هل الأفعال المرتكبة في غزة إبادة جماعية؟
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -
أمام المأساة المتواصلة في قطاع غزة، اختار البعض أن يستاء من الاتّهامات الموجهة ضد إسرائيل باقتراف جريمة الإبادة الجماعية، عوضًا عن الشعور بالغضب بسبب الفظائع التي ارتكبتها. إنهم يرفضون اتّهامًا ينطوي على «تجاوز عتبةٍ أخلاقية»، على حدّ التعبير الذي استعمله وزير أوروبا والشؤون الخارجية، ستيفان سيجورنيه (Stéphane Séjourné)، في شهر يناير الماضي.
وخلافًا لما يُعتقد أحيانا، فإن مفهوم الإبادة الجماعية لا يقف حصرًا عند إبادة شعب ما. تتضمّن المادة الثانية من اتفاقية عام 1948 (بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) أربعة أفعال أخرى بالإضافة إلى القتل، يمكن أن تعدّ جرائم إبادة جماعية، ومن بينها الإضرار الجسيم بالسلامة الجسدية أو العقلية لأفراد جماعة ما أو إخضاعهم لظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى إفنائهم.
إن الظروف المعيشية اللاإنسانية التي تفرضها إسرائيل على سكان غزة، من خلال استخدام التجويع كسلاح فضلًا عن التدمير المنهجي للبنيات الأساسية والبيئة، هي على وجه التّحديد ما دفع بقضاة محكمة العدل الدولية في السادس والعشرين من يناير الماضي للحكم بوجود «خطر إبادة جماعية» في قطاع غزة، وأمروا باتخاذ إجراءات احترازية صارمة، تم تعزيزها في الثامن والعشرين من مارس من أجل الحيلولة دون وقوعه أو وضع حدٍّ له. وهذا الذي دفع أيضا بالمدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لكي يُصنّف فعلٌ ما على أنه إبادة جماعية، يجب أن يُرتكب هذا الفعل «بنيّة إفناء مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية ما، بشكل كلّي أو جزئي»، وهذا الذي يميّزه عن الجرائم الدولية الأخرى. وليس من الضروري أن يتقاسم جميع قادة الدولة هذه النية، إذ يكفي أن يبيّتها بعض كبار القادة العسكريين أو السياسيين.
وهذا الذي أكّد عليه قضاة محكمة العدل الدولية عندما أشاروا في حكمهم إلى وجود آثارٍ لهذه النيّة في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، مثل تصريحات الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي وعد بـ «كسر العمود الفقري» للسكان المدنيين في غزة، أو تصريحات وزير الدفاع يوآف جالانت الذي شبّههم بـ «الحيوانات البشرية». وفي تقريرها الصادر في الخامس والعشرين من مارس تحت عنوان «تشريح إبادة جماعية»، خلصت فرانشيسكا ألبانيز (Francesca Albanese)، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إلى استنتاجات مفادها أن ثمّة الآن «أسباب معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل قد بلغت الحدّ الفاصل للإبادة الجماعية».
يبدو أن البعض، وبحجة أن إسرائيل هي «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» وتقود معركةً حضارية ضد حماس، يرى أن نمط الحكم في الدولة العبرية أو فظاعة الجرائم التي ارتكبتها الجماعة الإسلامية في السابع من أكتوبر سوف يعفيان الجيش الإسرائيلي من احترام القانون الدولي.
وبتصرّفهم على هذا النحو فإنهم في الواقع يعيدون اختراع مفهوم «الحرب العادلة» الذي اُستخدم كمبرّر لبعضٍ من أسوأ الفظائع في تاريخ البشرية. إنهم يخلطون بين شرعية شنّ الحرب وشرعية العمليات التي تُنفّذ أثناء النزاع. ومن المناسب أن نؤكّد من جديد على الطّابع الكوني لحظر الجرائم الدولية دون إمكانية اشتراط المعاملة بالمثل، ما يعني أن ارتكابها المزعوم من قبل أحد الطرفين لا يسمح للطرف الآخر وبأي حال من الأحوال بالقيام بالمثل.
