الهزيمة الاستراتيجية لإسرائيل
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
حاتم الطائي
◄ الاحتلال فشل في إحراز أي نصر رغم الإبادة الجماعية
◄ هزيمة الكيان تنعكس على 3 مستويات عسكرية وسياسية ودبلوماسية
◄ أمريكا متواطئة وشريكة رئيسية في حرب الإبادة والتدمير بغزة
أكثر من 260 يومًا من العدوان السافر والبربري على قطاع غزة، وإسقاط عشرات الآلاف من أطنان المُتفجرات والقذائف والرصاصات، ضد المدنيين العُزل، وحرب إبادة شاملة وتجويع مُتعمّد لنحو مليوني إنسان، لم تمنح كيان الاحتلال الصهيوني أي نصر؛ بل على النقيض كبَّدته خسائر استراتيجية فادحة، وفضحته أمام العالم أجمع، وأكدت أنَّه جيش مُجرم وجبان، يستهدف المدنيين ويرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسط صمت وخذلان عالمي لا مثيل له.
الهزيمة الاستراتيجية التي نتحدث عنها سبق أن أقر بها وزير الدفاع الأمريكي في الشهور الأولى للحرب، عندما حذَّر إسرائيل من أنها قد تواجه هزيمة استراتيجية، في ظل الجنون الإسرائيلي لتدمير قطاع غزة وغياب أي أفق سياسي أو التزام بالقانون الدولي، وهو ما تحقق فعليًا، ودفع بحكومة الاحتلال نحو هاوية سحيقة، لا قرار لها. ورغم أنَّ دولة الاحتلال تكذب في كل شيء، إلّا أنها ربما كانت صادقة في أمر واحد، وهي أنها تخوض حربًا وجودية، وهكذا هي بالفعل، فهذه الحرب في النهاية ستقضي- بلا ريب- على هذا الكيان الاستعماري المُصطَنَع، فما بعد "طوفان الأقصى" لن يكون كما قبله أبدًا، وحرب التحرير الحقيقية بدأت فعليًا مع أول ضوء فجر في السابع من أكتوبر لعام 2023، عندما نفذت المُقاومة الفلسطينية الباسلة عمليتها المُشرِّفة في مُحيط ما يسمى بـ"غلاف غزة"، ونجحت في اختراق صفوف العدو، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، واستطاعت أن تأسر العشرات وأن تضع يدها على كنز من المعلومات الاستخباراتية، والذي لم يُستغل حتى الآن، فيما يبدو.
والهزيمة الاستراتيجية التي تتجرعها دولة الاحتلال تنقسم إلى عدة مستويات، ينبغي أن تُدرَّس في كليات ومعاهد العلوم العسكرية والسياسية، كنموذج للفشل الذريع، والإخفاق المدوّي، فحكومة النتنياهو لفّت حبل المشنقة حول عنقها، منذ قرارها تنفيذ حرب الإبادة. ويُمكن تفنيد هذه الهزائم كما يلي:
أولًا: الهزيمة العسكرية؛ حيث سقطت قوات الاحتلال الإسرائيلي في مستقنع غزة، وغاصت أقدامها في رمال القطاع، ولم تتمكن من إحراز أي نصر عسكري، باستثناء التدمير التام للبنية التحتية المدنية في القطاع، وقصف المستشفيات والمراكز الصحية، وهدم المنازل والبنايات على رؤوس قاطنيها، وتحويل المدارس ومؤسسات التعليم إلى مدن أشباح، بعد تدميرها بالكامل تقريبًا، وهي كلها جرائم حرب بنص القانون الدولي الإنساني.
فشلت إسرائيل عسكريًا، وفشلت معها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تملك أقوى جيش في العالم، وهذا الفشل منبعه انعدام البُعد الأخلاقي للحرب، فاستحق كلاهما- إسرائيل وأمريكا- تلك الهزيمة القاسية، فلا يمر يوم تقريبًا إلّا وتُعلن المُقاومة عن استهداف مجموعة من الجنود بين قتيل وجريح، وتدمير عدد من الآليات والدبابات جزئيًا أو كليًا. ورغم كل هذا الدمار الهائل، إلّا أن المُقاومة قادرة على القتال ومواجهة العدو بكل شجاعة.
