هل حقًا يحتاج المكيف للراحة بينما لا تحتاج الثلاجة لذلك؟ أم أنها مجرد خدعة يمتهنها الآباء لإيقاظنا من النوم؟ والحقيقة أن طريقة عمل الثلاجة تختلف بالفعل عن طريقة عمل المكيف. فطريقة عمل الثلاجة مصممة للعمل المتواصل مع الحاجة للصيانة الدورية لكي لا يفسد الطعام، بينما يحتاج المكيف إلى الراحة لتجنب ارتفاع درجة الحرارة.

فقد رأينا حالات احتراق للمكيف هذا الصيف، وقد يكون هذا أحد الأسباب!

تخيل أنك تستطيع تحويل مطبخك إلى حلبة تزلج بلمسة زر. هذا المشهد المثالي لتوم وجيري سيكون في الواقع مشهدا لكارثة منزلية، ولكن لو فكرت في الأمر قليلا، ستجد أن قبل اختراع الثلاجة والمكيف، كان الأمر أشبه بغرف معزولة مليئة بالثلج. كما تشاهد في الصورة التالية لعاملين يقومان بتوصيل كتل الجليد إلى رصيف هارلم عام 1936 – من كتاب «كيف وصلنا إلى الآن»، حيث كانت تجارة الجليد مشهورة لتبريد الجو وتخزين الطعام، وخاصة اللحوم. بل وصل الأمر إلى أن صحيفة نيويورك تايمز كانت تنشر أسعار الجليد كما ننشر اليوم أسعار النفط أحيانا. ويعود الفضل في ذلك لرجل الأعمال فريدريك تيودور الذي ابتكر فكرة تجارة الجليد.

المثير للدهشة أن تقنيات التبريد بدأت بسبب فكرة تجارية قام بها تيودور بعد فقدانه لأخيه مبكرا نتيجة تأثره بحرارة الجو الاستوائية. أصر تيودور على تجارة الجليد رغم الخسائر الفادحة التي عانى منها في البداية، ووصل الأمر إلى أنه سجن بسبب الديون لأن تجارته كانت مكلفة وخاسرة في مرات عديدة. إلا أنه استطاع في النهاية نقل الجليد إلى أصقاع العالم. دخول الثلج إلى المستشفيات قبل تقنيات التبريد كان سببا في نجاة العديد من المرضى، وفي النهاية لم يستطع تيودور إنقاذ أخيه لكنه أنقذ بشكل غير مباشر الكثير من الأرواح!

فكرة الجليد كانت ناجحة لكنها مكلفة وغير عملية. لذلك، وبعد محاولات مختلفة من مخترعين ومبتكرين مختلفين ولأسباب مختلفة، اخترع كارييه أول جهاز تبريد. في بادئ الأمر كانت وحدات التكييف بحجم أكبر من صندوق شاحنة، واستغرق الأمر 50 عاما لتصبح محمولة وقابلة للتركيب. من الجيد أنني ولدت بعد تلك الـ50 سنة، فلا أستطيع تخيل كيف سيكون الأمر بدون تقنيات التبريد الحديثة. لقد أحدث هذا الاختراع قفزة نوعية في التوزيع السكاني، حيث تغيرت أسباب الهجرة وزاد تضخم المجتمعات البشرية، لاسيما في أمريكا في بادئ الأمر. لذلك تعد تقنيات التبريد من الاختراعات التي حقا غيرت التاريخ، فقد كانت أحد أسباب أضخم هجرة جماعية بشكل غير مباشر.

ويعتمد مبدأ عمل تقنيات التبريد على خمسة أجزاء وهي: الضاغط، المكثف، صمام التمدد، المبخر، والمراوح. وهناك غاز التبريد الذي نستخدمه لتبريد الهواء. كيف يعمل ذلك؟ يقوم الضاغط بضغط غاز التبريد، أي رفع درجة حرارته وضغطه. ثم ينتقل غاز التبريد ذو الضغط العالي إلى المكثف، حيث يتم تحويل هذا الغاز إلى سائل، لكنه يظل بضغط عالٍ. لذلك نحتاج إلى صمام التمدد للتخلص من هذا الضغط.

ويشبه مبدأ عمل الصمام مبدأ عمل مرش عبوات قاتل الحشرات، حيث إن اختلاف الضغط داخل العبوة عن خارجها يؤدي إلى انخفاض ضغط سائل التبريد بشكل كبير عند مروره من المكثف إلى المبخر، مما يخفض حرارته بشكل كبير ويجعله باردا. الآن لدينا سائل تبريد بارد، تقوم مروحة بإدخال الهواء إلى المبخر، فيتعرض الهواء لبرودة السائل فيصبح لدينا هواء بارد، ويتحول السائل المبرد مجددا إلى غاز ويعود للمرحلة الأولى وهي الضاغط، ثم يتم دفع الهواء البارد بمروحة.

ما هو غاز التبريد ولماذا نحتاج لتبديله إذا كان يمكننا ببساطة تدويره في نظام مغلق؟

يعرف غاز التبريد المعروف بـالفريون، والذي كان يُستخدم بكثرة سابقا، ثم استبداله بغازات أكثر صديقة للبيئة مثل الهيدروفلوروكربون والهيدروكربونات. مع الوقت، قد يتسرب الغاز أو يتلوث بغازات أخرى داخل النظام أو يتحلل كيميائيا، مما يؤدي إلى تقليل كفاءته. لذلك، استبداله قبل حدوث ذلك هو الأفضل لسلامتك ولإطالة عمر الجهاز.

الفرق الرئيسي بين المكيف المنزلي ومكيفات السيارات هو أن الطاقة المستخدمة لتشغيل الضاغط في المكيف المنزلي كهربائية، بينما تكون ميكانيكية في السيارة، أي عن طريق المحرك. لذلك، قد يضعف تسارع بعض السيارات بسبب تشغيل المكيف، خاصة في السيارات ذات المحركات الصغيرة، حيث يمكن أن تكون نسبة الحمل الإضافي أكبر من قدرة المحرك. كما أن في بعض السيارات قد يكون النظام أقل كفاءة في تعويض الفقد في القدرة.

عامل التنقية الأساسي

هناك أمر آخر يجب مراعاته دائما، وهو أن المراوح التي تسحب الهواء لتبريده تحتوي على فلاتر أو منقيات لإزالة الشوائب من الهواء، ولكن إهمالها يؤدي إلى وجود هواء غير نظيف وصعوبة في تدفق الهواء، مما يؤدي أحيانا إلى ارتفاع درجة حرارة المكيف وزيادة الحمل على المراوح واستهلاك طاقة أعلى. هذه الفلاتر الرخيصة قد ترفع فواتير الكهرباء دون أن تدرك!

أشهر الفلاتر المنزلية هي الفلاتر الزجاجية، لكونها الأقل تكلفة والأكثر توافرا في السوق. إلا أن فلاتر الألياف الصناعية أفضل بكثير، لأنها تزيل 99.97% من الجسيمات التي يصل حجمها إلى 0.3 ميكرون. ولكن هذا الرقم الصغير يجعلها تتسخ بسرعة وتحتاج لتبديل دوري، ولكنها أنسب لمن يعانون من حساسية أو ربو.

أما فلاتر مكيفات السيارات، ففلاتر الكربون النشط تزيل الملوثات والروائح الكريهة، ولكنها أغلى سعرًا من غيرها ويجب استبدالها خلال فترات أقصر من الفلاتر العادية. ومجددا، للسبب نفسه، تتجمع فيه الكثير من الأوساخ ويجب استبداله بانتظام.

وتبرز اليوم تقنيات جديدة في مجال الفلاتر، منها الفلاتر النانوية التي قد يصل مساحة المنقي فيها إلى حجم النانو، ولكنها ستكون أكثر تكلفة وتحتاج إلى تبديل بشكل متكرر، إلا إذا وجد حل لهذا. ومع ذلك، فإن جودة الهواء ستكون أفضل بكثير. كذلك، تقنية الفلاتر بالضوء فوق البنفسجي والتي تعمل على تدمير الحمض النووي للبكتيريا والفيروسات والفطريات عندما يتعرض الهواء لضوء فوق البنفسجي، مما يجعلها غير قادرة على التكاثر والإصابة، وهذا يقتل الكائنات الحية الدقيقة أو يجعلها غير ضارة.

ولا تقتصر تقنيات التبريد على المنازل والسيارات والثلاجات فقط، فقد كان أحد الأسباب الأولى لاختراعها هو حفظ حبر الطابعات، أما في مراكز البيانات مثلًا يتم استخدام تقنية حديثة وهي التبريد السائل عوضا عن الغاز لتبريد الهواء، والذي بدوره يقوم بالمرور عبر دوائر ليبرد المعالجات في المركز، ويتم تدوير السائل الساخن وتبريده وإعادة استخدامه.

ومن الأجزاء المهمة كذلك في أجهزة التبريد، هو «الثرموستات» وهي بالأحرى أداة لقياس درجة الحرارة والتحكم فيها، فعندما يتوقف جهاز التكييف فجأة عن العمل، ودون إذن منك فذلك يكون بسبب أن الثرموستات أعطت أمرا بأن درجة الحرارة مناسبة ويجب التوقف، ثم يعيد تشغيل نفسه إذا ما ارتفعت مرة أخرى، وهذا يطيل عمر المكيف في الحقيقة ويزيد من كفاءته، ويوفر على آبائنا تكرار عبارة: « دعوا أجهزة التكييف ترتاح!»

علياء السعيدية أخصائية تخطيط و تطوير برامج أكاديمية أساس المعرفة

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إطلاق نار يتسبّب بحالة من الخوف والهلع في طرابلس

أفادت مندوبة "لبنان 24"، أنّ الفلسطينيّ ص.ع، أطلق النار في الهواء من رشاش حربيّ، من مشروع محرم إلى ساحة الدفتردار في طرابلس، ما أدى إلى إصابة الأهالي بحالة من الخوف والهلع.     وعُلِمَ أنّ شخصاً آخر كان برفقة ص.ع، على متن الدراجة الناريّة، عندما أطلق النار في الهواء.

مقالات مشابهة

  • هل تخزين الأدوية في الثلاجة يبقيها فعالة لأيام أكثر؟
  • طلاب جامعة بنها يبتكرون نظاما جديدا لمراقبة السيارات يساهم فى الحد من الحوادث
  • ستتحدى قرية الألعاب الأولمبية في باريس حرارة الصيف بدون مكيفات.. كيف ذلك؟
  • كيف كان الناس يستيقظون قبل اختراع المنبهات؟
  • اليوم العالمي لمواقع التواصل الاجتماعي.. تأثير دائم على حياتنا الرقمية
  • تدشين مسرح الهواء الطلق بالمدية
  • عشان متدفعش كتير.. 5 طرق سحرية لتقليل استهلاك الكهرباء في المنزل
  • الدفاع المدني بالطائف يخمد حريقًا في أشجار وأعشاب بمنطقة جبلية
  • إطلاق نار يتسبّب بحالة من الخوف والهلع في طرابلس
  • روسيا.. النشاط البشري يزيد التلوث في جبل إلبروس