هل تبحث عن هدف من متابعة الأفلام؟
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
لا يختلف اثنان على أن السينما هي قوة اجتماعية واقتصادية هائلة، يقودها صانعوها، فتحتل مكانتها بين الشعوب مهما اختلفت وتباينت المستويات الفكرية والثقافية والعمرية، لتجد لها ملاذا في قلوب الشغوفين بها، وعلى الرغم مما يزعمه البعض أن الأفلام قد تكون مضيعة وقت، ولا يمكن أن تخرج معها بفائدة أو مغزى، ولا يمكن اعتبارها أكثر من مجرد وسيلة ترفيه، إلا أن آخرين يرونها من أعظم الاختراعات، وتأثيراتها تعم لا تخص.
دار نقاش بيني وبين أصدقاء قبل أيام حول الأفلام، كان الحديث حول أفلام الرعب، والتي يهرب من متابعتها كثر من الجمهور، ليقول أحدهم: "ما الذي أجنيه من هدف في متابعة فيلم يثير مخاوفي؟"، لأجيبه: "وهل نحن نتابع الأفلام بحثا عن هدف؟"، ورغم أن النقاش هنا طال، ووجهات النظر تباينت، إلا أني بدأت البحث بشكل أعمق، فوجدت أن هناك الكثير من الدراسات التي بحثت في مشاهدة الجمهور للأفلام الهادفة من غيرها.
إحدى الدراسات كانت لجامعة "أوهايو ستيت" حيث أنشأ الباحثون قائمتين من الأفلام، التي تم إنتاجها بعد عام 1985، تضمنتا تصنيفات مشاهدة عالية، اشتملت إحداهما على أفلام هادفة والأخرى كانت لأفلام أقل أهمية،
وبعيدا عن تتبع نتائج الدراسة في عدد الذين يشاهدون الأفلام الهادفة والتي تفوق حتما على تلك الأقل أهمية إلا أننا نتساءل هنا: أليس مفهوم الهدف أوسع من مجرد أن يجد المتلقي نتائج من خلال مشاهدة فيلم ما؟ وهل هناك تصنيف معين للأفلام الهادفة من سواها؟ ومن الحكم في ذلك؟
الشهية لمتابعة فيلم ما..
توجهت بعدد من الأسئلة لمجموعة ممن أثق بشغفهم السينمائي وانتمائهم للأفلام بمختلف أنواعها، وزيارة دور السينما بالنسبة لهم ليست مقتصرة على وقت بعينه، أو حالة ما، أو هي رحلة ترفيهية لقضاء وقت للتسلية فقط، بل هناك شغف وانتماء لمختلف أشكال العروض السينمائية التي تطل على الجمهور، وتتنافس أيها يكون الأكثر جذبا.
كان السؤال الأول: "مالذي يفتح شهيتك لمتابعة فيلم ما؟"
فقال منتصر البلوشي: "تنوع دور السينما، ووجود أفلام جديدة في شباك التذاكر، الهدف من ذلك هو الابتعاد والعزلة في قاعة مظلمة ومغلقة، أكتفي بها بالانغماس في مضامين الفيلم".
أما هيثم سليمان فقال: "مايثير شهيتي هو الانقطاع الطويل عن مشاهدة الافلام لفترة تتجاوز الاسبوع... كما أن نوع الفيلم يلعب دورا في الاقبال على مشاهدة الأفلام، تستهويني الافلام التي تحتوي قصصا انسانية وبها نسبة حبكات معقدة وغموض، وتشويق، وفي بعض الأحيان تكون تجمعات الأصدقاء والعائلة حافزا لحضور الأفلام بالمنزل أو في صالة السينما".
وقال سليمان الخليلي حول ذلك: "تجذبني الأفلام كونها عالم ساحر يسحرك بالحكايات والقصص، وكونها واحدة من أهم منجزات الإنسان في القرن العشرين حيث تجمع جميع الفنون في فن واحد، وبرزت كجانب ترفيهي، تنقلك من واقعك الى عالمها، عالم القصص والحكايات التي تشاهدها بعينك وتسمع تفاصيلها وتشعر باحساسيها، وتستطع من خلالها معرفة واقع أي مجتمع".
تكرار مشاهدة الفيلم..
