يمثل الانتصار أحادي الجانب على فصائل المقاومة في قطاع غزة والذي تعتزم إسرائيل إعلانه قريبا محاولة لتسويق إنجازات لم تتحقق، لكنه في الوقت نفسه يغلق أبواب التفاوض ويمنح جيش الاحتلال فرصة القيام بـ"عمليات جراحية" وتشديد الحصار على القطاع تحت مظلة البحث عن بديل لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، برأي خبراء.

ويأتي حديث حكومة بنيامين نتنياهو عن انسحاب أحادي من القطاع في وقت تتعالى فيه أصوات إسرائيلية منادية بوقف الحرب، وهو أمر "يعكس أن وحل غزة بدأ يتجلى بشكل أكبر داخل إسرائيل"، كما يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.

وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قال جبارين إن إعلان النصر الأحادي يمثل مخرجا لحكومة وجيش إسرائيل اللذين سيؤكدان أن المقاومة لن تكون قادرة على تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لـ5 سنوات مقبلة على الأقل.

وحاليا -يضيف جبارين- فإن كلا من الجيش ونتنياهو بحاجة لتسويق إنجازاته على حساب الآخر وهو ما تجلّى في تصريحات الناطق باسم الجيش دانيال هاغاري الذي حمّل الحكومة بوضوح مسؤولية عدم استثمار النجاحات العسكرية سياسيا.

أما نتنياهو فيحاول ترويج فكرة أن الحكم العسكري قد عاد للقطاع وهو أمر يرضي اليمين المتطرف الذي يريد ضم غزة والضفة الغربية بينما الجيش يعرف أن هذا التوصيف غير صحيح، حسب ما يقول جبارين.

سلاح ذو حدين

مع ذلك، فإن هذا الإعلان يمثل سلاحا ذا حدين لأنه يؤكد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها التي أعلنتها قبل 9 أشهر، ويعكس شعور الجيش بأنه تحول إلى خوض حرب استنزاف لا يمكنه تحملها، لكنه في الوقت نفسه سيزيد تشديد الحصار على القطاع تحت مظلة البحث عن بديل لحماس، لأن الانسحاب سيكون من المدن فقط حيث ستتمركز القوات في محوري نتساريم وفيلادلفيا لشن عمليات "جراحية"، كما يقول المحلل السياسي أحمد الحيلة.

ويرى الحيلة أن إمكانية إنشاء إدارة مدنية في غزة تحت حماية الاحتلال "غير وارد، لأن الجيش نفسه يرفض ذلك، في حين تراه الولايات المتحدة حاجزا أمام عمليات التطبيع التي تخطط لها.

إلى جانب ذلك، يقول الحيلة، فإن الدول العربية أبلغت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اجتماع خماسي بأنها لن تشارك بأي شكل في غزة طالما بقيت القوات الإسرائيلية، وأنها ستشارك فقط تحت شعار الدولة الفلسطينية وفي وجود حماس بشكل أو بآخر.

وعن طبيعة هذا الانتصار من الناحية العسكرية، يقول الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن حجم الخسائر الذي تعرضت له المقاومة خلال هذه الحرب غير معروف "وبالتالي فإن المواجهات على الأرض قد تعطي مؤشرا على هذا الضرر".

وأشار الدويري إلى أن وجود عمليات نوعية ومتطورة في الشمال والوسط والجنوب "يؤكد أن المقاومة لا تزال قادرة على مواصلة حربها الدفاعية، وأن الحديث عن الانتصار غير واقعي".

ويرى الخبير العسكري أن الإعلان عن نصر أحادي "سببه وصول المعارك لطريق مسدود، ووصول قادة الاحتلال العسكريين إلى قناعة بعدم إمكانية تحقيق النصر عسكريا، وتحولهم إلى الانشغال باليوم التالي للحرب".

بناء على ذلك، فإن العمليات -بعد هذا الإعلان المرتقب- ستتحول إلى المداهمة المرتبطة بالمعلومات الاستخبارية المتعلقة بإعادة بناء المقاومة لقدراتها أو عودتها لإدارة بعض مناطق القطاع، فضلا عن أي معلومات بشأن الأسرى أو الأنفاق، "وستكون باستخدام قوة تتراوح بين كتيبة ولواء"، كما يقول الخبير العسكري.

التصعيد في جبهة لبنان

وعن التصعيد المحتمل مع حزب الله اللبناني، قال الحيلة إن الأمر يتعلق بمدى قدرة جيش الاحتلال على دخول حرب مباشرة في هذه الجبهة، مشيرا إلى أن قادة الاحتلال يخشون أثمان هذه الحرب لكنهم قد يراهنون على استعادة الردع الذي انهار في غزة.

