لجريدة عمان:
2025-04-18@21:16:20 GMT

شيخ الأزهر ومفتي سلطنة عُمان يغردان منفردين

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

منذ عقد الستينيات من القرن الماضي والقضية الفلسطينية مقررًا رئيسًا من بين مقررات الدراسة في الأزهر، سواء في سياق الدراسات التاريخية أو حتى مقررات الأدب، وفي المرحلة الجامعية كانت دراسة القضية الفلسطينية مقررًا عامًا في كل كليات الجامعة، إضافة إلى مقرر مستقل عن الصهيونية، لذا كانت فلسطين حاضرة في وجدان هذا الجيل من الشباب، بعدها جاءت معاهدة كامب ديفيد ١٩٧٩، التي أحدثت ردود فعل هائلة في كل العالم العربي، بل وفي كل دول العالم، وانقسم العرب بين بعض الدول التي أيدتها، وكثير من الدول العربية قاطعت الرئيس السادات، وأخذت منظمة التحرير الفلسطينية موقفًا مناهضًا لها، بعدها جرت مياه كثيرة، وكان السادات غاضبا جدا من ياسر عرفات، بعد أن كان يسعى لإشراك الفلسطينيين في المفاوضات مع إسرائيل، وكان قد أعد لهم مقعدًا على طاولة المفاوضات التي جرت في فندق مينا هاوس في القاهرة.

منذ عام ١٩٧٩، لم تعد القضية الفلسطينية موضوعا في برامج التعليم، وتم إلغاء مقرر الصهيونية أيضا من برنامج الدراسات التاريخية، وتراجع الاهتمام بالقضية طوال هذه السنوات، ثم كانت أحداث ٧ أكتوبر الماضي وما تبعها من حرب مدمرة اجتاحت قطاع غزة، تلك الحرب التي لم يعرف لها التاريخ مثالًا إلا في الحرب العالمية الثانية من هدم البيوت على ساكنيها واستشهاد عشرات الآلاف، وإصابة مئات الآلاف أيضًا وتوقف كل وسائل الحياة، لعل آخرها في الأسبوع الماضي حينما داهمت الطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة مخيم النصيرات، وهو ما أودى بحياة ثلاثمائة شهيد، واللافت للنظر في هذه المأساة أن قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال كورييلا كان مشاركا في إدارة العملية التي استخدم فيها الميناء العائم الذي أقامته أمريكا قبالة غزة، وقد سافر كورييلا خصيصًا ليكون حاضرًا في غرفة العمليات مع رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس جهاز الشاباك وآخرين من القيادة العسكرية الإسرائيلية، بعد أن اجتاحت الألوية الإسرائيلية (عشرة ألوية) المخيم ولم تفرق بين المقاومين والمدنيين العزل، وقد شاهد العالم تلك المأساة، لم تكتف إسرائيل بتلك الجرائم بل انقسمت الحكومة الإسرائيلية حينما استقال بعضها احتجاجًا ليس على هذه الجرائم، وإنما لرغبتهم في اجتياح غزة ورفح ومواصلة العمليات حتى لو أدى ذلك لإبادة الفلسطينيين عن آخرهم.

اكتفى الحكام العرب ووزراء خارجيتهم بإصدار بيانات الشجب والإدانة التي لم يلتفت إليها أحد، إلا أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي لا يملك إلا سلطة روحية قد اتخذ قرارًا منفردًا متحملًا كل تبعاته حتى تبقى القضية الفلسطينية في وجدان الشباب باعتبارها قضية إسلامية تستحق الدفاع عنها لذا أقدم على جعل القضية مقررا رئيسا في كل برامج التعليم بكل مراحله، فضلًا عن مقرر آخر عن تاريخ الصهيونية، سواء في مراحل التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي، لعل موقف هذا الشيخ الجليل يعد نموذجًا لرجل يعرف مهام منصبه، ضاربًا عرض الحائط بالمواقف السياسية لكل الحكام العرب.

إن هذا الموقف الشجاع من شيخ الأزهر يعد موقفًا عظيمًا لرجل لا يعرف المساومات ولا المواءمات السياسية، وإنما اتخذ قراره لكي تبقى القضية حية في وجدان أبنائنا الشباب، واثقًا بأن الصراع مع إسرائيل يعد صراع وجود، وأن دراسة القضية ستعيدها إلى الحياة، بعد أن فقد جيل الشباب كل معرفة بهذه القضية التي ربما تأخذ وقتًا طويلًا، لكن الزمن في عمر هذه القضية لا يمثل شيئًا وإنما العبرة بالنهاية.