وبحثا عن حقيقة ما تعنيه الأفلام للشغوفين بها، كان سؤالي لهم: "هل تموت متعتك إذا كررت مشاهدة فيلم ما؟"
فقالت منتصر البلوشي: "لا تموت.. ولكن ربما تقل قليلا خصوصا اذا كان الفيلم من الخيال ومجرّد من الواقعية"، فيما يقول هيثم سليمان: "عادة يندر أن اقوم بتكرار مشاهدة أي فيلم حتى وان كان لمخرج معروف أحبه او نوعية أفلام تستهويني.. برأيي الشخصي تكرار مشاهدة الفيلم ينزع من المشاهد المشاعر والأفكار العذراء الأولى في التلقي، وتصبح المسألة بحث عن إعجاب أو انتقاد في المشاهدة الثانية... الفيلم الوحيد الذي قمت بمشاهدته مرتين كان الفيلم ما قبل الأخير للمخرج كريستوفر نولان "فيلم عقيدة/ " Tenet
وذلك لصعوبة الحبكة وشدة الغموض فيها". ويوافقه الرأي أيضا سليمان الخليلي الذي قال حول ذلك: "شخصيا، لست من محبي تكرار مشاهدة الأفلام، وأفضل استغلال الوقت لمشاهدة فيلم آخر، ولكن ثمة استثناءات لأفلام اعجبتني وارغب بمشاهدتها مرة ثانية لاستكشافها مرة اخرى".
الاستمتاع بالطرح..
قد نتحدث عن كمية المتعة التي تتركها كثير من الأفلام الجادة والعميقة وذات الحبكة الغامضة، الأفلام الأعمف والأشد رصانة وجدية، لكن يبقى هناك فئة من المخرجين الذين تطرفوا في تقديسهم لمبدأ "المتعة" بمعناها المطلق فتخصصوا في صناعة الأفلام التي لا تُلزم المشاهد بأي شيء ولا تطالبه بالتفكير ولا التأمل. فجاءت أفلامهم ممتعة خالية من التعقيد ومن الرسائل الفكرية والأخلاقية المباشرة. لتكون أشبه بفرصة للمشاهد لقضاء وقت سعيد وممتع.
يصنف نوع هذه الأفلام بتلك التي نلجأ لها حين نملّ ونسأم مشاهدة الأفلام الجادة، وهي المساحة التي نحتاجها جميعا -نحن الشغوفون بمشاهدة الأفلام بمختلف مستوياتها وأشكالها وتوجهاتها-، وهي فترة الراحة التي يحتاجها عقلي وعقلك من أجل إعادة الشحن وتدوير النشاط، وقد تجد من يؤكد لك تفاهة هذا النوع من الأفلام ويجادلك في اهميته، مؤمنا بأن شكل الأفلام السينمائية لابد أن يكون بمعانيها الفلسفية والعميقة، والتي تطرح رؤى وأفكاراً حول الكون والإنسان والحياة. لكن حقيقة الأمر هي أن أفلام المتعة نوع مهم من أنواع السينما ودون وجودها ربما لن نستطيع حتى تقدير تلك الأفلام الجادة.
"شخصيا لا أبحث عن الأفلام الهادفة ولاتهمني كثيرا" هو ما قاله السينمائي هيثم سليمان مؤكدا على ذلك بقوله: "نعم اؤمن ان هنالك هدف ورسالة وفكرة خلف كل فيلم ولكن هذه العناصر ليست ذات أولوية بالنسبة لي، حيث ان الاستمتاع بالطرح وطريقة طرحه والفنيات الموجودة بالفيلم،.
اما ارتباط الأفلام بواقعية الحياة فهي إحدى أنماط وطرق تقديم الأفلام ونتحدث هنا عن مدرسة سينما الواقع التي تراعي وتحرص على تقديم نسخة مقاربة من واقع الحياة لما يحدث في الشق الروائي ومطابقة صريحة غالبا في الشق الوثائقي.. نعم المعان السامية المستمدة من واقع الحياة تعطي للفيلم روحا وقبولا أكثر لدى المشاهد ولكنها أداة كحال بقية الأدوات بالفيلم"...