وأعرب الحيلة عن اعتقاده بأن هناك رغبة جامحة لاستعادة الردع الإسرائيلي عبر عملية في لبنان طالما أصبح الأمر غير ممكن في غزة. وقال إن تأكيد واشنطن دعمها لتل أبيب في مواجهة مرتقبة مع حزب الله "ربما يدفع الإسرائيليين نحو دخول الحرب".

ويرى المحلل السياسي أن الدخول في مواجهة حزب الله يحمل مخاطرة كبيرة من جانب نتنياهو لأنه قد يؤدي لانهيار فكرة الردع تماما في حال ضرب الحزب الداخل الإسرائيلي.

أما الدويري، فيرى أن ما يجري في لبنان مرهون بما سيحدث في غزة لأن إسرائيل التي دخلت القطاع بـ21 لواء تحتاج 30 لواء لمواجهة حزب الله وهي قوة لا يمكنها توفيرها حاليا في ظل امتلاك الحزب قوة أكبر بكثير من التي تمتلكها الفصائل في غزة فضلا عن أن لديه خطوط إمداد مفتوحة، وفق تعبير الخبير العسكري.

ومن هذا المنطلق، فإن الدخول في حرب واسعة مع حزب الله غير ممكن حاليا ويمثل مقامرة غير محسوبة رغم أنها تظل احتمالا قائما، برأي الدويري.

من جهته، يقول جبارين إن الواقع أثبت أن إسرائيل لديها أزمة في الحرب البرية تكشفت بوضوح في قطاع غزة الذي ما كانت لتحقق فيه شيئا لولا التدخل الحاسم من سلاح الجو.

كما أن الحرب على جبهة الشمال تتطلب ثمنا داخليا باهظا من إسرائيل لكن النجاة السياسية والحافز الأيديولوجي ربما يدفعان نتنياهو لشن هذه الحرب من أجل تهديد المنطقة بالاضطراب والضبابية من أجل ضم الضفة الغربية على الأقل ما لم يتمكن من ضم القطاع بشكل كامل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الخبیر العسکری حزب الله ما یقول فی غزة

إقرأ أيضاً:

سيناريو التقسيم والفقاعات.. هذه خطط إسرائيل لغزة بعد الحرب

على وقع العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة، يتركز الضوء خلال المرحلة المقبلة على مستقبل القطاع وماذا سيحدث بعد انتهاء الحرب التي شردت مئات الآلاف وقتلت عشرات الآلاف.

صحيفة "وول ستريت جورنال" قدمت مجموعة من الأفكار والخطط المطروحة في هذا الإطار، استنادا إلى مصادر شملت ضباطا في الجيش الإسرائيلي ومتقاعدين من الاستخبارات الإسرائيلية ومراكز البحوث والأكاديميين والسياسيين.

وفي حين لم تقل القيادة السياسية في إسرائيل شيئا تقريبا عن الشكل الذي سيبدو عليه قطاع غزة وكيف سيحكم بعد انتهاء المعارك، كانت هذه المجموعات تعمل على خطط مفصلة تقدم لمحة عن الكيفية التي تفكر بها إسرائيل فيما تسميه "اليوم التالي".

وتتمثل إحدى الخطط التي تكتسب زخما في الحكومة والجيش في إنشاء "جزر" أو "فقاعات"، حيث يمكن للفلسطينيين غير المرتبطين بحماس أن يعيشوا في ملاجئ مؤقتة، بينما يستمر الجيش الإسرائيلي في مهمته المعلنة وهي "القضاء على حماس".

ويدعم أعضاء آخرون في حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطة أخرى، تركز على الأمن وتسعى إلى تقسيم غزة بممرين يمتدان عبر عرضها، ومحيط محصن "يسمح للجيش الإسرائيلي بشن غارات عندما يرى ذلك ضروريا".

وتكشف الخطط، سواء تم تبنيها بالكامل أو لا، عن حقائق قاسية حول عواقب الحرب، ومنها:

المدنيون الفلسطينيون قد يتم حصرهم إلى أجل غير مسمى في مناطق أصغر من قطاع غزة، في حين يستمر القتال خارجها. الجيش الإسرائيلي قد يبقى في القطاع لسنوات حتى يتم "القضاء على حماس".

وقال نتنياهو، في تعليقات نادرة تناولت هذا الملف الأسبوع الماضي، إن الحكومة ستبدأ قريبا خطة على مراحل لإنشاء إدارة مدنية يديرها فلسطينيون محليون في مناطق الشمال، مضيفا أنه "يأمل في مساعدة أمنية من الدول العربية".

وقال مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون إن نتنياهو كان يشير على الأرجح إلى "خطة الفقاعات"، التي نوقشت بين صناع القرار الحكوميين.

ووفقا لأشخاص مطلعين على الملف، فإن الخطة تهدف إلى العمل مع الفلسطينيين غير المنتمين إلى حماس لإنشاء مناطق معزولة في شمال غزة.

