جمال بن ماجد الكندي

تابعنا ما نشره الإعلام الحربي للمُقاومة اللبنانية، في مقطع مُصوَّر مدته 9 دقائق وعدد من الثواني.. هذه الدقائق التسعة قَلَبَتْ المشهد السياسي والعسكري في المنطقة تحليلًا ومُراجعة، وكما هي العادة مع من يختلفون مع نهج المُقاومة في الداخل اللبناني وفي الخارج، لم يُعطوا الموضوع أهمية في بُعدِه الاستخباري والتقني، الذي هو بمثابة مفخرة ونقاط تُسجَّل على العدو الصهيوني.

لكن في المُقابل انشغل الإعلام الصهيوني بهذا الحدث واعتبره خرقًا أمنيًا كبيرًا، ونقطة تحول تحسب في سجل المُقاومة اللبنانية.

طائرة الهدهد المُسيَّرة، اسم على مُسمى، والاقتباس في محله، فكما أخبرنا القرآن الكريم عن هذا الطائر الذي نقل لنبيِّنا سليمان عليه السلام خبر مملكة "سبأ" حينما قال "وجئتك من سبأ بنبأ يقين"، نقلت طائرة "الهدهد" بدون طيار الخبر اليقين عن المنشآت العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في حيفا بشمال فلسطين المُحتلة، وكان ذلك تزامنًا مع زيارة الموفد الرئاسي للرئيس الأمريكي إلى لبنان آموس هوكشتاين. وهذه هي الزيارة الرابعة له للمنطقة، وكان عنوانها الذي أرادت إسرائيل إيصاله عبر الموفد الأمريكي، هو توسيع الحرب ضد لبنان ما لم تُوقِف المقاومة اللبنانية هجماتها في شمال فلسطين المُحتلة، فكان "الهدهد" جواب المُقاومة اللبنانية.

حمَلَت المُسيَّرة "الهُدهُد" رسائل مُعينة يدرسها الإسرائيلي ويعلمها جيدًا، وجاءت كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بتاريخ 19 يونيو، لتثبيت هذه الرسائل؛ لذلك فقد خلطت المُسيَّرة "الهدهد" الأوراق، وذكَّرَت من يُريد توسيع الصراع في لبنان بالمعادلة القديمة القائمة منذ 2006 بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني، وهي توازن الردع العسكري. وسنحاول في هذا المقال الحديث عن أبرز النقاط التي حملتها طائرة "الهدهد" وهي رسائل تقنية، سياسية، عسكرية، واستراتيجية.

الرسالة التقنية: تكمُن الرسالة التقنية فيما ما وصلت إليه المقاومة اللبنانية من تطورٍ في طائراتها المُسيَّرة، وهنا نقصد ما تملكه؛ سواءً من تصنيع أو وصول من قبل حلفاء المُقاومة في المنطقة. وطائرة "الهدهد" أرسلت رسالتين للكيان الصهيوني وحلفائه وهي: القدرة على الاختراق، وعدم القدرة على الرصد والكشف. والجانب الأول يختص بالمقاومة في أنها تملك طائرة تستطيع اختراق رادارات العدو الصهيوني وتتجاوز الاستهداف وتُصَوِّر لساعات طويلة ولا يتم اكتشافها، ثم تعود إلى موقع الانطلاق سليمة، وهذا يدل على تفوُّقها التقني، وأسرار التصنيع يعلمها المتابع لمثل هذه الطائرات. أما الجانب الثاني فيتمثل في عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على رصد وكشف هذه الطائرة، وهذا الأمر يعرفه الباحثون العسكريون وهو في كسر قواعد الاشتباك، بأن يحصل الطرف المحسوب ضعيفًا على أدوات وأسلحة مُتطوِّرة لا يستطيع الطرف الأقوى كشفها أو ضربها. وهذا الأمر يندرج ضمن قواعد معادلة الردع الاستراتيجي، وطائرة "الهدهد" رسّخت هذه القاعدة التي أُسَّست بعد حرب 2006 بين المقاومة اللبنانية والعدو الصهيوني. الجانب الإسرائيلي أراد التغطية على هذه النكسة بأن قال إنِّه كان يعلم بأمر الطائرة ولم يستهدفها خوفًا من تأثير الشظايا على سكان المنطقة، وما أسخفه من عذر لا داعي لمُناقشته!

