تزايد المخاوف من تدمير البنية التحتية في البلاد
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
أجج الدمار الهائل الذي لحق بمحطة التوليد الكهربائي بشمال الخرطوم، والذي جاء بعد أقل من 24 ساعة من قصف مصفاة النفط الرئيسية بمنطقة الجيلي، المخاوف من المآلات الكبيرة الناجمة عن التدمير الكبير للبنية التحتية نتيجة الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023.
ووفقا لتقديرات غير رسمية فإن خسائر الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت العامة منذ بداية الحرب في السودان تتراوح بين 120 إلى 150 مليار دولار حتى الآن.
ويزيد الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة في الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد من الأعباء الاقتصادية والمالية المترتبة عن الحرب، في وقت تتدهور فيه الأوضاع الاقتصادية في البلاد بشكل مريع حيث يتراجع الناتج القومي بقرابة النصف، كما تآكلت العملة الوطنية بشكل كبير حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا فوق 1800 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
دمار كبير
في أحدث عملية قصف تطال المنشآت العامة، تعرضت محطة بحري الحرارية التي تسهم بنحو 17% من إنتاج البلاد للكهرباء والمقدر بنحو 1900 ميغاواط، صباح السبت، لحريق هائل دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه في وقت تشهد فيه الخرطوم تبادلا عنيفا للقصف بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومنذ بداية الحرب فقد السودان أكثر من 70% من طاقة إنتاج الكهرباء، والتي كانت أصلا تغطي فقط نحو 60% من احتياجات البلاد المقدرة بـ3500 ميغاواط.
ومنذ اندلاع القتال العام الماضي، تعيش معظم أحياء الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى ظلاما كاملا، حيث تعرضت محطات الإنتاج وشبكات الإمداد إلى تدمير كبير، كما أدى الضغط الزائد على الأحمال القليلة التي لا تزال تعمل إلى خروج مناطق عديدة من الخدمة أيضا.
وإضافة إلى تعطل الخدمات المتعثرة أصلا بسبب نقص الكهرباء؛ تتزايد المخاوف من أن يفاقم انقطاع الكهرباء من المشكلات الصحية الكبيرة التي تعاني منها البلاد حيث تشير تقارير إلى ارتفاع معدلات الوفيات في المستشفيات لأسباب تتعلق بنقص الكهرباء.
قطاعات واسعة
إلى جانب الخسائر البشرية بين المدنيين، التي تقدرها بيانات الأمم المتحدة بأكثر من 16 ألف حالة وفاة؛ وعشرات الآلاف من الجرحى؛ فقد أحدثت الحرب دمارا هائلا في البنى التحتية في البلاد، فإلى جانب خسائر المجهود الحربي وتدمير الترسانة العسكرية والمقدرة بنحو 500 مليون دولار شهريا، فقد شملت خسائر الحرب بنى أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.
والحق القصف الجوي والمدفعي المكثف دمارا جزئيا وكليا بنحو 15% من المباني السكنية و40% من الأسواق و60% من المباني والمنشآت الحيوية بالعاصمة، من بينها القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.
وتعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي أو جزئي.
ووضع الدمار الكبير الذي تعرضت له المستشفيات والمنشآت العلاجية القطاع الصحي أمام خطر الانهيار الكامل بعد خروج أكثر من 80% من المستشفيات عن الخدمة تماما، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار.
وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، واعتبر خبراء أن القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 80% من وحداته الانتاجية بعد الاضرار الكلية والجزئية التي لحقت بأكثر من 600 مصنع، منها 400 في الخرطوم وحدها، وفق بيانات اتحاد اصحاب العمل السوداني.
وبعد الحرب خرج أكثر من 70% من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكا حكوميا وتجاريا.