وسوف يوزع الفلسطينيون في المناطق التي تعتقد إسرائيل أن حماس لم تعد تسيطر عليها، وفي نهاية المطاف سيدير تحالف من الولايات المتحدة والدول العربية هذه العملية.

"خطة زيف"

وقال إسرائيل زيف، الجنرال الإسرائيلي السابق الذي ساعد في تقديم أفكار لإخلاء غزة من حماس: "يجب اتخاذ القرارات اليوم".

ويقترح زيف، الذي أشرف على خروج إسرائيل من غزة عام 2005، أن "يتمكن الفلسطينيون المستعدون للتنديد بحماس من التسجيل للعيش في جزر جغرافية مسيجة، تقع بجوار أحيائهم وتحرسها القوات الإسرائيلية، وهذا من شأنه أن يمنحهم الحق في إعادة بناء منازلهم".

وستكون العملية "تدريجية"، وفق خطة زيف، وفي الأمد البعيد يتصور العسكري السابق إعادة السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية إلى غزة كحل سياسي، حيث تستغرق العملية برمتها ما يقرب من 5 سنوات.

وبموجب خطته، يمكن لحماس أن تكون جزءا من إدارة غزة "إذا أطلقت سراح جميع الرهائن المحتجزين هناك ونزعت سلاحها، لتصبح حركة سياسية بحتة".

خطط أخرى

بحسب خطة أخرى، وضعتها منظمة غير ربحية تدعى "مايند إسرائيل"، فإن هجمات السابع من أكتوبر والحرب التي تلتها تعني أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعد بوسعهم التعامل مع بعضهم البعض بحسن نية.

وتدعو الخطة إلى العمل مع الولايات المتحدة والحكومات العربية لإنشاء هيئة حاكمة فلسطينية جديدة، تعمل على سمته "وقف الإرهاب ضد إسرائيل".

وتقول الخطة إن المناقشات حول إنشاء دولة فلسطينية يجب أن تبدأ بعد 5 سنوات من الحرب، إذ أن "بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر لا ينبغي مكافأة الحركة بإنشاء دولة الآن".

وتدعو خطة أخرى نشرها مركز "ويلسون" إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تنشئ قوة شرطة دولية لإدارة الأمن في غزة، وتسليم المهمة بمرور الوقت إلى إدارة فلسطينية لم يتم تحديدها بعد.

وقال روبرت سيلفرمان، الدبلوماسي الأميركي السابق في العراق الذي شارك في وضع الخطة، إن فريقه ناقشها مع المسؤولين الإسرائيليين لعدة أشهر، حتى إنه غير أجزاء من الاقتراح لجعله أكثر قبولا لأهداف الحرب الإسرائيلية والديناميكيات السياسية، لكن الأمر تعثر مع مكتب نتنياهو.

وتستند وثيقة أخرى، صاغها أكاديميون إسرائيليون ووصلت إلى مكتب نتنياهو، إلى سوابق تاريخية في إعادة بناء مناطق الحرب في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ومؤخرا في العراق وأفغانستان.

وتنظر الوثيقة في كيفية التعامل مع عقيدة حماس من خلال "التعلم من هزيمة أيديولوجيات مثل النازية وتنظيم داعش".

وتعترف الوثيقة التي تتألف من 28 صفحة، التي اطلعت عليها صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن "عملية نزع التطرف وتحديد القيادة الجديدة ستكون طويلة ومعقدة، وينبغي أن تبدأ في أقرب وقت ممكن، خاصة في ضوء الوضع الإنساني في غزة".

وتفترض جميع الخطط المطروحة أن "إسرائيل ستترك حماس في نهاية المطاف منزوعة السلاح، سياسيا وعسكريا".

مقالات مشابهة

  • ذوو أسرى الاحتلال بغزة يطالبون بعدم السماح لنتنياهو بنسف صفقة التبادل
  • محللون: جيش الاحتلال أدرك أن المقاومة أصبحت واقعا يجب التعايش معه
  • سيناريو التقسيم والفقاعات.. هذه خطط إسرائيل لغزة بعد الحرب
  • حرب غزة تؤسس لتحالف بين حزب الله والجماعة الإسلامية
  • خبراء إسرائيليون يستشرفون تأثير مناظرة بايدن- ترامب على حرب غزة
  • إسرائيل والمأزق متعدد الجبهات
  • "واشنطن بوست": خصوم نتنياهو يتجهون نحو "اليوم التالي" في غزة بدونه وغالانت يطرح خطة لتقسيم القطاع
  • الجنوب أسير الحل الدبلوماسي الأميركي
  • بحبك يا لبنان
  • جوع ومعاناة.. روايات من قلب الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة