هُدهد سليمان و"مُسيَّرة حزب الله"
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
الطليعة الشحرية
تتجلّى آية الله سبحانه في الإعجاز الإعلامي الرائع في قول الهدهد: "وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ" (النمل: 22)؛ حيث نرى في قصة الهُدهُد تنوعًا في أبطال القصة، فمرّة نجد نبي الله سُليمان يتفقَّد الطير فلا يجد الهدهد، ومرة نجد الهدهد يقف بين يدي نبي الله سليمان مُتحديًا "أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ" (النمل: 22)، ومرة ثالثة نجده عند ملكة سبأ وقد عبدت الشمس من دون الله، وكأنه يُحلِّل المعلومات ويفهمها ويعقلها.
اخترقت مُسيَّرة حزب الله "الهدهد" شمال فلسطين المُحتلة، وعادت بمقطع مدته 9 دقائق عالي الدقة والوضوح، يكشف مواقع إسرائيلية حسّاسة وقواعد عسكرية ومخازن أسلحة وصواريخ وموانئ بحرية ومطارات، ومشاهد جوية لمدينة حيفا، من بينها مجمع الصناعات العسكرية ومنطقة الموانئ التي تضم قاعدة حيفا العسكرية ومنشأة بتروكيميائية، علاوة على مبنى قيادة وحدة الغواصات وسفن ساعر الحربية بأنواعها؛ مما يعني أنَّ حزب الله يمتلك القدرة على اختراق دفاعات الكيان المحتل والعودة دون أن يُكشف.
خطاب الـ Golden Time
قال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله إنَّ المقاومة "ستقاتل بلا ضوابط أو قواعد أو سقوف إذا فُرضت عليها حرب شاملة مع إسرائيل"، وأشار إلى أنَّ "العدو يجب أن ينتظر المواجهة برًا وبحرًا وجوًا"، واعتبرُ أن هذا الخطاب هو "خطاب الفترة الذهبية"، وهي الفترة الزمنية التي تتراوح مدتها من بضع دقائق إلى عدة ساعات عقب الإصابة بصدمة بعد أي اعتداء.
لقد فجّر خطاب الأمين العام لحزب الله، الرعبَ في الشارع الإسرائيلي؛ فالمُقاومة اللبنانية تمتلكُ القدرة العسكرية، وتعرف أهدافها بدقة، ولن تستثني صواريخها هدفًا ثابتًا أو متحركًا في حالة صعّد الجيش المُحتل والمختل دائرة الصراع، واجتاح لبنان، أو شن عدوانًا عليه.
عاد هُدهد حزب الله بالخبر اليقين، مُثيرًا الشك والرعب؛ فلم تعد فكرة اجتياح لبنان اليوم بذات السهولة كاجتياح بيروت في 1982؛ إذ إن إسرائيل الأمس مُحصّنة دوليًا تستطيع اجتياح دولة أخرى ذات سيادة وسلطة وشرعية بذريعة طرد المنظمات الفلسطينية! لكن المُسيَّرة "هدهد" قلبت الطاولة على رأس دول الكهنوت الخائنة والتي تنسج مخططًا عنكبوتيًا مع الجيش المُختَل لتطويق وتصفية الشعب الفلسطيني والمقاومة.
جيش الـ70 ألف مجنون
انهيار "الجيش الذي لا يُقهر" تأكد من خلال التراشق بالتصريحات بين المتحدث الرسمي باسم الجيش دانيال هاغاري وابن نتنياهو الهارب من جحيم الحرب إلى رغد العيش في ولاية فلوريدا الأمريكية؛ إذ قال هاغاري: "حماس فكرة وحزب وهي مغروسة في قلوب النَّاس ومن يعتقد أن بإمكاننا إخفاءها فهو مخطئ"، مضيفًا "الكلام عن القضاء على حماس خداع للجمهور". هذا يؤكد أنَّ جيش الكيان المُختَل فَقَدَ توازنه لا سيما مع ارتفاع عدد المُعاقين في صفوفه، وقد كشفت الأرقام أنَّ 70 ألفًا يعالجون من أمراض عقلية جرّاء الحرب.