الرسالة السياسية: حملت طائرة "الهدهد" رسالة سياسية؛ إذ إن توقيتها السياسي لم يكن عبثيًا، والتوقيت كما يُقال في السياسة له دلالاته ومعانيه. وهنا نتكلم عن التاريخ والتوقيت وبينهما فارق، فعندما نقول التاريخ نعني به تاريخ إطلاق هذه المُسيَّرة، وهذا الأمر لا يعرفه إلّا المقاومة اللبنانية، لكن التوقيت وهو توقيت نشر ما حملته هذه المُسيَّرة فكلُنا عرفناه وكان تزامنًا مع زيارة الموفد الأمريكي إلى لبنان. وهنا تتجلّى حرفية التوقيت ونُسمِّيها الرسالة السياسية للمبعوث الأمريكي والذي سيُناقش هذا الأمر في إسرائيل، فقد تغيرت المُعطيات بما حملته طائرة "الهدهد"، فكانت هذه كما يُقال "ضربة مُعلم" فتوقيتها السياسي غيَّر وأربك ما كان يريده المبعوث الأمريكي.

الرسالة العسكرية: تتمثل في التذكير بقواعد الردع العسكري بين المقاومة اللبنانية والجيش الإسرائيلي؛ فمنذ معركة "طوفان الأقصى" ودخول المقاومة اللبنانية على جبهة المساندة، كانت هناك قواعد اشتباك معينة تُقاس بالكيلومترات في جبهة الشمال، وتتوسع في بعض الأحيان وتعود القواعد مرة أخرى لسابق عهدها، وهذا الأمر فعلته إسرائيل بسبب معادلة الردع العسكري التي كرسّتها معركة 2006، ومعرفة إسرائيل بما لدى المقاومة من أسلحة راكمتها عبر هذه السنوات، كاسرة للردع العسكري الإسرائيلي. والدليل على ذلك أنه عندما بدأت حرب 2006 كان القصف الإسرائيلي يضرب الجنوب والعاصمة بيروت، واليوم ولمدة أكثر من 8 أشهر والجيش الإسرائيلي يقصف مناطق مُحددة في الجنوب وفق قواعد اشتباك معينة؛ لأنه يعلم أن أي توسيع لهذه القواعد سوف يُقابله قصف مناطق في عمق فلسطين المحتلة، والمطار بالمطار، والميناء بالميناء، والبناية المدنية بالبناية المدنية، والمواقع الاستراتيجية الحسّاسة؛ سواء العسكرية أو المدنية تقابلها نفسها عند الكيان الصهيوني.

جاءت طائرة الهدهد لتنشر هذه المواقع فقط في منطقة حيفا المهمة عسكريًا واقتصاديًا وباقي المناطق في الحلقات المُقبلة. وهذا الإعلان وتصوير المواقع العسكرية والمدنية والحيوية في حيفا ورسم صاروخ أحمر عليها يعني أن هذه المنطقة سوف تُستهدَف، وكما تم التصوير ولم تُكتَشَف الطائرة، تستطيع نفس الطائرة بدلًا من أن تحمل كاميرا، ستحمل صاروخًا.

العدو الصهيوني يعلم أن المقاومة اللبنانية تمتلك صواريخ دقيقة مؤثرة في أي مشهد قادم لتوسيع دائرة المعارك. وما حملته "الهدهد" من رسالة عسكرية تُذكِّر الكيان الصهيوني أن الردع العسكري بينها وبين المقاومة ما زال قائمًا، وأي حماقة يرتكبها نتنياهو لتوسيع الحرب بات يعلم ماذا سيحصل في حيفا من دمار.

الرسالة الاستراتيجية: أرسلت طائرة "الهدهد" رسالة استراتيجية مُهِمَة في تصوير ميناء حيفا، وما يحمله هذا الميناء من أهمية للكيان الصهيوني من الناحية الاقتصادية، وصور مخازن الوقود والأمونيا ومحطات الكهرباء وغيرها كانت من أهم الرسائل الاستراتيجية، التي أرادت المقاومة اللبنانية إيصالها للعدو الصهيوني؛ فهي تقابل أي استهداف إسرائيلي في المستقبل لمثل هذه المنشأت في لبنان إذا فكر العدو الصهيوني في توسيع دائرة الصراع فاستراتيجي يقابله الاستراتيجي وأعتقد أن الرسالة وصلت  والفضل "لهدهد" .

ختامًا.. طائر "الهدهد"- كما هو مذكور في القران الكريم- غيَّر مجرى الأحداث في مملكة سبأ. واليوم طائرة "الهدهد" المُسيَّرة سوف تُعيد حسابات العدو الصهيوني، وتُغيِّر الرسائل التي أراد الموفد الأمريكي إرسالها للجانبين اللبناني والإسرائيلي، وتُرسِّخ قاعدة التهدئة التي أعلنتها المقاومة اللبنانية أكثر من مرة، وأخيرًا على لسان أمينها العام حسن نصر الله عندما أعلن أن "مفتاح التهدئة في فلسطين وليس في لبنان".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"الطفولة والأمومة" يشكر صناع مسلسل "لام شمسية" على الرسالة التي حملها طوال مدة عرضه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

توجه المجلس القومي للطفولة والأمومة، بالشكر والتقدير إلى صناع مسلسل لام شمسية لرسالته الإنسانية القوية والتوعوية التي ناقشها طوال مدة عرضه.

