مشهد متشابك.. الإرهاب في القرن الأفريقي
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
يعاني القرن الأفريقي أزمات هيكلية مركبة متمثلة في الصراعات السياسية، والخلافات الإثنية والعرقية والنزاعات الحدودية، فضلًا عن الهشاشة الأمنية، وهو ما يخلق بيئة حاضنة لتمدد وانتشار التنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيمي “الشباب الصومالي” و”داعش”، حيث يسعى التنظيمان إلى توسيع مساحات العمل وجغرافيا الانتشار، الأمر الذي يستدعي تحليل هذا المشهد المتشابك عبر استعراض فواعله الأساسية، وسياقه الحالي، وتداعياته المستقبلية.
مشهد متشابك
تشهد عدد من دول القرن الأفريقي تناميًا لنشاط التنظيمات الإرهابية، ويأتي على رأس هذه التنظيمات حركة الشباب الصومالية التي تعد التنظيم الإرهابي المسلح الأكبر والأقوى في الصومال. ويقودها في الوقت الحالي “أحمد عمر” المعروف أيضًا باسم “أبو عبيدة الصومالي”، وتدين بالولاء لتنظيم “القاعدة” منذ عام 2012. تشكلت الحركة في عام 2002 وتبلور نشاطها في عام 2006؛ حيث تم الإعلان عنها بصفتها “الذراع العسكري” لاتحاد المحاكم الإسلامية، الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية “مقديشيو” آنذاك، غير أنها أعلنت انشقاقها عنه في عام 2007، بعد تحالفه مع المعارضة الصومالية.
مرت الحركة بمراحل تراجع في فترات مختلفة، لكنها نجحت في فرض نفسها كفاعل رئيسي في الصومال من خلال سيطرتها على مناطق عدة في الوسط والجنوب، كما امتد نشاطها إلى بعض البلدان المجاورة مثل إثيوبيا وكينيا. وقدّر تقرير أممي صادر في يناير/كانون الثاني الماضي عدد عناصرها بنحو 7000 إلى 12000 عنصر، ولفت إلى بلوغ حجم إيراداتها نحو 100 مليون دولار سنويًا من الإتاوات، وعمليات القرصنة، فضلًا عن ارتباطها بعصابات الجريمة المنظمة.
وأعلن الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” في عام 2022 عن شن حرب شاملة على الحركة تستهدف نفوذها، حيث بدأت الحكومة الصومالية حملة عسكرية ضدها؛ مما أسفر عن تكبدها خسائر فادحة على خلفية الغارات الجوية ضد قياداتها وعناصرها، لكنها لا تزال صامدة وقادرة على تنفيذ هجمات واسعة.
وفي سياق موازٍ، شهدت الصومال أيضًا صعودًا لتنظيم “داعش” في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بقيادة “عبد القادر مؤمن” بعد انشقاقه عن حركة الشباب، وتمركز نشاطه في ولاية بونتلاند شمال شرق الصومال، وعزز التنظيم صفوفه بعد انضمام منشقين آخرين عن حركة “الشباب”، ولفت تقرير أممي صدر في يوليو/تموز 2023، إلى أن التنظيم يضم ما بين 100 إلى 200 عنصر، ووفقًا لتقرير أممي آخر في فبراير/شباط 2023 حقق التنظيم نحو 100 ألف دولار شهريًا من خلال الضرائب غير المشروعة.
ولا يملك تنظيم “داعش” القدرة على السيطرة على مساحات واسعة أو تنفيذ عمليات كبيرة بسبب استمرار هجمات حركة “الشباب”، فيما يخضع نشاطه إلى مكتب “الكرار” المسئول عن الصومال وموزمبيق والكونغو الديمقراطية. (مكتب الكرار أحد المكاتب الإقليمية الخاصة بتنظيم “داعش” المختصة بالتواصل والتنسيق بين القيادة المركزية للتنظيم وولاياته المختلفة).