وفقا للخبير الاقتصادي وائل فهمي فإن إصلاح الدمار الذي لحق بالبنى التحتية العديدة والمنشآت العامة يحتاج إلى أكثر من 120 مليار دولار إذا توقفت الحرب الآن، مقدرا إجمالي خسائر الحرب حتى الآن بأكثر من 500 مليار دولار بدون عمل تقديرات للدمار التي يمكن تكون قد أحدثته الهجمات التي وقعت خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح فهمي لموقع سكاي نيوز عربية أن الخسائر لا تتوقف على دمار البنى التحتية والمنشآت الإنتاجية فقط، بل يضاف إليها الإنفاق العسكري الضخم والذي اقترب، وفق مصادر دولية، من 200 مليار دولار بعد عام، دون الثلاثة اشهر الإضافية على عام الحرب. وأضاف “تتعرض البيوت والأسواق والمصانع والمنشآت المدنية والحربية، وخطوط البترول والكهرباء والمياه والمستشفيات والمؤسسات الخدمية لدمار واسع في ظل الحرب الحالية”.
تداعيات سياسية وقانونية
يتزايد الجدل حول الدوافع السياسية والعسكرية التي تقف وراء عمليات التدمير التي تطال البنية التحتية والتداعيات القانونية التي يمكن أن تنجم عن تلك العمليات.
ويشير الأكاديمي والمحلل السياسي الأمين بلال إلى تزايد معدلات استهداف البنية التحتية الحيوية منذ اندلاع الحرب مما عرضها للتدمير بشكل كامل سواء بقصد أو عن طريق الضربات العشوائية من طرفي الحرب.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية “إهلاك البنية التحتية يأتي بسبب إصرار أطراف الحرب على تحقيق النصر العسكري ولو كلف ذلك إهدارا للموارد البشرية والمادية”.
واعتبر بلال أن استهداف البنى التحتية الحيوية جريمة كبرى، ليس فقط باعتباره تصعيداً نوعياً يُطيل أمد الصراع ويُعرقل جهود التسوية السياسية المتوقعة، بل لأنه يحول التجاذبات والاتهامات المتبادلة بين أطراف الحرب في شكل خطاب قائم على تجريم كل طرف للآخر، مما يعني صعوبة إثبات المتورط منهما.
ومن جانبه، ينبه الخبير القانوني هشام أبوريدة إلى أن القانون الدولي ينص في حالة النزاعات المسلحة الحديثة على اتخاذ التدابير الاحتياطية اللازمة في الهجوم.
ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية “تنص المادة 57 من البروتوكول الدولي الإضافي على قاعدة تمنع استهداف المدنيين أو الأعيان المدنية بما في ذلك البنية التحتية والمنشآت العامة”.
تبعات
بسبب الحرب انكمش الناتج القومي بأكثر من 40%، وتقلصت الإيرادات العامة بنحو 80% لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولي، في ظل انهيار المصارف والمشاريع الإنتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الإيرادات.
وفقا لما وصفها الخبير الأممي ووزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي بالتقديرات الواقعية فإن الحرب جرفت 20% من الرصيد الرأسمالي للبنية الاقتصادية التحتية المقدر بنحو 550 مليار دولار.
تتفاقم خسائر البنية التحتية أكثر بسبب ثقل مساهمة الولايات الأكثر تأثرا بالحرب في الناتج المحلي الإجمالي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض حيث تتركز فيها معظم قواعد الإنتاج والبنى الأساسية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني.
تعاني أكثر من 60% من مناطق البلاد شحا كبيرا في إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات بعد أن دمر القتال الكثير من المنشآت والشبكات الرئيسية.
سكاي نيوز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: البنیة التحتیة ملیار دولار فی البلاد الذی لحق بأکثر من أکثر من
إقرأ أيضاً:
بعد عامين من الحرب هل ينجح السودان في النهوض باقتصاده؟
الخرطوم – بدأ اقتصاد السودان يستفيق من صدمة الحرب التي اندلعت قبل عامين، غير أن خبراء ومستثمرين لحق الدمار بمؤسساتهم يرون أن إعادة الإعمار وإنعاش الإنتاج ودورة الحياة الاقتصادية يحتاج رؤية وخطة فاعلة واستقطاب تمويل ضخم لا يتوفر في داخل البلاد.
