الأوروبيون وموقفهم من الديمقراطية الأمريكية
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
في بعض الأحيان، تصبح الأمور أكثر وضوحًا للبعيد أكثر من القريب، ولذلك يبدو أن أصدقاء الولايات المتحدة في أوروبا أكثر وعيًا بالمخاطر التي تحيط بانتخاباتنا منا نحن الأمريكيين، وهم يدركون الخطر الذي يهدد التحالفات طويلة الأمد بين الدول الديمقراطية والإجماع السياسي بينها الذي يتجاوز الخطوط الأيديولوجية في مقاومة التطرف والدوافع الاستبدادية.
إن قول هذا، بالطبع، يضع الآخرين يتهموننا بالحزبية لأن الرئيس بايدن يجعل الحفاظ على الديمقراطية قضية مركزية في انتخابات عام 2024، كما أكد ذلك خلال رحلته إلى أوروبا الأسبوع الماضي لإحياء ذكرى يوم الإنزال. وفي الوقت نفسه، يكرر دونالد ترامب إشادته بصلاحية الأنظمة القمعية في روسيا والصين والمجر وحتى كوريا الشمالية، وقد قال أواخر الشهر الماضي إن قادة هذه الدول الآن «في قمة مجدهم، سواء أعجبك ذلك أم لا».
ولكن لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الأمر على أنه حزبي عندما أشرح القضية المطروحة في الانتخابات. وفي محادثاتي مع الأوروبيين على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أذهلني أن الكثيرين، من مختلف الميولات السياسية، كانوا يدركون بشدة كيف سيكون العالم ويفكرون في حجم المشاكل التي ستواجهها الديمقراطية إذا فاز ترامب. وإذا ما استثنينا أنصار أحزاب اليمين المتطرف، هناك عدد قليل من أنصار ترامب في أوروبا.
هناك سبب آخر لحساسية أوروبا النسبية تجاه مسألة الديمقراطية، فالدكتاتورية هي واقع حديث نسبيًّا هناك بطريقة لم تكن موجودة من قبل في الولايات المتحدة. ولنتأمل هنا تجربة الفاشية والنازية في ثلاثينات وأوائل أربعينات القرن العشرين، وانظر أيضًا إلى التحول الحديث نسبيًا إلى الديمقراطية في إسبانيا والبرتغال في السبعينات أو في أوروبا الوسطى والشرقية بعد سقوط جدار برلين عام 1989 ونهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية الاحتلال السوفييتي.
إن نظرتي حول الاختيارات السياسية في هذه اللحظة لا تأتي من فيلسوف سياسي بل من المغني الشعبي جوني ميتشل، الذي أعلن قائلاً: «إنك لا تعرف ما الذي تملكه إلا بعد أن تفقده». وفي أوروبا، أصبحت تكلفة خسارة الديمقراطية بمثابة ذكرى حية.
خوفي هو أن الديمقراطية ليست حية بما فيه الكفاية. إن الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء يفقدون تقديرهم للديمقراطية -لأنها أصبحت ثوبا قديما، أو لأن الحكومات الديمقراطية يُنظَر إليها باعتبارها فاشلة في حل المشاكل، أو لأن الساسة يُنظَر إليهم على أنهم يخدمون مصالح نخبة أو أخرى.
وفي الولايات المتحدة، وجدت مؤسسة جالوب أن الثقة في الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية انخفضت من 61 في المائة في عام 1984 إلى 28 في المائة أواخر عام 2023. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس في نفس الوقت تقريبا أن الأغلبية أو التعددية تعلن عدم رضاها عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في كل من بولندا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وكرواتيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة. ومن بين الدول التي شملها الاستطلاع، أعربت الأغلبية في السويد فقط عن رضاها عن الديمقراطية.
وبالتالي، قد يبحث أبطال الديمقراطية خارج الدول الغنية في الشمال والغرب عما يذكرنا بقدرة الديمقراطية على منح الناخبين فرصًا للتعبير عن رغبتهم في التغيير، والتحدث ضد الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، ومحاسبة الحكومات، والدفاع عن الديمقراطية نفسها.
لقد قدمت الأسابيع الأخيرة مثاليـْن بارزين يوضحان قيمة الانتخابات الحرة، وكيف يتمكن أولئك الذين لا يملكون الثروة أو الامتيازات من إبراز أصواتهم.
الأول في الهند، إذ حرم الناخبون حزب (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي من الحصول على الأغلبية بعد أن توقع مودي، ومعظم استطلاعات الرأي، أنه سيحقق فوزا ساحقا. وحدث ذلك بسبب الناخبين الهنود الفقراء الذين شعروا بأنهم مستبعدون من ازدهار البلاد، ومن أولئك الذين يخشون أن تؤدي قومية مودي الهندوسية إلى تغييرات دستورية تحرم المسلمين وكذلك الهندوس من الطبقة الدنيا.
والثاني في جنوب إفريقيا، حيث خسر المؤتمر الوطني الإفريقي أغلبيته للمرة الأولى منذ إجراء انتخابات شاملة في عام 1994 بعد انتهاء نظام الفصل العنصري. ورد الرئيس سيريل رامافوسا يوم الخميس على النتائج بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
في حد ذاتها، لا تكفي هذه الانتخابات ولا المخاوف الأوروبية بشأن رئاسة ترامب لتحويل الديمقراطية إلى قضية تصويت هذا العام. ولكن من الأفضل للأمريكيين أن ينتبهوا إلى الكيفية التي قد يفسر بها أصدقاء الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم الاختيار الذي نتخذه. إنهم يحذروننا من أن مغازلة الاستبداد لا تنتهي أبدًا بخير.
إي جيه. ديون جونيور يكتب عمودًا مرتين أسبوعيًا لصحيفة واشنطن بوست. وهو أستاذ في كلية ماكورت للسياسة العامة بجامعة جورج تاون، وكبير الزملاء في معهد بروكينجز. أحدث كتاب له، بالتعاون مع مايلز رابوبورت، هو «100% ديموقراطية: دعوة إلى تصويت عالمي».
عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
الاستقلال الأوروبي ضرورة حتمية
ترجمة : بدر بن خميس الظفري -
أحد أكثر الأحداث تحديًا لأوروبا هذا العام هو عودة دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. فقد وصفت مجلة الإيكونوميست، في توقعاتها لعام 2025، هذا الحدث بأنه «لحظة صادمة». ومن منظور أوروبي، فإن الوضع يبدو خطيرًا بالفعل. إن موقف ترامب أقوى من أي وقت مضى، إذ يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية في كلا مجلسي الكونجرس، كما أن ترامب فاز أيضًا بالتصويت الشعبي، إذ صوّت له عدد من الأمريكيين أكثر من أي مرشح آخر. أما أوروبا، فيبدو أنها في موقف ضعيف، فقد تفكك الائتلاف الحاكم في ألمانيا نهاية عام 2024، ومن المقرر إجراء الانتخابات في فبراير، وسيستغرق تشكيل حكومة جديدة أسابيع، إن لم يكن شهورًا. وفي فرنسا، تولى أربعة رؤساء وزراء السلطة في عام 2024، ولم يتمكن أي من الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة من تحقيق أغلبية في البرلمان. وفي النمسا، هناك مستشار مؤقت فقط، بينما تواجه حكومة إسبانيا حالة من الضعف الشديد.
هذا الوضع يمنح قوة إضافية لرئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة من جديد، أورسولا فون دير لاين، التي تبدو مستعدة لاغتنام الفرصة. ولكن بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن سلطتها محدودة للغاية في مجالات السياسة الخارجية والأمن والدفاع.
كما أن الاقتصاد الأوروبي ليس في حالة جيدة. فمن بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5% في عام 2024، والاقتصاد الأمريكي بنسبة حوالي 3%، بينما نما اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة حوالي 1% فقط.
لذا، فإن أوروبا ليست في وضع جيد للتعامل مع رئيس أمريكي يفاجئنا باستمرار بتصريحات غير مدروسة. ويناقش المحللون حول ما إذا كان يجب أخذ تصريحاته بجدية أو لا. وما يعنيه هذا بالنسبة للتعريفات الجمركية على السلع الأوروبية، أو المطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي من قبل دول الناتو الأوروبية، أو حل الأزمة الأوكرانية في «يوم واحد» أو «ستة أشهر»، كل ذلك غير واضح.
حتى وقت قريب، كان هناك نقاش يدور بشكل دائم بين صانعي القرار في أوروبا حول كيفية التعامل مع ترامب. لذلك، فإن الوقت قد حان للنظر في كيفية إدارة أوروبا لعلاقاتها مع بقية العالم، وخاصة مع الصين، في وقت تزداد فيه التحديات في العلاقة عبر الأطلسي.
حاليًّا، يبدو أن هناك ثلاث مدارس فكرية رئيسية. فالسياسيون، خاصة في الدول الأوروبية الكبرى، لديهم أملٌ أنه من خلال الحجج القوية والمجاملات الشخصية، يمكنهم إقناع ترامب بأن مشاركتهم في الناتو تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأن فرض التعريفات ضد الشركاء الأوروبيين أمر غير سديد. هذا الرأي شائع في ألمانيا، التي تخلت، على عكس المملكة المتحدة وفرنسا، عن الأسلحة النووية. وفي وقت أدلى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات لا تستبعد استخدام هذه الأسلحة، تعتمد ألمانيا بشكل خاص على المظلة النووية الأمريكية.
على النقيض من ذلك، يبدو أن بعض الحكومات الأوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا، وربما قريبًا النمسا، تعتقد أنه إذا ما ابتعدت واشنطن عن أوروبا، فإن هناك حاجة إلى بنية أمنية دولية أكثر قومية وصديقة لروسيا.
حتى الآن، هناك عدد قليل يدعو إلى حل ثالث، وهو الاستقلال الأكبر للدبلوماسية الأوروبية الذي طال انتظاره.
قبل إعادة انتخاب ترامب، كان كثيرون في أوروبا يعتقدون أن رئاسته الأولى كانت مجرد استثناء عابر. ولكن الآن، يبدو أن الولايات المتحدة تتبع بقوة مسار «أمريكا أولاً» المستدام، الذي انقطع لفترة وجيزة خلال إدارة جو بايدن.
سياسات هذا المسار تعود إلى الواجهة من جديد، وتهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي الكبير مع الاتحاد الأوروبي بشكل عدائي، وهو موقف غير مريح بشكل خاص لألمانيا، التي تمتلك الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا كبيرًا معها. لذلك، من مصلحة ألمانيا قيادة الطريق نحو سياسة أوروبية أكثر استقلالية.
لن تسعى هذه السياسة إلى إيجاد توازن متساوٍ بين واشنطن وبكين، لكنها ستعتمد بشكل أكبر على توقعات الصين وأقل على القرارات الفردية من واشنطن.
الرئيس الجديد للحكومة الألمانية، المتوقع أن يكون فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سيولي العلاقة عبر الأطلسي أهمية كبيرة. ولكن على المستوى الاقتصادي، من المحتمل أن يصغي ميرتس إلى قطاع الأعمال الألماني.
يمكن أن تشكل علاقة أقرب بين ألمانيا والصين مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، وهما مستفيدان كبيران من سياسات العولمة.
يمكن للشركات الألمانية والصينية أن تقود الجهود لتعزيز العولمة والتجارة الحرة وتوسيع التبادل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والصين والجنوب العالمي.
ولفغانغ روهر عضو سابق في الخارجية الألمانية، وأستاذ استشاري في جامعة تونجي، وباحث زائر في مركز الدراسات الثقافية للعلوم والتكنولوجيا في جامعة برلين التقنية.