إسرائيل وحزب الله.. رسائل هوكستين ودور إيران
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
تتزايد المخاوف التي انبثقت منذ الثامن من أكتوبر من توسع الحرب بين إسرائيل وحماس لتطال لبنان، إذ بدأ حزب الله بشن هجمات على الحدود الإسرائيلية غداة الهجوم الذي شنته الفصائل المسلحة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، فهل تنجح واشنطن في منع وقوع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله؟ سؤال كبير تليه أسئلة كثيرة لعل أهمها: هل ستقوم إسرائيل بالتوغل في الجنوب اللبناني؟ وهل تتدخل إيران مباشرة لحماية وكيلها في لبنان؟
الخبيران الأميركيان، ديفيد شنكر وبول بيلار، ناقشا هذا الموضوع في برنامج "عاصمة القرار" من "الحرّة".
شنكر هو مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
كما شارك في النقاش، بيلار، مساعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سابقا، والأستاذ في جامعة جورج تاون في واشنطن، كما كانت هناك مداخلة من بيروت مع جوزيف جبيلي، عضو الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية. ومن الجليل، شارك في جزء من الحوار مفيد مرعي، العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي.
من يريد الحرب.. إسرائيل أم حزب الله؟يقول أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إن كلَّ المتحاربين المحتملين لا يريدون بالفعل رؤية الحرب؛ لا إسرائيل ولا لبنان، ولا حزب الله وإيران.
ورغم ذلك، فإن "هناك زخماً محتملاً في اتجاه الحرب، لأنه مع استمرار المناوشات اليومية، هناك دائماً احتمال حدوث سوء تقدير من أيّ طرف. ومن المهم جداً أن نعمل كل ما في وسعنا لإيقاف ذلك، وإيجاد حلِّ دبلوماسي للتحدي الذي تواجهه إسرائيل ولبنان"، حسب تعبير بلينكن.
إلى ذلك، تضيف باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، أن إدارة بايدن تعمل "بشكل متواصل لمنع إيران ووكلائها في لبنان والعراق واليمن من استغلال الأزمة في غزة والسعي إلى توسيع الصراع".
ومن بيروت، شدد آموس هوكستين، نائب مساعد الرئيس بايدن، على أننا نعيش "لحظة مفصلية، فالصراع بين إسرائيل وحزب الله طال كثيراً. ومن مصلحة الجميع حلّه دبلوماسياً وبسرعة. الأمر قابل للتحقق، كما أنه مُلِّح".
فهل ما زال هناك مجال للتوصل إلى حل دبلوماسي للتوترات بين إسرائيل وحزب الله؟ الإدارة الأميركية تواصل مساعيها بتفاؤل، وتعتقد أن أفضل طريقة لنجاح الحل دبلوماسي، هي "تحقيق وقف لإطلاق النار في قطاع غزة". وقف النار هذا يستلزم، برأي مراقبين، "ضغطاً أميركياً جدّياً وقوياً" على نتنياهو وحماس، التي ما زالت ترفض العرض المطروح على الطاولة.
قلق واشنطن من اندلاع جبهة ثانية، وتوسيع حرب غزة نحو لبنان وربما إلى المنطقة، دفع الإدارة الأميركية إلى الاستمرار في انخراطها الدبلوماسي الكبير في محاولة التوصل لحلّ.
يعتقد بول بيلار أن المساعي الأميركية لتفادي الحرب بين حزب الله وإسرائيل "تعزز التواصل بين الأطراف المتصارعة، لكن قد لا تنجح بشكل كامل لارتباط الأمر بتحقيق وقف إطلاق النار في غزة".
إلى ذلك يُضيف شنكر أن "هناك جداول زمنية حافلة بالمشاكل؛ أولوية إسرائيل هي إعادة مواطنيها المهجرين من شمال البلاد قبل بدء المدارس. وحزب الله يقول إنه لن يوقف حملته ضد إسرائيل حتى يحصل اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس. وهذا لن يحدث قريباً. إذاً الولايات المتحدة تحاول جسر الهوة هنا، وهناك مقترحات مثيرة للاهتمام ربما غير مقبولة لإسرائيل وحزب الله، وسنرى إن كان يمكن الوصول الى اتفاق عن طريق الوسائل الدبلوماسية"، حسب تعبير مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق.
