تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
"جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب".. وما أدراك ما الفنجان المقلوب لدى الكثيرين هو عالم من الغد المثير. البعض يقلب فنجانه في أوقات معينة من اليوم فقط إيمانًا بأن هذه الأوقات هي التي تجلب الطالع الحقيقي، والبعض لا يفعلها في أيام معينة تشاؤمًا وفألًا. تقوم بعض السيدات في مصر بعمل جلسات أشبه بالحفلات الأسبوعية احتفاءً بالقهوة، تتجمع فيها مجموعات من الصديقات لتقرا لهم صاحبة المنزل فناجينهن، أو ربما يستدعين عرافة من باب الترفيه وتغيير الأجواء؛ إذ إن الأمر لا يزال غير مكلف ومليء بالإثارة.
درجت السيدات في المناطق الجبلية النائية في إثيوبيا، حيث تعد يتم إنتاج حبوب من أفضل ما تنتج القهوة، على تقديم طعام للأرض التي يتم عليها طهو أو شرب القهوة قبل شربها. تظن هؤلاء السيدات أن القهوة يجب أن يتم شكر الأرض عليها قبل البدء في شربها، إذ أن هذا الإرضاء للأرض شكر واجب يقي من الغضب. نحن في كل مكان في العالم نشرب بن أثيوبيا ولا نقدم للأرض قربانًا من حبوب فشار أو غيره كما يفعلون هناك، لم يلاحقنا الغضب ولا فسدت القهوة بين أيدينا. ينشأ القوم هناك على احترام حبوب البن احترامًا بالغًا قبل الاستفادة منها. إذ أن القهوة لها هيبة لا يمكن انكارها في أي مكان على الأرض.
في بعض المناطق الجبلية بآسيا وأوروبا يعقد البعض أن القهوة يجب أن يكون شربها بملابس خفيفة حتى في أشد ليلات الشتاء برودة، إذ يعتقدون أن هذا يجلب لهم البركة في الجسد، حتى أنهم قد يلجأون لشربها في جماعات متقاربين من بعضهم البعض في الشتاء القارص حتى تدفئ التجمعات أجسادهم. يعتقدون أن مخالفة هذا الأمر قد تجلب المرض، أو تذهب مفعول القهوة، وهاهو العالم كله يشرب القهوة متدثرًا طبقات من الأغطية في الشتاء. لم يمت أحد متأثرًا بقلة البركة ولا قوة غامضة. إلا أن عشق الطقس ذاته مع لعب البن بيقظة العقل تزيد من قوة اعتقاد البعض بأن البركة قادمة وأنها خارقة تهزم كل وجع وظرف موجع مثل البرد.
لطالما أحببت تسمية القهوة "خمر العباقرة" لأنها تريك ما لا تراه بدونها لسبب وحيد هو زيادة كمية الدم المتدفق للدماغ، ولابد أن يزيد نشاط الدماغ طالما زاد غذاؤه. تدفئ الجسد وتزيد نشاطه، وبالنسبة لشخص مثلي يشربها بكثرة تغير لون بشرتي بعد أول رشفة بثوانٍ كما لاحظ طلبتي الأعزاء. كما ترون إن الأمور البيولوجية تثير في بداياتها علامات استفهام حولها، وتترك مجالًا لتكهنات لا علاقة لها بالمنطق على الإطلاق. تزيد قوة هذه التكهنات في الأماكن التي ال ينتشر فيها التفسير البيولوجي العلمي بسرعة وانتشار وتبقى موروثًا ثقافيًا أسطوريًا لا علاقة له بالواقع لكن له علاقة بمزاج الشعوب وآفاق تخيلها. يدفع كل من الليل الطويل البارد والمرض والوجع الأفراد لابتكار حلول سهلة بيد قوى خفية طلبًا للأمل وما أدراك ما الأمل. قهوة سعيدة لي ولكم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: القهوة
إقرأ أيضاً:
شرائح زجاجية
عائض الأحمد
فئوية.. نخبوية.. طبقة اجتماعية، سمِّها ما شئت، وإن تكن شرائح زجاجية شفافة وقابلة للكسر. ماذا يعني ذلك؟ لا شيء! فما الجديد وأين تريد أن تصل؟
مثالية يصفها البعض بقشور إنسانيات تتناثر هنا وهناك، منها ما يلفت انتباه الغير، ومنها ما يغري بالانصراف، مخالطة الناس تقويك على تقبلهم، وانكفاءك يشغلك بهم، هذه قاعدة شخصية، العام فيها تصرفاتك وتقبلك مناكفاتهم والعيش في محيطهم كما هو، وليس كما تريد دائما. يقول أحدهم إن فلان يثير الجدل بظهوره الملائكي، وكأننا أمام أشهر الحكماء وأعظم الفلاسفة، ولك أن تقلب صفحة إلى الخلف لتعرفه. يقع ذات اليمن أو ذات الشمال، لم يعرف وسطية قط، ويريد أن يقنعنا الآن بأنه "المُخلِّص" وشرارة الفتيل يحملها معه، فمن أراد جذوة فما عليه إلّا أن يمُد إحدى يديه ويصطلي قبل أن تذهب دون رجعة. دعوته تحمل أمرًا يعلمه الداعي ويريده كما هو، وحديثه يتسق مع نهجه ومسيرته وظهوره، فلا غرابه في ذلك! وهل تظن أن يُظهر ما يُخفيه عنوة ليقول لك إنه الكتاب الأبيض الذي لم يُدنِّسه سواد. أنت تنشد قرية يسكنها شخص واحد ومجموعة حيوانات لا تسمع ولا تعقل!
أولم تسمع بأن الإنسان هو من يبني الحضارة؟ أظن -وكله إثم- أن البعض ظن الحضارة تُؤويه وتنام في مخدعه وترتشف معه كأسه وتستنشق هواءه على أنغام موسيقاه الخاصة وأمانيه المتربعة في أطروحته، نحن الماضي والحاضر ولنا المكان، والزمان ليس إلّا عقارب ساعة تمضي لنصل إلى حقيقة من نحن وماذا نريد.
ختامًا: ليست كل سلعة تستحق الشراء، لكن سيظل هناك مُشترٍ. لم تعد الأذواق حكمًا.
شيء من ذاته: الغرق في عينيك نجاة، ولو كان لي قلبين لأحببتُك، ولو عاد الزمان لعُدت بجنون أكبر.
لها: كنت أسابق الوقت شوقًا، وحين هرمت سبقني وتلحَّف بردائك، فما عُدتُ أطيقُ البرد وخسارة دفئك.
نقد: البناء صعب والهدم أصعب.
رابط مختصر