قصة: الوادي الصّغير (1)
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
الكاتب: حمد الناصري
شهدت قرية الوادي الصغير زحفاً كبيراً من الناس طلباً للبقاء بجوار الجسر الذي أقامه ابن عبدالأعلى لاحتضان الماء فهو ورجاله البُؤساء ونفرٌ قليل من الغُرباء، أقامُوا جسراً وبِرْكة عميقة تصبّ فيها المياه القادمة من الجبالِ والسهولِ المُجاورة.
قال الزاحفون بقوَّة:
ـ لا نرضى إلا باقتسام الماء بيننا، فقد حدث ذلك بمنّة سَخيةٍ من السماء.
قال رجل ذا لحية بيضاء مُهيبة:
- ماذا عسانا فاعلون؟ فقد أصابَت السَّماء رمالُكم.. نحن فعلنا ما يُمكننا فِعْله، فافعلوا أنتم شيئاً جديداً.. لن نخترق الطبقات، ولا الغوص في أعماق واديكم الصغير.
قال رجل مُعقباً، عُرف عنه بأنه يحب السلام بين الناس:
- قَحْط الموارد يُصيب الرمال وشُح السماء على الأقوام ليس جديداً، وعليكم جميعاً أنْ تكونوا معاً، فحب الحياة هيَ رغبة الجميع، فلماذا تبْخلوا على اللذين أصابتْهم السماء بقَحْطها، يُقال بأنّ ذلك هو ذُلّ المَقت، فاحذروه.. أوَ عَلمتُم بأنهُ مُصيبُكم ما أصابَهُم إنْ أنتم فعَلْتم بهذا الذي أقامه الرجل من أجلكم.!
قال أحد الغُرباء الذين اشتركوا في إقامة جسر الماء:
- لا قِسْمة بيننا.. هذه أفكارنا، فكيف نُطمئن من حولنا وهيَ حَكْرٌ على غيرنا .. وأمْوالنا نستثمرها فيما يُصلحنا.
ورجالنا هم عُدّتنا وعَتادنا في السِّلْم والحرب. فهل نحنُ مُخيّرون إذا ما أشْركنا مَن نراه صالحاً ومناسباً مَعنا.!
قال شيخ الوادي الصغير، بتحدٍ:
تلك فلسفة مَبثوثة، لا يعرفها إلاَّ بُلهاء الرجال وأمثالكم، ولا يَتبعها إلا الفارغون من رجالنا.!
قال رجل آخر. ذا شَفتين غليظتين :
- الجدل العقيم ، لن يُأت أُكله .. أجيبوني، هل السّيادة على الماءِ فيه مُراعاة لفيض السماء.!؟
لم يتغيَّر موقف جماعة الوادي الصغير، وأصرّوا على التحدي، فالماء حياة لهم وليس لغيرهم.. قال كبيرهم مُهدداً:
- الماء بالنسبة لنا حياة، ولن نتخلّى عنه ولو هلك الناس والوادي معاً. .وأياً كان هُو، سواء اشترك في إقامة الجسر، أو كان سبباً بذلك، فإن ذلك لن يأتي محض صُدفةٍ أو قوة أحدٌ منكم.. إنما جاء بفضل الوادي وبوح سماءها وأرضنا الطيبة التي أنتم عليها.
وما أنتم جميعاً إلا عاملون عليها، تخدمونها وفق توجيهاتها، فهيَ المُلهم و المُنقذ لنا من عذابات الآخرين.
فالماء حقّ لأهل الوادي الصغير، هُم أصحاب السّيادة عليه من المنبع للمصب وهم الأحقّ من غيرهم ، كما كان لهم الحق في السيادة على كل الأمكنة التي يمرّ عليها منبع الماء.!
قال شَيْخ الوادي الصَّغير، مُؤيَدا موقف جماعته:
- نحن معكم، الرب واحد والمَوْت واحد.
قال رجل مِن الذين كانوا في حضرة شيخ الوادي :
- إنَّ المُطالبة باقتسام الماء معًا، يُعتبر تحدً صارخٍ واعتداءٍ سافرٍ على حريةِ رجال وادينا، منبع الخير.
