«ألوان القلوب.. لمحات من حضرموت»
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
محمد عبدالسميع (الشارقة)
حين تتعطر المقالات بسيرة المكان وعبق الأزمنة ولمحات من السيرة الذاتية للكاتب، فإنّ في ذلك غنىً وانتقالات نفسيةً ومكانية، وضخًّا لمعلومات تسير في سياقها الأدبي الفلسفيّ الذي اعتاده القراء من الدكتور عمر عبد العزيز، الكاتب الذي جمع أجناساً عديدةً في الأدب والتخصصات العلمية وفنون التشكيل، وأضفى عليها جميعها نظرات تأملية وصياغات رؤيوية فيما يكتبه وينهض به من مواضيع وكتابات.
اسم الكتاب «ألوان القلوب.. لمحات من حضرموت»، وعنوانه بحدّ ذاته يشي باندماج الروح والوجدان في الجغرافيا النفسية للمدينة وحواضرها كمحافظة، وهو جملة من المقالات التي سبق ونشرها د. عبد العزيز في جريدة 30 نوفمبر الصادرة في المكلا، وتصدر اليوم عن دار أوراق الإماراتية، وفي هذه المقالات نكون مع بانوراما شائقة لفنّ كتابة المقالة والسيرة والتوزيع العاطفي لكمية الأشجان في كلّ مقالة تتنافذ على ما تستجلبه من عناوين فرعية ومناطق لا يقف الكاتب منها موقف الواصف فقط، بل يتخللها جميعاً، كاشفاً عن طاقة عجيبة في الإمساك بالخيوط تحت العنوان العريض في ذهن الدكتور عبد العزيز، وهو قراءة الملامح الثقافية الإنثروبولوجية لحضرموت في هذه المقالات.
منظور إنساني
في الكتاب، تظهر ذاتُ الكاتب موسوعيّ القراءة والاطلاع ومتعدد اللغات والملمّ بسكان حضرموت واليمن وفنونها، كما يقسّم الكاتب نفسه بين الشمال والجنوب وثقافات البلدان المحيطة ببلده وتأثيرها عليه، كلّ ذلك بلغةٍ آسرة اعتمدت المشهديات المحلّقة مع أسراب النوارس والحنين وجميل الذكريات واللوحات البصرية الماتعة التي صيغت بوجدان وعقل كاتب يتناول مواضيعه من منظور إنساني صارخ بفضاءات المعرفة والانسجام الذاتي في كل رحلة جديدة يظهر فيها عالم الطفولة وشذرات الذكريات، كما تظهر فيها الرؤية والتفسير غير الثقيل، لكاتب عرف دائماً كيف يقرأ الأمور ويفلسفها وفق تكاملية رائعة بين المعلومات المتاحة والوجدان الذي صهر مبكراً واعتصر كلّ تلك السنين، لتخرج للقارئ في أبهى صور الإبداع.
مدن ساحلية
وكملامح عامة وخطوط عريضة، نقرأ في جانبٍ من مقالات الكتاب، المدن الساحلية، كمدينة المكلا، بما تطلّ عليه من اتساع على بحر العرب والمحيط الهندي، ومصاحبات ذلك من جماليات التأثر النفسي والوجداني الذي بادر د. عمر سريعاً إلى جعله مقالات زاهية بحضور البيوت والمعمار والإنشاد الصوفي والألحان وأعلام البيئة الحضرمية في الغناء والطرب والشعر والكلمة الجميلة.
ثقافة موسيقية
تعابير فلسفية وأدبية يصهرها لغويٌّ متمكنٌ في الاسترسال ويراهن على جودة الوصف والإضافة الفكرية والأدبية للقارئ، هنا نلتقط مع الدكتور عمر عبدالعزيز، جملًا حيويّةً انطلقت كتدفقات لهذه الجغرافيا الإنسانية، وما تشتمل «السجادة المائية» الواسعة ومجموعة التواشجات الإثنية والثقافية والاجتماعية وجموع الحضارم المقيمين في الهند وشرق إفريقيا وما يخرج من أراضيهم الواسعة، لنذهب إلى أودية الحضارات القديمة وامتداداتها، أما الفنون فقد حظيت بمقالات أتت على أغاني الوادي والجبل والصحراء ومصفوفة الأغاني الحضرمية وكوكبة من فناني المهاجر الإندونيسية من الحضارم، ومهارة الأداء النابعة من ثقافة موسيقية متميزة.
ختاماً، الكتاب يشكّل بستاناً من المقالات الغنية ذات النفس الأدبي في استذكار حضرموت ومحيطها وجوارها، وقراءتها في أكثر من جانبٍ محمولٍ على لغة الكاتب وإرهاصاته النفسية تجاه هذا الموضوع أو ذاك، مما حمله إلينا هذا الكتاب.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأدب الفلسفة الثقافة حضرموت عمر عبدالعزيز
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. ليلة واحدة فقط
#ليلة_واحدة_فقط..
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 1 / 10 / 2019
أفعلها كل شتاء ، أختار ليلة باردة وماطرة ، وأدعو الأولاد أن ننام في غرفة واحدة ، نعيد ترتيب “فرشات” الغرفة ، اجعلهم يقتربون من بعضهم أكثر ،ينامون على شكل سطور متلاصقة وأنا أختار مكاناً فوق رؤوسهم جميعاً حتى أكون مقسوماً على الجميع ، أطفئ الضوء العادي وأبقي على ضوء خافت ،أترك شقاً طفيفاً في الشباك لتحدث الريح صفيرها المعتاد..أمنع استخدام الأجهزة الاليكترونية او الهواتف في هذه الليلة..ثم أبدأ بسرد ما أحفظ من القصص والحكايا القديمة..وكلما زاد قذف المطر على الزجاج أسهبت في الحكاية وفي تفاصيلها وكأنني أشرك الطقس معي ليستمع مع باقي أفراد العائلة لأحداث الحكاية.. أحياناً أقوم بتقليدهم فرداً فرداً لأسمع قهقهات الصغار..أحاول جاهداً أن أصنع لهم ليلة مختلفة ، تبقى محفورة في روزنامة العمر ، تماماً كاستراحة وحيدة في طريق صحراوي طويل..
*
الأولاد مهما كبروا يبقوا أطفالاً، مهما ادعوا النضوج والاستقلالية الا أنهم في حنين دائم إليك إلى صوتك وملامحك ووجودك ،وأنت بأبويتك الصادقة، حاول أن تعيدهم إلى ذات الاحتياجات وذات الليالي القديمة وذات القصص ،لا لشيء ، لكن حتى لا تبعد المسافة بينك وبينهم أو تبعد فيما بينهم..الغرف المنفصلة برّدت العواطف، والهواتف الذكية عزلتنا عن أحاسيسنا تجاه بعضنا ، صار في البيت عوالم مختلفة في أمتار مربعة صغيرة ، أجساد متقاربة واهتمامات وأرواح متنافرة و”غرفة العيلة” أصبحت مجرّد “لوبي في فندق” ، ملتقى قصير للصاعدين والنازلين والمغادرين والقادمين يلتقطون فيها أنفاسهم ثم يذهب كل إلى وجهته..
مرّت بي أحداث كثيرة ونسيتها ،وأيام كثيرة ونسيتها، نجاحات واخفاقات ونسيت تفاصيلها، لكنني ما زلت أذكر ليالي الشتاء الماطرة ، وأذكر مكاني بين “الفرش” ، و الرسمات الطفولية على لحافي، وأماكن أشقائي واحداً واحداً، وأذكر مكان “السراج” وأماكن الدلف ، والأواني التي تتلقّى مطر السقف البطيء ، أذكر الحكايا والضحكات ، وصوت المزاريب ، واهتزاز الشباك الشمالي ،ورائحة الديزل النازل من “بطيحة” صوبة البواري..نسيت في العمر خصومات كثيرة واوجاع كثيرة وانجازات كثيرة..لكني لا أنسى غرفة من حجر وطين جمعتنا كلنا بمعجزة الأم والأب تحت سقفها ذات ليلة..قبل أن تهب علينا ريح الكهولة..
أيها الآباء أفعلوا مثلي..ليلة واحدة فقط ستزيّن العمر،أزيلوا الحواجز ،وجسروا الأرواح، كونوا بين أبنائكم ، صدقوني من هنا تصنع المحبة..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#175يوما
#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي
#سجين_الوطن
#لأحمد_حسن_الزعبي