وقد نجح “بلال السوداني”، الذي قُتِل في عملية نفذتها القوات الأمريكية بشمال الصومال في يناير/كانون الثاني 2023 وكان المسئول عن توسيع نشاط التنظيم في أفريقيا، في تكوين شبكة تضم مقاتلين متمرسين وشخصيات لها صلة بشبكات الجريمة المنظمة يتم توظيفها من أجل تعزيز نشاط “داعش” في المنطقة، ومن المرجح أن يؤثر مقتله في الأهداف الاستراتيجية لهذه الشبكة.
وفي سياق ثالث، شهدت الساحة الصومالية احتدام الصراع بين كل من حركة “الشباب” وتنظيم “داعش” منذ ظهوره في الصومال، على خلفية قيامه باستقطاب عناصر من الأولى، معولًا في ذلك على جاذبية الفكر الداعشي من ناحية، وعلى الانقسامات التي تقع داخل الأولى من ناحية أخرى. إذ تدرك حركة “الشباب” أن هدف “داعش” ليس مقتصرًا على الحضور في الأراضي الصومالية فقط، بل يطمح في إقامة ولاية داعشية، عبر التمدد في مناطق سيطرتها، الأمر الذي اعتبرته تهديدًا واضحًا لنفوذها. حيث تتركز الأسباب الرئيسية في الصراع بينهما حول الهيمنة ومصادر التمويل والدعم المالي واللوجستي.
سياق مضطرب
يأتي نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي في سياق شديد الاضطراب مرتبط بالتحديات التي تواجهها الدولة الصومالية من ناحية، فضلًا عن التحديات التي يشهدها الإقليم من ناحية أخرى، ويمكن استعراض أبرز ملامحه على النحو التالي:
إشكالية الدولة الصومالية: تتسم الدولة الصومالية بعدد من التحديات الهيكلية التي تنصرف إلى تقويض قدرتها على التعاطي مع الأزمات الأمنية والسياسية التي تواجهها، نتيجة لضعف مؤسساتها الرسمية فضلًا عن تراجع كفاءتها التنظيمية والتوزيعية التي تمكنها من القيام بمهامها الأساسية.
إذ تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي على خلفية اعتماد صيغة المحاصصة العشائرية كآلية لتقاسم السلطة في البلاد، التي تمثل حافزًا رئيسًا لتنامي التمييز السياسي والإداري ضد الأقليات القبلية، ومن ثَمّ تتجدد النزاعات القبلية نتيجة لمطالبة بعض العشائر الفرعية بالمساواة مع العشائر الأخرى في التمثيل السياسي.
هذا إلى جانب التحديات التي تواجه النظام الفيدرالي الصومالي، نتيجة لعدم انسجام البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع الصومالي مع ديناميكيات النظام الفيدرالي، فضلًا عن غياب الأطر القانونية والدستورية التي ترسم محددات العلاقة بين الحكومة المركزية وبين حكومة الولايات، كذلك تنامي التقارب بين حكومات الأقاليم الصومالية وإثيوبيا.
وانعكس ذلك في توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وحكومة أرض الصومال في يناير/كانون الثاني الماضي، بموجبها تتمتع أديس أبابا بالوصول إلى البحر الأحمر تمهيدًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية، مقابل اعتراف الحكومة الإثيوبية بـ “أرض الصومال” كدولة مستقلة، وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية الصومالية “انتهاكًا” لسيادة الصومال، واستغلته حركة “الشباب” عبر إطلاق حملة تجنيد واسعة مستفيدة من الغضب الصومالي إزاء هذه المذكرة.
الصراعات السياسية: تشهد منطقة القرن الأفريقي عددًا من الأزمات والصراعات السياسية التي تؤجج من حالة الاضطراب التي تشهدها الدول الواقعة في هذا النطاق الجغرافي، ويعد أحدث هذه الأزمات الصراع الحالي في السودان الذي اندلع في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث اتسع نطاقه الجغرافي، وتعددت أبعاده، وتعقدت سياقاته، وتراجعت فرص تسويته على خلفية تعثر المسار الدبلوماسي. وفي هذا السياق، حذر تقرير صادر عن وكالات الاستخبارات الأمريكية في مارس/آذار الماضي من أن السودان يخاطر بأن يصبح بيئة “مثالية” للشبكات الإرهابية.