هوكستين أوصَل هذه الرسالة للبنان!لا يعتقد شنكر أن وساطة هوكستين فشلت، رغم أنه لم يحقق الكثير بسبب موضوع التوقيت والربط مع غزة. لكن الأخير أوصل رسالة واضحة للحكومة اللبنانية بأن واشنطن لا تريد حرباً، وستبذل كل جهودها
من أجل تجنب نشوب حرب. وجزء من رسالة واشنطن هو "إذا نشبت الحرب فإن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل. أعتقد أن هذا يضيف إلى مناخ الردع، ومحاولة الضغط على لبنان، خاصةً على حزب الله كي يكون أقرب إلى الموافقة على اتفاق. الإسرائيليون يريدون اتفاقاً، ولكن الأمر يعود إلى حزب الله".
رداً على ذلك، يقول بيلار إن "نوع الاتفاق التي تريده إسرائيل غير معروف. وهنالك خطر للتصعيد من الجانبين، وهناك عوامل داخلية ضاغطة على الحكومة الإسرائيلية كعودة المهجرين إلى شمال البلاد. أيضاً هنالك الصعوبات والتحديات السياسية والقانونية التي يواجهها نتانياهو. وبالتالي لا أعتقد أن حلاً دبلوماسياً سينبثق عن جهود هوكستين. خاصة إن كانت الرسائل التي يوصلها الوسيط الأميركي، هي أن الولايات المتحدة تدعم التصعيد إسرائيلي، فهذا لن يؤدي لحل الأزمة".
يقول جوزيف جبيلي، إنه لغاية الساعة "ليس هناك جواب واضح من حزب الله على الطروحات التي حملها هوكستين إلى لبنان. وهذا الحزب يقول إنه لن يعطي جواباً قبل حصول وقف إطلاق نار في غزّة، وبالتالي فإن الاشتباكات ستستمر". ويخشى عضو الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية من "تجزئة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل. فالقرار الدولي شامل ويجب الالتزام بتنفيذه بشكل كامل".
من جهة أخرى، تقول النائبة الجمهورية نانسي ميس، إنه يجب على أميركا أن "تمنح إسرائيل كل وسائل القوة والذخيرة التي تحتاجها من أجل القضاء على حماس وحزب الله، مهما تكن التكلفة". فيما يقول النائب الديمقراطي غريغوري ميكس إنه "يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الحقيقية التي تشكلها إيران وحزب الله".
من المستفيد من معركة نتنياهو مع بايدن؟ينقل باراك رافيد في موقع أكسيوس الأميركي، عن ثلاثة مسؤولين في إدارة بايدن، قلقهم من أن "تصرفات نتانياهو تخلق هوة بين البلدين الحليفين. وبأن الفيديو الذي نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً حول حجب الولايات المتحدة أسلحة عن إسرائيل، هو أمر غير صحيح أولاً، وثانياً، فإن تصريحه هذا يزيد من تآكل قوة الردع الإسرائيلية في المنطقة، خاصة في نظر زعيم حزب الله حسن نصر الله وإيران".
كما نوه إلى أن الخلاف الجديد بين نتانياهو وإدارة بايدن يعيق الجهود الدبلوماسية الأميركية الإسرائيلية لتهدئة التوترات على الحدود اللبنانية، وتجنب الحرب مع حزب الله. ويختم الكاتب بالقول إن "فريق بايدن مصدوم من جحود نتانياهو".
ويعتقد الخبير الأميركي المخضرم آرون ديفيد ميلر بأن "بايدن في مأزق، وأن تصريحات نتانياهو تهدف إلى اللعب بقوة مع بايدن، وحشد الجمهوريين ضده؛ فنتانياهو واثق بأنه لن يكون أمام الإدارة الأميركية سوى خيار دعمه في أي حرب مع حزب الله، فيما تقع على حماس مسؤولية الرد على الاقتراح الإسرائيلي بوقف النار".