هل نبحث عن الأفلام الهادفة؟
وقال سليمان الخليلي: "لا يوجد مصطلح يسمى (أفلام هادفة) لان السينما ليست توعوية، بل هي حكاية مصورة تحكي عن أحداث وتفاصيل سواء تحذبه المشاهد إليها أم لا، كون الأفلام تختلف فئاتها لكنها تناقش واقع حتى لو كانت أفلام خيال علمي أو رعب أو أكشن، في مضمونها هي تطرح قضية واقعية حتى لو كان شكلها بقالب خيالي لا يمت للواقع، وبشكل عام دوما الأفلام التي تناقش الواقع، هي أفلام قوية لها تأثير قوي لدى الناس حيث تقدم الحياة الإنسانية برؤية تحمل الكثير من الرسائل والقيم التي يرغب فيها الإنسان".
تأثير نفسي يلامس شعور البشر..
لم تكن الدراسات قد ركزت على بحث أن التأثير الذي تتركه الأفلام ذات المغزى هو تأثير ظاهري فقط، بل تعمقت لأبعد من ذلك، فقد اكتشف الباحثون أن مشاهدة الأفلام ذات المغزى يمكن أن تجعلنا نشعر بمزيد من الاستعداد للتعامل مع تحديات الحياة. وأوضحوا أن هذه النتائج يمكن أن تفسر لماذا يلجأ البعض إلى مشاهدة الأفلام التي تحرك مشاعر الحزن أو السعادة على حد سواء، والأفلام الهادفة والمؤثرة تركت لدى المشاركين في الدراسة شعوراً أيضاً بأن "المكاسب والخسائر جزء من الحياة"، وزادت حماسهم للقيام بأشياء جيدة لمساعدة الآخرين والبحث عن الأشياء المهمة حقاً في الحياة.
يقول منتصر البلوشي: "الأفلام الدرامية التي تأتي بطابع واقعي ويلامس الحياة وجدانيا وفكرا أجد أن لها تأثير كبير في إثراء جانب الفكري والحسي"، وأضاف: "الأفلام الحقيقة لها بعد آخر وحرفيات مختلفة ومثيرة قد تكون معقده بعض الاحيان في أسلوب الطرح وقد تجدها غريبة بعض الاحيان، ولا يهواها الكل وإنما فئة محددة من الناس وغالبا ما يكونو المشتغلين في صناعة الأفلام والنقاد وبعض المهتمين والمتابعين".
وتحدث هيثم سليمان حول ذلك فقال: "الأفلام هي خلاص ومنفذ بصري وشعوري من واقع الحياة، غرفة يجتمع فيها غرباء بمحض ارادتهم مسجونين فيها لفترة من الزمن يضحكون ويحزنون ويغضبون معا دون أن يعرف أحدهم الأخر.. لطالما قلت أن صالة السينما هي أغرب وأجمل اختراع مجتمعي قام به الإنسان المتحضر. وعندما ننظر الى السينما بهذا المنظور سندرك أنها أكثر وأكبر بكثير من وسيلة ترفيه، السينما هي ان تعيش تجربة وتتفاعل معها وتسهم في تغييرك كإنسان قناعةً أو فكراً أو سلوكاً، واختم قولي هنا بعبارتي المفضلة، السينما هي فن الخلاص من الواقع".
فيما قال سليمان الخليلي: "الأفلام ليست مجرد ترفيه، بل هي ثقافة وصناعة، وأحد القوى الناعمة التي تعتمد عليها الدول في ابراز ثقافتها والترويج لها، من يظن أن الأفلام هي للترفيه فقط فهو مخطئ، فمن خلال الأفلام تستطيع أن تناقش قضايا كبيرة لا تستطيع أي اداة مناقشتها، كما تتميز الأفلام بانها خالدة قادرة على مؤرخ حقيقي التاريخ".
المتعة هي هدف سينمائي "أحيانا"..
النفس الإنسانية تحتاج أيضاً إلى راحة وتخفُفٍ من ضغط الأفكار والمشاعر الجادة فتلجأ لتحقيق ذلك إلى تبني مبدأ "المتعة"، فتبحث بالتالي عن كل ما هو خفيف وربما عن كل ما هو سطحي!. لذا فلن يبدو غريباً على عاشق السينما أن يكره الأفلام الجادة أحيانا! فيعزف عنها لفترة معينة باحثاً عن الأفلام الخفيفة المرحة التي صنعت من أجل المتعة ولا غير. إنه إنسان ملول وهو يحتاج إلى الأفلام الخفيفة كحاجته إلى الأفلام الجادة سواء بسواء.
