عربي21:
2025-03-17@04:31:24 GMT

محمد على باشا.. والجمهورية!.

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

تقول الحكاية إن تاريخ أي أمة ما هو إلا خط متصل، قد يصعد أو يهبط أو حتى يدور حول نفسه..  لكنه لا ينقطع.. وهي مقولة صحيحة تماما، إذا ركزنا معناها ضوء كثيفا على التأسيس الأول للجيش المصري، بعد اعتماد نظام التجنيد.. النظام الذي سيستقر ويرسخ وتتعمق جذوره في أعمق أعماق تاريخ مصر الحديث.. لسبب واحد ووحيد.. فهو الذي سينشئ (الجمهورية)! أو النظام السياسي الذي ستعرفه أم الدنيا لاحقا من منتصف القرن العشرين.

.

وكيف كان ذلك؟

***

تقول الحكاية التي ستتبعها ألف حكاية وحكاية.. أنه ومن اليوم الأول لتسلمه مقاليد حكم مصر، أدرك مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا (ت/1849م) أن بناء جيش حديث وصناعة حديثة هو ما يوفر له الدعم الكافي كله للحركة نحو أهم خطوة في كل خطواته.. التي سيدرك بها ويلحق طموحه الذي كان يقارب السحاب رفعة وارتفاعا.

إذ كان يرنو ويتطلع إلى الآستانة.. عاصمة الخلافة، وعليه فقد بدأت تتبلور في رأس الرجل فكرة (الدولة المركزية) كخطوة أولى وكلية وشاملة في هذا الاتجاه.. فبسط سيطرة الدولة الكاملة على الأرض الزراعية، والتجارة، والتعليم، والقضاء، والتشريع.. وطبعا الجيش سيكون هناك دائما.

***

لقد عمل الرجل على بناء جيش قو]، جيش على النمط الأوروبي، مستعيناً بضباط وإداريين فرنسيين قدامى قد كانوا اضطروا لهجرة بلادهم وتشتتوا في الدنيا بعد هزيمة نابليون (ت/1821م) في معركة ووترلو سنة  1815م..

من بداية البداية والعقيدة العميقة في قلب هذا الجيش هي الارتباط بصاحب الأمر في البلاد.. والذي سيكون جيش محمد علي باشا وجيش إبراهيم باشا ومن يليهم من الحكام الذين سيرثون بمقتضى الاتفاقية الدولية الشهيرة (اتفاقية 1840 م) التي أسست الوجود المعلن للـ (الدولة المصرية) التي أرتضتها الحضارة الغربية لقلب الشرق ودرة تاجه..

كان الجيش المصري هناك دائما.. وسيكون هناك دائما.. في قرار دولي اجتمع عليه وفيه كل (الأعدقاء!) أولئك الأعداء الذين أصبحوا أصدقاء من أجل هذه اللحظة!!.. روسيا وإنجلترا وبروسيا والنمسا..!! بعد أن وضعوا أيديهم في أيدي الدولة العثمانية عدوهم الاستراتيجي القديم الجديد..

وتم إرجاع جيش مصر والشرق من الأناضول قسرا إلى القاهرة، بعد أن ذهب ليجدد دماء الدولة التي ترمز للأمة في عموم الشرق الإسلامي..

***

سننتبه دائما إلى أن الاحتلال الإنجليزي طوال فترة وجوده في مصر (1882/1954 م) عمل بقوة على تعزيز سيطرة الدولة المركزية.. وحافظ في ذلك على مؤسسة الجيش.. وزاد ذلك كله بعد أن أعلنت بريطانيا الحماية على مصر بعد شهور قليلة من اندلاع الحرب الأولى في 1914م التي ستنتهي بعد أربع سنوات 1918م  .

ستمر السنوات الأخطر في تاريخ الجيش المصري وهو بعيد عما يدور حوله، وإن كان منه وفيه.. وأقصد السنوات من ثورة 1919م.. وحتى بعد توقيع معاهدة الاستقلال المشروط في 1936 م.

ستكون إنجلترا غارقة في تفاصيل استراتيجية ضخمة بطول وعرض العالم كله.. هذا العالم الذي سكون عليه خوض حرب من أكثر الحروب وحشية في التاريخ الإنساني.. وسيرافق ذلك حدثا هاما في مصر.. إذ ستفتح الكلية الحربية أبوابها لأبناء الطبقة الوسطى.. وستعمل الحكومة مع الاحتلال على تنمية قدرات الجيش.

***

منذ التحاق أبناء عموم المصريين بسلك الضباط وشيئاً ما في عقيدة الجيش سيأخذ في التغير، شيئا فشيا..  والأخطر والأهم هنا، أن عددا كبيرا من هؤلاء الضباط سيكون له خلفية سياسية وفكرية من مصدر أو أخر.. أنت الآن في بلد ليبرالي.. ومفتوح.. ومحتل.. وستأتيك الأفكار حتى وإن لم تأتها.. وستتكون النواة الأولى لحركة الضباط الأحرار ساعتئذ..

