اعتاد كثيرٌ منا منظر ازدحام السيارات المتوجهة إلى مقرات العمل، وتتبادر الكثير من الأسئلة فيما يخص أسباب هذا الزحام وسلبياته المترتبة، والحلول الممكنة لتقليل الازدحام المروري، وتوقيت وصول الموظف إلى مقر عمله ومباشرته للعمل سعيًا لإنجاز المهام المنوطة إليه، وتقديم الخدمات العاجل منها والضروري للمراجعين وأصحاب المصلحة، وينتابنا التساؤل عن ضرورة ارتباط كل هذه الوظائف بالحضور الفعلي لمقر العمل، وعن قابلية هذه الوظائف إلى التحول الرقمي والعمل عن بعد أسوة ببعض الوظائف والخدمات التي بدأت بعض المؤسسات الحكومية والخاصة في تنفيذها عبر اعتماد سياسة العمل عن بعد أو العمل المرن الذي لا يتطلب حضورًا وانصرافًا في وقت محدد بل يُكتفى إما بإنجاز المهام دون التقيّد بالوقت أو اكتمال نصاب ساعات العمل مهما كان زمنها، إلا أننا نؤكد أنه لا يمكن أن نعمم قدرة تحويل بعض الوظائف إلى نظام العمل عن بعد -بشكل كلّي- مثل الوظائف المتعلقة بالصحة والعسكرية وغيرها من الوظائف ذات الطابع الميداني.

بدأت «رؤية عُمان 2040» الدخول حيّز التنفيذ في عام 2021م، وتزامن ذلك مع بدء أزمة وباء كورونا الذي عصف بالعالم أجمع وأجبر الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تبني سياسة العمل عن بعد رغبة في الإبقاء على الأعمال دون توقف والبحث عن الحلول الرقمية البديلة، ويجد المتمعن في «رؤية عُمان 2040» التركيز على مشروعات التحول الرقمي المعنية برقمنة الخدمات في القطاعات الحكومية والخاصة؛ لرفع مستوى كفاءة الخدمات وعمليات التشغيل، وتقليل التكلفة والمخاطر، وتحقيق السرعة في الإنجاز، وبتحقق مشروعات التحول الرقمي يسهل للمؤسسات تنفيذ سياسة العمل عن بعد التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في توفير فرص عمل جديدة، وتقليل معدلات البطالة، وزيادة مرونة العمل مما يعزز الاقتصاد الرقمي في سلطنة عُمان.

بجانب موضوعنا الأول الذي استفتحنا به المقال -أزمة الازدحام المروري- والحلول التي يمكن أنْ تساهم في تقليل هذا الازدحام عبر تحويل الكثير من الوظائف لتكون عن بعد توازيا مع التحول الرقمي؛ إذ أظهرت بعض الدراسات أن العمل عن بعد يمكن أن يساهم في زيادة إنتاجية الموظفين بشكل جيد، منها دراسة لجامعة ستانفورد في عام 2020م التي أوضحت أن العاملين عن بعد كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 5% مقارنة بالعاملين في مواقع العمل، وبحلول عام 2022، ارتفعت إنتاجية العاملين عن بعد إلى 9%؛ حيث أصبحت المؤسسات أكثر إلمامًا بممارسات العمل عن بعد بسبب استثمارها في التقنيات والتدريب (كما نُشِرَ في مجلة فوربس «Forbes» في 2023م)، ومن منظور مالي عام، تستطيع المؤسسات المنفّذة لسياسة العمل عن بعد تقليل التكاليف التشغيلية مثل الإيجارات وفواتير الخدمات المتعلقة بالطاقة والمياه؛ فيضاعف من فعالية إدارة الموارد المالية لهذه المؤسسات.

من زاوية أخرى، يمكن للعمل عن بعد أن يحقق للموظفين مرونة أكبر في تنظيم أوقاتهم؛ فيسهم في تحسين رضاهم الوظيفي وحياتهم الشخصية؛ إذ يمكن أن يقود هذا التوازن بين العمل والحياة الشخصية إلى تحسين الصحة النفسية للموظفين، وتقليل معدلات الإجهاد، وزيادة الالتزام الوظيفي وكفاءته؛ فوفقَ تقرير أعدّه موقع «Buffer» في عام 2023م، أوضح أن 98% من الموظفين الذين يعملون بنظام العمل عن بعد أظهروا رغبةَ الاستمرار في العمل عن بعد لما يحويه من مزايا شخصية وعملية عامة.