لقد صَدَقَ العدو، عندما قال إن حركة حماس تجسّد فكرة مُطلقة غير محدودة، هدفها التحرر من الظلم ومُقاومة الطغيان، وهذه سُنة كونية، لن تُبدّل ولن تتغير. وجنون السفاح نتنياهو وسعيه إلى فتح جبهة حرب في لبنان، ما هي إلا مُماطلة للبقاء في السلطة.
العالم يعلم أن مرتكب الهولوكوست هم النازيون الألمان وليس الفلسطينيون، والعالم يعلم أن أول دولة طُرِدَ اليهود منها كانت بريطانيا العظمى، بعد أن أصدر ملك إنجلترا إدوارد الأول عام 1290 أمرًا بطرد كل اليهود من بلاده، وأصبح أول بلد يُقدِم على هذا الإجراء في أوروبا قبل إسبانيا بثلاثة قرون!
والعالم يعلم من هم الذين قتلوا 140ألف شخص في هيروشيما و80 ألف شخص في ناغازاكي، ومن ارتكب مجزرة "بود داجون" بحق سكان قبيلة "المورو" (Moros) الواقعة جنوب الفليبين، ومن ارتكب مذابح قندهار بأفغانستان والفلوجة بالعراق. بكل أسف ستطول قائمة المذابح التي ارتكبها الجيش الأمريكي بمفرده! واليوم تُساعد الإدارة الأمريكية وجيشها على تنفيذ أبشع المذابح بحق الفلسطينيين، وارتكاب جرائم إبادة جماعية بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة، مع تعمُّد تجويع الشعب الفلسطيني.. لذلك نسأل: لماذا لا يُدرج الجيش الأمريكي على قائمة العار الأممية؟! لماذا لا تتنازل بريطانيا عن دولة تابعة للتاج البريطاني لصالح اليهود؟
إنَّ المقاومة فكرة أقوى من رصاص الاحتلال، والفكرة لا تموت ولا تنتحر؛ بل يُخلِصُ المرء لها ويتفانى في سبيلِها ويسترخِصُ لقاءَ تحقيقها كلَّ غالٍ ونفيس.
لقد غاب هُدهد سليمان، تم أتاه بـ"نبأ يقين"، واخترقت مُسيَّرة حزب الله "الهدهد" قبل خطاب الفترة الذهبية بـ24 ساعة وعادت بمشاهد تشل الكيان وحلفاءه.
نكأ الخطابُ جبهةَ الأعداء، وقطع المسار السياسي الذي يسعى لرسمه آموس هوكشتاين مبعوث الرئيس الأمريكي، وكُل المساعي على الصعيدين السياسي والإعلامي لتشويه المقاومة ولتبرير الذبح والإبادة غير مجدية؛ بل عقيمة؛ لأن الشعوب أحاطت بما جهلت، الشعوب كالهدهد حلَّلت وفهِمَت؛ ففكرة المقاومة لا تحتاج إلى قهر أو إجبار أو إخضاع أحد لقبولها والإيمان بها.
عندما تلقفت آذان تلميذ إسحاق بن راهويه يوم قال: " لو أن أحدَكم يَجْمَعُ كتابًا فيما صحَ من سُنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم"، مات إسحاق ونتيجة فكرته ماثلة في صحيح تلميذه البخاري.
إنَّ الايمان بالمقاومة فكرة لن تموت، ولن يدفنها الاحتلال ولا أعوانه.. تفنى الأجساد وذاكرة الهُدهد تُسجِّل وتحفظ وتوحي للبشر بأفكار عظيمة يُخلِّدُها التاريخ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
النائب الحاج حسن من بعلبك: شعلة المقاومة لن تنطفئ ما دام هناك احتلال وعدوان وتهديد
اعتبر رئيس "تكتل بعلبك الهرمل" النائب الدكتور حسين الحاج حسن خلال تشييع الشهيد حسين علي ناصر في بعلبك، بمشاركة النائب ينال صلح وفاعليات علمائية وسياسية وبلدية واختيارية واجتماعية، أن "شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان، حققوا إنجازا تاريخيا عظيما من خلال جهادهم وثباتهم، ففي الأسابيع الماضية ودعنا عددا كبيرا من الشهداء في هذا المكان بالذات، وفي عدد من المدن والبلدات في الضاحية والجنوب والبقاع، هؤلاء الشهداء أحبطوا المشروع الصهيوني الرامي إلى سحق المقاومة وسحق حزب الله، ومنعوا العدو من التوغل ومن دخول مدن وبلدات عديدة، منها الخيام وبنت جبيل وغيرهما، منعوا العدو من تحقيق الهدف، وحافظوا على بقاء المقاومة وبيئتها".