ثانيًا: الهزيمة السياسية، فقد تعرضت إسرائيل لهزيمة سياسية نكراء، بعد فشلها في تحقيق أي نصر ولو بالزور وبالهتان، حتى إن مجلس الحرب الذي شكله نتنياهو أعلن عن حلّه قبل أيام، في خطوة تعكس مدى الإحباط واليأس من إحراز أي نصر تحت أي زعم. فلم تتمكن دولة الاحتلال من استعادة الأسرى أحياء كما روّجت، ولم تنجح في القضاء على المُقاومة ولا حتى إضعافها، فما زالت الصواريخ تنطلق من عدة مواقع في غزة؛ بل من المواقع التي أعلن جيش الاحتلال السيطرة عليها، وسقوط هذه الصواريخ على مدن الاحتلال الرئيسية مثل تل أبيب وعسقلان وغيرها.
وقد امتدت الهزيمة السياسة لتصل إلى المجموعة الحاكمة في إسرائيل، والتي تصدعت وانقسمت فيما بينها، خاصة بعد استقالة الوزير بيني جانتس إلى جانب وزيرين آخرين، من حكومة الحرب، الأمر الذي عجّل بقرار نتنياهو حل مجلس الحرب. كما إن انعكاسات الهزيمة السياسية تجلّت بوضوح في المظاهرات الحاشدة التي تنطلق يوميًا تقريبًا للمطالبة باستقالة الحكومة ووقف الحرب وإبرام صفقة لتبادل الأسرى.
ثالثًا: الهزيمة الدبلوماسية والأخلاقية، والتي تكشفت مع بدء نظر محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؛ حيث اتهمت المحكمة دولة الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وأنها لا تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع جرائم حرب، وهو ما انعكس على صورة إسرائيل في المحافل الدولية والدبلوماسية. وما زاد من قتامة هذه الصورة، طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية استصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت.
تلك الهزائم ليست فقط هزيمة لإسرائيل؛ بل أيضًا هزيمة لأمريكا راعية حرب الإبادة الجماعية في فلسطين، والداعم الأول لهذا الكيان الإرهابي المُجرم، سواءً سياسيًا ودبلوماسيًا أو عسكريًا ولوجستيًا. وهذا الدعم الأمريكي غير المسبوق هو الذي شجّع دولة الاحتلال على مُمارسة أقصى أعمال التوحُّش والقتل بلا تمييز، لتكشف أمريكا عن وجهها القبيح ورؤيتها لهذا الصراع، التي لا ترى فيه سوى دعم إسرائيل وحمايتها بشتى السبل!
لكن من المؤسف أن إسرائيل وأمريكا تقودان المنطقة نحو حرب شاملة، حرب ستأكل الأخضر واليابس، وتُهدد بتفجير الأوضاع في أنحاء العالم، وربما تقود نحو حرب عالمية ثالثة، لا يأمل أي عاقل أن تندلع، غير أنَّ الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن معمية- مع سبق الإصرار- عن رؤية الحقيقة، الأمر الذي قد يقودها إلى الهلاك، وسيضع بايدن على قائمة أسوأ الرؤساء في العالم، وأكثرهم دموية، مثله مثل نتنياهو المُجرم.
ويبقى القول.. إنَّ مأساة غزة وكارثتها الإنسانية ستظل محفورة في الوجدان، وستبقى جُرحًا لا يندمل، ما دامت العصابة الصهيونية قائمة، وما دامت دولة الاحتلال تمضي في غيها الإجرامي، في ظل الموت السريري للمجتمع الدولي الذي لم يعد يُحرك ساكنًا ولا يقوى على قول "لا" صريحة قوية، ويكتفي بالتنديد والإدانة بصوت خافت لا يسمعه أحد!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحصّن بباطن الأرض لأشهر.. هكذا اغتالت إسرائيل محمد زكارنة
بعد قرابة 4 أشهر، وداخل مغارة في منطقة وعرة جنوبي مدينة جنين، قتلت إسرائيل الشابين محمد عمر زكارنة (23 عاما) ومروح خزيمية (19 عاما) بعد ساعات من الاشتباك المسلح.
وعُرف محمد زكارنة كأحد منفذي عملية إطلاق النار في بلدة الفندق جنوبي قلقيلية في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي، والتي أدت لمقتل 3 مستوطنين وجرح 7 آخرين بينهم إصابات خطيرة.
