لماذا هذا العدد الكبير من الوفيات في صفوف حجاج بيت الله الحرام؟
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
في موسم الحج من كل عام، يفِد إلى السعودية جموع الحجاج من كل أنحاء العالم، حيث يلتقون في واحد من أكبر التجمعات البشرية السنوية.
وقد شهد موسم الحج هذا العام وفاة اكثر من ألف حاج واستنادًا إلى أعداد وفّرتها حوالي عشر دول عبر بيانات رسمية أو دبلوماسيين منخرطين في عمليات البحث عن الضحايا، بلغ عدد الوفيات في موسم الحجّ هذا العام 1.
وأعلنت المملكة السعودية رغم عدد الوفيات نجاح خططها الصحية لموسم الحج هذا العام. وقال وزير الصحة السعودي فهد الجلاجل إن موسم الحج مضى خاليا "من أي تفشيات أو تهديدات على الصحة العامة على الرغم من الأعداد الكبيرة للحجاج هذا العام، والتحديات المتعلقة بارتفاع درجات الحرارة".
وأحصت السلطات السعودية نحو 1.83 مليون حاج هذا العام، بينهم 1.6 مليون وفدوا من خارج البلاد.
يُعتقد أن الحر الشديد في السعودية كانت عاملا مباشرا، حيث سجلت درجات الحرارة 51.8 مئوية في الظل، هو أحد الأسباب الرئيسية وراء وقوع هذا العدد الكبير من الوفيات بين الحجاج هذا العام.
وحذرت وزارة الصحة السعودية الحجاج من مغبة التعرّض للشمس وللحر الشديد، ونصحتهم بتناول كميات كافية من المياه – لكن رغم ذلك، وقع كثير من الحجاج ضحايا للإنهاك الحراري وضربات الشمس.
وعزى دبلوماسي عربي وفاة معظم الـ 658 حاجاً مصريا هذا العام إلى الحر الشديد. وافتقر معظم هؤلاء إلى الخدمات المخصصة للحجيج النظاميين، ما حال دون حصولهم على الدعم اللازم.
وفي حديث لبي بي سي، قالت عائشة إدريس، وهي حاجة نيجيرية: "برحمة من الله، ولا شيء غير ذلك، لازلت أحيا؛ لقد كان الحر شديدا على نحو غير معقول".
وأضافت عائشة: "لقد أوصدوا كل الأبواب المؤدية إلى الكعبة، فكان علينا أن نلجأ إلى السطح، حيث كان الحرّ شديدا للغاية".
وتابعت عائشة: "وقد حاولتُ اتقاء الشمس بمظلة، فيما كنتُ أروّي نفسي بمياه زمزم المقدسة. وأظنّ أنني كدت أتداعى إعياءً في لحظة ما، وأنّ أحد الحجاج قد أعانني وأهداني المظلة. والحقّ أنني لم أكن أتوقع هذه الدرجة الشديدة من الحرارة".
استناداً إلى العديد من الشهادات، فإن الإدارة السيئة من جانب السلطات السعودية فاقمت الأوضاع، ما أدى إلى أزمات في العديد من المناطق المخصّصة للحجيج.
وتحدث شهود عن إدارة بائسة لأماكن الإقامة والمرافق، قائلين إن الخيام شهدت تكدسات في ظل عدم وجود ما يكفي من أجهزة التبريد والمرافق الصحية.
وقالت أمينة (ليس اسمها الحقيقي)، وهي باكستانية تبلغ من العمر 38 عاما: "لم تكن هناك أجهزة تكييف للهواء في خيامنا رغم الحرّ في مكة. المبردات التي كانت مثبتة لم يكن بها مياه معظم الوقت".
وأضافت أمينة: "وقعت حالات اختناق كثيرة جدا في تلك الخيام، حينا كنا نتصبب عرقا في تجربة مريعة".
وإلى ذلك، قالت فوزية، وهي حاجة من جاكرتا: "كثيرون سقطوا من الإعياء بسبب التكدس والحر الشديد داخل الخيام".