وقال: "هؤلاء الشهداء أمانتهم أن تبقى راية المقاومة خفاقة عالية، وأن يقوى حزب الله بعد الضربات وأن يتعافى ويستمر، وها هو يتعافى ويستمر وسيبقى قويا بإذن الله وبإرادتكم يا عوائل الشهداء والمجاهدين والجرحى والعلماء والفاعليات، وبإرادة البيئة الحاضنة، وبالتحالف مع حركة أمل وسائر الحلفاء، وبالعزيمة والإرادة".
أضاف: "نودع اليوم شهيدنا، كما ودعنا شهداء على طريق القدس، الهدف في غزة أن لا تُكسر حماس، ولن تُكسر، بقيت حماس وانكسر هدف العدو بهزيمة حماس والمقاومة، والعدو الصهيوني عجز عن سحق حماس، كما عجز عن سحق حزب الله، والعدو الصهيوني لم يستطع استعادة أسراه بالقوة، وها هو يستعيدهم باتفاق مع حماس أي مع المقاومة، وهذا إخفاق آخر للعدو".
تابع: "غزة تحتفل على ركام دمارها، ولكنها تحتفل، فرحتها تشوبها غصة، ولكنها فرحت، ولذلك هذا إنجاز للمقاومة. بينما في أوساط العدو قلق وإخفاق، على رغم أن العدو ورعاته يظنون أنهم بالقتل والتدمير وارتكاب المجازر حققوا إنجازا، هم لم يحققوا إلا إنجاز القتل والتدمير والمجازر، والذي حقق الإنجاز هو من أبقى على شعلة المقاومة ومن لم يطلق سراح أي أسير إلا باتفاق، وشعلة المقاومة مستمرة على رغم الضغوط والمتغيرات، ودعاة التطبيع، والهجمة الأميركية. هناك وهم سيتبدد ولو بعد حين عند البعض بأن شعلة المقاومة ستنطفئ، شعلة المقاومة لم تنطفئ في يوم من التاريخ، ولن تنطفئ، طالما بقي الإحتلال والعدوان والتهديد، فالمقاومة متجذرة في الإنسان والمجتمعات، وهذا عهدنا مع شهدائنا وجرحانا وعوائلهم ومجاهدينا وبيئتنا".
وسأل: "الذين يراهنون على ضعف حزب الله والثنائي الوطني، حزب الله وحركة أمل، أو ضعف المقاومة، ماذا سيقولون عندما تتشكل الحكومة؟ وماذا سيقولون في المستقبل عندما يكتشفون قوة المقاومة وقوة حزب الله وقوة الثنائي وقوة البيئة وقوة أهل المقاومة من كل أطياف المجتمع اللبناني؟ ماذا سيقولون عندما يكتشفون إصراركم يا أهل المقاومة على المضي والثبات، وعلى الإلتحام مع المقاومة وخيارها، في كل استحقاق وعند كل محطة؟".
وختم: "تحيتنا وعهدنا وولاؤنا ووفاؤنا إلى روح سيد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله، إلى روح الشهيد حسين علي ناصر، وكل الشهداء، إننا على عهدكم وخطكم وطريقكم ماضون، متمسكون بخياركم الذي استشهدتم في سبيله دفاعا عن لبنان وسيادته ووحدته، ودفاعا عن الأمة ووجودها، وعن فلسطين والقدس وعن كل مقدساتنا مسلمين ومسيحيين. هكذا كنا، وهكذا سنبقى، وهكذا سنلاقي وجه ربنا متمسكين بخياراتنا، على دين نبينا محمد ماضون وعلى الخط ثابتون".
وبعد قسم الولاء والبيعة، أم الصلاة على الجثمان السيد حيدر حسين عثمان، وجاب الموكب شوارع المدينة قبل أن يوارى في الثرى في "جنة شهداء بعلبك".