ويرى آخرون أنه لا يصحّ استخدام مصطلح «الإبادة الجماعية» إلا عندما يتم إثبات نية الإبادة الجماعية بشكل نهائي من قبل محكمة دولية. وهذا موقف سخيف في الحقيقة من الناحية التاريخية كما القانونية.
لا يمكن الوقوف عند الإثبات القضائي للإقرار بوقوع إبادة جماعية. ولنقتنع بذلك، يكفي أن نذكّر بأن هذا المفهوم لم يكن موجودا زمن محاكمات نورمبرغ، وبأن ملايين الضحايا في سوريا وبورما وأماكن أخرى من العالم يظلون محرومين من العدالة الدولية حتى الآن بسبب العراقيل السياسية التي تشلّ مجلس الأمن.
علاوة على ذلك، وكما أشارت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام 2007 بشأن البوسنة والهرسك ضد صربيا، فإن الالتزام القانوني للدول بمنع الإبادة الجماعية يهدف تحديدًا إلى منع أو محاولة منع وقوع مثل هذه الجريمة، وهو ما يستدعي بالضرورة تسميتها قبل أن تحدث.
من الصعب أن نميّز، من أول وهلة، بين الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية (الاضطهاد على سبيل المثال) التي يتّهم بها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين. بل إنه من المستحيل أن نحدّد بدقّة متى تبدأ الإبادة الجماعية، إذ أن التاريخ يقول لنا إن أسوأ الجرائم الجماعية غالبًا ما تكون نتاجًا لسيرورات متعددة العوامل وسنوات طويلة من الاضطهاد والتمييز وتجريد السكان المستهدفين من إنسانيتهم.
إن توصيف الأفعال المرتكبة في فلسطين، ولا سيما الإقرار بوقوع إبادة جماعية محتملة، هو مهمّة معقّدة ستحشد فقهاء القانون الدولي والمحاكم الدولية خلال السنوات القادمة. وسيكون موضوع نقاشات أكاديمية وقانونية مهمة ومشروعة. غير أن الطاقة التي يبذلها البعض في سبيل التّنديد باستخدام هذا المصطلح لا تندرج في هذا الإطار، بل تهدف في الواقع إلى إنكار خطورة الجرائم التي اقترفتها إسرائيل في غزة والضفة الغربية. وتكشف قبل كل شيء عن التعاطف الانتقائي واللامبالاة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني التي لا يزال البعض ينكر وجودها. وهذا التّعتيم هو ما يدينه بعض أولئك الذين يستخدمون هذا المصطلح اليوم.
يوهان سوفي محام وباحث في القانون الجنائي الدولي
عن صحيفة لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة إبادة جماعیة
إقرأ أيضاً:
انتحال صفة شرطي يقود إلى توقيف نصاب ببني ملال
تمكنت عناصر الشرطة بولاية أمن بني ملال، بناءً على معلومات دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الثلاثاء، من توقيف شخص يشتبه في تورطه في قضية تتعلق بالنصب والاحتيال عن طريق انتحال صفات ينظمها القانون.
وكان المشتبه فيه ينتحل صفة مسؤول في المصالح المركزية للمديرية العامة للأمن الوطني، لتضليل الضحايا وإيقاعهم في الغلط التدليسي، وذلك لتسهيل تنفيذ جرائمه التدليسية والاحتيالية.
وأسفرت الأبحاث والتحريات التي باشرتها مصالح الأمن عن كشف الادعاءات الاحتيالية المنسوبة للمشتبه فيه، وذلك قبل أن يتم تحديد هويته الكاملة وتوقيفه بمدينة بني ملال.
كما مكنت إجراءات الضبط والتفتيش المنجزة في هذه القضية من العثور بحوزة المشتبه فيه على جهازين إلكترونيين، يشتبه في كونهما يحتويان على آثار رقمية لهذا النشاط الإجرامي، علاوة على مبلغ مالي من متحصلات ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية.
وتم الاحتفاظ بالمشتبه فيه تحت تدبير الحراسة النظرية، رهن إشارة البحث القضائي الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك لكشف جميع ظروف وملابسات وخلفيات هذه القضية، وكذا تحديد كافة الأفعال الإجرامية المنسوبة إليه.