معاريف: العد التنازلي لانتخابات مبكرة في إسرائيل بدأ
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
#سواليف
أوردت صحيفة معاريف أن عجلة الدعوة لانتخابات مبكرة في إسرائيل بدأت بالعمل، مستندة لمؤشرات تقول إنها تؤدي حتما لمثل هذه النتيجة.
وقالت محللة الشؤون السياسية في الصحيفة الإسرائيلية، آنا براسكي، إن عجلة الدعوة لانتخابات مبكرة في إسرائيل بدأت بالعمل بسبب تطور الخلافات داخل الائتلاف الحاكم نفسه على خلفية أزمتي قانون الحاخامات وقانون تجنيد الحريديم، اللتين تعززان بدورهما أزمة المعارضة مع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأضافت براسكي “عندما يتحدث شركاء الائتلاف الحاكم عن بعضهم البعض، وعندما يفضل نتنياهو التحدث مع كبار شركائه عبر مقاطع الفيديو، فهذه مؤشرات على الديناميكيات المألوفة التي تؤدي إلى انتخابات مبكرة”، وفق قولها.
مقالات ذات صلة عالم سياسة أميركي: حماس تنتصر وإستراتيجية إسرائيل فاشلة 2024/06/22وأشارت إلى أنه “من المستحيل وصف الوضع الحالي في الحكومة والائتلاف والنظام السياسي برمته بشكل أفضل”. لكن في المعجم السياسي هناك كلمة خاصة لترجمة عبارة “هناك فوضى لنجري انتخابات” إلى اللغة المهنية وهي “ديناميكيات”.
وتشبه براسكي حالة “الديناميكية” بحالة المريض الذي حصل للتو على نتائج الاختبار ويذكر تشخيص الطبيب أنه لم يعد شخصا سليما، ولكنه يعاني من مرض معقد، صحيح أنه لم يتم تعريفه بعد على أنه مرض عضال، لكن حتى الطبيب البارع لا يستطيع أن يضمن له نجاح العلاج والقضاء على المرض نهائيا.
ولفتت المحللة إلى أن تلك المرحلة هي “محطة واحدة تسبق التفكك، حين يبدأ اللاعبون على الضفتين -في الائتلاف والمعارضة معا- بشم رائحة المتفجرات في الأجواء حتى من دون أن يكون هناك أي منطق في إسقاط الحكومة والذهاب إلى الانتخابات”.
وأشارت إلى أن المعنى العملي لوصول الحكومة إلى حالة من “الديناميكية” هو استيعاب الفرقاء أن الانتخابات لن تُعقد في موعدها، ولكن قبل وقت طويل من خريف عام 2026. وبالتالي فإن السؤال من الآن فصاعدا ليس “إذا” بل “متى”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض حتى الآن فكرة الدعوة لانتخابات مبكرة رغم كل المطالبات (الفرنسية)
التأثير الحاسم للأزمة الدينية
وانتقلت براسكي من حالة التوصيف إلى التأكيد على أن الملفات الدينية كانت تاريخيا هي “الصاعق الذي يطيح بالحكومات، ويفجر الدعوة للذهاب لانتخابات مبكرة للكنيست”.
وقالت إن “الإطاحة بالحكومات على خلفية تدنيس يوم السبت أو أي جريمة أخرى ضد أسس اليهودية هي “البراءة النهائية” للأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، وهي البطاقة التي تعمل دائما عندما تسحبها في اللحظة المناسبة، وهي اللحظة التي تأتي دائما تقريبا بعد وقت قصير من بدء “الديناميكية”.
وأكدت أن “براءة الاختراع” هذه ظهرت إلى حيز الوجود، قبل وقت طويل من توصل حزب “شاس” إلى القانون الحاخامي (الذي اضطر نتنياهو لسحبه من التداول إثر خلافات حوله داخل حزب الليكود نفسه)، وأيضا قبل وقت طويل من اتخاذ الأغلبية غير الأرثوذكسية قرارًا بضرورة إقرار قوانين الإعفاء من التجنيد في الجيش الإسرائيلي لأعضاء المدارس الدينية اليهودية المتطرفة”.
وينص مشروع قانون الحاخامات على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات، في المدن من السلطات المحلية، إلى وزارة الأديان التي يتولاها موشيه ملخيئيلي من حزب “شاس” الديني.
