن لدى إسرائيل سياسة منهجية متكررة في حروبها منذ العام 1982م وحتى حرب غزة، تقوم على إحداث دمار هائل لا يتناسب بأي حال مع ما فعله الطرف الآخر؛ بهدف إحداث صدمة لا يجرؤ بعدها أحد على القيام بعمل مثله. وبعد انتهاء أي حرب، ينشغل العالم بإعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، من غير أن يكون للاحتلال أية مساهمة في ذلك، لا في التعويض ولا في إعادة الإعمار.
وبعد الحديث عن مقترح بايدن الأخير وإمكانية وقف الحرب على قطاع غزة، نحاول الإجابة عن السؤال التالي: من هو المسؤول قانونيًا عن إعمار قطاع غزة، وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار البالغة التي أصابتهم؟
المركز القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلةيؤكد القانون الدولي، وخاصة القانون الإنساني، وقرارات الأمم المتحدة والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 2004م، أن الضفة الغربية والقدس وغزة هي أراضٍ محتلة. إعادة الانتشار من غزة عام 2005م لم يغير الوضع القانوني. الاحتلال مسؤول قانونيًا عن سكان هذه الأراضي. أي حرب تشنها إسرائيل على الفلسطينيين هي عدوانية، ولا ترتبط بحق الدفاع عن النفس وَفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وعلى هذا الأساس، فحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول هي عدوانية، وتتحمل إسرائيل المسؤولية الجزائية والمدنية عن الأضرار، بما فيها قتل المدنيين وجرحهم وتهجيرهم وتجويعهم وتدمير البنى التحتية واستهداف المراكز الإنسانية التي تقدم المساعدات الإغاثية.
مسؤولية إسرائيل المدنيةالمسؤولية المدنية الدولية تعني إلزام دولة بتعويض مادي أو معنوي نتيجة ارتكابها بصفتها أو ارتكاب أحد أشخاصها باسمها فعلًا غير مشروع في القانون الدولي، ترتّب عليه ضرر مادي أو معنوي لدولة أخرى أو لرعاياها. إسرائيل ملزمة بالتعويض عن كل الأضرار الناجمة عن الاحتلال والانتهاكات في حرب الإبادة ضد سكّان غزة.
ووفقًا لهذا المفهوم، تُعَدّ إسرائيل ملزمة بالتعويض عن كل الأضرار الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي ابتداءً، وعن كل الانتهاكات الناجمة عن حرب الإبادة ضد سكان غزة.
ويُراد بالضرر بشكل عام الأذى الذي قد يصيب الشخص في حقّ من حقوقه أو في مصلحة مشروعة له، سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة ذا قيمة مالية أو لم يكن.
ويتمثّل الضرر في الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي تصيب الفلسطينيين؛ نتيجة لهذا العدوان. فهو يشمل الدمار الذي أصاب الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة نتيجة استخدام القوة على نحو غير مشروع.
الأضرار نوعان: مادية ومعنوية.
الأضرار المادية:تشمل الخسائر التي تصيب الذمة المالية للدولة المتضررة أو أحد رعاياها؛ نتيجة للعمل غير المشروع، والدمار والخراب في الأرواح والممتلكات، بما في ذلك المنشآت الاقتصادية والمرافق الخدمية كالمدارس والمستشفيات والبنية التحتية في غزة، وكذلك الإصابات الجسدية والممتلكات الشخصية.
وتزداد الأضرار الناجمة عن الممارسات الإسرائيلية مع تزايد التقنيات المستخدمة في صناعة أسلحة الحرب والدمار، بحيث يصعب حصر هذه الأضرار بدقة أو تحديدها بصورة نهائية، ذلك أن هناك بعض الأضرار غير المعلومة التي قد تصيب الأشخاص والممتلكات، من دون أن تظهر نتائجها وخطورتها مباشرة، وهناك الأضرار التي تنتقل آثارها إلى الأجيال المختلفة.
وأبرز الأضرار المادية هي الخسائر البشرية المترتبة على الجرائم الإسرائيلية. الإنسان الفلسطيني هو الضحية الأولى، ومعظم الضحايا هم مدنيون. الأضرار تشمل القتل، العاهات الدائمة أو المؤقتة، والإصابات الجسيمة، وأذى التعذيب البدني أو الاعتداء الجنسي.
أما بالنسبة إلى الخسائر المادية الأخرى المترتبة عن حرب الإبادة، فهي متعددة ومتشعبة ومن الصعب حصرها بدقة، حيث إنها تشمل تدمير منشآت البنية التحتية، وكذلك الممتلكات العامة والخاصة. الأضرار المعنوية:
تشمل الأضرار المعنوية والأدبية المساس بشرف أو باعتبار ومكانة الشخص الدولي أو بأحد رعاياه، وكذلك كل ألم يصيب الإنسان في جسمه أو عاطفته.
وفي حالة حرب الإبادة على غزة، هناك العديد من الأضرار المعنوية المترتبة عليها، ومثال ذلك ما يصيب الإنسان من حزن وألم بسبب ما يترتب على فعل العدوان من وفاة بعض الأقارب، أو بسبب ما قد يتعرض له من احتجاز أو تعذيب أو إجبار على الاختفاء، أو الحياة في ظروف صعبة وقاسية، أو تعرضه هو أو أحد أقاربه لفعل الاغتصاب… أو أي من أعمال الاعتداء أو التعذيب التي قد ينجم عنها إصابته بعاهة دائمة أو مؤقتة. صور التعويض عن أضرار حرب الإبادة
التعويض يمكن أن يكون عينيًا أو نقديًا.
التعويض العيني:إعادة الشيء إلى حالته قبل وقوع الضرر. يشمل إنهاء احتلال غزة، وإعادة الممتلكات العامة والخاصة، والإفراج عن المعتقلين. التعويض العيني يشمل أيضًا إعادة بناء المنشآت والبنى التحتية التي دمرتها الحرب، وضمان عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة. التعويض المالي:
دفع مبلغ مالي للدولة المتضررة لتعويضها عمّا أصابها من ضرر يكون كافيًا لجبر هذا الضرر.
وهذا التعويض هو الصورة الأكثر شيوعًا في العمل الدولي عند وضع المسؤولية الدولية موضع التنفيذ؛ لأن النقود هي المقياس المشترك لقيمة الأشياء المادية، سواء كانت منقولة (في صورة مكتبات، مراكز بحثية، سيارات، وثائق، وما شابه)، أم كانت ممتلكات عقارية ومنشآت في صورة أبنية ومصانع أُلحق الضرر بها، هذا فضلًا عن وجود حالات كثيرة يتعذر فيها التعويض العيني ـ وفق ما سبق ذكره ـ حين تتعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه، أو عندما تكون هناك أضرار لا يكفي لإصلاحها التعويض العيني. وبذلك يصبح التعويض المالي مكملًا، بحيث يكون معادلًا للقيمة التي يمكن أن تؤديها إعادة الحال إلى ما كانت عليه.
ومع أن الأمم المتحدة أثارت موضوع التعويضات للكويتيين عام 1998م بعد الغزو العراقي للكويت، فإن موضوع التعويضات للفلسطينيين جراء الأضرار الناجمة عن الكثير من الحروب العدوانية على الفلسطينيين لم يُثَر حتى هذه اللحظة، وإن عمليات الإعمار لكل الحروب إنما اعتمدت على مساهمات الدول وليس على إسرائيل الدولة المعتدية بشكل مباشر.
يتعين التنبيه هنا إلى قصور خطير يعيب أسلوب التعامل مع مسألة التعويضات؛ إذ إننا ما زلنا نفتقر حتى الآن إلى إعداد ملف قانوني سليم ومتكامل ومعزّز بالأدلة والوثائق وتقارير لجان التحقيق الدولية. كذلك يجب ألا نكتفي بمجرد المطالبات السياسية والدعوات الإعلامية؛ إذ إن فتح هذا الملف ينبغي أن يكون على أسس قانونية سليمة تعزز من حقوقنا ومطالباتنا إن نجحنا في إجبار الطرف الآخر على فتح هذا الملف، أي تعويضات العدوان، في أي منبر دولي.
وينبغي أن يكون تحميل إسرائيل المسؤولية المدنية عن إعمار قطاع غزة وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار المادية والمعنوية أحد أهم ميادين العمل الحقوقي والقانوني، إضافة إلى إثارة المسؤولية الجزائية عن جرائمها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأضرار الناجمة عن حرب الإبادة أن یکون
إقرأ أيضاً:
العميد خالد حمادة: النقاط التي تحتفظ بها إسرائيل في جنوب لبنان ذات أهمية إستراتيجية
أكد العميد خالد حمادة، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتمركز في خمس نقاط فقط داخل لبنان، وليس أكثر، وهي مواقع تطل على مستوطنات إسرائيلية في القطاعات الشرقي والأوسط والغربي. وأوضح أن هذه النقاط تتمتع بقدرات استراتيجية، مثل المراقبة والتشويش، مما يمنحها إمكانية اكتشاف أي تحركات عسكرية أو حشود على الحدود اللبنانية، بالإضافة إلى رصد أي نوايا لشن عمليات هجومية.
وأضاف حمادة، خلال مداخلة ببرنامج مطروح للنقاش على قناة القاهرة الإخبارية، من تقديم الإعلامية داليا أبو عميرة، أن التجارب العسكرية الحديثة أثبتت أن هذه النقاط، رغم أهميتها الدفاعية، لم تعد فعالة في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي، خصوصًا مع امتلاك إسرائيل قدرات جوية هائلة وتقنيات متطورة تمنع الاستفادة الكاملة من هذه المواقع.
وأشار إلى أن الادعاء بإمكانية استخدام هذه التلال لتهديد العمق الإسرائيلي لم يعد دقيقًا، نظرًا لاختلال ميزان القوى بشكل كبير بين إسرائيل من جهة، ولبنان أو حزب الله من جهة أخرى.