للإعلام فاعلية في فتح مجال للنقاش العمومي باعتباره شكلا من أشكال التواصل والتفاعل بين الأفراد والجماعات كأفق للعيش المشترك والرابط الاجتماعي والتداول والارتقاء بمستوى التواصل السياسي والثقافي والاجتماعي من خلال تناول القضايا والمواضيع التي تستأثر باهتمام الرأي العام.
يمكن تناول هذه الفرضية من خلال مقاربة تدمج بين الإطار العام لأنثروبولوجيا الإعلام والنموذج التفاعلي ل إرفين كوفمان.
فمنطق التداول الذي يؤسس للنقاش العمومي ليس إقصائيا ولا تراتبيا ولا ينبني على التنافر ومقولة الاستثناء بل على مصفوفة من القيم ترتكز على التنوع والتعدد والكونية والإدماج والتوافق والتقرير في القضايا المطروحة. وكنتيجة غير مباشرة لهذه الفرضية يمكن الإقرار بأن الهدف الأسمى للإعلام في تنشيط النقاش العمومي ليس فقط تشجيع المشاركة بل أساسا التربية على التداول الايجابي والحسم الجماعي والعقلاني في القضايا ليتم الانتقال من مجتمع الاستهلاك والتلقي إلى مجتمع المعرفة و الفكر النقدي والثقة في المؤسسات الوطنية.
لهذا فالوساطة الإعلامية في شقها المجتمعي تستوجب أن تعمل منطق ونسق العقل والبرغماتية كجسر لممارسة النقاش العمومي لأنه غالبا ما يتم التداول حول انسداد الأفق الاجتماعي (الشغل والصحة والتعليم ومستوى المعيشة) وذلك لأننا في راهن تحدي الاستجابة لقيم مادية وحياتية ورهانات ترسيخ نموذج تنموي جديد.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
رسم خريطة الخسائر البشرية للصراع في الكونغو الديمقراطية
تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أكبر أزمات النزوح والمساعدات الإنسانية في العالم بعد أن أجبرت المواجهات العسكرية آلاف السكان على مغادرة المنطقة.
فقد دفعت أعمال العنف المستمرة وعدم الاستقرار ملايين الأشخاص إلى الفرار من منازلهم، حيث قُتل ما لا يقل عن 7 آلاف شخص في الأشهر الأخيرة، وتعرض العديد منهم للإصابة.
كانت أعمال العنف هذا العام مدفوعة إلى حد كبير من قبل الجماعات المسلحة، وخاصة المتمردين من جماعة إم 23، الذين كثفوا هجماتهم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
في يناير/كانون الثاني، سيطرت مجموعة إم 23 على مدينة غوما، عاصمة مقاطعة شمال كيفو الغنية بالمعادن، قبل أن تستولي على بوكافو، عاصمة مقاطعة جنوب كيفو المجاورة، في فبراير/شباط. ومنذ ذلك الحين، واصلوا تقدمهم نحو الغرب.
تأسست قوات إم 23 في عام 2012 بواسطة جنود كونغوليين سابقين، معظمهم من قبيلة التوتسي.
أخذت المجموعة اسمها من "حركة 23 مارس"، في إشارة إلى تاريخ توقيع اتفاقيات السلام عام 2009 بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية والحزب الكونغولي للدفاع عن الشعب، والتي كانت تهدف إلى دمج مقاتلي الحزب في الجيش الحكومي.
لكن قوات إم 23 اتهمت لاحقًا الحكومة بعدم تنفيذ الاتفاق بشكل كامل، مما دفعهم إلى بدء تمردهم.
سيطر متمردو إم 23 على مدينة غوما في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 لفترة قصيرة، ولكنهم هُزموا واضطروا إلى اللجوء إلى المنفى في عام 2013.
إعلانلكن بعد ما يقارب عقدًا من الركود، عاد هذا الفصيل للظهور في نهاية عام 2021، ومنذ ذلك الحين كثف حملته العسكرية في شرق جمهورية الكونغو.
وفقًا لخبراء الأمم المتحدة، تدعم رواندا مجموعة إم 23 من خلال تزويدهم بالقوات والذخيرة، لكن كيغالي تنفي هذه الاتهامات.
تسارع تقدم متمردي إم 23 فاقم من موجة الصراع الأخيرة في ديسمبر/تشرين الثاني 2024 بعد إلغاء محادثات السلام التي كانت تُجرى في أنغولا بين رئيسي الكونغو ورواندا بسبب الخلافات حول مجموعة إم 23.
فقد أصرّت رواندا على ضرورة وجود حوار مباشر بين حكومة الكونغو ومجموعة إم 23، وهو ما رفضته الحكومة الكونغولية في ذلك الوقت.
تسلسل تسارع الأحداث:27 يناير/كانون الثاني 2025، سيطر متمردو إم 23 على غوما، في أسوأ تصعيد منذ أكثر من عقد، استولوا على أكبر مدينة في شرق الكونغو، غوما، وهي مركز إنساني حيوي يقع بالقرب من الحدود الرواندية، ويعيش فيها أكثر من مليوني شخص.
16 فبراير/شباط 2025، سيطر متمردو إم 23 على بوكافو حيث تقدم المتمردون في وسط مدينة بوكافو دون مقاومة تذكر، حيث اتهمت الكونغو الديمقراطية رواندا بتجاهل الدعوات لوقف إطلاق النار.
19 مارس/آذار 2025، سيطر متمردو إم 23 على واليكالي وهي مدينة تعدين في شمال كيفو، وتعتبر أبعد نقطة وصلوا إليها غربًا، متجاهلين الدعوات لوقف إطلاق النار من الحكومة الكونغولية ورواندا، ثم أعلنوا انسحابهم من المدينة كإشارة للسلام.
نزوح الملايينتعد جمهورية الكونغو الديمقراطية موطنًا لواحدة من أكبر أعداد النازحين في العالم، حيث نزح أكثر من 7 ملايين شخص، من بينهم 3.8 ملايين في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو في شرق البلاد.
وقد اضطر نحو 780 ألف شخص للفرار من منازلهم بين نوفمبر/تشرين الأول 2024 ويناير/كانون الثاني 2025 فقط.
إعلانوفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منذ 1 يناير/كانون الثاني الماضي، فر أكثر من 100 ألف لاجئ إلى البلدان المجاورة، حيث لجأ 69 ألفا إلى بوروندي، و29 ألفا إلى أوغندا، ونحو ألف إلى رواندا وتنزانيا.
ربع السكان يواجهون نقصًا في الغذاءتظل الوضعية الأمنية في غوما، وهي مركز إنساني رئيسي، شديدة التوتر، حيث تحد القيود المفروضة على الحركة من وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين في حاجة ماسة إليها.
يبلغ تقدير عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو 112 مليون نسمة.
قبل التصعيد الأخير، كان 21 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو الرقم الأعلى عالميًا وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
بحلول نهاية عام 2024، كانت الحروب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والأوبئة قد دفعت 25.6 مليون شخص -أي ما يقارب ربع السكان- إلى انعدام حاد في الأمن الغذائي.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كان 2.7 مليون شخص في شمال كيفو وجنوب كيفو وإيتوري يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء قبل التصعيد الأخير.
لقد أدت عمليات النهب التي استهدفت البنية التحتية الإنسانية والمستودعات إلى إعاقة جهود الإغاثة بشكل أكبر.
فقد فُقدت كميات كبيرة من الطعام والدواء والإمدادات الطبية في الهجمات التي استهدفت المنظمات الإنسانية.