وجد الحجاج أنفسهم، كذلك، مضطرين إلى قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام تحت وطأة الحرّ الشديد.
وعزا كثيرون تلك المعاناة إلى وجود حواجز تفتيش في الطرق، فضلاً عن ضعف إدارة عمليات نقل الحجيج.
وقالت حاجّة باكستانية، طلبتْ عدم ذِكر اسمها: "وضعونا في مسار طوله سبعة كيلومترات بلا ماء ولا مظلات تقينا أشعة الشمس. وكانت الشرطة قد أقامت حواجز للتفتيش، لنجد أنفسنا مضطرين إلى السير على أقدامنا لمسافات طويلة بلا داع".
وأضافت لبي بي سي: "في المخيمات، تُرك الحجيج كما لو كانوا دواجن أو حيوانات في مزرعة. لم يكن ثمة فراغ بين الأسرّة للتنقّل. ولم يكن هناك عدد كاف من دورات المياه".
ويقول المطوّف محمد أشا، إن بعض الحجاج كانوا يضطرون إلى السير على الأقدام مسافة لا تقل عن 15 كيلومترا في اليوم، وقد تركهم ذلك فريسة للإجهاد الحراري، والإرهاق الجسدي، في ظل نقص المياه.
ويتذكر محمد: "في السنوات السابقة، كانت المنعطفات المؤدية إلى الخيام تظل مفتوحة، أمّا الآن فقد أصبحت كل هذه المسارات مغلقة. وعليه، أصبح على كل حاج -أيا كانت الفئة المصنّف تبعاً لها- أن يسير على قدميه مسافة 2.5 كليومتر تحت وطأة الحر الشديد حتى يبلغ الخيمة".
ويتابع المطوّف: "حتى لو كانت هناك خدمة طوارئ، فلن يستطيع أحد الوصول إليك قبل مرور 30 دقيقة. ولا توجد استعدادات للإسعاف، كما لا توجد نقاط للمياه على طول تلك المسارات".
قد يكوم من بين أسباب وقوع وفيات بأعداد كبيرة كل عام بين الحجيج، هو أن كثيرين منهم قد تقدمت بهم السن – وربما أمضوا سنوات عديدة في ادخار نفقات الحج.
ويتمنى كثير من المسلمين لو توافيهم المنيّة وهم يؤدون فريضة الحج ليُدفنوا في تلك البقاع المقدسة.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الحر الشدید موسم الحج هذا العام
إقرأ أيضاً:
مهمة الرسل.. خطيب المسجد الحرام: دعاة إلى الخير وهداة للبشر
قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي ، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن مهمة الرسل الدعوة إلى الله تعالى، وتوحيده وإفراده بالعبادة، وإبلاغ الرسالة، وتبيين الشريعة.
مهمة الرسلوأوضح “ المعيقلي” خلال خطبة الجمعة الثالثة من جمادي الآخر من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنهم - صلوات الله عليهم وبركاته- قد بعثوا دعاة إلى الخير، وهداة للبشر، مبشرين من أطاع الله بعظيم الجزاء، ووافر العطاء، ومنذرين من عصاه بشديد العقاب، وسوء المآب.
واستشهد بقول الله تعالى: ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، ونبينا صلى الله عليه وسلم، خاتم الرسل وسيد ولد آدم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين من ربه.
وأشار إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم، يدعو أمته ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، لا يدع مناسبة، إلا ويغتنمها لإبلاغ الرسالة، فكان صلى الله عليه وسلم يذهب للمشركين في أسواقهم ومجامعهم، يدعوهم إلى ربهم، ويصبر على أذاهم وسفههم، وصدهم وإعراضهم ".
وأضاف أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يحدو أمله، وتحمله ورحمته وشفقته، ليحيا الناس حياة طيبة في الدنيا، ونعيمًا أبديًا في الأخرى، فحرصه على أمته أشد من حرصهم هم على أنفسهم، حتى كان يتحسر ويحزن لإعراضهم.
وتابع: حسرة تكاد تفتك به وتهلكه، فنهاه ربه عن ذلك، رأفة ورحمة به، فقال: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، أي: لعلك من شدة حرصك على هدايتهم، مُهْلِك نفسك يا محمد.
عجيب أمر كثير من الناسوأردف : وقال له ربه في آية أخرى: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، بل شبه سبحانه حزنه عليهم، برجل فارقه أحبته، فهو يسير على آثارهم، حتى كاد يهلك، وجدًا وتلهفًا على فراقهم.
ودلل بما قال سبحانه: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا، وبين له سبحانه، أن التوفيق للهداية منه وحده، فقال: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
ولفت إلى أنه من عجيب أمر كثير من الناس، مع حرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم، إلا أنهم يقابلون ذلك بإعراضهم وصدهم، كما قال جل وعلا: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
واستطرد: بل إن حرصه صلى الله عليه وسلم كان على أناس ما علموا بوسيلة تدخل الأذى والشر إليه، إلا سعوا إليها بكل حرص، فهم حريصون أشد الحرص، على أذيته بل على قتله، وهو صلى الله عليه وسلم، حريص أشد الحرص، على هدايتهم ونفعهم.
بلغ الغايةوأفاد بأن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، بلغ الغاية في بيان شريعته، ممتثلًا أمر ربه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، فما من شيء يقرِّب الأمة من الجنة، ويزحزحهم عن النار؛ إلا وقد بيّنه صلى الله عليه وسلم.
واستند إلى أن الله تبارك وتعالى يقول: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)، والنبي صلى الله عليه وسلم، يريد الفوز العظيم لأمته، في الدنيا والآخرة، فما ترك صلى الله عليه وسلم بلاغ أمته، حتى وهو يجود بنفسه، وروحه تخرج من جسده.
وذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَميصةٌ سَوْداءُ حينَ اشتَدَّ به وَجَعُه، قالَتْ: فهو يَضَعُها مرَّةً على وَجْهِه، ومرَّةً يَكشِفُها عنه، ويقولُ: ((قاتَلَ اللهُ قَومًا اتَّخَذوا قُبورَ أنْبيائِهم مَساجِدَ))، يُحَرِّمُ ذلك على أُمَّتِه.
وأكد أن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على من اتّبعه من أمته، لا ينتهي بانتهاء الحياة الدنيا، فإذا انشغل الناس بأنفسهم يوم القيامة، حتى يقول الأنبياء عليهم السلام: نفسي نفسي، يقول صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي.
وألمح لما جاء في الصحيحين: قال : (إذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ - ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء - قال: ((فَيَأْتُونِي، فأقُولُ: أنَا لَهَا، فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، ويُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أحْمَدُهُ بهَا لا تَحْضُرُنِي الآنَ، فأحْمَدُهُ بتِلْكَ المَحَامِدِ، وأَخِرُّ له سَاجِدًا، فيَقولُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي ).
وواصل: فسبحان الله! كم بين قول الرسل عليهم السلام: نفسي نفسي، وبين قول نبينا : أمتي أمتي، من معانٍ عظيمة، ودلالات كريمة، تبين حرصه على نجاة أمته، ويحضر عرصات يوم القيامة، ليكون شفيعًا لأمته؛ فتارة يقف عند الميزان، وتارة يقف على جنبات الصراط، يطلب لأمته السّلامة والنّجاة.
ونصح، قائلاً: فحري بنا أمة إسلام، أن نطيع أمره، ونقتفي أثره، ونذب عن ملته وشريعته، ونقابل حرصه علينا، باتباعنا لسنته، فأسعد الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، هم أشدهم اتباعًا له، وتمسكًا بسنته، وهم أهل محبته وولايته؛ لقوله تبارك اسمه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .