العقارب تطارد سكان الجنوب الليبي
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
مخاطر العقارب تطارد سكان مدن الجنوب الليبي، الذين طالبوا السلطات الرسمية، في الدولة بحمايتهم منها، وذلك على خلفية مقتل طفلين بلدغاتها السامة خلال الأيام الماضية.
وقبل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى، أعلن مستشفى «الشهيد عطية الكاسح التعليمي» بمدينة الكفرة جنوب شرقي البلاد، والسلطات المحلية هناك، عن ثاني حالة وفاة هذا العام جرّاء التأثر بلدغة عقرب، وكانت أيضاً لطفل يبلغ 12 عاماً.
وطبقاً للخبراء، يكثر نشاط العقارب بالأجواء الحارة، ما يشكّل تهديداً لحياة كثير من سكان الجنوب الليبي. وأرجع رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة بالحكومة المكلّفة من البرلمان، الدكتور إسماعيل العيضة، حالات الوفاة التي حدثت بالمدينة بالسنوات السابقة والعام الحالي، «لشدة سُمّية لدغة بعض أنواع العقارب، والتأخر في نقل المصاب للمستشفى وتلقّيه المصل المضاد».
وقال العيضة، وهو مدير مستشفى «الكاسح التعليمي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمصال توفرت بالكفرة مقارنةً بمدن أخرى خلال موسم نشاط العقارب الذي يبدأ تقريباً من نهاية أبريل وحتى بداية نوفمبر كل عام. وأضاف: «إلا أنّ تأخُّر لجوء الأهالي في نقل المصاب للمستشفى، وتفضيلهم بالبداية تجربة طرق الطب الشعبي كالحجامة، يؤخّر ويقلّل من فرص إنقاذه».
ووفقاً لرؤيته فإن «بيع الأمصال المضادّة بالصيدليات الخاصة أدّى للتلاعب بها وغشّها، مما يؤثر على فرص نجاة المصاب».
انقطاع الكهرباء
تتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا؛ الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلّفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وعدداً من مدن الجنوب، ويرأسها أسامة حماد.
وعدّ العيضة انقطاع الكهرباء سبباً إضافياً للتعرض للإصابة، موضحاً «العقارب تخرج ليلاً بحثاً عن الرطوبة، وانقطاع التيار ولو لدقائق يمكّنها من التسلل للمنزل، خصوصاً إذا كان داخل إحدى المزارع». ولفت إلى أن توافد النازحين السودانيين بكثرة على الكفرة منذ نشوب الحرب ببلادهم دفع السلطات الطبية والمحلية للمطالبة بمضاعفة كمية الأمصال، خصوصاً أن كثيراً منهم يسكن المزارع والأماكن المهجورة.
ورغم ارتفاع عدد الإصابات في بعض الأحيان لما يقرب من 30 في اليوم، أكّد رئيس غرفة الطوارئ تماثُل أغلب ما يصل منها إلى المستشفيات، وهو ما أدى لتناقُص عدد الوفيات بدرجة كبيرة بالسنوات الأخيرة مقارنةً بالماضي. ويرى العيضة أن عدد المستشفيات والعيادات الموجودة بالكفرة «جيد»، حيث توجد 3 مستشفيات وأكثر من 6 عيادات عامة، لكنه اشتكى من نقص كبير بعدد الأطباء والفِرق الطبية المساعِدة.
استخراج أمصالأوضح الشريف البسكري، مدير مركز طب المناطق الحارة بالكفرة، الذي يُعَدّ من المراكز الرئيسية التي تُجري بالوقت الراهن تجارب بهدف محاولة استخراج أمصال مضادة للدغات العقارب من سُمّها، أن ظاهرة انتشار العقارب بالمدينة تحدث منذ القِدَم؛ نظراً لوجُود عدد كبير من المزارع بمحيطها.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال البسكري: «هناك 5 أنواع من العقارب تنتشر بعموم ليبيا، 3 منها بالكفرة وهم شديدو السُّمّية، وإذا لم تتوافر وسيلة نقل سريعة للمصاب بلدغة لأقرب مستشفى فقد ينتشر السم بجسمه ويدخل في غيبوبة ويصعب إنقاذه».
وعن جهود مؤسّسته العلمية في إنتاج مصل من سم العقرب، قال: «نحن نطمح لهذا، ولكن الأمر ليس سهلاً، فتجميع نصف ملّي من هذا المصل يستلزم اصطياد واستخلاص سُم نحو 200 عقرب».
بينما لفت رئيس بلدية الكفرة، عبد الرحمن عقوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الأزمة تراجعت بدرجة كبيرة، خصوصاً مع تغيّر شكل البناء من أكواخ بُنِيت بالطوب اللبِن إلى منازل شُيّدت بمواد البناء الحديثة، بالإضافة لاستقرار شبكة الكهرباء بالمدينة، وتوافر الأمصال.
تنمية مدن الجنوب
إلا أن بعض المواطنين وبعض النشطاء بالمدينة أكّدوا خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأزمة الرئيسية لا تكمن في توفر الأمصال، وإنما في عدم محاربة وجود العقارب بالأساس، أو على الأقل محاولة الحد من تكاثُرها رغم تكرار سقوط الأطفال تحديداً ضحايا لها كل عام».
ودعا هؤلاء «للمسارعة ببدء تنمية وإعمار حقيقي بمدن الجنوب، ورفع كفاءة خدماته الصحية ووسائل النقل وشبكات الكهرباء».
وعدّ الناشط السياسي الليبي حسام القماطي، استمرار مثل تلك الأزمات دليلاً على «تقاعُس فجّ» من الحكومات التي تعاقَبت على إدارة الدولة قبل «ثورة 17 فبراير» وبعدها.
وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأزمة إحدى نتائج المركزية المقيتة بالدولة، حيث يتم تهميش المناطق البعيدة عن المركز، مما يصعّد من شعور المظلومية لدى أبنائها الذين يعانون من تحديات بيئية وجغرافية؛ كارتفاع درجة الحرارة، والقرب من الحدود، والتعرض لخطر أنشطة عصابات التهريب».
وتحدّث الناشط السياسي عن انعكاس «دور الفساد وإهمال المسؤولين على الأوضاع الحاصلة بالجنوب»، ويعتقد أن «كثيراً من القيادات بالحكومات المتعاقبة صرف ميزانيات مرتفعة لمشروعات وهمية تحت شعار تنمية مدن الجنوب»، وقال: «للأسف لم يحرص عدد من ممثّلي الجنوب بالسلطة التشريعية على التنديد وملاحقة هؤلاء ومحاسبتهم».
وحذّر القماطي من آثار تلك السياسات، موضحاً أن «عدم توافر الخدمات الرئيسية أو ضعفها يدفع الأغلبية لرفض الإقامة بالجنوب، سواء كانوا أطباء أو معلمين؛ وتدريجياً ارتفعت وتيرة هجرة أبناء هذا الإقليم نحو مدن الشمال تطلّعاً للحصول على خدمات وحياة أفضل».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العقارب تطارد سكان الجنوب الليبي السلطات الرسمية عيد الأضحي مدينة الكفرة لـ الشرق الأوسط مدن الجنوب
إقرأ أيضاً:
بعد سقوط الأسد.. نظام جديد بالشرق الأوسط يلوح في الأفق
الخوف والأمل يلونان الدراما التي تتكشف في سوريا يوماً بعد يوم، فبعد السقوط المذهل لنظام بشار الأسد، يتركز الاهتمام على النظام الجديد الذي يتشكل في دمشق والجهات الفاعلة الإقليمية القوية التي قد تؤثر عليه.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فقد أعلن المحللون بالفعل عن الفائزين والخاسرين الجيوسياسيين مما حصل: إيران وروسيا، الداعمين للأسد منذ فترة طويلة، أكبر الخاسرين، بينما تركيا التي دعمت المتمردين السوريين بدرجات متفاوتة، وإسرائيل، التي نفذت حملة قصف قاسية على أهداف عسكرية سورية وحركت قوات برية عبر مرتفعات الجولان، تشعران بجرأة أكبر.مستقبل مجهول وفي الوقت الذي تتولى فيه الجماعة المسلحة التي أطاحت بالأسد زمام عملية الانتقال السياسي في البلاد، بدأت الحكومات الغربية في إعادة إشراك سوريا في المسار الدبلوماسي.
يوم الثلاثاء، رفع العلم الفرنسي فوق السفارة الفرنسية في دمشق لأول مرة منذ 12 عاماً. ومن المقرر أن تزور باربرا ليف، أكبر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، العاصمة السورية بالأيام المقبلة.
لكن لا تزال الكثير من الأمور مجهولة. فقد تظاهر مئات السوريين يوم الخميس في قلب دمشق ودعوا السلطات الجديدة إلى الحفاظ على دولة علمانية شاملة. بينما يستعد الأكراد في شمال شرق سوريا لمعارك محتملة مع الميليشيات المدعومة من تركيا.
My latest, last column of a tumultuous year:
After Assad’s fall, a new Middle East ‘order’ is taking shape
Free to read. https://t.co/OubK7NQq9g
لذا تعتبر الصحيفة أن الإطاحة بالأسد يُمثل تغييراً سياسياً في الشرق الأوسط.
كتبت لينا الخطيب، المحللة في الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث: "مثلما شهد عام 1989 نهاية الشيوعية في أوروبا، فإن هروب الأسد إلى موسكو يشير إلى زوال أيديولوجية المقاومة المعادية للغرب وإسرائيل في الشرق الأوسط".
وتضيف "الآن، يبدو أن إسرائيل أصبحت جدول أعمال الشرق الأوسط. لقد حطمت أعدائها الأقرب في حزب الله وحركة حماس الفلسطينية على حساب عشرات الآلاف من أرواح المدنيين وتصاعد المزاعم بأنها ارتكبت جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة".
Foreign powers jockey for control in Syria, risking new conflict https://t.co/x5DfpXC6Jl pic.twitter.com/GUku2P01Bv
— Calgary Herald (@calgaryherald) December 15, 2024 وأشارت إلى أن هذه الحملات الإسرائيلية عرقلت العدو الإقليمي إيران. ومع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى منصبه الشهر المقبل، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موقف قوي لمواصلة دفع أجندة إسرائيل في المنطقة.في مقال في الشؤون الخارجية، حدد كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين السابقين عاموس يادلين وأفنير جولوف استراتيجية من شأنها أن تنشئ "نظاماً إسرائيلياً في الشرق الأوسط. دبلوماسية إسرائيل وقال: "دعوا إلى دفع دبلوماسي لزيادة ربط إسرائيل بالدول العربية والمجاورة، وهو جهد معقد يتطلب شراكة أمريكية وتنازلات إسرائيلية في نهاية المطاف لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الفعلي. لكن هذا سيتطلب أيضاً من نتانياهو تحدي أعضاء اليمين المتطرف الرئيسيين في ائتلافه الحاكم، الذين يتصورون أن إسرائيل ستضم قريباً أجزاء من الضفة الغربية وحتى إقامة مستوطنات في غزة".
وكتب يادلين وجولوف: "خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل السياسة والأمن في الشرق الأوسط.. بدون قيادة شجاعة، يمكن أن تفلت فرصة إسرائيل. إن تطلعات الأعضاء المتطرفين في ائتلاف نتانياهو لضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو فرض حكم عسكري في غزة، أو متابعة أجندة داخلية مستقطبة تضعف المؤسسات الديمقراطية، ستعيق بشدة هذا التقدم".
لكن هناك لاعب إقليمي آخر يستشعر لحظته أيضاً، بحسب وصف الصحيفة. فقد كان نظام الأسد محوراً لما وصفه المحللون منذ فترة طويلة بـ"الهلال الشيعي" الإيراني، وهو قوس من النفوذ والجماعات الوكيلة التي ربطت طهران بالبحر الأبيض المتوسط.
ومع رحيل الأسد ورعب حزب الله، كتب حسن حسن في صحيفة "غارديان"، ربما نراقب نهاية الهلال الشيعي الإيراني الذي كان يُخشى منه منذ فترة طويلة، كذلك صعود تركيا، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان". موقف إيران وكلاء تركيا في موقع قيادي في دمشق ومستعدون للسيطرة على مزيد من السيطرة في شمال شرق سوريا. لطالما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإطاحة بالأسد، ويبدو الآن مبرراً في نهجه. كما لعب دوراً أكبر كرجل دولة إقليمي، حيث توسط مؤخراً في اتفاقيات سلام بين إثيوبيا والصومال، بينما عزز تحالف تركيا مع أذربيجان، وهي دولة بترولية مسلحة جيداً على عتبة إيران.
SCOOP: Top State Dept. official to visit Syria in sign of U.S. reengagementhttps://t.co/HeLn7l0B1g
— Axios (@axios) December 19, 2024 حتى أن ترامب وصف التمرد السوري بأنه "استيلاء غير ودي" من قبل تركيا، وهي رواية رفضتها أنقرة.وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في مقابلة: "لن نسميها استيلاء، لأنه سيكون من الخطأ الفادح تقديم ما يحدث في سوريا بهذه المصطلحات"، مضيفاً أن الإطاحة بالأسد تعكس "إرادة الشعب السوري"، وأنه من المهم للشرق الأوسط أن يتجاوز "ثقافة الهيمنة".
وقال فيدان: "ليست هيمنة تركية، ولا إيرانية، ولا عربية، بل إنه التعاون يجب أن يكون ضرورياً".
وفي سوريا، يعتقد المحللون أن إيران قد تحاول بعناية شق طريقها إلى الوراء، مستغلة الفراغات الأمنية والاضطرابات المحتملة بين الأقليات العرقية.
يقول الصحافي السوري إبراهيم حميدي: "نعلم جميعاً أن إيران خسرت وقتاً كبيراً مع سقوط الأسد، ونعلم أيضاً أن إيران تتحلى بالصبر في الوقت الحالي.. يستغرق الأمر بضع خطوات إلى الوراء لتحديد كيفية التعامل مع الوضع الجديد".