يمكننا أن نستعرض هنا عددا من أفلام المتعة التي صنعت لتلاقي نجاحها وإقبالا جماهيريا كبيرا أبرزها ماقدمه المخرج "روبرت زيميكس" الذي صنع سلسلة سينمائية شهيرة هي سلسلة (العودة للمستقبل- Back to the Future)
التي يمكن اعتبارها الشكل النهائي لما ينبغي أن تكون عليه أفلام المتعة. فمن خلال هذه السلسلة بأجزائها الثلاثة التي ظهرت تباعاً في الأعوام 1985-1989-1990 يمكننا تبين عناصر الفيلم الممتع. فهنا سنرى حكاية خفيفة مسلية تنقلت بنا بين أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل دون أن تترك فينا سوى الشعور بالمرح والبهجة والانطلاق. وهي تخلو من التوجيه، مبتعدة عن عامل "الغاية"، و"النفع"، لتجعل من (المتعة) هدفاً نهائياً. وهناك عنصر إضافي هام تحتويه هذه السلسلة وهو الإيقاع المتسارع لأحداثها بالنقلات السريعة، والقطع المتتالي للقطات الذي لا يترك للملل فرصة لأن يتسرب إلى نفس المشاهد.
كان سؤالي الأخير هنا "ماذا إن تابعت فيلما بحثا عن المتعة فقط؟"
فقال منتصر البلوشي: "في هذي الحالة لا اهتم بمضمون الفيلم او توجهه والمعقدات التي يعكسها هذا او ذلك الفيلم، إنما هدفي وقتها المتعة ولا غير".
وقال هيثم سليمان: "تأتي أوقات تنتابني حالة شعورية بالرغبة في الترفيه عن النفس لمجرد الترفيه وتمضية الوقت بمشاهدة عمل فني يقع ضمن مجال اشتغالي واهتماماتي ( السينما ) ولايضر ذلك البتة صانع الفيلم وأكثر الفنانين تعقيدا، حيث أن الترويح بمثل هذا النمط من الفعل يجدد طاقة الانتاج بل ويعطي افكارا في بعض الأحيان".
فيما قال سليمان الخليلي: " بعض الأحيان تبحث عن فيلم للمتعة هروب من واقع أو ترتاح من ضغط بثقل الكاهل، فقط تريد أن تعيش في عالم يأخذك بعيدا عن ذلك الواقع، وبطبيعة الحال هذه هو هدف الأفلام التجارية التي تبحث عن المردود المادي من خلال ايجاد أفلام متعة دون تسليط على قضية مهمة".
وخلاصة الأمر أن أفلام المتعة يمكنها أن تأخذك في رحلة ممتعة ثم تتركك لحال سبيلك دون أن تلقي في ذهنك أسئلة أو مشاعر منقبضة، بينما الأفلام الجادة كل منها حسب مجاله، فأنت تأخذ جرعة من الرومنسية والشاعرية في الأفلام الرومنسية، وتمدك أفلام الحركة و"الأكشن" بالقوة والشجاعة، فيما تستطيع أفلام الرعب أن تصنع فيك قدرة المواجهة وعدم الخوف، وأفلام التاريخ بشيء من الحكمة والنضج، ودون شك أفلام الكوميديا بحيز من الفرح والضحك، كما يمكن لأفلام الخيال أن تحرك مخيلة الإنسان لكل ما لا يمت للواقع بصلة، وفي كل الأنواع تكون "المتعة" هي الهدف لمن يبحث عن هدف، وهي شعور داخلي يترجمه كل شخص كما يحب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مشاهدة الأفلام السینما هی من واقع فیلم ما من خلال
إقرأ أيضاً:
نساء حرب فيتنام في السينما.. حضور خجول في هوليود وأدوار رئيسية بالرواية المحلية
في أحد المشاهد الأولى لفيلم "سترة معدنية كاملة" (Full Metal Jacket) للمخرج ستانلي كوبريك، تظهر فتاة ليل فيتنامية تسوّق خدماتها لجنود أميركيين بعبارة "أنا أحبك منذ وقت طويل".
تُعد هذه الفتاة أول شخصية نسائية تظهر في الفيلم، لكنها تظهر للحظة عابرة فقط، وفي منتصف العمل تقريبا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ذا سينرز".. درس في تحويل فيلم رعب إلى صرخة سياسيةlist 2 of 2"أفاتار: النار والرماد".. كيف غيّر جيمس كاميرون مستقبل صناعة السينما؟end of listويتكرر ذات الغياب النسائي في فيلم فرانسيس فورد كوبولا الشهير "القيامة الآن" (Apocalypse Now) حيث لا تظهر النساء إلا بعد مرور ساعة كاملة، حين تُنزل مروحية 3 فتيات على مسرح نُصب وسط قاعدة عسكرية لتسلية الجنود، في مشهد يستمر لدقائق معدودة فقط.
ورغم أن حرب فيتنام ألهمت صناعة بعض من أكثر الأفلام السينمائية رسوخا في ذاكرة هوليود بالسبعينيات والثمانينيات، عبر أسماء مثل كوبريك وكوبولا وأوليفر ستون، فإن الشخصيات النسائية في هذه الأفلام غالبا ما كانت غائبة أو هامشية، باستثناءات نادرة مثل فيلم "العودة إلى الوطن" (Coming Home) الذي حازت بطله جين فوندا على جائزة الأوسكار.
وتركزت معظم هذه الأفلام على تجريد الرجال من إنسانيتهم بسبب الحرب، في حين اقتصرت الشخصيات النسائية على أدوار داعمة للقصص الذكورية.
وفي المقابل، قدّمت السينما الفيتنامية عن الحرب روايات من منظور النساء، حيث برزت قصص الأرامل والأمهات والشابات اللواتي تحملن عبء الحفاظ على الأسرة والمجتمع في غياب الرجال.
وفيما يلي طرق مختلفة استخدمتها أفلام حرب فيتنام الكلاسيكية في توظيف الشخصيات النسائية لسرد رواياتها:
إعلان النساء بين الوطن والجبهةفي فيلم "صائد الغزلان" (The Deer Hunter) للمخرج مايكل تشيمينو، الذي يتناول قصة 3 أصدقاء من بلدة صناعية صغيرة في بنسلفانيا يذهبون إلى الحرب ويعودون منها محطَّمين نفسيا، كان هناك حيز بسيط لشخصية نسائية هي "ليندا" التي أدت دورها ميريل ستريب.
وكانت "ليندا" خطيبة "نيك" (كريستوفر والكن) ثم دخلت لاحقا في علاقة مع صديقه "مايكل" (روبرت دي نيرو).
ورغم أن الدور كان محدودا وهشا نسبيا، فإن أداء ستريب المبهر جعل الشخصية أكثر حضورا مما خُطط له في الأصل، رغم أن الهدف الأساسي للدور كان دعم سردية الشخصيات الذكورية.
وفي المقابل، قدّم فيلم "العودة إلى الوطن" (Coming Home) للمخرج هال آشبي صورة مغايرة، إذ روى القصة من منظور أنثوي حقيقي حيث تقع "سالي هايد" (فوندا) زوجة جندي مارينز في حب محارب قديم مقعد (جون فويت) أثناء عملها التطوعي في مركز إعادة التأهيل.
ويعلق توني بوي، الذي يدرس مادة "سينما حرب فيتنام" بجامعة كولومبيا، قائلا "إنه الفيلم الهوليودي الوحيد عن حرب فيتنام الذي يُروى بالكامل من منظور شخصية نسائية".
كانت رحلة "القيامة الآن" إلى الشاشة ملحمة بحد ذاتها، ورغم عظمة العمل الفني، فإن الشخصيات النسائية فيه لم تتجاوز الكومبارس: قرويات يركضن هربا من الرصاص والقنابل، أو يُقتلن بوحشية دون مبرر واضح.
ثم تأتي مشاهد فتيات العروض الراقصة، حيث يُنزَلن على المسرح وسط هتافات وتصفيق الجنود الأمريكيين، في مشهد يجسد تداخل الجنس بالحرب.