وحسب صندوق النقد الدولي، بأن الناتج المحلي الإجمالي في السودان انكمش 18% في عام 2023، وتوقع وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم أن يصل الانكماش في الاقتصاد السوداني إلى حوالي 28% بنهاية العام 2024 قبل أن يرتد ليحقق نموًا بنحو 0.3%، ثم 0.7% في العامين المقبلين.
وانهارت العملة الوطنية في السودان بشكل كبير منذ 15 أبريل/ نيسان 2023، فصار الدولار يُتداول بنحو 2700 جنيه سوداني في السوق الموازي حاليًا، مقارنة بحوالي 600 جنيه سوداني قبل الحرب.
حقائق وأرقاموحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، تراجع معدل التضخم في فبراير/شباط الماضي إلى 142.34% مقارنة مع 145.14% في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وانخفضت قيمة كل من الصادرات والواردات خلال العام الماضي، لكنّ مقدار الانخفاض في الوارد كان أكبر بكثير:
تراجعت قيمة الصادرات السودانية إلى 3.13 مليارات دولار في 2024 من 4.35 مليارات دولار في 2022، بانخفاض بنحو 28%. انخفضت قيمة الواردات إلى 4.91 مليارات دولار من 11.09 مليار دولار بتراجع 66%، وفق وزارة التجارة. إعلانيرى الباحث الاقتصادي إبراهيم صالحين أن الاقتصاد السوداني تأثر سلبيًا بشكل كبير جراء الحرب، الأمر الذي يجعل إصلاحه يتخذ مسارات عدة، أولها إنهاء الحرب بشكل كامل وإعادة الاستقرار السياسي إلى البلاد، وإنعاش القطاع الزراعي.
ويقول صالحين لـ (الجزيرة نت) إن القطاع الزراعي يتمتع بإمكانات وفرص كبيرة تُمكن الاقتصاد من الانتعاش، إلى جانب في الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء وإمدادات المياه ما يدفع نحو التعافي في العام الثالث لتفجر النزاع.
ورغم الدمار الواسع في الصناعة بولاية الخرطوم التي تستخوذ على أكثر من 80% من الصناعات، عادت بعض المصانع في العمل، إذ استأنفت مطاحن روتانا للغلال نشاطها الشهر الماضي على أن تتبعها مطاحن أخرى بنهاية الشهر الجاري.
من جهته، يقول محمد عبد المنعم صاحب مصنع بالخرطوم بحري دمرته الحرب، إن الحرب أفقرت أصحاب الصناعات بعدما فقدوا الأجهزة والمعدات بالإضافة إلى بنية الصناعة، ويحصل غالبيتهم في تمويل من البنوك ما يتطلب إعادة جدولة ديونهم ومنحهم إعفاءات حتى يعودوا للإنتاج.
وشكك المستثمر في تصريح لـ (الجزيرة نت) في إمكانية عودة من نقلوا استثماراتهم إلى خارج البلاد بسبب حالة عدم اليقين والامتيازات التي صاروا يستفيدون منها، فضلا عن انتقال الحرب إلى غرب البلاد التي عدها مصدرا رئيسيا للحبوب الزيتية والثروة الحيوانية، بالإضافة إلى انهيار البنية التحتية وأزمة الطاقة (الكهرباء) التي تعتمد عليها الصناعة.
رؤية للإعمارأقرت اللجنة العليا للإعمار التي شكلها مجلس السيادة السوداني رؤية إطارية تستهدف توجيه الطاقات نحو إعادة بناء النسيج الاجتماعي والعمراني بأفضل مما كان قبل الحرب، وتوظيف واقع التدمير لإعادة بناء المؤسسات والأمكنة بجودة معمارية وهندسة اجتماعية واقتصادية.
إعلانوأوضحت الخطة، التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها، أن تنفيذها سيكون بمشاركة الدولة والمجتمع والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية، عبر 4 مداخل استراتيجية تشمل الإداري والتشريعي، والسياسي، والعمراني، والاجتماعي.