وارتباطًا بمشهد الصراعات السياسية في القرن الأفريقي، حري بالذكر تناول مشهد الصراع في إقليم تيجراى، الذي اندلع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على خلفية إعلان كلٍ من الحكومتين الفيدرالية في أديس أبابا والإقليمية في تيجراي أن الأخرى غير شرعية، وترتب على ذلك وقوع هجمات وحشية على المدنيين، ونزوح ملايين الأشخاص عن منازلهم، وهو ما انصرف إلى ارتدادات متعددة امتدت إلى دول الجوار الجغرافي. وبالرغم من توقيع اتفاق “بريتوريا” بين الجانبين في نوفمبر 2022 لوقف الأعمال العدائية، لكنه يظل هذا اتفاق هش نتيجة لوجود فرص ومحفزات لتجدد الصراع في الإقليم مرة أخرى.
الخلافات الإثنية والقبلية: ساهمت التركيبة الإثنية والقبلية المعقدة في منطقة القرن الأفريقي إلى تصاعد النزاعات والصراعات بين الدول، وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى الصراع بين جماعات العفر والعيسى والذي تمحور بشكل رئيسي حول المياه والمراعي، وشهد جولات متعددة في ساحات جغرافية مختلفة كالصومال وجيبوتي وإثيوبيا، فضلًا عن الصراع العرقي في إثيوبيا على خلفية التمييز الذي عانت منه عرقية الأورومو من جانب عرقيات الأمهرة والتيجراي.
ناهيك عن استمرارالصراعات القبلية والعشائرية في الصومال التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للتوتر الأمني، على خلفية محورية دور “العشيرية” كمحدد رئيسي للتفاعلات السياسية والاجتماعية في الدولة الصومالية. ومن ثَمّ تساهم الصراعات الإثنية والنزاعات القبلية والتباينات العرقية في تفاقم حالة عدم الاستقرار التي تنصرف إلى خلق بيئات حاضنة لتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية.
النزاعات الحدودية: تمثل النزاعات الحدودية بعدًا مهمًا في تفسير سياق منطقة القرن الأفريقي المضطرب، ويعد أبرزها، النزاع البحري بين الصومال وكينيا، حيث مثّل الرفض الكيني للقرار الصادر عن محكمة العدل الدولية في أكتوبر 2021، الذي يؤكد أحقية الصومال في السيادة على الجزء الأكبر من المنطقة البحرية المتنازع عليها في المحيط الهندي، مصدرًا محتملًا لتفجر الصراع من جديد.
كذلك النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان على منطقة الفشقة، والذي شهد مراحل متعاقبة من التصعيد المسلح بين عامي 2020 و2022، حيث تصاعدت التوترات في السنوات الأخيرة على خلفية تداعيات الصراع الدائر في إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا، وفرار الآلاف من النازحين إلى شرقي السودان، وتظل هناك فرصة لتجدده مرة أخرى لا سيما مع عدم وجود حل نهائي له.
كذا الصراع بين السودان وجنوب السودان حول منطقة أبيي، إذ ظلت هذه الأزمة عالقة دون حل بعد انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011؛ مما يترتب عليه تجدد التوترات من حين لآخر على خلفية عدم وجود تصور واضح لتسويتها.
تداعيات متعددة
ثمة تداعيات متعددة قد تنصرف إلى نشاط التنظيمات الإرهابية في سياق إقليم القرن الأفريقي المضطرب، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
اتساق نطاق التهديد: يعكس المشهد سالف الذكر احتمالية اتساع نطاق الظاهرة الإرهابية وتمددها في المنطقة، لا سيما في ظل الوضع الأمني المضطرب الذي تعانيه القارة الأفريقية على وجه العموم، والقرن الأفريقي على وجه الخصوص، إذ يؤدي توسع العمليات الإرهابية إلى زيادة مستويات العنف الموجهة للمدنيين.
ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 احتلت حركة الشباب الصومالية المركز الرابع في تصنيف الجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا خلال عام 2023، وبلغ عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب المنسوبة إليها نحو 499 حالة وفاة عام 2023، حيث وقع 86% من هذه الوفيات في الصومال و14% في كينيا.
تدفق المقاتلين الأجانب: قد يؤدي توسع النشاط الإرهابي في منطقة القرن الأفريقي إلى تدفق المقاتلين الأجانب بشكل متزايد، لا سيما في ضوء ما لفتت إليه تقارير عدة بشأن تدفق العديد من المقاتلين إلى القرن الأفريقي. وتكمن خطورة هؤلاء في جملة من العوامل الرئيسة؛ يتعلق أولها: بتعزيز قدرة التنظيمات الإرهابية على الصمود أمام الضغط الأمني.
وينصرف ثانيها: إلى تطوير استراتيجيات قتال تلك التنظيمات على المستويين العملياتي والتكتيكي، على خلفية الخبرات التي اكتسبها هؤلاء من مناطق الصراع المختلفة. ويتصل ثالثها: إلى تحول هؤلاء إلى حلقات وصل بين التنظيمات الإرهابية الداخلية والخارجية. ويدور رابعها: حول التوسع في استهداف المدنيين، إذ وجدت الدراسات الحديثة أن وجود مقاتلين أجانب في مناطق الصراعات قد يزيد من مستويات العنف ضد المدنيين بما في ذلك العنف الجنسي.
تهديد الأمن الإقليمي: لفتت العديد من التقارير إلى التنسيق الجاري بين إيران ووكلائها وحركة “الشباب”، إذ أفاد مسئولون كبار في الحكومة الصومالية، أن اهتمامات طهران بالقرن الأفريقي تتضمن إقامة علاقات سرية مع حركة “الشباب”، وذلك من أجل استخدام الصومال لنقل الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن ونقل الأسلحة إلى دول أخرى مثل كينيا وتنزانيا وموزمبيق.
وفي السياق ذاته، كشفت المخابرات الأمريكية في يونيو/حزيران الجاري عن مساعٍ لتسليح الحوثي في اليمن حركة “الشباب” لا سيما في ضوء استراتيجية التقارب مع إيران التي تنتهجها القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة”، ومن ثَمّ يحمل هذا المشهد ارتدادات كبرى على الأمن الإقليمي، إذ إن التنسيق بينهما ينصرف إلى تصاعد التهديد في البحر الأحمر وخليج عدن.
تعاظم الارتباط بين الفواعل العنيفة: ظهرت أعمال القرصنة مرة أخرى قبيل السواحل الصومالية بعد تراجعها لسنوات، حيث هاجم قراصنة صوماليون في ديسمبر الماضي أربع سفن مستغلين نقل السفن الحربية الأمريكية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر، على خلفية سلسلة الهجمات التي شنها الحوثيون.
وقد لفتت التقارير إلى تشكيل تحالف بين حركة الشباب والقراصنة، حيث توفر الأولى الحماية للثانية مقابل الحصول على نسبة كبيرة من عائدات الفدية. ويتجلى هذا التعاون أيضًا في استخدام القراصنة لأسلحة متقدمة، التي ربما تم الحصول عليها من خلال شبكة تهريب الأسلحة التابعة للأولى. وعلى الرغم من أن هذا التحالف ليس بالجديد إلا أن إعادة إحيائه يشكل تهديدات كبرى في ظل الوضع الأمني شديد الاضطراب.
مجمل القول، يشهد القرن الأفريقي تحديات كبرى تنصرف إلى حالة الاضطراب السياسي التي تتيح مساحات واسعة لنشاط التنظيمات الإرهابية، وتظل التسويات السياسية للصراعات بجانب تحقيق معدلات تنمية مرتفعة للحد من الفقر وتجفيف منابع التجنيد، عوامل رئيسية في تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية، ومنعها من التمدد، على أن يأتي ذلك بالتوازي مع الجهود الأمنية والعسكرية التي تلعب دورًا بارزًا في تفكيك البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية ومحاصرة نشاطها.