وتفسر لان دوانغ، الأستاذة المساعدة لدراسات السينما بجامعة جنوب كاليفورنيا، هذه المشاهد بالقول "كان كوبولا يربط بين الجنس والرجولة والحرب، خاصة عبر تقديم الأميركيات البيض كجزء من أسطورة الفحولة الأميركية".
وتضيف "هذه الرجولة المتفجرة بالهرمونات تُعد أميركية بقدر ما هي فطيرة التفاح".
العدو منزوع الإنسانيةفي فيلم "فصيلة" (Platoon) لأوليڤر ستون، الحائز على جائزة الأوسكار، تظهر النساء باعتبارهن ضحايا مباشرة للعنف الأميركي.
وفي مشهد مروّع، يعتدي الجنود على قرويين فيتناميين، وفيهم نساء، وسط صراخ الجندي المثالي "كريس" (تشارلي شين) الذي يحاول التدخل قائلا "إنها إنسانة!" لكن الجنود يردون عليه بلامبالاة "أنت لا تنتمي إلى فيتنام، يا رجل".
إعلانويشير توني بوي إلى أن "النساء في هذا الفيلم يظهرن أساسا بوصفهن ضحايا صامتات للعنف الذكوري".
وفي فيلم "ضحايا حرب" (Casualties of War) للمخرج براين دي بالما، تتحول فتاة فيتنامية إلى محور القصة بعد أن يختطفها جنود أميركيون، ويغتصبونها، ثم يقتلونها.
ورغم أن الفيلم مستند إلى قصة حقيقية فإن الفتاة لا تُمنح عمقا سرديا، وتظل شخصيتها محدودة بالمأساة التي تتعرض لها.
ويقول بوي "هذه الفتاة تعاني، ثم تعاني أكثر، ثم تموت.. هذا هو كل قوسها السردي".
في فيلم "سترة معدنية كاملة" يعود كوبريك ليقدّم مشهدا مغايرا. ففي إحدى معارك الفيلم، يُصدم الجنود حين يكتشفون أن القناص الذي يوقع بهم هو فتاة صغيرة بضفيرتين.
وتصارع الفتاة الموت وهي تتوسل لهم "اقتلوني" فيستجيب الجنود لطلبها.
ورغم تقديم شخصيات نمطية لفتيات الليل بالفيلم، يرى بوي أن كوبريك عبر هذه القناصة الشجاعة قدم "لمسة إنسانية واعترافا ضمنيا بشجاعة النساء في الحرب".
بالسينما الفيتنامية: النساء في المركزبخلاف السينما الأميركية، كان للنساء دور محوري في أكثر من نصف الأفلام الفيتنامية عن حرب فيتنام.
من أبرز الأمثلة:
"الطفلة الصغيرة من هانوي" (The Little Girl of Hanoi) – 1974: للمخرج هاي نينه، الذي يحكي قصة فتاة تبحث عن أسرتها وسط دمار الحرب. "عندما يأتي الشهر العاشر" (When the Tenth Month Comes) – 1984: للمخرج دانغ نيات منه، الذي يتناول قصة امرأة تخفي خبر مقتل زوجها عن والد زوجها المريض حفاظا على سلامته النفسية.وتقول لان دوانغ "هذه الشخصيات النسائية تجسد صورة الأنثى الوطنية: جميلة، معذبة، ومخلصة" لكنها تحذر من أن تحويل النساء إلى رموز وطنية يمكن أن ينتقص من تعقيدهن الإنساني.
كان أوليفر ستون أحد المخرجين القلائل الذين اعترفوا علنا بمحدودية تمثيل النساء في أفلامه المبكرة عن فيتنام، مؤكدا أن فيلم "فصيلة" كان سردا ذكوريا مقصودا.
غير أن تحوله ظهر جليا في فيلم "السماء والأرض" (Heaven & Earth) سنة 1993، الذي يروي قصة لي لي، الفيتنامية التي عانت الاغتصاب والتعذيب خلال الحرب قبل هجرتها إلى كاليفورنيا مع زوجها الأميركي.
إعلانوقال ستون عن هذا التحول "النقد حول طريقة تصويري للنساء كان في محله. ولا يزال أمامي الكثير لأتعلمه.. ليس فقط عن النساء، بل عن كل شيء".
وقد أهدى الفيلم إلى والدته جاكلين ستون، اعترافا بتأثيرها العميق عليه.