نحو عملية إسرائيلية برّية في لبنان؟يرى جوناثان سباير في صحيفة وول ستريت جورنال أن الوضع في شمال إسرائيل لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه الآن. وأن إسرائيل بحاجة إلى "استراتيجية شاملة ضد التهديد القادم من لبنان لمعالجة الأسئلة الأساسية ومنها: هل على إسرائيل تكثيف الضربات الجوية وصولاً إلى بيروت؟ وهل عليها شن عملية برية لدفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني؟".
ويجادل الكاتب علي ألفونه بأن "الصراع العسكري الشامل في شمال إسرائيل يعزز حكومة نتانياهو، التي يدعو اليمينيون المتشددون فيها إلى اجتياح جنوب لبنان".
ويضيف الخبير الأميركي الإيراني أن "توسيع حرب غزة عبر استفزاز حزب الله، ودفعه إلى رد فعل غير متناسب، قد يؤدي إلى صراع مع إسرائيل، ربما يجر الولايات المتحدة إلى صراع ضد حزب الله. فإيران تستخدم حزب الله لتشتيت تركيز إسرائيل عن غزة، لكن طهران غير مهتمة بحرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدخل عسكري أميركي في الصراع مما يؤذي بشكل خطير حزب الله، وكيل إيران الأبرز" في المنطقة.
ويشدد الكاتب نيكولاس نوي، على أن نشر حزب الله صوراً التقطتها إحدى مسيراته لتجمعات سكنية وعسكرية إسرائيلية، هو تحذير خطير من هذا الحزب لإسرائيل والولايات المتحدة، مضيفا أن "استعراض القوة هذا من قبل حزب الله لن يردع فعلياً حرباً أوسع، بل سيكون له أثر عكسي".
ويحذر الباحث الأميركي مارك دوبويتز، من أن "مهاجمة حيفا هو خط أحمر إسرائيلي، حسب قواعد الاشتباك غير المكتوبة بين إسرائيل وحزب الله، وإن تجاوز هذا الخط الأحمر قد يؤدي إلى حرب شاملة. فحيفا ذات أهمية حيوية عسكرياً وتجارياً. وأيضاً، فالمدينة ذات أهمية بيئية للأمن القومي الإسرائيلي، نظراً لوجود مصافٍ للنفط فيها".
من جهته، يحذر عضو الكنيست السابق مفيد مرعي، من أن "تعثر المساعي الدبلوماسية سيؤدي إلى تقدم الحلّ العسكري، والحرب ستكون بين إسرائيل ولبنان لا بين إسرائيل وحزب الله فقط، وعندها سيتذكر حسن نصر الله أنه جرّ لبنان لحرب مدمرة، وسيقول 'لو كنت أعلم لما بدأت الحرب'، كما قال عام 2006 حين بدأ الحرب على إسرائيل".
هل ستتدخل طهران مباشرة لحماية وكيلها في لبنان؟ماذا ستفعل إيران إن خاض حزب الله حرباً مع إسرائيل؟ يرى شنكر "أن ضرب إسرائيل لحزب الله وإضعافه سيكون كارثياً بالنسبة لإيران، لأن حزب الله متواجد لخدمة إيران لا لحماية الأعضاء الآخرين في محور المقاومة (الذي ترعاه إيران)".
ويوضح أن "حزب الله ليس (متوفرا) لمساعدة الفلسطينيين وإنما لخدمة وحماية إيران. وبالتالي، فإن طهران قد تتدخل عسكرياً بشكل مباشر إن اقتضى الأمر، مما سيجر المنطقة إلى حرب إقليمية خطيرة".
ويؤيده بيلار الذي يؤكد أن "إيران تنظر لحزب الله كرادع لإسرائيل ولإظهار دعم لحماس والفلسطينيين في غزة، لكن إيران لا تريد أن ترى ردع حزب الله يستخدم بطريقه أخرى تضعف هذا الحزب. وإن طهران لا تريد حرباً واسعة مع إسرائيل، ولن تتدخل في الحرب بشكل مباشر، بل ستدعم حزب الله بطرق أخرى، كما تفعل مع حماس".
يتوقع شنكر أن يكون لـ "تهديد حزب الله لقبرص تداعيات إقليمية واسعة وخطيرة، فقبرص عضو في الاتحاد الأوروبي، وممر تجاري دولي مهم، وهي تستضيف قاعدة عسكرية بريطانية".
فيما يرى بيلار أن "تهديد نصر الله لقبرص يهدف إلى ترهيب الأوروبيين، وهذا التهديد مستغرَب، لأنه ليس لإسرائيل قاعدة عسكرية في قبرص، بل تدريبات عسكرية مشتركة".
التوتر مرتفع بين إسرائيل وحزب الله، والحرب قد تقع عن طريق الخطأ في لبنان. هنا، بين التهديدات المتبادلة التي تقول إنه لا مفر من الحرب، تقف إدارة بايدن مع حلّ دبلوماسي، قد لا يرضي الجميع بشكل كامل، لكنه يوقف تمدد حرب غزة إلى لبنان والمنطقة. فالسباق في الأيام المقبلة هو بين الحرب والدبلوماسية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بین إسرائیل وحزب الله الولایات المتحدة وزیر الخارجیة فی لبنان یؤدی إلى حزب الله
إقرأ أيضاً:
لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد
لم يكن المسعف الفلسطيني رفعت رضوان يعلم، حين ارتدى بزته الطبية وحمل حقيبته الإسعافية فجرًا، أن هذه المهمة ستكون الأخيرة في حياته، برفقة زملائه، لإنقاذ عددٍ من المواطنين الفلسطينيين الذين تعرضوا للقصف الإسرائيلي في حيّ تلّ السلطان، غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة فجر يوم 23 مارس/آذار الماضي.
فعند الساعة 05:20 صباحًا، تحرك فريقٌ مشترك من الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني وإحدى الوكالات الأممية، استجابةً لنداءات استغاثة أطلقها جرحى فلسطينيون كانوا محاصرين.
انطلقوا بنية إنسانية خالصة، لا يحملون سوى الضمادات وقلوبٍ مخلصة، لكنهم -دون أن يعلموا- كانوا الهدفَ القادم لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن ما بدأ كمهمة إنقاذ انتهى بمجزرة دامية، فبعد وقت قصير من انطلاق الفريق انقطع الاتصال به، وبعد ساعات أعلنت قوات الاحتلال أن المنطقة أصبحت منطقة عسكرية مغلقة.
المسعف رفعت رضوان كان يوثق تفاصيل المهمة بهاتفه النقال دون أن يدرك أنه سيوثق أيضًا الجريمة النكراء التي هزت العالم، تلك كانت اللحظات الأخيرة في حياة مجموعة من المسعفين الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد.
الهاتف الذي كان بحوزة رفعت رضوان عُثر عليه مع جثمانه، موثقًا المشاهد الأخيرة التي تكشف أبعاد المجزرة، وكان رفعت في سيارة الإسعاف الثالثة ضمن قافلة ضمت سيارة إطفاء انطلقت للبحث عن سيارة إسعاف أخرى تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني فقدت الاتصال بقاعدتها، وضُعت علامات واضحة على جميع المركبات في القافلة، مع وميض أضواء الطوارئ.
إعلانوفي عملية البحث، رصد الطاقم السيارة المفقودة على جانب الطريق. قال أحد المسعفين في الفيديو الذي وثقه رفعت: "إنهم مبعثرون على الأرض! انظروا، انظروا!" نزل رفعت مع مسعفين آخرين من سيارتهم للاطمئنان على زملائهم الذين سقطوا، ولكن حين يتحول المنقذ إلى هدف، انطلق صوت الرصاص من رشاشات وبنادق جنود الاحتلال الذين نفذوا المجزرة بحق المسعفين.
أصيب رفعت، وفي لحظاته الأخيرة صلى ودعا الله مرارًا وتكرارًا ليغفر له وطلب المسامحة من والدته لاختياره طريق الإسعاف الذي وضعه في طريق الأذى. توقفت بعدها صلواته مع توقف نبض حياته، وبعد العثور على جثامين الضحايا، تبين أن قوات الاحتلال قتلت 8 من عمال الهلال الأحمر الفلسطيني في تلك الليلة، إضافة إلى 6 من العاملين في الدفاع المدني الفلسطيني كانوا في المهمة نفسها. وتم القبض على مسعف تاسع يُدعى أسعد النصاصرة.
هؤلاء المسعفون لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا أشخاصًا لهم حياة وعائلات وأحلام، ولكل منهم صفات مميزة أحبها من حوله، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الجانب الإنساني لهؤلاء الشهداء من خلال شهادات معارفهم وزملائهم الذين عاشروهم وأحبوهم. المسعف إبراهيم أبو الكاس، الذي رافق الشهداء خلال سنوات خدمتهم، تحدث للجزيرة نت عن حياتهم وعملهم الإنساني ضمن طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، مشيرًا إلى 16 شهرًا من حرب الإبادة المستمرة على غزة.
رفعت رضوان: الحفيد الطيب الذي وثق الجريمة بهاتفهفرفعت، ابن الـ24، كان روحًا لطيفة. "لقد حرص على مساعدة أي امرأة مسنة يصادفها"، يقول أبو الكاس. "كان يسعى للحصول على دعواتهن الصادقة عندما يقدم لهن المساعدة، ثم يودعهن برقة تجعلك تعتقد أنها جدته".
بوجهه الجاد ونظارته، كان حضور أشرف، ذو الـ32 عامًا، مطمئنًا لزملائه، بدأ التطوع عام 2021 ومنذ ذلك الحين كان يحرص على تقديم وجبات الإفطار لزملائه في رمضان، سواء بإعدادها بمركز الهلال الأحمر أو بجلب الطعام من منزله.
عُرف عز الدين (51 عامًا) بهدوء النفس المطمئنة وروح الدعابة، وكان شعاره: "سنعود إن كُتب لنا، وإن لم نعد فهي أقدارنا".
إعلانويقول أبو كاس إن عزالدين كان أبا جميلا.. وأخا عزيزا.. هدوء النفس المطمئنة.. كان يمازح الجميع.. وكان شعاره.. سنعود إن كتب لنا.. وإن لم نعد فهي أقدارنا..
قبل أن ينتقل إلى مركز إسعاف رفح بعد أن كان يعمل في مركز إسعاف خانيونس.. يقوم خلال الليل بعمل ساعة راحة لكل طاقم.. ويطمئن أن جميعها قد تناول العشاء.. حتى كان يكتب أسماء العاملين خوفا من أن ينسى أحدهم.
كان محمد (36 عامًا) شغوفًا بمساعدة الناس، ويُعرف بقدرته على إيجاد الحلول للنازحين، رغم التحديات.
أب لطفل يبلغ 15 عامًا، مكث في المقر أيامًا متتالية، يتفانى في عمله، ابنه هو النور الذي يضيء له الطريق.
ويروي عنه أبو كاس إحدى القصص بالقول ذات يوم ماطر.. كانت هناك سيدة طاعنة في السن تريد قطع الطريق، ولا تستطيع.. حديث الشركاء قد دار بين محمد ومصطفى.. هل نحن شركاء بالطبع.. مهما كانت المهمة؟ بالتأكيد.. قم ننقذ تلك السيدة وننقلها للجانب الآخر من الطريق.. وبالفعل يضعون لها كرسيا ومن ثم يجلسونها.. ويحملونها إلى الجانب الآخر من الطريق.. وسط ابتسامات جميلة وهم يزفون العجوز وكأنها عروس.. وتقوم هي بالزغاريد والدعاء لهم..