وكانت إسرائيل اغتالت محمد نزال وقتيبة الشلبي اللذين اتهمتهما بتنفيذ العملية بعد محاصرتهما في منزل ببلدة برقين غربي جنين، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، وأعلن جيش الاحتلال حينها عن هروب المنفذ الثالث والذي كان مجهول الهوية في ذلك الوقت.
تخريبوطوال 4 أشهر نفذت فيها قوات الاحتلال العديد من عمليات الاقتحام والمحاصرة لشبان فلسطينيين، واعتقلت عددا منهم في محاولات للوصول إلى المنفذ الثالث، واستطاع زكارنة البقاء بعيدا عن مواقع الاستهداف والاعتقال.
وقال رئيس بلدية قباطية أحمد زكارنة، صباح اليوم الأربعاء للجزيرة نت، إن قوات الاحتلال نفذت منذ نهاية العام الماضي 4 عمليات اقتحام واسعة للبلدة دمرت فيها البنية التحتية وممتلكات المواطنين، كان آخرها وأكبرها في فبراير/شباط الماضي حيث جرفت الشوارع الرئيسة ودمّرت خطوط الكهرباء والمياه وشبكة الصرف الصحي.
إعلانكما خرّبت ممتلكات ومحلات المواطنين ما أدى لخسائر تصل إلى 8 ملايين شيكل (أكثر من مليوني دولار) ضمن هذه الاقتحامات الأخيرة، وفق زكارنة.
وأضاف أن عدد الشهداء في البلدة وصل إلى 34 منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ورجح أن زيادة وتيرة الاقتحام كانت للبحث عن المنفذ الثالث لعملية الفندق.
واقتحمت قوة كبيرة من آليات الاحتلال برفقة جرافة عسكرية ومدرعات، ليلة أمس الثلاثاء، بلدة قباطية من حاجز دوتان العسكري واعتقلت شابين، في حين أُعلن بعد ساعة من الاقتحام عن انسحاب قوات الاحتلال وفشل العملية العسكرية في البلدة.
ووفق أهالي قباطية، فإن اشتباكا مسلحا وقع أمس بين قوات الاحتلال وبين مقاومين، وتحديدا في البلدة القديمة من البلدة، تمكن خلالها المقاتلون من الانسحاب والتمركز في مغارة بمنطقة جبلية بالقرب من قرية مسلية القريبة.
وصباح الأربعاء، حاصرت قوة خاصة إسرائيلية منزلا في قباطية واعتقلت شابين. وبينما كان الأهالي يتابعون عملية الحصار كانت قوة من جيش الاحتلال تنتشر في محيط المنطقة الجبلية بين قباطية ومسلية مع تحليق للطائرات، ثم بدأ إطلاق النار من الطرفين، وأطلق جيش الاحتلال القذائف المحمولة على الكتف تجاه المغارة.
يتحدث محمد أبو الرب، وهو عامل في معمل لقص الحجارة وصناعتها، عن عملية الاغتيال ويقول "كنت في المعمل، عند السابعة والنصف صباحا بدأت طائرة للاحتلال بالتحليق على ارتفاع منخفض بعدها بدقائق كان عدد من الآليات العسكرية يطوق المنطقة كلها وبدأ انتشار جنود الاحتلال بأعداد كبيرة جدا، وبدأ إطلاق النار من الطرفين".
وأضاف "بعد ساعتين وصلت الجرافة وبدأت تحفر في الأرض، ولكن لم نستطع تحديد إن كانت الجرافة انتشلت جثامين من الأرض أم لا".
إعلانورغم وجود الأهالي في منطقة قريبة من المكان المحاصر، إلا أنهم لم يكونوا على علم بوجود مغارة تحت الأرض، خاصة أنها منطقة زراعية سهلية.
بعد وقت من التجريف، لاحظ أبو الرب ومن معه من السكان استخراج حاوية حديدية (كونتينر) من مكان الحفر وشاهدوا جثمانا داخل كف الجرافة، ويقول "نحن أبناء هذه المنطقة وأعمل هنا يوميا لكننا لم نكن على علم بوجود مغارة في الأرض ولا بوجود حاوية، يبدو أن المقاومين وضعوها هنا ليتحصنوا فيها عن أعين جيش الاحتلال الذي لاحقهم لفترة طويلة".