لا أجد موقفًا مماثلًا لموقف شيخ الأزهر إلا موقف سماحة مفتي عام سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي، الذي أتابع كل تصريحاته وأحاديثه، وهو يستنهض الأمة من سباتها متحدثًا عن القدس ومأساة الفلسطينيين، داعيًا العرب والمسلمين إلى الوقوف في وجه هذا العدوان الغاشم الذي لا يعرف عهودًا ولا مواثيق، في الوقت الذي يخرج علينا بعض الدعاة من أقطارنا العربية وهم يروجون لإسرائيل ويدعون شعوبهم إلى الوقوف خلف حكامهم بحجة دعم سياسة السلام التي لا تعني إلا الاستسلام، وغالبا ما يلقون باللائمة على المقاومين الفلسطينيين، ويحمّلونهم المسؤولية عن كل الأحداث المأساوية التي تقع في غزة، لكن شعوبنا العربية قد رفضتهم وابتعدت عن خطابهم وأسقطتهم من حساباتها واعتبرتهم مروجين للعدو.

وصل الأمر في بعض أقطارنا العربية أن بعض السلطات منعت خطباء المساجد من الحديث عن مأساة الفلسطينيين، بل ومنعت تقديم برامج في الإعلام تتعرض للقضية إلا من قبيل الترويج لما أسموه بثقافة السلام والتطبيع، وهي سياسات ضاعفت من استقواء إسرائيل التي أسقطت من حساباتها ردود الفعل العربية، وهو ما ضاعف من قسوتها وعجرفتها، ورغم هول المأساة فقد بقي المقاومون الفلسطينيون يقدمون كل يوم ضربات موجعة لأعدائهم، وقد كنت شخصيًا من القائلين بعدم تديين القضية، لكن تبين لي أن إسرائيل هي التي سعت إلى ذلك، حينما أقرت في دستورها بأنها دولة لليهود لا مكان لغيرهم على أرض إسرائيل، بعد أن كانت تروج منذ نشأتها بأنها دولة علمانية يتساوى فيها كل المقيمين على أرض إسرائيل، لكننا لاحظنا في كل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من الساسة والعسكريين استخدام مصطلح الصهيونية، باعتباره العنوان الأهم لدولة إسرائيل، واستخدمت كل مفرداتها الخاصة لجذب مزيد من دعم يهود العالم لها، لدرجة أن الإدارة الأمريكية وقادتها قد صرحوا مرارًا بأنهم صهاينة أكثر من صهاينة إسرائيل، وهو ما يدعونا اليوم إلى استدعاء الدين كوسيلة فعالة للمقاومة، وقد شاهدنا المسلمين في كل دول العالم وقد انتفضوا دفاعًا عن مقدسات المسلمين في القدس.

المؤسف أن بعض من ينتسبون إلى المثقفين قد قالوا بعدم قدسية المدينة المقدسة، وقال بعضهم إن القدس التاريخية ليست في فلسطين! وتحدث آخرون بأنها مكان لا صاحب له بل هو في عداد تراث الإنسانية، وقد شاهدنا القائلين بذلك وهم يروجون لهذا القول السخيف على بعض القنوات الفضائية العربية.

إن القدس والقضية الفلسطينية قضية واحدة لا تسقط أبدًا بالتقادم، وسوف يتبدد الظلام طالما بقي في فلسطين شعب يقاتل نيابة عن العرب والمسلمين.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة شیخ الأزهر ا العرب بعد أن موقف ا

إقرأ أيضاً:

باحثة فرنسية: اليمنيون مواقفهم موحدة بشأن القضية الفلسطينية.. بينما الانتقالي يتحفّظ على ذلك (ترجمة خاصة)

قالت الباحثة الفرنسية في الشؤون اليمنية "هيلين لاكنر" إن اليمنيين بكل أطيافهم موقفهم موحد بشأن القضية الفلسطينية، إلا أن هناك تحفظ من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعم من الإمارات.

 

واضافت هيلين لاكنر في حوار مع صحيفة " Jewish Currents" العبرية وترجم أبرز مضمونها للعربية "الموقع بوست" إن شعبية جماعة الحوثي المتمردة، التي كانت في السابق غير محبوبة بين رعاياها وهامشية في المنطقة، ازدادت نتيجةً دعها لغزة ضد حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

 

وكانت لاكنر، التي غطت اليمن لأكثر من 50 عامًا وعاشت في ثلاث محافظات يمنية قائمة في تلك الفترة، لفهم دور فلسطين في السياسة اليمنية؛ والجوانب الجيوسياسية لهجمات البحر الأحمر؛ وكيف منحهم موقف الحوثيين من غزة الشرعية ومساحة للمناورة في أراضيهم وخارجها.

 

وعن تاريخ علاقة اليمن بالقضية الفلسطينية، تقول هيلين لاكنر: قبل الحرب الأهلية بين الحوثيين والجماعات المتفرقة في التحالف المدعوم من الخليج والذي يشكل الحكومة المعترف بها دوليًا، كانت الأنظمة المختلفة في اليمن مؤيدة لفلسطين بشكل منهجي. كان اليمن واحدًا من 13 دولة صوتت ضد خطة تقسيم الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين يهودية وعربية في عام 1947. لاحقًا، عندما طُردت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في عام 1982 [بعد غزو إسرائيل لبيروت]، قُسِّم اليمن إلى نظامين اشتراكي ورأسمالي، لكن كلاهما دعا قوات منظمة التحرير الفلسطينية المنفية إلى بلديهما. كان النظام الاشتراكي أكثر انحيازًا للفصائل الفلسطينية اليسارية بينما كان النظام الرأسمالي أقرب إلى فتح، لكن الفلسطينيين عمومًا كانت لهم علاقات مع كل من عدن (العاصمة الاشتراكية) وصنعاء (الرأسمالية).

 

واشارت إلى أن موقف اليمنيين بكل أطيافهم موقفهم موحد بشأن القضية الفلسطينية، لافتة إلى أن هناك تحفظ في عدن والمدن الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعم من الإمارات.

 

وذكرت أن المظاهرات تُقمع بشكل أساسي، في عدن والمناطق المحيطة بها التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي (وهي جماعة مدعومة من الإمارات العربية المتحدة تسيطر على جنوب اليمن ولديها اتفاقيات لتقاسم السلطة مع الحكومة الشرعية في اليمن ولكنها تحمل طموحات انفصالية).

 

وأفادت "عندما وقعت الإمارات العربية المتحدة على اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، قال الرجل الثاني في المجلس الانتقالي الجنوبي في ذلك الوقت، هاني بن بريك، إنه يتطلع إلى زيارته الأولى لإسرائيل - نتيجة لتحالف المجلس الانتقالي الجنوبي مع الإماراتيين.

 

وأردفت "الآن، ومع تحدي الحوثيين للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، لا يجرؤ المجلس الانتقالي الجنوبي على قول أي شيء ضد أي تصريحات مؤيدة للفلسطينيين من شعبه، حتى لو كانوا يمنعون بالتأكيد أي أعمال مؤيدة لفلسطين".

 

وأكدت أن التصريح بتأييد إسرائيل علنًا في السياق اليمني الحالي أمرٌ مرفوض.

 

وحسب الباحثة الفرنسية فإن الحوثيين يحركون ثلاثة أمور في هجماتهم على إسرائيل والسفن في البحر الأحر: التضامن مع فلسطين؛ وموقف متشدد في السياسة الخارجية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل؛ واعتبارات سياسية داخلية.

 

وأشارت إلى أن شعبية الحوثيين قبل السابع من أكتوبر، كانت بين 70٪ من اليمنيين الذين يحكمونهم في أدنى مستوياتها بسبب حكمهم القمعي وسياسات الضرائب الابتزازية وسوء تقديم الخدمات، من بين أمور أخرى. وبينما لم يتغير أي من هذه الديناميكيات الأخرى، فإن تدخل الحوثيين لدعم الفلسطينيين كان شائعًا للغاية، ومنحهم مساحة أكبر للمناورة بين الناس. وقد ارتفعت وتيرة تجنيدهم العسكري بشكل كبير، حيث يسارع الشباب للانضمام إلى فكرة أنهم سيقاتلون في فلسطين بينما في الواقع من المرجح أن يتم إرسالهم إلى إحدى الجبهات اليمنية "الداخلية" المختلفة الأكثر عرضة لإعادة الفتح.

 

وبشأن الغارات الجوية المتجددة في عهد ترامب، قالت إنها تتعلق بالسيطرة على البحر الأحمر والضغط على إيران بشأن اتفاق نووي، لأن نهج ترامب يبدو أنه يعتبر الحوثيين مجرد تابع لإيران.

