العمل عن بعد في مساق التحول الرقمي و«رؤية عُمان 2040»
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
اعتاد كثيرٌ منا منظر ازدحام السيارات المتوجهة إلى مقرات العمل، وتتبادر الكثير من الأسئلة فيما يخص أسباب هذا الزحام وسلبياته المترتبة، والحلول الممكنة لتقليل الازدحام المروري، وتوقيت وصول الموظف إلى مقر عمله ومباشرته للعمل سعيًا لإنجاز المهام المنوطة إليه، وتقديم الخدمات العاجل منها والضروري للمراجعين وأصحاب المصلحة، وينتابنا التساؤل عن ضرورة ارتباط كل هذه الوظائف بالحضور الفعلي لمقر العمل، وعن قابلية هذه الوظائف إلى التحول الرقمي والعمل عن بعد أسوة ببعض الوظائف والخدمات التي بدأت بعض المؤسسات الحكومية والخاصة في تنفيذها عبر اعتماد سياسة العمل عن بعد أو العمل المرن الذي لا يتطلب حضورًا وانصرافًا في وقت محدد بل يُكتفى إما بإنجاز المهام دون التقيّد بالوقت أو اكتمال نصاب ساعات العمل مهما كان زمنها، إلا أننا نؤكد أنه لا يمكن أن نعمم قدرة تحويل بعض الوظائف إلى نظام العمل عن بعد -بشكل كلّي- مثل الوظائف المتعلقة بالصحة والعسكرية وغيرها من الوظائف ذات الطابع الميداني.
بدأت «رؤية عُمان 2040» الدخول حيّز التنفيذ في عام 2021م، وتزامن ذلك مع بدء أزمة وباء كورونا الذي عصف بالعالم أجمع وأجبر الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تبني سياسة العمل عن بعد رغبة في الإبقاء على الأعمال دون توقف والبحث عن الحلول الرقمية البديلة، ويجد المتمعن في «رؤية عُمان 2040» التركيز على مشروعات التحول الرقمي المعنية برقمنة الخدمات في القطاعات الحكومية والخاصة؛ لرفع مستوى كفاءة الخدمات وعمليات التشغيل، وتقليل التكلفة والمخاطر، وتحقيق السرعة في الإنجاز، وبتحقق مشروعات التحول الرقمي يسهل للمؤسسات تنفيذ سياسة العمل عن بعد التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في توفير فرص عمل جديدة، وتقليل معدلات البطالة، وزيادة مرونة العمل مما يعزز الاقتصاد الرقمي في سلطنة عُمان.
بجانب موضوعنا الأول الذي استفتحنا به المقال -أزمة الازدحام المروري- والحلول التي يمكن أنْ تساهم في تقليل هذا الازدحام عبر تحويل الكثير من الوظائف لتكون عن بعد توازيا مع التحول الرقمي؛ إذ أظهرت بعض الدراسات أن العمل عن بعد يمكن أن يساهم في زيادة إنتاجية الموظفين بشكل جيد، منها دراسة لجامعة ستانفورد في عام 2020م التي أوضحت أن العاملين عن بعد كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 5% مقارنة بالعاملين في مواقع العمل، وبحلول عام 2022، ارتفعت إنتاجية العاملين عن بعد إلى 9%؛ حيث أصبحت المؤسسات أكثر إلمامًا بممارسات العمل عن بعد بسبب استثمارها في التقنيات والتدريب (كما نُشِرَ في مجلة فوربس «Forbes» في 2023م)، ومن منظور مالي عام، تستطيع المؤسسات المنفّذة لسياسة العمل عن بعد تقليل التكاليف التشغيلية مثل الإيجارات وفواتير الخدمات المتعلقة بالطاقة والمياه؛ فيضاعف من فعالية إدارة الموارد المالية لهذه المؤسسات.
من زاوية أخرى، يمكن للعمل عن بعد أن يحقق للموظفين مرونة أكبر في تنظيم أوقاتهم؛ فيسهم في تحسين رضاهم الوظيفي وحياتهم الشخصية؛ إذ يمكن أن يقود هذا التوازن بين العمل والحياة الشخصية إلى تحسين الصحة النفسية للموظفين، وتقليل معدلات الإجهاد، وزيادة الالتزام الوظيفي وكفاءته؛ فوفقَ تقرير أعدّه موقع «Buffer» في عام 2023م، أوضح أن 98% من الموظفين الذين يعملون بنظام العمل عن بعد أظهروا رغبةَ الاستمرار في العمل عن بعد لما يحويه من مزايا شخصية وعملية عامة.
بجانب ما يمكن لسياسة العمل عن بعد أن تحققه من مزايا فإنها لا تخلو من التحديات، وأحد هذه التحديات صعوبة التواصل الفعّال بين الموظفين ومديريهم الذي يمكن أن يؤثر سلبا على التنسيق وسير العمل؛ فاستنادًا إلى استطلاع نشره موقع «Flexjobs» عام 2023م أظهر نسبا مئوية لبعض التحديات التي تواجه العاملين عن بعد منها: 28% الإفراط في العمل أو العمل لساعات أطول، و19% العمل عبر المناطق الزمنية المختلفة، و18% وجود مشكلات تقنية، و17% كثرة الصوارف المشتتة غير المتعلقة بالعمل، و16% الشعور بأنهم غير مرئيين لمسؤولهم في العمل. ثمّة زاوية أخرى مهمة تخص التحديات المصاحبة للعمل عن بعد تتعلق بأمن البيانات والمعلومات ومخاطر تعرّضها للاختراق والهجوم السيبراني، وفي هذا الصدد، أجرت شركة «Cisco» استطلاعا -لمجموعة من المؤسسات- كشفت فيه زيادة الهجمات السيبرانية بنسبة 25% منذ بداية وباء كورونا تزامنا مع التحول إلى العمل عن بعد، وتبرز في هذه الحالة الضرورة إلى تأمين الشبكات وتدريب الموظفين على استعمال أدوات الأمن السيبراني والوعي بالأنظمة الرقمية وثغراتها الأمنية المحتملة وطرق الحماية.لمواجهة التحديات المصاحبة لسياسة العمل عن بعد، يتعين على المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص الاستثمار في تحسين البنية التحتية الرقمية عبر توسيع نطاق الإنترنت عالي السرعة ليشمل جميع المناطق بما فيها النائية، ومضاعفة الحماية السيبرانية للشبكات والبيانات، وهذا ما تعمل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في سلطنة عُمان على دعمه وتنفيذه -بالتعاون مع المؤسسات المعنية- مؤكدةً أن تحسين البنية التحتية للاتصالات يعدُّ ضرورة لتحقيق التحول الرقمي. كذلك على المؤسسات القادرة على تنفيذ التحول الرقمي بنمط أوسع أن تباشر في توسيع نطاق سياسة العمل عن بعد ولو لفترة تجريبية تتابع فيها آلية التنفيذ مع تحديد التحديات والإيجابيات ومراقبة معدل الإنتاجية، إلا أن ذلك التنفيذ ينبغي أن يُسبق بتدريب الموظفين على استعمال أدوات العمل عن بعد وتقنيات التواصل الحديثة ومنصاتها، ويمكن للمؤسسات الحكومية والخاصة بالتعاون مع الشركات والمؤسسات التعليمية تقديم برامج تدريبية وشهادات معترف بها لتعزيز قدرات الموظفين؛ حيث من البَدَهيّ أن تتضاعف الإنتاجية مع الاستثمار في تطوير الموظفين على التقنيات الرقمية الحديثة سواء في مواقع العمل أو العمل عن بعد. استنادًا إلى ما سقناه من مبررات تدعم تنفيذ توسيع نطاق العمل عن البعد والحلول المقترحة للتحديات المصاحبة فإن ذلك من شأنه أن يعزز مشروعات التحول الرقمي وترسيخ موضوعاتها العملية مما يسهم في تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040»، ولرفد الاقتصاد الوطني، وتحقيق الرشاقة الحكومية، ورفع مستوى الإنتاجية.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحکومیة والخاصة التحول الرقمی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
ملتقى "التحول الرقمي" يبحث أدوات التكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عقد الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر MSMEF، الأسبوع الماضي، "ملتقى التحول الرقمي.. أساس التنمية" بحضور أعضائه من الجمعيات الأهلية وشركات التمويل والقيادات الداعمة للنشاط على رأسهم البنك المركزي المصري والهيئة العامة للرقابة المالية وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر MSMEDA.
قالت منى ذو الفقار، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، إن الاتحاد يضع نصب عينيه تنمية وتطوير مهارات وكفاءة الأعضاء من خلال عدة آليات أهمها سهولة حصولهم على الوسائل التكنولوجية التي تعزز وتحسن من مستويات الأداء والخدمة المقدمة للعميل كما يولي أهمية قصوى بتطبيق مبادئ حماية العملاء، ليتم تدشين مبادرة بالتعاون مع البنك الدولي لتأهيل أكبر 12 لاعب في سوق تمويل المشروعات متناهية الصغر للحصول على تصنيف دولي ينص على تطبيقهم لأفضل ممارسات حماية حقوق المتعاملين.
وقدمت، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، الشكر والثناء للداعمين للصناعة وهم الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي المصري وجهاز تنمية صناعة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، لاسيما أن الجهاز شريك أساسي وعضو مؤسس للاتحاد، ورحبت برعاية البنك الأهلي المصري والبريد المصري للملتقى الحالي، ورعاية الشركات الأعضاء لأنشطة الاتحاد وهم شركة تساهيل وشركة تنمية وشركة تمويلي وشركة إرادة.
وأكد الدكتور سيد عبد الفضيل، نائب رئيس القطاع غير المصرفي بالهيئة العامة للرقابة المالية، في كلمة ألقاها نيابة عن الدكتور إسلام عزام، نائب رئيس الهيئة، أهمية موضوع الملتقى الذي يلقي الضوء على أدوات التكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها من جانب المؤسسات العاملة في نشاط تمويل المشروعات، موضحاً أن موضوع الملتقى يعد هدف استراتيجي للدولة والهيئة أيضاً، إذ أنه يعتبر الهدف الرئيسي ضمن خطة 2023- 2026 التي تركز على التنمية التكنولوجية وتطبيق الشمول المالي.
ولفت إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية أصدرت مجموعة من الضوابط الداعمة لمنظومة استخدام التكنولوجيا بداية من عام 2018 بشأن تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي وأصدرت المعايير الفنية لضوابط تنفيذ المعاملات، كما ساعدت في تدشين أول منتج رقمي للتمويل متناهي الصغر.
وأضاف أنه كلما زادت نسبة التمويل الممنوح للتمويل متناهي الصغر لإجمالي الناتج المحلي عكس ذلك إيجابية القيمة المضافة ومساهمته للاقتصاد، مشيراً إلى أن أساس التمويل متناهي الصغر هو التحول الرقمي وزيادة الانتشار ولذا ينبغي على الشركات إتمام عملية التحول الرقمي وأن تضع استراتيجية واضحة للطريق لأن التحول الرقمي يعتمد على عدة مراحل ينبغي استكمالها جميعها.
وتحدثت رانيا الحناوي، مساعد نائب رئيس البريد المصري خلال الجلسة الافتتاحية من الملتقى عن دور التمويل متناهي الصغر وأنه يعد أداة مهمة لتمكين الفئات المستهدفة من تحسين مستوى معيشتهم والمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي.
واستعرضت دور البريد المصري في مساعدة السوق وضرورة استخدام الأدوات الرقمية لتطوير حياة المواطن، كما أشارت إلى الخدمات وأوضحت أنه يتيح مزيد من الخدمات والمنتجات التي تخدم العملاء في الصرف والتحصيل بالشراكة مع المؤسسات الداعمة، مؤكدة الالتزام بأن يكون البريد جزءاً من ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في البلاد.
وفي نفس السياق قالت شنتال الصباغ، مدير عام قطاع تنمية أعمال المشروعات المتوسطة والصغيرة بالبنك الأهلي المصري وعضو مجلس إدارة الاتحاد كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية من الملتقى متحدثة عن دور الحلول الرقمية في تحسين كفاءة الخدمات المقدمة وتطوير حياة العملاء بصورة عامة.
وألقت الدكتورة رباب يسري، مدير إدارة بجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية من الملتقى نيابة عن نيفين بدر الدين رئيس القطاع المركزي بالجهاز وعضو مجلس إدارة الاتحاد، متحدثة عن دور تمويل المشروعات في تحسين حياة المواطنين وزيادة فرص العمل، والدور الاستراتيجي الذي يلعبه الجهاز في مساندة جهات التمويل العاملة بالسوق، وهو ما ظهر جليا خلال المرحلة الماضية.
وعُقد الملتقى برعاية البنك الأهلي المصري والبريد المصري وبمشاركة 9 جهات هم بنك القاهرة وشركة حالاً وشركة نوعية البيئة الدولية لتكنولوجيا المعلومات EQI وشركة ايجابي لتكنولوجيا المعلومات بجانب شركة M2P، وشركة TADCOM، وبعض شركات الأمن السيبراني هم سايبر تك وأيضا شركة LCD وشركة سايبر نت التي تعمل في مجال توفير خدمات متابعة التحصيل وعرض المنتجات من خلال الذكاء الاصطناعي.
ومن الجدير بالذكر أن انعقاد ملتقى "التحول الرقمي.. أساس التنمية" يعكس التزام الاتحاد بالتوافق مع رؤية مصر 2030 التي تتضمن أهدافها الاستراتيجية في تحسين جودة الحياة والمعيشة وإتاحة نظام بيئي متكامل ومستدام، كما تستهدف توفير التمويل وتعزيز التحول الرقمي وتحقيق التقدم التكنولوجي والإبتكار.
وشهد الملتقى حضور مكثف من جهات تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر أعضاء الاتحاد، وتنوعت موضوعات الملتقى بين حلول الدفع غير النقدي المبتكرة وتعريف الحضور بآليات أمن المعلومات وكيفية حمايتها لاسيما في ظل التطور المتسارع في استخدام الأدوات التكنولوجيا الحديثة، كما يلقي الضوء على أول سجل كربون طوعي محلي، معتمد من الهيئة العامة للرقابة المالية، يستهدف مساعدة مطوري مشروعات الخفض الطوعية على الالتزام بالمعايير والمواصفات اللازمة لخفض الانبعاثات الكربونية وإصدار شهادات بموجب مشروعات الخفض المسجلة بقاعدة بيانات الهيئة.