اجتمع رجل ضَخْم الرأس، يٌعْرف بـ أبو رأسْ ، ببعض رجال وتوسَّطهم وهو يُلقي عليهم توجيهاته.. :
ـ يحلو للبعض تعظيم جهودهم وعرضها بطريقة استفزازية، ونحن لا نقلّ عن غيرنا، فلدينا الرجال والنساء ولدينا أمْكنة عميقة، فالماء يتوسّع مَعنا، وهذا مَكْمَن حِيرة أعْدائنا فلا ندعهم يَنخرون عَظْمنا، ولتبقى حسرتهم على قريتنا الواعدة خاسرة.؛
ومن خلال تجربتي في الوادي الصغير، أرى ما لا ترونه فمِحْنتنا سَببها ـ ليستْ المُستقرّ، ولكن ـ مُشيراً بأصبعه إلى حَيْث رجال عبدالأعلى ـ فهو الرجل الذي خَلق لنا الشّقاق؟ وترك لنا فِتْنة كبرى وهرب خائفاً.؛ فهذا الوادي الصغير، أصبح اليوم كبيراً في أعين الناس بسبب الماء.؛
قال رجل آخر عُرف بالاعتدال:
ـ لماذا نَحْمل وِزْرنا على رجل يتحدّث عن أسبابه التي اقتنع بها وجماعته، وهم يرونه من فعل الخير؟
قال شخص آخر:
ـ أَلا تسمعون.. أَلاَ تعُون، ألا تفهمون قول الرجل الحكيم أبو الرأس .. من حَمل ظُلم الآخرين يبقى خائباً، بائساً، ذليلاً حتى تؤوب نفسه إلى صلاحها.؛
لماذا أنتم لا تصنعون حلاً وسطاً يُجَنّبنا الويلات والمصائب، أرأيتٌم لو أنّ المـاء نَضب، فجأة.! فـماذا أنتم فاعلون.!؟ وكـيف تتـصرَّفـون!؟ ومن هو المُذنب يومَئذ، أنتم أم هُم..؟!
قال رجل أحْمر الوجه مُؤَيداً ما قبله:
- الماء نِعْمة، فلماذا نَتفَّوه بالحماقات والتَّفاهات ونُحَمّل الآخرين وِزْر حَماقاتنا وسخافاتنا؟! لماذا لا نُفكّر في حياة تحمي لنا أموالنا، ومواردنا، وتحفظ لنا مكانتنا.؟ ثُم ما الذي يُضِيركم لو اقتسمتم الماء مع عبدالأعلى وجماعته.!
قال رجل يُطلق عليه بـ البدائي:
- الماء نقمةٌ والجسْر الذي أقامه عبدالأعلى لَعنة على وادينا الصغير وقرف غليظ على قريتنا الواعدة، فَلْنكسر ما بناه الرجل، ولنحطَّم الأحواض التي أقامها، أو يقوم عبدالأعلى وجماعته بالتنازل عن هذا الجسر والأحواض لصالح رجالنا، لكي لا يكون بُؤساً قاتماً بالوادي.؟
قال ثالث بغضب :
ـ هذا عين الجهل. كيف نهدم ما بناه الرجل.. لماذا لا نبدأ من حيث انتهى وجماعته من الفعل المُخْلص..؟ لماذا تَنْقمون عليه الآن فكّروا في حلّ فيه خير لكم جميعاً ، يُسجله التاريخ ويحفظه باعتزاز وشموخ لكم .؟ أو أنكم تدْعونه ـ أي عبدالأعلى، ليحلّ لكم إشكالاتكم . إنه رجل عُرف بأنه رجل المواقف الكبيرة .؛
اعترض الرجل البدائي بشدَّة ، وولىَّ غاضباً وشاركه آخرون.. فانسحبوا من مجلس الرجال .
قال رجل حَمْراوي العيَنين :
- لماذا لا تُسْند الأمور برمَّتها إلى رجل كفء يرضىَ به الجميع ، فالسيد عبدالأعلى ، سَئم قضاياكم فكل صغيرة وكبيرة نحملها إليه ، وكأننا بلا عُقول .؟.
أبدى الجميع ارتياحاً إلى الرجل، كما أبدوا استعدادهم لإنْهاء صِراعاتهم بالطرق الودية ، دون الحاجة إلى تصعيد المَوقف .؟
قال رجل عُرف عنه برجاحةِ العقل في وقت الشدَّة :
ـ العقل مُمارسة فاعلة في الحياة وتكوين خبرة وتحسين تعامل.؛
من المُلاحظ في قرية الوادي أنّ البعض مِنا وكأنه لا يَملك عقل وبعيد عن رزانة التعقّل ، ولا أحد يدفع بتفكيره إلى خير العمل للناس ، فالناس أساس الحياة وذلك ما ينفعهم ولا يَضُرّهم .؛
وأقول لكم ، علينا جميعاً ، أنْ نتَّفق بإقامة لجنة تتولّى مسؤولية النزاعات والشّقاق في الوادي ، وإنْ كانت مُشتركة من كُل مُجتمع الوادي دون تمييز أحد عن أحد ودون تدخل من أحد وقرارها نافذ على كل شخص أودع ثقته فيها ، صغيراً كان أو كبيراً .
هتف الجميع مُؤيدين الاقتراح ، وشرع رجال كثيرون ، كُلّفوا بوضع آلية للعمل المشترك .
يتبع 2
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صفقات ترامب..!
كما يقال في المثل ” الجنون فنون” إلا أن الإشكالية تبدو كبيرة جداً إذا تعلق هذا المرض بأشخاص لهم باع طويل في السياسة أو من الوجاهات الاجتماعية الكبيرة التي تتطلع إلى أعلى المناصب في البلاد ، وهذا هو حال المدعو “ترامب” الرئيس الجديد القديم للولايات المتحدة الأمريكية ، كم أشفق كثيراً على المحللين الذين ظلوا لمدة شهور يتفاءلون بهذا الرجل ويؤكد البعض منهم أنه قد غير سلوكه وأصبح يتطلع إلى السلام والأمن والاستقرار بحسب تصريحاته التي كان آخرها أنه يُريد أن يُصبح العالم أكثر أماناً وأنه سيورث للعالم السلام .