وأكدت الدكتورة سحر السنباطي رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، على أهمية دور الدراما في دعم قضايا الطفل وتغيير الوعي المجتمعي، وما يقوم به الإعلام من نشر الوعي حول القضايا المختلفة فهو القوة الناعمة التي لها أثر كبير في تغيير الوعي وترسيخ وإعادة بناء منظومة القيم، لافتة إلى أن هذا المسلسل سلط الضوء على قضية هامة وهي سلامة الأطفال الجسدية وحمايتهم من التحرش والاعتداءات الجنسية، مشيدة بالأداء المبهر للطفل الموهوب "علي البيلي" على دوره المتميز في المسلسل، وما قامت به سارة عزيز عضو المجلس القومي للطفولة والأمومة، طوال فترة التصوير من تقديم الاستشارات النفسية للطفل وفريق العمل.

واضافت "السنباطي"، أن المجلس القومي للطفولة والأمومة يدعم حق الأطفال من خطر أو إساءة او عنف، من خلال الإدارة العامة لنجدة الطفل ودورها في حماية الأطفال المعرضين للخطر، موضحة أن المجلس يقدم الدعم والخدمات القانونية والنفسية للأطفال الذين تعرضوا للاعتداءات من خلال فريق عمل مدرب يعمل من أجل تقديم الدعم والمشورة للأطفال وأسرهم.

وأكدت "السنباطي" على أن المجتمع لا يزال يحتاج لمزيد من تلك الأعمال الدرامية الهادفة التي تعالج القضايا التي تهم المجتمع وتتصدي لكل ما يهدد الأسرة المصرية، مؤكدة ان المجلس داعم لتلك الأعمال ومستعد للتعاون معها في إعداد الرسائل بشكل علمي يحقق الهدف من رسالة تلك الأعمال الدرامية.

ومن جانبه اكد  صبرى عثمان، مدير الادارة العامة لنجدة الطفل، أن التشريعات الوطنية تجرم "التحرش " بموجب المادتين 306 (أ)، و306 "ب" من قانون العقوبات، المعدل بالقانون رقم 185 لسنة 2023 حيث عاقب القانون علي واقعة التعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية بأية وسيلة، ويعد تحرشاً جنسياً إذا ارتكبت هذه الجريمة بقصد حصول الجاني من المجني عليه علي منفعة ذات طبيعة جنسية، والتي تصل عقوبتها الي  السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته أو أرتكبت في مكان العمل أو في إحدي وسائل النقل أو من شخصين بأكثر أو إذا كان الجاني يحمل سلاحاُ.

كما عاقب المشرع على "هتك العرض : وهي كل فعل يخل بالحياء يستطيل إلى جسم المجني عليه ، سواء كان ذكر أو أنثي، وعوراته) بموجب المادتين 267 ، 268 من قانون العقوبات والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد " إذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ ثماني عشر سنة ميلادية أو كان مرتكبها من أصول المجني عليه أو المتولين ترتبيته أو ملاحظته أو ممن له سلطة عليه.

وناشد المواطنين بضرورة التواصل مع خط نجدة الطفل 16000 والذي يعمل على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع في حال طلب الدعم والمساندة والمشورة، او من خلال تطبيق الواتس اب على الرقم 01102121600

مقالات مشابهة

  • سلطات طرابس تجبر منظمات دولية على تعليق أنشطتها في ليبيا
  • الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
  • هاكر فى الظل.. الهاكر المعجب قصة عاشقٌ تحول إلى مجرم
  • كاتبة مسلسل قلبي ومفتاحه: نجحنا في إيصال الرسالة
  • "الطفولة والأمومة" يشكر صناع مسلسل "لام شمسية" على الرسالة التي حملها طوال مدة عرضه
  • بيدرو سانشيث … والرهان الشجاع على المغرب
  • لجان المقاومة: العدوان الإسرائيلي وأوامر الإخلاء برفح وخانيونس جريمة حرب جديدة
  • رسائل تهنئة عيد الفطر اسلامية
  • اليمن وغزة في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني
  • زيارة الشرع إلى إسطنبول رسائل مشفّرة من واشنطن عبر أنقرة