واستدعت براسكي ما جرى في نهاية عام 1976، حيث “اندلعت أزمة السبت الأولى، بعد حفل رسمي لاستقبال أول طائرة من طراز “إف 15” (F15) في إسرائيل. وأقيمت المراسم في قاعدة تل نوف ظهر يوم الجمعة وامتدت إلى بداية يوم السبت، مما تسبب في “تدنيس يوم السبت” من قبل عدد من وزراء الحكومة، وأدى إلى الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين وإجراء “انتخابات مبكرة”.
كما أشارت إلى أزمة مماثلة وقعت في سبتمبر/أيلول 1999، “حيث جرت عملية لوجيستية معقدة لتحريك شاحنة شركة الكهرباء، حيث تقرر تنفيذ العملية يوم السبت من أجل تقليل تعطل حركة المرور خلال الأسبوع. ولم يمض وقت طويل حتى استقال حزب يهودات هتوراه من الائتلاف، وهي خطوة لم تسقط حكومة إيهود باراك على الفور، بل خلقت الديناميكية نفسها التي أدت إلى سقوط حكومته. وفي وقت قصير أدى إلى تقديم الانتخابات”.
وقالت محللة معاريف إنه “في كلتا الحالتين كان العذر الديني حقيقيا وأصيلا تماما، وجاء في المقام الأول لإضفاء الشرعية على حركة سياسية أدت إلى القرار وراء الكواليس بالذهاب إلى الانتخابات”.
وأضافت أن “الأمثلة من الماضي لم تفقد أهميتها حتى اليوم. لقد تغير الوضع في البلاد خلال العام ونصف العام الماضيين، وخاصة بعد 7 أكتوبر، من طرف إلى آخر. لكن أساليب العمل السياسي ظلت على حالها. إن المأزق الذي وجدت حكومة نتنياهو السادسة نفسها فيه لعدة أسباب، هو أمر حقيقي. ومع ذلك، فإن هذا المأزق هو مفترق طرق وليس نهاية الطريق”.
مسار التحول
وأضافت “في هذا المفترق، والمفترق لا يزال بإمكان الحكومة أن تحافظ على بقائها، ولكن هذا الطريق سيكون قصيرا نسبيا، وسيستمر في تمديد أيامها فقط، ولكن هناك طريقا آخر يبدأ من التقاطع الخطير ويؤدي مباشرة إلى مراكز الاقتراع. وسيعيد الحكماء السياسيون حساب المسار على أساس بعض تصرفات بعض اللاعبين الذين يعملون بالفعل بكامل قوتهم، وخاصة خلف الكواليس”.
ولفتت براسكي إلى حقيقة مهمة في مسار التحول الذي قد يدفع قدما بتبكير الانتخابات، وقالت “إن إحدى أصعب النتائج وأكثرها دراماتيكية للتغيير في الواقع بالنسبة للحريديم، هي حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي قد غير موقفه فيما يتعلق بقضية التجنيد، بعد أن كان الموقف المعارض لإعفائهم من التجنيد موقفا يخص اليسار فقط ليصبح اليوم موقفا لليبرمان ولبيد وناخبيهما، والرأي السائد بين الجمهور العام، بما في ذلك جمهور اليمين والجمهور المتدين في غالبيته”.
وأضافت “ما لم يكن سيكون.. لقد انتهت حالة إدامة الإعفاء من إسرائيل وليس من المرجح أن تعود، سواء أحببنا ذلك أم لا، ويتم استيعاب هذا الاستنتاج بشكل متزايد بين السياسيين الأرثوذكس المتطرفين، بل إنه بدأ في التسرب إلى بيوت الحاخامات ومحاكمهم”.
وخلصت براسكي إلى القول “إن إدراك اليهود المتشددين أنهم لن يحصلوا على حل للتجنيد يقترب حتى أقرب مما يتوقعون، وهو الأمر الذي تبين أنه كان بمثابة خيبة أمل كبيرة، وسيكون كافيا لكي ينضج اليأس والغضب السائد في شاس ويهودات هتوراه إلى عمل نشط (ضد حكومة نتنياهو التي يشاركون فيها)، عندها ستصبح الديناميكيات أكثر وضوحا، والنهاية وشيكة ولا رجعة فيها. وهذا بالضبط ما سيواجهه رئيس الوزراء نتنياهو في المستقبل القريب”.
تحسين استطلاعات الرأي
وانتقلت براسكي إلى الحديث عن الجانب الآخر في الأزمة داخل الائتلاف الحكومي، وبين نتنياهو والمعارضة، وقالت إن “التصميم الذي أظهره أعضاء الليكود المعارضون لقانون شاس الحاخامي هو مؤشر شؤم لليهود المتشددين حول مستقبل قانون التجنيد، ومن المؤكد أن فقدان الانضباط الائتلافي هو علامة بارزة أخرى على “الديناميكية” التي بدؤوا يفكرون فيها في الانتخابات التمهيدية، هذا بسبب قوة المعارضين، إلى جانب العمل الجاد لعناصر من المعارضة الذين عرفوا كيف يسخنون الأزمة”.
واعتبرت أن تسارع الأزمة يدفع الأحزاب الإسرائيلية إلى مراجعة مواقفها لكي تحصل على نصيب من الكعكة القادمة، مشيرة في ذلك إلى التلاسن الذي حصل بين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وبين نتنياهو وكل من زعيم المعارضة يائير لبيد، ورئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، وقالت إن “عدم اتصال نتنياهو مباشرة بكبار شركائه لإجراء محادثات خاصة في الغرف المغلقة، والتحدث إليهم عبر مقاطع الفيديو الموزعة على الواتساب، تظهر الأبعاد الحقيقية للأزمة”.
وأضافت “فهل قيام نتنياهو بذلك هو مؤشر على فقدانه القدرة على التواصل مع شركائه، وعدم القدرة على التفاوض معهم؟ وكل ما تبقى هو القيام بحملة إعلامية أمام الجمهور من أجل إلقاء اللوم على الآخرين في السقوط الوشيك للحكومة؟ أم أن نتنياهو يعتقد حقا أنه من خلال مقاطع الفيديو الهجومية سيتمكن من استعادة النظام في صفوف الائتلاف، وهو ما لم يحدث بطرق أخرى أكثر هدوءا وقبولا؟”.
وختمت بالقول “وفي أي من الخيارين، فإن هذه ليست أخبارا جيدة للائتلاف. عندما يتجادل شركاء الائتلاف مع بعضهم بعضا في المجال العام، فإن هذا يشير بشكل أساسي إلى أنهم مهتمون بتحسين استطلاعات الرأي. وعندما يفعل رئيس الوزراء ذلك، فهو إشارة إلى أن العد التنازلي للانتخابات قد بدأ”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف لانتخابات مبکرة رئیس الوزراء فی إسرائیل یوم السبت وقت طویل إلى أن
إقرأ أيضاً:
يديعوت – نتنياهـو يشـقّ الشعب ويُضـعـف إسرائيل في زمـن الحــرب
#سواليف
أتت إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، أمس، لتُفرّق الشعب وتُضعف دولة إسرائيل في وقت الحرب. وفي الواقع بات الإيرانيون، الذين وعدوا، الأسبوع الماضي، بردّ حاسم على الهجوم الإسرائيلي، يرون ما يحدث في إسرائيل، ويفهمون أن أملهم لم يتبدد بعد.
ليس هذا فحسب، بل إن النتيجة الفورية والأهم لإقالة غالانت هي أن بنيامين نتنياهو لم يعد فقط رئيس الوزراء، بل أصبح هو أيضاً وزير الدفاع. في الواقع، ومن الآن فصاعدا، سيكون نتنياهو صاحب الكلمة الفصل في مسائل الدفاع التكتيكية والنظامية والاستراتيجية. صحيح أن وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، الذي تم تعيينه وزيراً للدفاع، قد حلّ محل غالانت، لكنه لا يشكل سلطة أمنية أمام مَن هم فوقه، أي نتنياهو، ولا أمام مرؤوسيه، أي كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والجيش بأكمله.
يمكن أن نفهم، من خلال ملاحظة سلوك كاتس السياسي، أن دوره لن يعدو كونه منفّذاً لأوامر نتنياهو، وأنه لن يؤدي أكثر من دور مشرف ينوب عنه في متابعة المنظومة الأمنية، وخاصة كبار ضباطها: رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك”، رونين بار، ورئيس “الموساد”، ديفيد برنياع، الذين لا يتفقون دائماً مع نتنياهو، وخصوصاً في القضايا المتعلقة بالأسرى وإدارة الحرب في غزة.
تنتشر الشائعات في جهاز الأمن منذ عدة أيام، وخاصة التكهنات، بشأن إمكانية استقالة كلٍّ من رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك”، اللذين يخضعان مباشرة لإمرة نتنياهو، بسبب الخلاف بشأن ضرورة وقف القتال في غزة، من أجل إطلاق سراح الأسرى، لكنني أشك في حدوث ذلك. فهرتسي هليفي وبار، وكذلك برنياع، يعتقدون أنهم إذا استقالوا، الآن، فإنهم سيتسببون بمزيد من الضرر لإدارة الحرب وأمن إسرائيل، وأنهم بذلك لن يتمكنوا من خدمة الشعب. لذلك، وعلى الرغم من أن غالانت عمل إلى حد كبير كما لو كان بذلة واقية تحمي رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك” ورئيس “الموساد”، فهؤلاء سيتعلمون، ويعرفون كيف يتأقلمون مع الوضع الجديد، إذ إن جميع رؤساء المنظومة الأمنية، بمن فيهم هرتسي هليفي والجنرالات في رئاسة هيئة الأركان، يُدارون مباشرةً من نتنياهو.
مقالات ذات صلة أمستردام.. جنود إسرائيليون يهتفون لإبادة أطفال غزة والجيش يصدر أوامر بحظر سفرهم إلى هولندا (فيديو) 2024/11/08من المتوقع ألّا يؤثر الأمر في الجيش مباشرةً، لكنه قد يؤدي إلى أن يجرب الضباط الكبار، ممن لديهم آراء تختلف عن تلك التي لدى رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، حظوظهم لدى رئيس الوزراء ووزرائه، وهو ما قد يقوّض الانضباط في الجيش الإسرائيلي. الجيش بطبيعته قادر على التكيف، ويعرف كيف يتلقى الأوامر، بشرط أن تكون قانونية. لذلك، إذا كان هناك زلزال متوقع، فسيصيب بشكل رئيسي طبقة رؤساء هيئة الأركان، أي رئيس هيئة الأركان، وربما بعض الرؤساء الضباط الذين يبدؤون الآن باتخاذ مواقف.
إلى جانب تأثير وجود غالانت في المنظومة الأمنية فإن وجوده في وزارة الدفاع بثّ أيضاً في نفوس الشعب إحساساً بالاستقرار والقيادة المهنية والخبيرة. عندما وافق غالانت، كوزير دفاع، على العمليات، أو كرر زيارة الجبهات المختلفة، كان لذلك تأثير في توفير طمأنينة أمنية للجمهور المدني، باستثناء القطاع اليميني المتطرف الذي عارض غالانت وكرهه. كما أن الاستطلاعات التي أُجريت بين الجمهور، بما في ذلك بين العرب في إسرائيل، منحت غالانت وأداءه درجات عالية جداً، تفوق كثيراً ما حققه الوزراء الآخرون، بمن فيهم نتنياهو. وربما يكون هذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت نتنياهو يرغب في التخلص من غالانت: لم يتحمل نتنياهو قط الأشخاص الذين تفوقوا عليه، أو كانوا خلفاء محتملين له. في الواقع، كان دائماً يطرد مثل هؤلاء الأشخاص، أو يرسلهم إلى مناصب مرموقة، لكن مناصب لا تسمح لهم بتهديد موقعه كرئيس حكومة.
أسباب الإقالة
هناك أربعة أسباب فورية وواضحة لإقالة غالانت: معارضته قانون تمويل التهرب من الخدمة العسكرية (قانون الحضانات)، والخلافات بينه وبين نتنياهو، والانتخابات الأميركية، والفضائح التي يواجهها مكتب رئيس الوزراء.
السبب الأول، حسبما أسلفنا، هو معارضة وزير الدفاع غالانت لقانون التهرب من التجنيد، وقانون الحضانات، الذي يُعد في الواقع محوراً بديلاً لتثبيت قانون استثناء الحريديم من التجنيد في الجيش الإسرائيلي. كان نتنياهو يخاف من أنه إذا لم يُمرر، على الأقل، أحد هذين القانونين، فإن حاخامات الحريديم، برئاسة الحاخام أدمور غور، سينفذون تهديداتهم، وينسحبون من الائتلاف، بما يسمح بإجراء انتخابات مبكرة. رأى نتنياهو أنه من الضروري إزالة هذا التهديد، وإزاحة غالانت من طريقه – وهكذا تعيّن على غالانت الرحيل. وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أن غالانت أعطى، اليوم، أمراً للجيش بتجنيد 7000 من طلاب المدارس الدينية من الحريديم، وهو ما زاد في غضب وخوف الحريديم. وأدرك نتنياهو أن عليه حسم الأمر، لذا، تمت إقالة غالانت في المقام الأول للحفاظ على الائتلاف والحكومة برئاسة نتنياهو، ولا علاقة لذلك بإدارة الحرب.
