على مدى الأشهر الثمانية الماضية، قامت إسرائيل بشنّ حرب إبادة وتشريد جماعي للفلسطينيين، وتخريب ودمار في غزة تحت ستار "الدفاع عن النفس". وفي ظل هذا الواقع المأساوي الذي تواصل فيه الحكومة الإسرائيلية تجاهل التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي بحماية المدنيين، ووقف أعمال الإبادة الجماعية، فإنه يتحتم على الدول ذات النفوذ أن تتخذ موقفًا حاسمًا.
إن المكانة العالمية التي تتمتع بها أستراليا وقيمها الديمقراطية، تجعلها في وضع قوي يمكنها من المساهمة في التوصل إلى حلّ يفضي لإحلال السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والخطوة المهمة في هذا الاتجاه، هي الاعتراف بدولة فلسطينية، وهي أيضًا واجب قيمي وأخلاقي.
في 29 مايو، تم تقديم اقتراح إلى مجلس النواب في البرلمان الأسترالي من قبل حزب "الخضر" للتصويت على ما إذا كان يجب على أستراليا اتباع إسبانيا والنرويج وأيرلندا وسلوفينيا والأغلبية الساحقة من دول العالم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه فشل في تمريره حيث صوّت 80 نائبًا ضده.
لقد تبنى حزب العمل الأسترالي، باستمرار موقفًا مناهضًا لهذه الاقتراحات على اعتبار أنها حيل سياسية من جانب "الخضر" من أجل ما يعتبره "نقاطًا رخيصة" للتأثير على الرأي العام الأسترالي.
بيدَ أنه لو كان الأمر كذلك، فإن هذا "التسييس" لا ينتقص من الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن الإبادة الجماعية مستمرّة، والجمهور الأسترالي يعرف ذلك. فقد تمّ قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بينهم 15000 طفل.
لقد شاهد الأستراليون بأنفسهم هذه الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومن هذه المآسي صورة سدرة حسونة البالغة من العمر سبع سنوات، وهي تتدلى من جدار وساقاها متفحّمتان، ولقطات لرجل يحمل جثة لطفل يبلغ من العمر 18 شهرًا مقطوعة الرأس بقصف إسرائيلي. لقد سمعوا الكلمات الأخيرة لهند رجب البالغة من العمر ست سنوات، وهي تتوسل بشدة للمساعدة، بينما دهمتها الدبابات الإسرائيلية.
رفض رمزيتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو لأطفال بترت أطرافهم. وتم محو عائلات بأكملها من السجل. ووفقًا لمرصد حقوق الإنسان الأورومتوسطي ومقرّه جنيف، تم إلقاء أكثر من 70,000 طن من القنابل على غزة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأبريل/نيسان 2024.
لقد قرأ الأستراليون التقارير العديدة الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان من أمثال "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" وحتى "بتسيلم" الإسرائيلية التي تصف الحكم في إسرائيل بأنه أقرب إلى "الفصل العنصري"، وغزة بأنّها "سجن في الهواء الطلق".
لقد استمعوا إلى وزراء إسرائيليين يدعون إلى التطهير العرقي واحتلال غزة، واطلعوا على قرار محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة، وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب.
لقد دعمت دول مهمة قرار المحكمة الجنائية الدولية مثل فرنسا والسويد. وأعلنت ألمانيا أنها ستعتقل نتنياهو إذا صدرت مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، وصرّحت السيناتورة الأميركية إليزابيث وارن بأن هناك أدلة وافرة للمحاكم الدولية لإدانة إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية.
كما أن البروفيسور الأميركي الشهير جون ميرشايمر الذي جاء إلى مركز الدراسات المستقلة في أستراليا، أكد بشكل قاطع، أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري والتطهير العرقي في معاملتها للفلسطينيين.
وصرّح خبراء الأمم المتحدة بأن إسرائيل ارتكبت ثلاثة أعمال إبادة جماعية على الأقل خلال الأشهر الثمانية الماضية، إذ قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز: إن "الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة هي مرحلة تصعيدية لعملية محو استعمارية استيطانية طويلة الأمد".
لذا، فإن اعتراف أستراليا بدولة فلسطينية داخل حدود عام 1967، سيكون رفضًا رمزيًا وجريئًا لمحاولة إسرائيل الحالية لإبادة الشعب الفلسطيني. فالاعتراف بدولة فلسطينية لن يعطل عملية السلام؛ بل سينقذها ويبقيها حية.
إنقاذ عملية السلاملقد كان ذلك هو الدافع كي تتحرك أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا للاعتراف بدولة فلسطينية. فلم يكن الهدف هو استعداء إسرائيل، بل كانت الغاية إنقاذ عملية السلام التي تحاول إسرائيل تدميرها بشكل محموم.
من هذا المنطلق، ينبغي على أستراليا أن تعزز المبدأ الأخلاقي الأساسي في قلب الصراع، وهو الحق في تقرير المصير. وللشعب الفلسطيني، شأنه شأن أي شعب آخر، حق أصيل في أن يحكم نفسه، وأن يعيش بحرية على أرضه، وأن يبني مستقبله. وهذا الحق منصوص عليه في القانون الدولي، وفي ميثاق الأمم المتحدة.