ستخرج إنجلترا جريحة مهيضة من تلك الحرب التي ستصنع (كومندانا دوليا) جديدا سيكون هو القيم الجديد على قيم واستراتيجيات الحضارة الغربية / المسيحية.. أمريكا .

وستنتهي مراكز صناعة الأفكار والاستراتيجيات التى كانت بعد (حجرات صغيرة) فى صروح أجهزة المخابرات الإنجليزية والأمريكية الى حقيقة، مفادها أن (الجيوش) العربية سيكون لها المستقبل فى إدارة عموم المنطقة.. ويجب علينا أن نشجع ذلك! وكما انتهت ملكيات أوروبا بعد الحروب النابليونية (1803/1815م).. ستنتهى تقريبا كل ملكيات الشرق العربي بعد الحرب العالمية الثانية.. لكن الأهم هنا، من سيكون (سيد اللعبة)؟

***

حين قام الجيش بحركته (الضباط الأحرار) فى 23 يوليو 1952م كانت هناك مقابلات ضرورية مع حيفرسون كافري (ت/1974م) والذي سيشرف شخصيا على خروج آخر أبناء الأسرة العلوية (الملك فاروق ت/1965م) ..وأيضا السيد كيرميت روزفلت (ت/200م) ضابط المخابرات الأمريكي الشهير والذي كان قد بدأ نشاطه في مصر مبكرا.. وزادت وتعاظمت بعد حريق القاهرة يناير 1952م.. للتدخل المبكر قبل تكرار 1919م جديدة.. وتأتي بما لا يمكن التنبؤ به.. ولا يمكن التعامل معه..  وإسرائيل لازلت (خضراء العود) بعد..  فلم يكن قد مضى على تأسيسها أربع سنوات ..

***

سيتم كل شيء سريعا سريعا.. لكن المدهش هنا، أن كبرى الحركات الإصلاحية في مصر والعالم العربي، أيدت ما حدث ودعمته.. فإن كان قد غاب عنها اتصال الضباط المبكر بالأجهزة الدولية التي كانت ترتب الخرائط في المنطقة وقتها..! فهل غاب عنها أن (المدرعة والدبابة) حين تدخل في السياسة والسلطة فإنها ستستعيد فورا اللحظة التاريخية الأليمة القديمة.. لحظة (شرعية المتغلب)؟ وسيكون الحكم ومقاليده كلها تبدأ من هذا التغلب وتنتهى عنده.. وستكون السياسة كلها تغلب في تغلب.. ولن يكون هناك مكان بعدها لرأي أو شورى أو مؤسسة أو حزب أو جماعة أو تنظيم.. الخ.

***

سيسبق الزعيم القادم بالتغلب الجميع، وسيكتب مقالا من خمسة ألاف كلمة ستنشره له مجلة (فورين افيرز) الأمريكية فى عدد يناير1955م.. وسيقول فيه إن الديمقراطية كانت في مصر مجرد غطاء للديكتاتورية! وأن الدساتير أدوات لاستغلال الشعوب والسيطرة عليها..! ونحن اضطررنا لفرض قيود على الحريات لمنع (أعداء الشعب) من استغلال الناس وتسميم عقولهم!! وأن الهدف النهائي للثورة هو إقامة حكومة ديمقراطية ونيابية بحق!!.

هكذا قال الرجل بعد سيطرته على المشهد العام فى طول مصر وعرضها.. وللتاريخ حق الحكم على ما قاله.

***

ولدت (الجمهورية) إذن على يد الجيش، وسرعان ما سيقر التاريخ ويشهد بذلك! إن الجيش هو (صانع الجمهورية وحارسها)، وسيأتي حكام (الجمهورية) تباعا من قلب (الدولة المركزية) الأكثر غوصا في دنيا العمران الجديد الذي أنشأه محمد على باشا.. من (الجيش) .                                                    .

ورحم الله الشاعر الكبير الشريف الرضى(ت/1016م) الذي قال:

ولم أدر حين وقفت بالأطلال              ***                 ما الفرق بين جديدها والبالي

ولن ننسى الدعاء أيضا لمحمد على باشا مؤسس (مصر الحديثة) في ذكرى وفاته 2 أغسطس 1849م.. وليرحمه الله.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير المصري الجمهورية محمد علي باشا مصر رأي الجمهورية دور محمد علي باشا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مصر

إقرأ أيضاً:

ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟

أنجز الرئيس السوري أحمد الشرع استحقاقا جديدا تعهد به عقب توليه مهام منصبه مطلع العام الجاري عبر المصادقة على إعلان دستوري من شأنه أن يسد الفراغ الدستورية ونظم المرحلة الانتقالية التي حددت بموجبه بفترة 5 سنوات.

واستند الإعلان الدستوري الذي صادق عليه الشرع الخميس  في قصر الشعب بالعاصمة السورية دمشق، على روح الدساتير السورية السابقة لاسيما دستور الاستقلال الذي جرى إقراره عام 1950.