يتمثل السبب الثاني، من ناحية الأهمية، في الخلافات القائمة بين نتنياهو وغالانت وكبار مسؤولي المنظومة الأمنية الآخرين بشأن قضية الأسرى الإسرائيليين والقتال في غزة. فعلاً، خلال هذا العام، برزت خلافات عديدة بين الطرفين، لكنها حُلّت بصورة أو بأُخرى. فعندما قرر رئيس الوزراء، على سبيل المثال، عدم شن هجوم على لبنان، بينما اقترح غالانت وهرتسي هليفي ذلك في 11 تشرين الأول، بعد أيام قليلة من “مذبحة” 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعتقد أيّ شخص في جهاز الأمن أن هذا القرار غير شرعي، ونابع من دوافع غير مهنية.
جرى الأمر نفسه عندما أجّل نتنياهو بدء المناورة البرية في قطاع غزة، ثم فيما يتعلق بدخول رفح. لقد كانت هناك خلافات كبيرة بين الأطراف، لكنها كانت مسائل خلافية انبثقت من الوضعين، المحلي والدولي، المعقّدين اللذين تجري الحرب في ظلهما. لكن فيما يتعلق بمسألة الرهائن، ظهرت خلافات جوهرية بين غالانت ورؤساء المنظومة الأمنية ونتنياهو. أهمها: أن نتنياهو غير مستعد لوقف الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن، بينما يرى كلٌّ من غالانت، وهرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك”، ورئيس “الموساد”، أنه في مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء، يمكن وقف الحرب وإنهاء ما يجب إنهاؤه في قطاع غزة في موعد لاحق.
لقد ساد إجماع في المنظومة الأمنية على أن الانتصار على “حماس” سيتحقق، عاجلاً أم آجلاً، لكن نتنياهو لا يقبل هذا الرأي، ويريد الاستمرار حتى النصر الكامل، عندما تستسلم “حماس”، ثم تطلق سراح الرهائن.. لكن هذا الموقف أثار ضده حنق جزء كبير من الشعب الداعم لعائلات المختطفين، وهو لا يرغب في أن يواصل غالانت الضرب في غزة.
يتمثل السبب الثالث الكامن خلف توقيت الإقالة التي كانت تلوح في الأجواء منذ فترة طويلة، في أثناء الانتخابات الأميركية، حسبما أسلفنا. فالاهتمام الشعبي الإسرائيلي، بحسب افتراض نتنياهو، سيجعل الإقالة أسلس، من دون أن تشتعل احتجاجات شعبية هائلة، مثلما جرى في المرة السابقة. لا يتعلق الأمر بانشغال الجمهور بالانتخابات الأميركية فحسب، بل أيضاً لأن الجمهور الذي خرج ليحتج في الشوارع، تضاءل حجمه على مدار العام الماضي خلال الحرب، ولأن جزءاً كبيراً منه يخدم في سلاح الاحتياط الآن، ولعل هذا ما يفسّر التوقيت. لكن كما رأينا في الساعات الأخيرة، فإن آمال نتنياهو بمرور خطوته من دون احتجاج جماهيري هائل قد تلاشت، إذ خرجت الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج.
أمّا السبب الرابع، فهو قضية الوثائق السرية والقضية الإضافية التي كُشفت تحقيقاتها، اليوم، والتي تقع في إطار صلاحيات ديوان رئيس الوزراء، ونتنياهو متورط فيها، وإن لم يكن بصورة مباشرة. وإقالة غالانت تتسبب الآن بتحويل اهتمام الجمهور عن هذه القضايا التي تصدرت العناوين في الأيام الأخيرة.
آثار الإقالة على الحرب
علينا أن نعترف، بصدق، أن غالانت كان صدامياً في تعامُله مع رئيس الوزراء. لقد وجّه إليه كثيراً من الانتقادات، وتسبّب بإحراجه كثيراً، وتمرد على سلطته عدة مرات، وأحياناً، جرى ذلك علناً، وأحياناً أُخرى، خلف الكواليس – لكن الرجل أدى دوره كوزير دفاع بأمانة أمام الشعب الإسرائيلي، لقد قام بذلك بصورة مهنية، وبكثير من الذكاء العاطفي، ولهذا، نحن مدينون له بالشكر. ومن الآن فصاعداً، سنحتاج إلى التعود على حقيقة أن نتنياهو لم يعد رئيس الوزراء القوي فحسب، بل هو أيضاً وزير الدفاع.