فمن خلال الاعتراف بدولة فلسطينية، ستؤكد أستراليا التزامها بهذا المبدأ العالمي، وتحبط محاولة إسرائيل لسحق مثل هذه التطلعات للفلسطينيين. يجب ألا يصبح بلدنا خانقًا للأصوات التي تدعو إلى العدالة، أو شخصًا يراقب المضطهدين الذين يسعون إلى الحرية.
إن الأستراليين بطبيعتهم يميلون للعدالة والوقوف بجانب الحق، وقد تجلى ذلك في الدعم الذي أظهره طلاب الجامعات في جميع أنحاء البلاد للفلسطينيين، والاحتجاج على المجازر التي ترتكب ضد المدنيين في غزة، والدعوة لوقف الحرب، وهذا بالضبط ما فعله أسلافهم عندما شجبوا الحروب في فيتنام، والعراق، وأفغانستان. لقد كان الطلاب على حق في كل من هذه الصراعات التي تحدد هُويات الأجيال. هل يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، لنتجاهله من جديد؟
كان رئيس الوزراء وحزب العمل – حينما كانوا في موقع المعارضة – مناصرين متحمّسين لفلسطين. هذه الروح التي كانت سائدة في الماضي، ينبغي أن تكون حاضرة الآن وهم في السلطة. دع المؤرّخين يكتبون عنا أننا كنا على الجانب الصحيح من التاريخ، وأننا عززنا بجرأة القانون الدولي، وأننا كنا منارة مشرقة وصوتًا للحرية.
حان الوقت للاعتراف بفلسطين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإبادة الجماعیة بدولة فلسطینیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
نائب بريطاني: استمرار دعم إسرائيل سيجرنا إلى المحاكم بتهمة إبادة سكان غزة
أبدى النائب البريطاني محمد إقبال مخاوفه من تورط بلاده واقتيادها إلى المحاكم الدولية، بسبب التواطؤ بحرب الإبادة في قطاع غزة، مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي استشهد فيها عشرات آلاف الفلسطينيين وأصيب مئات آلاف آخرين.
وقال إقبال وهو أحد نواب مجموعة "التحالف المستقل" التي شكلها 5 نواب مستقلين يدعمون غزة، في البرلمان البريطاني، "هذا يكفي كم يجب أن يكون عدد القتلى حتى توقف الحكومة البريطانية دعمها المباشر وغير المباشر لإسرائيل التي ترتكب جرائم حرب؟".
وأكد على "ضرورة منع إسرائيل من قتل المدنيين الأبرياء في جميع أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية"، مطالبا "المتواطئين في هذه الجرائم إنهاء دعمهم لإسرائيل".
وأضاف: "إنهم لا يريدون أن يطلقوا عليها إبادة جماعية، لكنها إبادة جماعية، ولا يريدون أن يسموها قتلا جماعيا ولكنها قتل جماعي".
وأشار إلى أن تحالفه "يثير هذه القضية مع كثير من النواب من مختلف الأحزاب في البرلمان البريطاني في كل فرصة".
ودعا إقبال الحكومة البريطانية إلى "التوقف عن الاكتفاء بالخطابات"، مشددا على "ضرورة تحركها".
ولفت أنه "ليس من الكافي تعليق 30 ترخيصا فقط من أصل 350 ترخيصا لتصدير الأسلحة لإسرائيل".
وطالب حكومة بلاده "بإيقاف إرسال قطع طائرات إف 35 إلى إسرائيل، لأن تلك الطائرات آلات القتل الأكثر شيوعا".
وفي 2 أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أن بلاده ستعلق بيع بعض الأسلحة للاحتلال، مشيرا أنه سيتم تعليق نحو 30 من أصل 350 ترخيصا بهذا الخصوص.
في حين أفاد وزير الدفاع جون هيلي، أن قرار بلاده تعليق 30 من 350 رخصة تصدير أسلحة إلى الاحتلال لا يغير دعم لندن "حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها" على حد تعبيره.
وانتقدت منظمات حقوقية دولية ومؤسسات غير حكومية قرار بريطانيا بفرض حظر جزئي على الأسلحة على الاحتلال ووصفته بأنه "غير كاف"، و"تم اتخاذه بعد فوات الأوان"، مطالبة بوقف إمدادات الأسلحة بشكل كامل.
وتساءل: "صناع القرار رئيس الوزراء، ووزير الخارجية والحكومة بأكملها وأعضاء البرلمان الذين يدافعون عن حق إسرائيل في ارتكاب الإبادة الجماعية، ماذا سيقولون لأبنائهم وأحفادهم حين يكبرون؟".
واستهجن تصريحات رئيس الوزراء كير ستارمر التي قال فيها إن "ما حدث في غزة ليس إبادة جماعية".
وقال إن "الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومنظمات مستقلة ومقررين أكدوا أن ما حدث في غزة ينطبق عليه تعريف الإبادة الجماعية".
وأضاف: "الإبادة الجماعية ليست مسألة أرقام، إنها مسألة نية لارتكابها".
وأضاف: "أخشى أنه عندما يُحاكم مجرمو الحرب هؤلاء، ستتم محاكمة الحكومة البريطانية لتواطؤها في هذه الجرائم".