بجانب ما يمكن لسياسة العمل عن بعد أن تحققه من مزايا فإنها لا تخلو من التحديات، وأحد هذه التحديات صعوبة التواصل الفعّال بين الموظفين ومديريهم الذي يمكن أن يؤثر سلبا على التنسيق وسير العمل؛ فاستنادًا إلى استطلاع نشره موقع «Flexjobs» عام 2023م أظهر نسبا مئوية لبعض التحديات التي تواجه العاملين عن بعد منها: 28% الإفراط في العمل أو العمل لساعات أطول، و19% العمل عبر المناطق الزمنية المختلفة، و18% وجود مشكلات تقنية، و17% كثرة الصوارف المشتتة غير المتعلقة بالعمل، و16% الشعور بأنهم غير مرئيين لمسؤولهم في العمل. ثمّة زاوية أخرى مهمة تخص التحديات المصاحبة للعمل عن بعد تتعلق بأمن البيانات والمعلومات ومخاطر تعرّضها للاختراق والهجوم السيبراني، وفي هذا الصدد، أجرت شركة «Cisco» استطلاعا -لمجموعة من المؤسسات- كشفت فيه زيادة الهجمات السيبرانية بنسبة 25% منذ بداية وباء كورونا تزامنا مع التحول إلى العمل عن بعد، وتبرز في هذه الحالة الضرورة إلى تأمين الشبكات وتدريب الموظفين على استعمال أدوات الأمن السيبراني والوعي بالأنظمة الرقمية وثغراتها الأمنية المحتملة وطرق الحماية.لمواجهة التحديات المصاحبة لسياسة العمل عن بعد، يتعين على المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص الاستثمار في تحسين البنية التحتية الرقمية عبر توسيع نطاق الإنترنت عالي السرعة ليشمل جميع المناطق بما فيها النائية، ومضاعفة الحماية السيبرانية للشبكات والبيانات، وهذا ما تعمل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في سلطنة عُمان على دعمه وتنفيذه -بالتعاون مع المؤسسات المعنية- مؤكدةً أن تحسين البنية التحتية للاتصالات يعدُّ ضرورة لتحقيق التحول الرقمي. كذلك على المؤسسات القادرة على تنفيذ التحول الرقمي بنمط أوسع أن تباشر في توسيع نطاق سياسة العمل عن بعد ولو لفترة تجريبية تتابع فيها آلية التنفيذ مع تحديد التحديات والإيجابيات ومراقبة معدل الإنتاجية، إلا أن ذلك التنفيذ ينبغي أن يُسبق بتدريب الموظفين على استعمال أدوات العمل عن بعد وتقنيات التواصل الحديثة ومنصاتها، ويمكن للمؤسسات الحكومية والخاصة بالتعاون مع الشركات والمؤسسات التعليمية تقديم برامج تدريبية وشهادات معترف بها لتعزيز قدرات الموظفين؛ حيث من البَدَهيّ أن تتضاعف الإنتاجية مع الاستثمار في تطوير الموظفين على التقنيات الرقمية الحديثة سواء في مواقع العمل أو العمل عن بعد. استنادًا إلى ما سقناه من مبررات تدعم تنفيذ توسيع نطاق العمل عن البعد والحلول المقترحة للتحديات المصاحبة فإن ذلك من شأنه أن يعزز مشروعات التحول الرقمي وترسيخ موضوعاتها العملية مما يسهم في تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040»، ولرفد الاقتصاد الوطني، وتحقيق الرشاقة الحكومية، ورفع مستوى الإنتاجية.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحکومیة والخاصة التحول الرقمی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

3162 فُرصة عمل جديدة بالقطاع الخاص.. بيان رسمي من وزارة العمل

أعلنت وزارة العمل أنها تلقت طلبات من 45 شركة قطاع خاص في 12 محافظة لديها 3162 فرصة عمل، في عدد من التخصصات، منها لأصحاب القدرات الخاصة "ذوو الهمم"، وذلك برواتب مجزية تحدد حسب المقابلة وفقا للحد الأدنى للأجور، فضلا عن التأمين الصحي والاجتماعي.

وأوضحت الوزارة - في تقرير نشرة التوظيف النصف شهرية - أن التقديم على هذه "الفرص الجديدة"، من اليوم وحتى نهاية يوليو المقبل، وذلك عن طريق مكتب الإدارة العامة للتشغيل بمقر "الوزارة" القديم بمدينة نصر، أو مديريات العمل بالمحافظات، وكذلك على الموقع الرسمي لوزارة العمل على "الإنترنت".

وأشار التقرير إلى أن فرص عمل جديدة، متوفرة في 12 محافظة، هي: القاهرة، الجيزة، القليوبية، المنوفية، سوهاج، البحيرة، الغربية، أسيوط، قنا، الوادي الجديد، جنوب سيناء، والشرقية.. وفي تخصصات: مسئول إئتمان، مسئول سلامة وصحة مهنية، محاسبين، بائعين، مشرف خطوط إنتاج، منسقين ميدانيين، باحث اجتماعي، أخصائي تمويل، عضو فريق، مهندسين كهرباء، ميكانيكا وإنتاج وجودة وكيميائي وزراعي، وسكرتارية، وأعمال إدارية، وأمين مخازن، وسائقين رخصة أولى وثانية وثالثة، ودليفري وتسليم، وبودي جارد، وتدخل سريع، ومندوبين مبيعات، ومراقبين جودة، وفنيين جميع التخصصات، ومشرفي إنتاج، وأفراد أمن، وعمال خياطة بكافة الأقسام، وعمال إنتاج، وعمال نظافة، وتخصصات أخرى.

وتضم نشرة التوظيف مجموعة من الوظائف لذوي همم بالمحافظات، وذلك لاستيفاء نسبة الـ 5% من بين إجمالي عمالها من تلك الفئة، برواتب مجزية، وذلك في إطار تنفيذ خطة "الوزارة" بحصر وتدريب وتشغيل ذوي الهمم خلال الفترة الحالية، وإلزام المنشآت بتشغيل نسبة 5% من إجمالي عمالها من ذوي القدرات الخاصة تنفيذا للقانون رقم 10 لسنة 2018، ولتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية بدمجهم في سوق العمل.

وجدد وزير القوى العاملة حسن شحاتة دعوته إلى شباب مصر بالإقبال على العمل في القطاع الخاص، والاستفادة من كافة الخدمات التي تقدمها الدولة المصرية من برامج تدريب مهني مجاني تؤهل الشباب على المهن التي يحتاجها سوق العمل، وعلى الوظائف التي تعلن عنها "الوزارة" من خلال نشرة التوظيف نصف الشهرية، والتي توفر فرص عمل للشباب في القطاع الخاص.

ووجه الوزير جميع مديريات العمل بالمحافظات بتكثيف المتابعة بعد إعلان الوظائف، وإرسال تقرير للوزارة يفيد باستلام راغب العمل الفرصة المناسبة له، وتحري المصداقية في نشر فرص العمل، والتأكد من تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص في كل الوظائف.

مقالات مشابهة

  • 72 % متوسط أداء المؤسسات الحكومية في التحول الرقمي عام 2023
  • محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال إنشاء مركز التحول الرقمي
  • 9 مؤسسات حكومية على مستوى “أخضر” في التحول الرقمي؛ هل مؤسستك ضمنها؟
  • المصري للتأمين يستعرض استراتيجية إدارة الكفاءات في صناعة التأمين
  • جامعة أسيوط تعلن بدء التسجيل في دورات التحول الرقمي لطلاب الدراسات العليا
  • جامعة أسيوط تعلن عن بدء التسجيل في دورات التحول الرقمي لطلاب الدراسات العليا
  • كيف يمكن للموظف أن يتغلب على الروتين؟
  • رئيس الاعتماد والرقابة يؤكد على أهمية التحول الرقمي والتكنولوجيا بالقطاع الصحي
  • 3162 فُرصة عمل جديدة بالقطاع الخاص.. بيان رسمي من وزارة العمل
  • وزارة العمل: 3162 فرصة عمل جديدة في 45 شركة خاصة