وحددت الخطة 3 مراحل للإعمار كالتالي:
الأولى: الاستجابة الأولية التي تلي توقف الحرب وتشمل الخدمات الإنسانية الطارئة ودعم الاستقرار وحالة السلام. الثانية: الفترة الانتقالية وتركز على تطوير قدرات المجتمع وإنشاء آليات للإعمار الاقتصادي والسياسي. الثالثة: مرحلة تعزيز الاستدامة بتفعيل خطط إعادة الإعمار وترسيخ كل كوابح عدم العودة للصراع.وقدّرت الخطة خسائر القطاع الاقتصادي بنحو 108.8 مليار دولار، وحددت مصادر التمويل كالتالي:
فرض ضريبة إعمار على المقتدرين من السودانيين في داخل البلاد وخارجها (المغتربين). خفض الإنفاق الحكومي، وتقديم صيغ التمويل بالصكوك. التمويل الخارجي بالقروض والمنح من الدول والصناديق العربية والأفريقية والاسلامية.واقترحت الخطة التركيز على القطاعات المؤثرة والبدء بالقطاع الزراعي الذي يساهم في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 28.9% ثم قطاع الخدمات الذي يساهم بـ 56.7% والصناعي 14.4%، وكان الزراعي أقل تضرراً والأسرع نمواً.
ودعت الرؤية إلى فتح نوافذ للقطاع الخاص والمحلي والأجنبي للمشاركة في إعادة الإعمار وفق صيغ التمويل ونظام البناء والتشغيل ثم إعادة الملكية، وتأسيس صناديق صكوك في السوق العالمية والتوسع في الاستثمار الحلي والأجنبي.
ولتعويض المواطنين والمستثمرين الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم واستثماراتهم، تقترح الرؤية تأسيس صندوق تعويضات إقليمي وعالمي، وتوفير تمويل ميسر للمتضررين للقطاع الخاص حتى يعود للإنتاج، وإصلاح النظام المصرفي للمساهمة في إنعاش الاقتصاد عبر صيغ تمويل مرنة.
متاعب الخدماتمن جانبه، يقول وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم إن الخسائر في قطاع الصحة فادحة، إذ تبلغ قيمة الأجهزة والمعدات الطبية التي فقدتها المستشفيات العامة والخاصة بالنهب والتدمير بولاية الخرطوم فقط 2.2 مليار دولار.
إعلانويقول إبراهيم لـ (الجزيرة نت) إن المؤسسات المعنية استطاعت خلال فترة الحرب استيعاب 13 ألف طبيب، كما سمح مجلس الأدوية والسموم لـ 19 مصنعاً للأدوية طالها التدمير، بالصناعة التعاقدية خارج البلاد وتوريد أدويتهم بذات علاماتها التجارية، مما ساهم في توفر الأدوية.
ووفقاً لوزير الصحة فإن خطة للنهوض بالقطاع تستند إلى الجهود والمبادرات الداخلية، كما تلقت الحكومة تعهدات من السعودية وقطر بدعم الصحة في المرحلة الإسعافية، واستقبلت مدينة بورتسودان خلال الأسبوع الماضي وفودًا فنية من الدولتين، بجانب منظمات دولية تساهم حاليًا في إنعاش القطاع.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي محمد الناير إن القطاع الصناعي أكثر القطاعات تضررًا بنسبة تتجاوز 80% يليه القطاع التجاري، بجانب تدهور سعر صرف الجنيه في مقابل العملات الأجنبية بسبب التأخر في استبدال العملة الوطنية وتفشي التزوير.
وفي حديث لـ (الجزيرة نت) يرى الناير أن الشهور الأخيرة شهدت استقرارا نسبيا في سعر صرف العملة بعد زيادة عائدات تصدير الذهب إلى أكثر من ملياري دولار في 2024، بالإضافة إلى عودة السيولة للجهاز المصرفي والتعامل الإلكتروني في الخدمات ما يدعو للتفاؤل باستقرار اقتصادي في حال انحسرت الحرب.
وتوقع الخبير تراجعًا في البطالة التي تجاوزت 40% قبل الحرب، بعد تحرك عجلة الاقتصاد بإعادة الإعمار وتدفق استثمارات داخلية بعد هجرة مستثمرين للخارج وانتعاش القطاع الخاص مما يساهم في تشغيل الأيدي العاملة.