الاستماع لأصوات الطبيعة.. طريقة جديدة لقياس النظم البيئية
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
ترجمة - يعقوب المفرجي -
نسي جاكومو ديلجادو أين وضع مسجّل الصوت! حدّقنا بأبصارنا نحو الغابة المتلفعة بالسحاب في محيط بركان بارفا في كوستاريكا فإذا بجهاز تحديد المواقع يُشعره بالاقتراب منه، لكن لم يكن ثمة ما نستدل به على موقع مسجّل الصوت سوى ملحوظة واحدة تفيد بأنّه وضعه عند شجرة يكسو جذعها الطحالب. جيد.
ديلجادو باحث دكتوراه في المعهد الاتحادي السويسري للتقانة بزيورخ، وقد أمضى الشهرين المنصرمين -بمعية فريقين جامعـيّين من كوستاريكا- في التجوال في أنحاء البلاد لتسجيل البدائع الصوتية التي تُسمع في غاباتها. وقد اشتمل عملهم على نشر مسجّلات صوت في أكثر من 600 موقع تمثل جميع النظم البيئية الموجودة في غابات كوستاريكا؛ ما يجعل عملهم هذا أوسع مسح «صوتي بيئي» على الإطلاق.
إنّ هذا الاستطلاع خطوة على طريق التحوّل في أسلوب مراقبتنا للنظم البيئية؛ فاستخدام مسجلات صوت أرخص وتوظيف أساليب أفضل في تحليل البيانات الصوتية بالاستفادة من تقنيات التعلّم الآلي كان له الفضل في ازدهار هذا المجال، بل أضحى الباحثون اليوم يكرّسون مزيدًا من الجهود للاستماع إلى النظم البيئية لمراقبة صحّتها ومتابعة كيفية تغيّرها.
في هذا السياق يسعى الباحثون إلى قياس النظم البيئية التي تستعيد حياتها في شتى أنحاء كوستاريكا، وذلك من خلال مقارنة أصوات غابات في طور إعادة النمو بأصوات غابات بكر لا تزال محتفظة بتنوعها الحيوي الأصلي، فإذا ما تمّ لهم ذلك فإنهم بصدد الحصول على أول دليل على أثر أنشطة إعادة تأهيل الغابات بنطاق كبير في استعادة التنوّع التامّ للنظم البيئية، وعندها لن تقتصر فائدة هذا الكشف على كوستاريكا وحدها، بل سيعود نفعه على الخطط الرامية إلى تغيير أسلوب مراقبتنا للتنوّع الحيوي في الكوكب برمّته.
عمومـًا؛ انطلقت دراسة أصوات الحيوانات في الطبيعة -أو «علم الأصوات الحيوية»- في الغالب من أعماق البحار، حيث تربو سرعة الصوت على سرعة الضوء؛ فتستفيد الكثير من الحيوانات البحرية من هذه المزيّة في التواصل فيما بينها، وبالمثل يستفيد الباحثون -منذ زمن بعيد- في دراسة حياتها وبيئاتها، كتعقّب سبل تناقل أسراب الحوت الأحدب للأغاني فيما بينها، وتوثيق طريقة إعادة تجميع نظم الشعاب المرجانية لأجزائها بعد أن تفككها الأعاصير.
وقديمًا كان الباحثون إذا ما رغبوا في قياس التنوع الحيوي في نظام بيئي في اليابسة يستخدمون طرق المسح الميداني التقليدية لاحتساب الكائنات، أو ينصبون فخاخًا مزوّدةً بآلات تصوير تعمل تلقائيًا حال مرور حيوان أمامها. أما اليوم فيشيع أسلوب وضع تسلسل للحمض النووي البيئي المحيط بالمنطقة، والموجود في الهواء أو الماء أو التربة، وبناء عليه تُحسب أعداد الكائنات.
ومع هذا التقدّم نشهد الآن –بفضل علم الأصوات الحيوية على اليابسة– «تحوّلا في أسلوب مراقبتنا للبيئة وفهمها» على حد تعبير الباحث بول رو من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا بأستراليا، حيث يشغّل شبكة مؤلفة من أكثر من 300 مُستشعِر صوتي دائم موزعة في شتى أرجاء القارة. وبالمناسبة فإن بعض الباحثين يستخدمون الصوت لدراسة سلوك مخلوقات معيّنة؛ فسماع غناء ثنائي من قرود الجيبون المهددة بالانقراض قد يشي بوجود زوج منها داخل الأدغال، وكذلك قد يدل معدل صيحات التحذير التي تطلقها حيوانات الميركات أو السرقاط على تغيّر في أعداد النسور. أما منظمات حفظ البيئة فتكتفي بالاستماع إلى طلقات البنادق أو أصوات المناشير!
استخدم رو مرصده الصوتي لدراسة الآثار البيئية للمخلوقات الغازية وحرائق الغابات التي أضحت في تزايد نتيجة تنامي الاحترار العالمي. وهذا الأسلوب مفيد في توثيق التغيرات التي تطرأ على أفراد المخلوقات وعلى النظم البيئية بأكملها على حد سواء، ويسمّى علم الأصوات البيئية (ecoacoustics).
إذن فمسجّلات الصوت وسيلة في متناول اليد تتيح تسجيل أصوات النظم الطبيعية مهما اتسعت مساحاتها، والكشف عما يلحق بتنوعها الحيوي من تغيّرات مهما كان خفاؤها. مثال ذلك ما توصل إليه فيجاي راميش في يونيو 2023 – وكان حينها منتسبًا إلى جامعة كولومبيا بنيويورك – عندما درس هو وزملاؤه أصوات غابات معاد تأهيلها في جبال جنوب غرب الهند، فكان مما اكتشفوه أن الحشرات مثل الجنادب -أو صراصير الأدغال- التي تصدر صيحات ذات ترددات صوتية عالية ليس لها وجود حتى بعد عقود من نمو الغابات. وكذلك توصلت زوزانا بريفالوفا – من جامعة ويسكونسن ماديسون – وفريقها إلى أنّ غابات بورنيو التي تقطع أشجارها للأغراض البشرية لا تُسمع فيها توليفة أصوات الفجر أو الغسق الشائعة في الغابات البكر.
وكذلك الحال في المسح الذي يجريه ديلجادو فإنه يسعى لاكتشاف الثغرات ذاتها لكن على نطاق أوسع وفي بلد يعوّل عليه الكثيرون عندما يتعلق الأمر بمكافحة تضاؤل التنوع الحيوي؛ هذا البلد الذي تناقصت غاباته في ثمانينات القرن الماضي إلى نحو ربع مساحته فقط، وهو أدنى مستوى نتيجة تسارع القضاء على الغابات جراء تربية الماشية والأنشطة الزراعية. وللمفارقة فإن عودة الغابات إلى النمو بدأ مع انهيار سعر لحوم البقر وهجران الناس مزارعهم نتيجة لذلك.
وفي 1996 استحدثت الحكومة الكوستاريكية برنامج «مكافآت الخدمات البيئية»؛ أي أن الحكومة تدفع لملاك الأراضي منحة مالية مقابل جهودهم في حماية الغابات وإعادة تأهيلها ضمن أملاكهم.
واليوم صارت الأشجار تغطي نحو 60% من كوستاريكا، فإذا توصل المسح إلى أن ذلك أدّى أيضًا إلى عودة التنوع الحيوي فإنه سيكون أول دليل موثوق على احتمال نجاح مشروعات إعادة تأهيل النظم البيئية على نطاق واسع في أي بقعة في العالم. يقول ديلجادو: «لم أسمع قط عن دولة استطاعت أن تقلب وضع طبيعتها رأسًا على عقب»، وكأنّ لسان حاله يقول: أريد أن أسمع باسم هذه الدولة.
عندما التقيت بديلجادو في حوالي شهر مارس كان قد أتم مسح أكثر من 300 كم مشيًا على الأقدام، وبضعة آلاف أخرى باستخدام السيارة. لم يكن مريحًا النوم مدة شهرين في نقاط الحراسة، ولكن على الأقل المسح يسير حسب الخطة باستثناء بعض البيانات المفقودة وبعض الهجمات من القرود العنكبوتية الغاضبة. يقول ديلجادو: «أصعب جزء من يومي عندما تفاجئني الطبيعة بما لم أتوقعه».
زرنا بداية محمية ألبيرتو مانويل برينيس الحيوية، الواقعة ضمن غابة استوائية مطيرة في الجبال الغربية للوادي الرئيسي بكوستاريكا. صعدنا عبر طريق ملئية بالحفر والأخاديد يرافقنا راندول فيلالوبوس فيجا – مدير المحمية لصالح جامعة كوستاريكا. أوضح لنا فيجا أن المنطقة تخضع للحماية المشددة ولا يمكن زيارتها إلا للأغراض البحثية، فهذه الغابة البكر تعد المرجع لمعرفة خصائص النظم البيئية السليمة.
بتوجيه جهاز تحديد المواقع الموجود لدى ديلجادو كنا ننزل من السيارة بين الفينة والأخرى لجمع عدد من مسجّلات الصوت التي وزعها قبل ثمانية أيام في نقاط متفرقة تبعد كل منها كيلومترًا واحدًا عن الأخرى للاطمئنان إلى عدم تسجيل الأصوات نفسها في أكثر من جهاز. ومع أن الأجهزة موضوعة على مقربة من الطريق غير أنّ فيجا بقي يوصينا بتوخي الحذر لأن المنطقة معروفة بوجود عدد «صحي» من أفاعي الحفر.
بينما كنا نندفع نحو الغابة سمعنا أزيز عدد من حشرات الزيز أو الصرناخ، وأصوات الطيور من وقت لآخر بما في ذلك التغريدة الغريبة لطائر الجوان الأسود أو الترنيمة الموسيقية لطائر المظلة. فجأة رفرفت بجانبي فراشة مورفو زرقاء لامعة. كانت باقي الحيوانات هاجعة في هدوء مع تصاعد حرارة النهار، لكن فيجا أكّد لنا أن الغابة تضج أحيانا بالأصوات، موضحًا أنه «مع بداية الموسم المطير تصبح الغابة صاخبة جدًّا حتى لا تكاد تستطيع سماع هذه الأصوات». وبالفعل يجتهد الباحثون في مسابقة الطقس؛ فلا بد للمسح أن ينتهي بحلول شهر مايو لتجنّب المطر وإلا سيستحيل مقارنة الأصوات المسجلة في مواقع مختلفة.
كان الوصول إلى بعض مسجلات الصوت صعبًا يستلزم تسلق منحدرات حادة مقابل النقطة البحثية بالمحمية. بعد بضع دقائق صعودًا تسمّر ديلجادو في مكانه عندما رأى مجموعة كبيرة من الخنازير البيكارية الشبيهة بالخنازير البرية تمر من أمامنا وهي تُـنـخنِخ. لا ريب أن وقع أقدامنا قد أخاف الكائنات البرية من حولنا، لكن أعلى صوت في المحيط كان طنين الذباب الأسود وهو يأكل رقابنا.
أثناء تسلقنا شرح لنا ديلجادو ما يأمل أن يُسفر عنه هذا المسح. فهمت أنه يهدف إلى جمع تسجيلات من 1200 موقع أو أقصى قدر يستطيعه قبل موسم الأمطار، أي ما يوازي أكثر من 10 سنوات من البيانات الصوتية من كافة أنواع الغابات الرئيسية في كوستاريكا. هذه الحصيلة ستفيد في قياس مدى نجاح أنشطة إعادة تأهيل الغابات في استعادة التنوع الحيوي، وستخزّن بيانات المسح في منصة مفتوحة المصدر تُستخدم لتعقّب الآلاف من مشروعات إعادة تأهيل النظم البيئية من شتى أرجاء العالم.
منصة ريستور (Restor) – التي ابتكرها مختبر الخبير البيئي توماس كراوثر الذي يعمل فيه ديلجادو بزيوريخ – مفيدة للعاملين في مشروعات إعادة تأهيل النظم البيئية، إذ يتسنى لهم الاطلاع على قدر هائل من بيانات الأقمار الصناعية المتعلقة بالغابات. وبالمثل ستضيف البيانات الصوتية البيئية مقياسًا مباشرًا لما يحصل «تحت الغطاء النباتي» على حد تعبير ديلجادو نفسه. والآمال معلقة بأن يتمكن الناس من تخزين البيانات الصوتية أينما كانوا، وهذه خطوة نحو تأسيس شبكة عالمية من المستشعرات الصوتية لمراقبة كوكبنا، وهذا بلا ريب سيسهّل للباحثين مراقبة التغيرات التي تطرأ في التنوع الحيوي آنيًا.
المزارع والمراعي
هذه الغابات العديدة التي زرتها بصحبة ديلجادو ما هي إلا نصف الحكاية؛ ففي الوقت نفسه ثمة فريقان يجوبان البلاد أيضًا لتسجيل أصوات بقايا الغابات في المزارع والحقول والأراضي المشجّرة ومراعي الأبقار. يبدو أن خوار البقر وأصوات المحركات في هذه المناطق تتناقض مع الأصوات المسموعة في الغابات الخاضعة للحماية الجيدة، ولكن السؤال الأهم هنا: ما هي جوانب التنوع الحيوي الأخرى التي ستختلف أيضًا؟
يتألف أحد الفريقين من جستين جيمينيز سيبيديس – من الجامعة الوطنية بكوستاريكا – ودانيال فيجا تشافيز – من الجامعة التقنية الوطنية بكوستاريكا. صحيح أنهما في غنى عن تسلق المرتفعات للوصول إلى مواقعهما – على العكس من ديلجادو – إلا أن نطاق عملهما في الممتكات الخاصة عليه ما عليه بحد ذاته؛ ففي إحدى المرات تعرّضا للطرد من إحدى الغابات المخصصة للرعي، بل وأشهر المُلاك في وجوههم البنادق. ولكن لحسن حظي في اليوم الذي رافقتهم فيه لم نصادف إلا الملاك الطيبين والمستعدين للترحيب بنا، وكان ذلك في مقاطعة ألاجويلا الريفية على بعد بضعة كيلومترات من الحدود مع نيكاراجوا.
من هؤلاء الطيبين أوسكار رودريجوز. كان أوسكار في البداية متشكّكًا لكن ما إن أوضح له سيبيديس الغرض من المسح بدا تحمّسًا لأخذنا في جولة حول مزرعته الممتدة على مساحة 700 هكتار (1700 فدّان) والتي تملكها عائلته منذ عشرات السنين، وهي عبارة عن مساحة تضم العديد من أشجار الخشب الصلب، بالإضافة إلى غابة في طور إعادة التأهيل.
بينما انشغل تشافيز بنصب جهاز تسجيل عند مجموعة من الأشجار الصغيرة وسط مساحة مفتوحة أشار رودريجوز إلى بعض الشتلات التي زرعها. أخبرنا أنه يتلقى من برنامج «مكافآت الخدمات البيئية» 55 دولارًا في السنة نظير كل هكتار يعيد غرس الأشجار فيه، وأعلى من ذلك بقليل نظير كل هكتار يحيله إلى غابة.
مع أن رودريجوز من مؤيدي البرنامج إلا أنه يشتكي من عدم كفاية المكافأة، معربًا عن قلقه من احتمال استمرار الناس في قطع الغابات؛ وبالفعل فالمبادرة -التي يأتيها التمويل من ضريبة البنزين- تعاني من ضغط مالي مزمن بفعل كثرة المسجلين فيها. لذلك يأمل ديلجادو أن يسهم مشروعه في إيجاد تمويل دولي إضافي للبرنامج مثل أرصدة التنوع الحيوي التي تتيح للناس التعويض عن أي تخريب في التنوع الحيوي في مكان آخر في العالم. ولتحقيق الاكتفاء المالي يخطط رودريجوز أيضًا لتشييد منازل من الخشب عساها تجذب السياح بعدما تنمو غابته، بل ويأمل أن يكون لديه بعدها جهازه الخاص لتسجيل الأصوات!
لن تجهز النتائج قبل عام من الآن تقريبًا، لكن ثمة مؤشرات بين أيدينا على عودة النظم البيئية إلى الحياة من جديد. قبل عامين أجرى ديلجادو دراسة تجريبية ضمن مشروعه الكبير أجرى فيها مسحًا صوتيًّا لشبه جزيرة نيكويا في القطاع الشمال الغربي الأخضر لكوستاريكا، راقب فيها 119 موقعًا ضمن منطقة واحدة وحاول الإجابة على الأسئلة ذاتها التي يطرحها مشروعه الواسع الذي يشمل البلاد كلها. تُظهر النتائج الأولية أن الأصوات المسموعة في الغابات المعاد تأهيلها في نيكويا مطابقة عمومًا للأصوات المسموعة في الغابات البكر أكثر من المراعي أو المزارع التي يستخدمها البشر. ولذلك يستنتج ديلجادو أن مشروع كوستاريكا لإعادة تأهيل الغابات يؤتي ثماره على مستوى النظام البيئي بأكلمه لا على الأشجار وحسب.
وجود شبكة عالمية من المستشعرات الصوتية
مهم لمراقبة كوكبنا آنيًّا
علاوة على ما سبق تسنّى للباحثين مقارنة الأصوات بتفصيل أعمق وبمجالات تردد مختلفة ومن أوقات مختلفة في اليوم، فبدأوا في تحديد أصوات مفقودة من التسجيلات، وفي المقابل تحديد أصوات أخرى غير مرغوب بها؛ فالأصوات العالية التردد التي تسود الغابات البكر ليلًا -على سبيل المثال- لا تُسمع في الغابات المعاد تأهيلها. ومردّ ذلك من وجهة نظر ديلجادو النقص في تنوع الأحياء البرمائية أو غيرها من الكائنات الليلية التي لا تألف البيئات التي يهيمن عليها الإنسان. أما خلال النهار فتزداد وتيرة الأصوات المنخفضة التردد في المزارع والمراعي، ويُرجع ديلجادو ذلك إلى الأصوات الناجمة عن الأنشطة البشرية كأصوات المحركات وخوار الأبقار.
مسجلات الصوت تنوب عنّا في التفكّر بمكنونات الغابة
ثمة أسئلة محورية حول جدوى الاستناد إلى الصوت في قياس التنوع الحيوي، لكن الأبحاث القائمة في بلدان أخرى تزعم أن الكائنات الصائتة تدل على الكائنات الصامتة؛ ففي أكتوبر 2023 استخدم جورج مولر وزملاؤه من جامعة فورتسبورج بألمانيا مقاييس صوتية مختلفة التعقيد لقياس مقدار التنوع الحيوي في عدد لا بأس به من غابات الإكوادور، مستعملين سلسلة «مؤشرات صوتية» لمقارنة التعقيد بين الأصوات من دون الحاجة إلى تحديد أعيان المخلوقات الصادرة عنها، بالإضافة إلى توظيف نموذج تعلم آلي بإمكانه تحديد أنواع بعض الطيور، ثم عمدوا إلى مقارنة هذه المؤشرات بمقياس التنوع الجيني للحشرات التي جُمعت عينات منها من غابات مختلفة.
وجد الباحثون أن المؤشرات الصوتية تستطيع مجتمعة التنبؤ بعدد من جوانب التنوع الحيوي في الغابات المختلفة، وأنها تتوافق مع ما يسميه مولر «التوقيع الصوتي» للغابة البكر. أما نموذج التعلم الآلي – مع أنه لم يستطع تحديد أكثر من ربع الطيور الموجودة في الغابة – فقد جاءت تنبؤاته أدق. معنى ذلك بعبارة أخرى أن أصوات عدد محدود من الطيور المغرّدة كافٍ للتنبؤ بدقة يمكن الوثوق بها بوجود حشرات صامتة.
إذن فليس أمامنا سوى الانتظار -كما يقول مولر- حتى نستيقن مما إذا كانت التواقيع الصوتية للغابات المعاد تأهيلها ستصدق على باقي النظم الحيوية، وتأكيد ذلك يستلزم أنشطة مسح على غرار الأنشطة القائمة في كوستاريكا. ويستبطن هذا أيضًا الحاجة إلى جمع قدر وافر من البيانات ثم تصنيفها لتصميم المزيد من نماذج التعلم الآلي القادرة على تحديد قدر أكبر من أنواع المخلوقات في شتى المناطق. يقول مولر: «لم تعد هذه المسألة مسألة بحث علمي، وإنما هي مسألة بيانات تدريبية».
وبالعودة إلى ديلجادو.. فمن المحتمل أن يطرح مسحه البحثي المزيد من المسائل النظرية حول أصوات النظم البيئية؛ فعلى سبيل المثال يرى ديلجادو نفسه – المعروف عنه أنه يقضي إجازاته الأسبوعية في أرجوحته بمنزله في زيوريخ مستمعًا إلى تسجيلات أصوات الغابات – أن أصوات النظم البيئية البكر قد تنطوي على سمات وخصائص يطرب لها الناس أكثر من النظم المتدهورة، بل ويربطها بالأنغام الموسيقية التي تشغف لها القلوب. ويضيف قائلًا: «تجذبنا هذه الأماكن بأصواتها التي تُمتع آذاننا، وما استمتاعنا بها إلا لأنها بيئات جيدة».
وأما هنا في كوستاريكا فبحكم متطلبات عملية المسح لا يجد ديلجادو سوى القليل من الوقت كي يستمتع بأصوات الغابة. قال لي ونحن ننزل من الجبل عبر طريق وعرة: «مسجلات الصوت تنوب عنّي في التفكّر في مكنونات الغابة. يا ليتني أحل محلها يومـًا ما!»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البیانات الصوتیة التنوع الحیوی فی النظم البیئیة فی کوستاریکا إعادة تأهیل فی الغابات أکثر من التی ت
إقرأ أيضاً:
مباشرة بالأرقام.. عدد أصوات ترامب مقابل هاريس في الانتخابات الأمريكية بتوقعات CNN
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—تستمر عمليات فرز الأصوات في الانتخابات الأمريكية 2024 لبن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب ومنافسته نائب الرئيس كاملا هاريس.
أولا بأول.. بالأرقام عدد الأصوات للمرشحين حتى الساعة 7:15 صباحا بتوقيت مكة:
ترامب: 51,372,971 صوتا بنسبة 52.2%هاريس: 45,451,210 صوتا بنسبة 46.4%يشعر أشخاص داخل حملة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بالتفاؤل بشكل متزايد مع ظهور الأرقام الأولية، ليلة الثلاثاء، ووصول ترامب إلى 207 مقابل 91 لمنافسته هاريس (حتى كتابة هذا التقرير).
وقد تعزز هذا التفاؤل من خلال النتائج في فيرجينيا وأيوا، والتي بدا أنها أثبتت خطأ استطلاع للرأي أثار صدمة خلال الحملة الانتخابية ليلة السبت.