بالمناسبة، هذه ليست المرة الأولى التي يقبض فيها رؤساء حكومات إسرائيليون، بدءاً من بن غوريون، على حقيبة الدفاع، إمّا رسمياً، أو حتى شكلياً. في حالة بن غوريون، كان الأمر ناجحاً، كما أن الأمر كان مرتبطاً بما حدث خلال حرب 1948. لكن بن غوريون كان يتمتع بثقة شعبية شبه كاملة، حتى في صفوف معارضيه السياسيين. أمّا نتنياهو فليس سراً القول، إن نصف الشعب لا يثق بقدراته الإدارية ودوافعه، ولا يمنحه الثقة.
أمّا فيما يتعلق بالتداعيات الدولية التي ستترتب على إقالة غالانت، فمن الواضح تماماً أن الأمر سيؤثر سلباً في الإدارة الأميركية، سواء تم انتخاب كامالا هاريس، أم دونالد ترامب، بشأن إدارة الحرب بالتنسيق مع الوصية علينا عسكرياً. السبب البسيط هو أن غالانت نجح في نسج علاقة وثيقة وجيدة مع “البنتاغون”، ومع القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم). وهذه الحقيقة، بالمناسبة، كانت واحدة من القضايا التي ضاعفت توتُّر العلاقات بين غالانت ونتنياهو. لقد كان رئيس الوزراء يعتقد، ببساطة، وعلى الأرجح هو محق، أن الأميركيين يتجاوزونه من خلال علاقتهم الوثيقة بغالانت وتواصلهم الحميم معه، ولذلك، على سبيل المثال، لم يسمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة، كوسيلة لإجبار الرئيس جو بايدن على التواصل معه (مع نتنياهو)، حسبما يتذكر الجميع.
ستستمر إدارة بايدن في الحكم حتى 21 كانون الثاني، إلى أن يجري تنصيب الرئيس الجديد، من المرجح أن يؤثر ذلك سواء في المساعدات العسكرية التي سنتلقاها، أو في الجوانب السياسية لإدارة الحرب، بما في ذلك الخطة الخاصة باليوم التالي في غزة. وحتى لو تم انتخاب ترامب، فإن طريق نتنياهو لن تكون سهلة حقاً، لأن ترامب عبّر عن غضبه، علناً، عدة مرات، وربما حتى عن كراهيته لنتنياهو. لا شك في أن رئيس الوزراء يعتقد أنه يستطيع إصلاح علاقاته مع ترامب، وأنه يفضل، في كل الأحوال، حُكم ترامب المتقلب والذي يمكن التأثير فيه بسهولة، على حُكم كامالا هاريس رئيسة.
الخلاصة هي أن نتنياهو، كوزير دفاع، سيكون أقل قدرةً بكثير من غالانت على حماية مصالح دولة إسرائيل. وهذا ينطبق أيضاً على مصالح الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والأردن، ومصر، التي لا تخفي خلافاتها مع نتنياهو ومعارضتها له، وخاصة الخط السياسي الذي يقوده، والذي يعارض إقامة دولة فلسطينية. أمّا غالانت، من ناحية أُخرى، فقد يكون قد روّج نظاماً بديلاً من “حماس” في غزة – وهو أمر ضروري جداً لإنهاء الحرب. أمّا نتنياهو، فسيجلس على الجدار وينتظر من الأميركيين والإماراتيين والمصريين والأردنيين القيام بالعمل نيابةً عنه، حتى لو لم يدفع هذا قدماً بإنشاء دولة فلسطينية. وحتى إذا نجحت سياسة نتنياهو هذه، فإنها ستؤدي إلى إطالة أمد الحرب في غزة بشكل كبير، ومن المؤكد أنها لن تعزز فرص إطلاق سراح الرهائن.
أمّا بالنسبة إلى التخوف من قيام نتنياهو بإقالة رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك” فمن المحتمل ألاّ يقيلهما لأن الصدمة ستكون كبيرة جداً في هيكل إدارة الحرب، وفي ثقة الجمهور به. لن يجد وزير الدفاع نتنياهو، فعلياً، مصاعب في توجيه هذين الشخصين بناءً على إرادته، ومن المتوقع أن يستقيلا إذا ما افترضا أن فرص إعادة الرهائن تلاشت. لكن في نهاية المطاف، يمكن التقدير أن إقالة غالانت لن تساهم في تحقيق النصر الكامل في الحرب، لكنها ستؤدي إلى إطالتها.