قال أبو كاس أحب رائد الذي كان بلغ من العمر، 25 عاما ، وكان يحب التقاط الصور، سخيفة، جادة، غير رسمية، وكان رائد أعرب عن أمله في أن يرى العالم صوره يوما ما وأن يتمكن من نقل معاناة شعبه من خلال عمله.
بدأ التطوع مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عام 2018، عندما كان عمره 18 عاما، خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى.
قتلت إسرائيل 214 متظاهرا، بينهم 46 طفلا، خلال هذه المظاهرات، وأصابت 36 ألفا و100، بينهم نحو 8,800 طفل.
إعلانرائد هو الأصغر من بين 5 أشقاء، ولم يتزوج بعد، على الرغم من أن عائلته كانت تأمل في أن يتزوج بعد الحرب. لكن هذا لم يحدث، ويروي والد رائد انتظارا مروعا لمدة 9 أيام لمعرفة ما حدث لطفله الأصغر، ويكافح من أجل كبح اليقين بأنه قد أعدم مع زملائه.
رغم إصابته في مهمة سابقة، أصر صالح (42 عامًا) على العودة للعمل لإنقاذ الأرواح.
وقال شقيقه حسين للجزيرة إن صالح أحب عمله أيضا، وعاد بمجرد تعافيه من الجراحة في عام 2024.
وأوضح حسين أنه في شباط/فبراير الماضي، كان صالح في مهمة لمساعدة الجرحى عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على المسعفين، على الرغم من إبلاغه بأنهم سيكونون هناك.
أصيب صالح بجروح بالغة في الكتف والصدر، وانتهى به الأمر إلى قضاء بعض الوقت في المستشفى لإجراء عملية جراحية، وبعد ذلك عاد مباشرة إلى العمل.
أبو الكاس تحدث عن شجاعته: "لقد كان مكرسا للمساعدة، وكان يقول إنه أينما كان الناس يصرخون طلبا للمساعدة، فهذا هو المكان الذي يجب أن نكون فيه، للرد عليهم".
قال أبو الكاس إن أسعد البالغ من العمر 47 عاما كان أبا لـ6 أولاد كما أنه أبدى دائما صبرا لا نهاية له للتفاوض مع الأطفال. كلما رأى أطفالا يلعبون في الشارع، كان يذهب إلى القيادة والتعامل معهم، ويقدم لهم الحلوى للخروج من الطريق والذهاب للعب في مكان آمن، سرعان ما اكتشفه الأطفال، وسيلعبون في الشارع مرة أخرى في المرة القادمة، يضحكون ويقولون: "لقد خدعناك!"، لكن أسعد لم يمانع قط، واستمر ببساطة في تسليم الحلويات.
لم تكن جثته من بين أولئك الذين تم العثور عليهم عندما ذهبت بعثة دولية للبحث عن عمال الطوارئ المفقودين، تم القبض عليه وتقييده وأخذه بعيدا، وفقا للشاهد الوحيد الناجي، منذر عابد.
تحدث الأب البالغ من العمر 47 عاما إلى عائلته آخر مرة في المساء الذي اختفى فيه، وأخبرهم أنه في طريقه إلى مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتناول الإفطار مع زملائه، وفقا لابنه محمد.
إعلانعندما حاولوا الاتصال به في وقت قريب من السحور، لم يستجب واكتشفوا من المقر الرئيسي أنه لا أحد يستطيع الوصول إليه أو إلى عمال الطوارئ الآخرين.
وقال ابنه إنه كان دائما يحذر عائلته من أنه كلما توجه في مهمة قد لا يعود، لكن مع استمرار أسعد في أعمال الإنقاذ لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حاولوا دائما تجنب التفكير في ذلك.
هذا التقرير، الذي أعده فريق الجزيرة نت، سلط الضوء على الجانب الإنساني لبعض الشهداء الأبطال من فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني، الذين قدموا أرواحهم في سبيل مساعدة أهالي غزة الذين يتعرضون للقصف والقتل الممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 18 شهرًا، من خلال كلمات المسعف إبراهيم أبو الكاس، الذي عاشر هؤلاء الأبطال وعايش تفاصيل حياتهم.