*نشر أولاً في: المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفالمذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...
الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...
موقف الحوثيون موقف كل اليمنيين وكل من يشكك في مصداقية هذا ال...
What’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: منطقة القرن الأفریقی الصراعات السیاسیة الدولة الصومالیة حاملة الطائرات البحر الأحمر واشنطن بوست حرکة الشباب الصراع بین فی الصومال على خلفیة فی الیمن من ناحیة فضل ا عن فی سیاق لا سیما فی عام فی هذا
إقرأ أيضاً:
الحرب على تنظيم الدولة بالصومال.. هل ينجو من مصير الموصل؟
أثار هجوم تنظيم الدولة على قاعدة عسكرية للقوات المحلية في ولاية بونتلاند الصومالية، في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قلقا محليا وإقليميا حول قدرة التنظيم على المواجهة والصمود والانتشار في منطقة معزولة جغرافيا في أحد أكبر أقاليم الصومال.
كما أعاد هذا الهجوم -الذي أدى إلى مقتل نحو 20 من القوات المحلية وتدمير جزئي للقاعدة العسكرية في منطقة طرجالي في مديرية إسكوشوبان- المخاوف المحتملة من تنامي نفوذ تنظيم الدولة، والسيطرة على المناطق الحيوية في بونتلاند، تمهيدا للوصول إلى المنافذ بحرية في هذا الإقليم، خصوصا في ظل مشاركة 12 مقاتلا ينتمون إلى جنسيات عربية وأفريقية وآسيوية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا تُقرع طبول الحرب بين إثيوبيا وإريتريا من جديد؟list 2 of 2العودة إلى الدبلوماسية.. هل تقود المفاوضات الإيرانية الأميركية لاتفاق جديد؟end of listوحول خلفيات نشأة تنظيم الدولة وأسباب صعوده الميداني منذ عام 2015، نشر مركز الجزيرة للدراسات بحثا تحليليا بعنوان "من الموصل إلى بونتلاند: الحرب على تنظيم الدولة.. الأجندات والأبعاد والسيناريوهات"، استشرف فيها الباحث الشافعي أبتدون الدوافع والأسباب الكامنة وراء الحملة التي تخوضها بونتلاند ضد هذا التنظيم.
تأسس تنظيم الدولة في الصومال على يد القيادي المنشق عن حركة الشباب عبد القادر مؤمن، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، مع نفر من المقاتلين لا يزيد عددهم على 30 مسلحا.
ويمكن القول إن عددا من العوامل قدز ساعد التنظيم في إيجاد موطئ قدم في مناطق بونتلاند:
الجغرافيا "الصعبة": اختار مؤمن، إقليم بري في ولاية بونتلاند مقرا له، وبالتحديد في جبال علي مسكاد الممتدة على طول 40 كيلومترا، وهو تموضع جغرافي مكّن التنظيم من التأسيس لصعوبة اختراقه بريا ويطل على البحر الأحمر. ديناميات المكون العشائري: يقوم النظام السياسي للولايات الفدرالية على المحاصصة العشائرية الذي همش دور بعض القبائل، وهذا ولّد شعورا بالنقمة على النظام ورغبة في إضعافه مع وجود الفرصة المواتية، وهو ما استغله مؤمن، ولجأ للاختباء والمناورة ومن ثم الانتشار والصعود الميداني. الخلافات بين بونتلاند والحكومة الفدرالية: استغل تنظيم الدولة غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية الصومالية وولاية بونتلاند، نتيجة الخلافات المتكررة حول تقاسم السلطة والنفوذ، واستطاع أن يشل قدرات الولاية ويضعف جهود العمليات العسكرية التي تخوضها للقضاء على هذا التنظيم مستقبلا. إعلانويمكن ملاحظة صعود تنظيم الدولة في الصومال من خلال ارتفاع عدد عناصره الذي كانوا في حدود الـ30 مقاتلا ووصلوا إلى نحو 1500 مقاتل بحلول العام الجاري، وفق تقديرات مراكز الأبحاث الأمنية المحلية.