ما هو الإعلان الدستوري؟
الإعلان الدستوري هو وثيقة ذات طابع دستوري تصدر عن سلطة حاكمة غير منتخبة، سواء كانت مجلسا عسكريا أو حكومة انتقالية، بهدف تنظيم شؤون الحكم خلال فترة معينة من أجل إعادة هيكلة الدولة ووضع نظام جديد سعيا في الوصول إلى المرحلة الدائمة.

وغالبا ما تكون الفترة المعنية انتقالية بعد ثورة أو انقلاب أو سقوط نظام سابق حيث يغيب الدستور عند انهيار النظام السياسي، ما يجعل من الإعلان الدستوري حاجة ملحة لتوضيح صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية خلال المرحلة الانتقالية.

ماذا تضمن الإعلان الدستوري السوري؟
يتكون الإعلان الدستوري السوري الذي أعدته لجنة من الخبراء من مقدمة و52 مادة متوزعة على 4 أبواب رئيسية، أولها باب الأحكام العامة الذي تضمن 11 مواد، أبقت على اسم الدولة "الجمهورية العربية السورية" ودين الرئيس وهو الإسلام.

كما أبقت الفقه الإسلامي مصدرا رئيسيا للتشريع واللغة العربية لغة رسمية للدولة، فيما جرى تغيير العلم حيث تم النص على علم الثورة المكون من ثلاثة مستطيلات متساوية يعلوها اللون الأخير ويتوسطها اللون الأبيض ومن ثم الأسود في الأسفل. وتتوسط العلم في المنتصف وضمن المساحة البيضاء ثلاثة نجمات حمراء.

وحددت المادة المادة الحادية عشرة على أن الاقتصاد الوطني يقوم على مبدأ المنافسة الحرة العادلة ومنع الاحتكار.

أما الباب الثاني، فهو عن الحقوق والحريات ضم 12 مادة، معتبرا جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان.

وأكد أن الدولة تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة وتضمن عمل الجمعيات والنقابات وتصون حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقاً لقانون جديد.


وجرى تخصيص الباب الثالث لمعالجة شكل نظام الحكم والسلطات في المرحلةِ الانتقالية في 24 مادة، حيث منح ممارس السلطة التشريعية إلى مجلس الشعب حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، في حين يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية.

وشدد الباب الرابع المتكون من 6 مواد، على أن السلطة القضائية مستقلة، وحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية، في حين جرى حل المحكمة الدستورية العليا القائمة كونها من بقايا النظام المخلوع، على أن يتم إنشاء محكمة دستورية عليا جديدة.

ما الجديد في الإعلان الدستوري عن باقي الدساتير السورية السابقة؟
نص الإعلان الدستوري على إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، بالإضافة إلى تكريم الشهداء.

واستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين.

كما نص على تجريم تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، على أن يعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

وألغى الإعلان منصب رئيس مجلس الوزراء ليكون ذلك شكل نظام الحكم رئاسيا تاما قائما على الفصل الكامل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ومنح الإعلان رئيس الجمهورية حق تشكيل لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب في المرحلة الانتقالية، على أن تقوم اللجنة المعينة  بالإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، والثلث الأخير يعينه رئيس الجمهورية "لضمان التمثيل العادل والكفاءة".


وألزم الإعلان رئيس الجمهورية العربية باتفاقيات حقوق الإنسان المصدَّق عليها من قبل الدولة السورية، وهذا النص يشكل سابقة في التاريخ الدستوري السوري.

وألغى الإعلان السلطات الاستثنائية الممنوحة لرئيس الجمهورية، مبقيا على سلطة استثنائية واحدة وهي إعلان حالة الطوارئ، حيث يحق للرئيس إعلان "حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها ثلاثة أشهر في بيان إلى الشعب بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب و رئيس المحكمة الدستورية ولا تمدد لمرة ثانية إلا بعد موافقة مجلس الشعب".

وحظر الإعلان الدستوري إنشاء المحاكم الاستثنائية، الذي دأب النظام السابق على إنشائها بهدف إحكام قبضته على السوريين.

مقالات مشابهة

  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الوزارة تضع آليات لضمان استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل وتعتبرهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • حكيم باشا الحلقة 15.. مصطفى شعبان يصدم أولاد عمه
  • مسلسل حكيم باشا الحلقة 15.. مصطفى شعبان يفاجئ ولاد عمه
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة الإفطار التي أقامها محمد بن بطي آل حامد
  • الشيباني: الهدف من زيارتنا تعزيز التبادل التجاري بين البلدين وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك وفتح الحدود بين بلدينا سيكون خطوة أساسية في تنمية العلاقات
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • حدث في 14 رمضان.. وفاة محمد علي باشا ووضع حجر الأساس للجامع الأزهر
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