ليست المشكلة في الشعب الأمريكي فهو الذي أختار هذا الرجل ومقتنع بأدواره بحسب البرامج المنهجية للحزب الجمهوري ، لكن من استمع إلى خطاب التنصيب لا شك أنه سيستغرب كثيراً من حالة التناقض وعدم الاستقرار النفسي التي يعيشها الرجل، وكما أسلفنا من تصريحاته السابقة فقد قلب الأمور رأساً على عقب في خطاب التنصيب ويُعلن كما أعلن قبل فترة أنه يُريد أن تتوسع مساحة دولة الكيان الصهيوني وأنه غير متفائل باستمرار اتفاق غزة ، كما شن حرباً شعواء مصحوبةً بالتهديد والوعيد على دول أمريكا الجنوبية ، وأعلن عزمه عن ضم عدد من الدول إلى الدولة الأمريكية بقوة السلاح وركز كثيراً على قناة بنما وكندا والمكسيك .
الرجل يبدو في حالة هيجان كبير وغرور إلى حد الفجور وعدم الاكتراث بمشاعر وتطلعات الآخرين وكأنه يحسب كل شيء بالدولار ، لذلك حتى في حفل التنصيب دعا إليه أكبر رجال الأعمال في أمريكا وأوروبا أصحاب المليارات الذين دعموا حملته الانتخابية ، أما دول الخليج فهي مضمونه ودورها قادم ولا تزال عبارة “البقرة الحلوب” التي وصف بها السعودية ساطعة في الرؤوس خاصة أنها انتهت بحصول الرجل على 450 مليار دولار وهو مبلغ كبير جداً لا شك أنه أثر على توجهات السعودية والخطط التي تبنتها للارتقاء بالحياة في هذه البلاد وفي المقدمة مشاريع الترفيه، التي اعتقد ابن سلمان أنها أكبر هدية للسعوديين بعد أن عاشوا زمناً طويلاً من الحرمان وهيمنة علماء الوهابية المتطرفين والمنغلقين على الذات .
المهم أن من مولوا الحملة الانتخابية أصابتهم صدمة شديدة حين سماعهم لكلمته، والمحللون أصبحوا في حيرة كيف يقيمون تصرفات هذا الرجل وما المتوقع منه بعد استلام الحكم؟! خاصة أنه ألغى فكرة الشراكة الجماعية في الحكم وحذف تماماً حرف النون وأبدلها بالألف وهو يتحدث عما سيقوم به ، فبينما سمعنا كثيراً رؤساء أمريكا يقولون سنعمل.. سنعمل.. جاء هذا الرجل ليقول سأعمل.. سأعمل.. وكأنه لا ديمقراطية ولا شراكة ولا مؤسسات بل يوجد دكتاتور واحد هو “ترامب”، يبدو الرجل تأثر كثيراً بالحُكام العرب ، فالملك أو الرئيس في هذه الدول هو صاحب القرار الأول والأخير ولا ينازعه فيه منازع، وهذا ما أظهره “ترامب” ففي حين كنا ننتظر أن هؤلاء الرؤساء والملوك سيستفيدون من تجربة أمريكا خاصة المتعلقة بالديمقراطية والحكم الجماعي فإذا بالأمور تتغير تماماً ويتحول “ترامب” إلى نسخة مكررة من هؤلاء الملوك والرؤساء وهو يتحدث عن إدارته الجديدة .
الغريب في الأمر أولئك البائسون أصحاب النفوس المريضة من إخواننا اليمنيين الذين لا يزالون يعلقون آمالاً كبيرة على هذا الـ”ترامب” وأنه الوحيد الذي سيعيدهم إلى صنعاء كما يعتقدون ، ومن أجل هذه الرغبة الخبيثة التي تستدعي المستعمر الأمريكي ليُثبت أقدامه في اليمن وينصرهم على من يسمونهم الحوثيين ، الأمر لا يدعو للاستغراب فقط ولكنه يستدعي التفكير العميق في عقول هؤلاء وسلوكياتهم الشاذة التي خرجت عن نطاق الحدود الإنسانية وتحولت إلى الحيوانية ، وإلا كيف يستسيغون أن يأتي آخر في مستوى “ترامب” لكي يتحكم في مصير بلادهم، وكيف سيكون مصيرهم إذا ما حدثت هذه القضية لا سمح الله؟!
وكما يقول الكثيرون “عشم إبليس في الجنة” أما اليمن فستظل عصية على الجميع ، وبحسب وصف أحدهم فلقد قال إن ترامب أول رئيس أمريكي يستعين بالله في برنامجه وكأنه انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وهذا هو حال رئيس أمريكا الجديد ، والعاقبة للمتقين ، والله من وراء القصد ..