وكان التنظيم في الصومال يكافح من أجل إيجاد مصادر تمويل محلية، وتمكن من فرض الإتاوات وجمع الضرائب من التجار في عموم الصومال، تحت تهديد السلاح، ما رفع إيراداته من حوالي 70 ألف دولار شهريا في عام 2018، إلى أكثر من مليوني دولار في النصف الأول من عام 2022.
أطلقت ولاية بونتلاند المحلية بمفردها حملة عسكرية واسعة النطاق سميت "حملة البرق" لاجتثاث جذور تنظيم الدولة في إقليم بري، وهي تدخل شهرها الرابع على التوالي، وحققت تقدما كبيرا بتحرير عشرات البلدات من قبضة التنظيم، من بينها مقار عسكرية وإدارية ومنازل تابعة لقيادات من التنظيم.
وأطلق رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني، أواخر فبراير/شباط 2025، المرحلة الثالثة لاستمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الذي فقد الكثير من مسلحيه وخسر أيضا مناطق شاسعة، تفوق نحو أكثر من 60 موقعا في سلسلة جبال علي مسكاد.
وأعلنت قيادات عسكرية عن مواجهة مسلحين من 32 دولة حول العالم ينتمون لتنظيم الدولة في الصومال، تمكنت القوات من القضاء على نحو 300 منهم، تعود جنسياتهم إلى المغرب وسوريا والسعودية وإثيوبيا والسودان ومالي، من دون وجود مقاتلين صوماليين للتنظيم سقطوا في المواجهات الأخيرة، وذلك وسط تقدم القوات المحلية شيئا فشيئا نحو المعقل الرئيسي للتنظيم.
وتشن القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) سلسلة غارات عنيفة ضد التنظيم منذ فبراير/شباط الماضي، وذلك بهدف إضعاف قدراته ودعم جهود العمليات الأمنية للقوات المحلية.
إعلانوتسعى الولايات المتحدة من خلال الضربات إلى تعزيز الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهو ما يفسر عودة الضربات بشكل عنيف إلى مناطق في الصومال، خاصة تلك التي تستهدف تنظيم الدولة.
وانحصر الاستهداف في السابق بقيادات التنظيم، ولم يكن استهدافا عشوائيا، بينما وضعت الضربات الأخيرة التنظيم في مأزق حقيقي، وعطلت تحركاته وتنقلاته أثناء العمليات الأمنية التي تخوضها القوات المحلية في بونتلاند، ففي غضون شهرين نفذت الولايات المتحدة 7 غارات جوية عنيفة بمعدل غارة أسبوعيا تقريبا؛ ما يعكس حجم الاهتمام الأميركي لحماية مصالحها في المنطقة، خاصة قواعدها المنتشرة في الصومال وجيبوتي وكينيا.
وتعد منطقة القرن الأفريقي حلبة صراع وعرة بين الصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة، لكن تراجع الدعم الأميركي لدول المنطقة والذي كان يتم عبر الوكالة الأميركية للتنمية (USAID) يمكن أن يعطي ضوءا أخضر للتنين الصيني لسد هذه الثغرة وتوفير الدعم لهذه الدول، كما أن عرض الصومال للولايات المتحدة لمنحها قواعد وموانئ حيوية قد يغري واشنطن بلا شك ويدفعها للحفاظ على مصالحها والتنسيق أكثر مع الحكومة الصومالية، لمواجهة الحركات الانفصالية والأخطار الأمنية المتنامية وتكثيف هجماتها ضد تنظيم الدولة وحركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة.