وقال المراسل العسكري الإسرائيلي هليل بيتون روزين، في تصريح نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه "بعد قرابة 5 أشهر تم إغلاق الدائرة والقضاء على المنفذ الثالث لعملية الفندق على يد الجيش الإسرائيلي والذي كان يختبئ في مغارة بعد إطلاق قذيفة "ميتادور" باتجاهه وتبادل لإطلاق النار استمر ساعات".
وتحت الأرض، أخفى الشابان المطاردان الغرفة الحديدية، وتحصنا فيها لشهور، واشتبكا مع جيش الاحتلال ساعات طويلة قبل أن يتمكن الجيش من اغتيالهما.
أسير فشهيديذكر أهالي بلدة قباطية بأن الشهيد مروح خزيمية أحد الأسرى المحررين ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في مرحلتها الأولى عقب اندلاع الحرب على غزة، والتي ضمت الأشبال والنساء في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وداخل بيت العزاء الذي أقامته عائلة الشهيدين في قباطية، تحدث والد الشهيد خزيمية عن نجله قائلا "كان أسيرا ثم أصبح مطاردا والآن هو شهيد، الحمد لله الذي شرفني بأن أصبح والد شهيد، رزقني الله 5 أبناء وكرمني باختيار واحد منهم شهيدا".
وكان والد خزيمية قد اعتُقل خلال فترة مطاردة ابنه للضغط على نجله لتسليم نفسه، ونُقل لسجن مجدو وخرج بعد تعرضه لوعكة صحية شديدة. ويقول إنه فقد القدرة على المشي خلال الأيام التي قضاها في السجن وإنه بدأ استعادة عافيته قبل أيام قليلة.
إعلانوأضاف: "كنت في مدينة جنين صباح اليوم، لم أعلم أن ابني محاصر، وصلني الخبر بعد إعلان أسماء الشهيدين من وزارة الصحة".
مقاتل قويفي المجلس ذاته كان يجلس والد الشهيد محمد زكارنة لاستقبال المعزين باستشهاد نجله، ويقول إن ابنه كان يحضّرهم في العائلة لتلقي خبر استشهاده. وكان يقول لوالدته "لا تتفاجئي إن سمعتي أني شهيد، وخاصة بعد حرب غزة، حيث أثر فيه عدوان الاحتلال بشكل كبير".
ويتابع: "كان معتقلا وخرج، هو شاب في أول حياته ذو 23 عاما فقط، كان شديد التأثر بالمجازر التي يراها، ويقول لا يجب أن نسكت أو نترك أهلنا في غزة وحدهم". يضيف الأب: "منذ قرابة 4 أشهر لم أر محمد ولم أسمع حتى صوته، هو اختار هذه النهاية الكريمة، أسأل الله أن يتقبل منه".
واعتقل الاحتلال أيضا والد الشهيد زكارنة لمدة 10 أيام للضغط عليه لتسليم نفسه، وعاش ظروفا صعبة خلالها، حيث بقي مقيد اليدين ومعصوب العينين لمدة 4 أيام كاملة في ساحة معبر حاجز الجلمة قرب جنين.
ويؤكد أصدقاء زكارنة أنه كان مقاتلا قويا، وصاحب حس أمني عالٍ، ويتجلى ذلك في الطريقة التي استطاع الاختباء بها عن استخبارات جيش الاحتلال لمدة تقارب 4 أشهر، حيث حفر في عمق الأرض ووضع غرفة حديدية، وأغلق بابها بعدد من الحجارة الضخمة، وترك ممرا صغيرا فيها يمكنه من الدخول والخروج.
وبحسب معارفه وأصدقائه، رابط محمد أياما طويلة مع مقاتلي كتيبة جنين في أزقة وحارات مخيم جنين، وشارك في التصدي لاقتحامات الاحتلال، وكانت عملية الفندق، التي نفذها مع قتيبة الشلبي ومحمد نزال في يناير/كانون الثاني الماضي، إحدى أهم عمليات إطلاق النار التي خطط لها ونفذها مقاومون في الضفة الغربية.
إعلانولاقى استشهاده تفاعلا واسعا في الشارع الفلسطيني الذي اعتبره -لوقت طويل- أحد أبرز المقاومين شجاعة وأكثرهم قدرة على التخفي والنجاة من استهدافات الجيش الإسرائيلي.