 

وعن تغير موقف الحوثيين الإقليمي والعالمي في أعقاب حملة البحر الأحمر والرد الأمريكي تقول هيلين لاكنر إن الشرعية التي اكتسبها الحوثيون من دفاعهم عن فلسطين منحتهم نفوذًا في المنطقة. خلال العام الماضي، لم يُنطق بكلمة واحدة ضد الحوثيين من قِبل السعوديين أو أي جهة أخرى في العالم العربي، لأن هذه الشعوب مؤيدة بشدة للفلسطينيين. على سبيل المثال، عندما حاولت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا فصل بنوك الحوثيين عن النظام المصرفي العالمي في صيف عام 2024، هدد الحوثيون بقصف المملكة العربية السعودية إذا طُبق ذلك، فضغط السعوديون على الفور على الحكومة الشرعية للتراجع عن قرارها. وقد فعلت ذلك بالضبط؛ لم يكن لديها خيار آخر.

 

وقالت إن قوة الحوثيين ازدادت بين حلفاء إيران، خاصةً مع إضعاف حزب الله وسوريا. وبينما يُرجّح أن تكون إيران وراء تحسين مدى صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، أعتقد أنها غير راضية عما يفعله الحوثيون. سعت إيران مؤخرًا إلى الدبلوماسية - عبر التواصل أكثر مع السعوديين والمبعوث الخاص للأمم المتحدة وآخرين - لكن كغيرها، لا تستطيع قول أي شيء، حتى لو كان سرًا، عندما يتصرف الحوثيون باستقلالية. وحتى لو طلب الإيرانيون من الحوثيين تقليص هجماتهم، فأنا لست متأكدًا من أنهم سيستمعون".

 

وأكدت أن هجمات الحوثيين نجحت في لفت الانتباه الدولي إلى غزة، وقالت "لكن يبدو أنها لن توقف ما تفعله إسرائيل هناك".

 

وزادت "ربما لو كانت التكاليف أكبر على دول الشمال العالمي - التي تتحملها مصر الآن بشكل رئيسي - لكان ذلك قد أجبر الغرب على الضغط على إسرائيل، ولكن في الوقت الحالي، استمرت الدول الغربية في الحديث عن حرية الملاحة في البحر الأحمر متظاهرة بأن لا علاقة لها بالحرب في غزة".

 

واستطردت "هناك عدم استعداد تام لفهم أن للقضية الفلسطينية صدى أوسع في العالم العربي، ولا أحد على استعداد للاستجابة لقول الحوثيين إنهم سيضعون حداً لهذه الأعمال إذا انتهت الحرب. لذلك نستمر في وضع يخلق فيه غياب العمل الدولي ضد إسرائيل فراغًا لا يملأه سوى الحوثيين - الذين ارتكبوا بانتظام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من جانبهم. إنهم لا يزالون الوحيدين المستعدين لاتخاذ إجراءات ملموسة لدعم القانون الدولي والدفاع عن غزة".

 

 


مقالات مشابهة

  • صقر غباش يؤكد موقف الإمارات التاريخي والثابت في دعم القضية الفلسطينية
  • السكان الأصليون والتعاطف مع القضية الفلسطينية.. ما القاسم المشترك؟
  • فعالية وطنية في عمان الأهلية تستعرض مواقف الاردن في دعم القضية الفلسطينية
  • رئيس دفاع النواب: جولة السيسي الخليجية نجحت في تشكيل موقف عربي ودولي لصالح القضية الفلسطينية
  • ضياء رشوان: مصر خاضت العديد من الحروب للدفاع عن القضية الفلسطينية
  • باحثة فرنسية: اليمنيون مواقفهم موحدة بشأن القضية الفلسطينية.. بينما الانتقالي يتحفّظ على ذلك (ترجمة خاصة)
  • "الاستشارية لإعادة الإعمار": تهجير أهالي غزة شرط للإعمار "ادعاء مشبوه" لتصفية القضية الفلسطينية
  • أبو الغيط: القضية الفلسطينية تتعرض لأخطر تهديد في تاريخها
  • هل أصبحت “سلطة رام الله” عبئاً على القضية الفلسطينية؟
  • زيارة السيسي الخليجية تؤكد الدور المصري المحوري في حل أزمات المنطقة ودعم القضية الفلسطينية