الرابحون والخاسرون في الحربأولا: الرابحون
تُعد بونتلاند الرابح الأول في تفكيك خلايا تنظيم الدولة في الصومال، لأن ذلك يعود بالنفع على السكان أولا، خصوصا التجار منهم الذي يضطرون لدفع إتاوات مالية ضخمة للتنظيم خشية الابتزاز والاغتيالات التي استهدفت العشرات منهم.
كما يستفيد رئيس الولاية سعيد عبد الله دني من هذه الحرب أيضا؛ إذ يمكنه توظيف هذا النصر سياسيا في الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2026، أو تعزيز رصيده المحلي ومكاسبه السياسية داخل الولاية، ويمكن أن يوحد الجبهة الداخلية في بونتلاند في صراعه السياسي المرير مع حكومة مقديشو.
إعلانوعلى الجانب الآخر، تقف الحكومة الفدرالية موقف المتفرج على العمليات التي تخوضها ولاية بونتلاند، لكنها عبّرت عن تأييدها لهذه العملية ورحّب بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، باعتبارها خطوة أساسية لمكافحة التنظيمات المسلحة خارج إطار القانون التي تمثل تهديدا للجمهورية الصومالية الثالثة، وهو ما يعطي الحكومة الفدرالية خيارات أكثر وفرصة كبيرة في مواجهة حركة الشباب النشطة في الجنوب ووسط البلاد.
وترى حركة الشباب في القضاء على تنظيم الدولة فرصة ثمينة للانتشار، إذ كان التنظيم يشكل خطرا كبيرا على وجودها، نظرا لأنه يستمد قوته من القوى العشائرية المحلية في بونتلاند، وحقق نصرا عسكريا حاسما في جولات المعارك التي خاضها ضد حركة الشباب.
ثانيا: الخاسرون
يخشى تنظيم الدولة من تكرر سيناريو هزيمته في الموصل عام 2017، وذلك بعد أن فقد جُل معاقله ومواقعه الرئيسة في سلسلة جبال علي مسكاد وشيوع أنباء عن هروب الكثير من عناصره إلى الخارج.
ولا شك أن ارتباطات التنظيم مع عصابات التهريب كانت نقطة ارتكاز بالنسبة لانتشاره في شمال شرق الصومال، ولهذا فإن ضرب التنظيم من الداخل يصدّع جداره الخلفي ويكشف مزيدا من التفاصيل والغموض حول الجهات المتعاونة معه والتي تمده بالقوة.
تزداد الشكوك المحلية حول وجود دول إقليمية وجماعات مسلحة لها تأثير مباشر في تغذية الإرهاب والتطرف في الصومال منذ عام 2000، خاصة بعد الكشف عن جوازات سفر أجنبية للمقاتلين الأجانب بعضها حديث يحمل بيانات دول عربية وأفريقية.
مآلات ومستقبل تنظيم الدولة في الصوماليمكن القول إن 3 سيناريوهات تحدد مستقبل تنظيم الدولة:
السيناريو الأول: استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة، وهو السيناريو المتوقع، نظرا للعمليات الأمنية المستمرة، وقلة الدعم العسكري واللوجيستي للقوات المحلية في بونتلاند، مع احتمال ممارسة التنظيم لعبة الاستنزاف البشري واللوجيستي لإدارة بونتلاند، ليعاود نشاطه بشكل عنيف ويفاجئ القوات المحلية بمواجهات شرسة كما حصل في بداية المعارك في يناير/كانون الثاني الماضي. السيناريو الثاني: إضعاف تنظيم الدولة، إذا استطاعت القوات المحلية تضيق الخناق أكثر وعدم تسييس العمليات الأمنية ضد هذا التنظيم. السيناريو الثالث: القضاء على تنظيم الدولة؛ إذ تأمل السلطات المحلية مكافحة التنظيم حتى القضاء عليه، وعدم وقف حملتها الأمنية حتى تحقيق النصر الكامل، لكن يعتبر هذا السيناريو الأقل احتمالا في المرحلة القادمة من العمليات التي دخلت شهرها الرابع على التوالي. إعلان