الجزيرة:
2024-11-05@12:29:30 GMT

هاشم الأتاسي.. أبو الدستور السوري

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

هاشم الأتاسي.. أبو الدستور السوري

هاشم الأتاسي زعيم وطني سوري، ولد في مدينة حمص عام 1873 م، شغل منصب رئيس الجمهورية 3 مرات، وانتخب رئيسا للمؤتمر السوري عام 1920، وهو واضع الدستور السوري الأول، أسس مع رفاقه الكتلة الوطنية، وترأس الوفد السوري لباريس عام 1936 للتفاوض لعقد معاهدة استقلال سوريا، وانتخب رئيسا للجمهورية السورية عام 1936، ثم أعيد انتخابه عام 1949، وتولى الرئاسة بعد إخراج أديب الشيشكلي من الحكم عام 1954، توفي عام 1960.

المولد والنشأة

ولد هاشم الأتاسي الملقب بـ"أبو الدستور" يوم 11 يناير/كانون الثاني 1873 م في مدينة حمص وسط سوريا لعائلة اشتهرت بمكانتها الاجتماعية والسياسية، إذ شغل عدد من أبنائها مناصب متنوعة في الساحتين الدينية والسياسية على مدى 6 قرون، بدءا من القرن الـ14 وصولا إلى القرن الـ20 الميلادي، ومن بين تلك المناصب مفتون ووزراء ونواب وسفراء ونقباء وشخصيات أخرى بارزة.

نشأ هاشم في عائلة اهتمت بعلوم الدين والقضاء، فكان جده محمد الأتاسي مفتيا لحمص، في حين شغل والده منصب عضو في مجلس "المبعوثان" في إسطنبول، ثم خلف والده في منصب مفتي حمص.

تلقى علوم الدين والأدب عن والده وأعمامه، إضافة إلى كبار علماء حمص، فمهدت له هذه البيئة الطريق ليصبح إحدى أبرز الشخصيات في تشكيل سياسة سوريا الحديثة، تزوج ابنة عمه وردشان الأتاسي وأنجبا 7 أبناء.

الدراسة والتكوين العلمي

أتقن هاشم الأتاسي علوم الدين والشريعة والأدب في صغره، وأتم دراسته الابتدائية في مسقط رأسه، ثم أوفده والده إلى الكلية الإسلامية (المدرسة السلطانية) في بيروت لمتابعة دراسته الثانوية.

التقى الأتاسي في بيروت بالإمام محمد عبده الذي كان يقضي فترة منفاه هناك، ودرس عليه اللغة العربية وأفكاره الإسلامية، اجتمع أيضا بكامل دوامة كاتب سر السلطان عبد الحميد وأحد أقرب المقربين منه.

هاشم الأتاسي أكمل دراسته العليا في إسطنبول ودرس بالمدرسة الملكية العليا للإدارة (الجزيرة)

أعجب دوامة بذكاء الأتاسي وشجعه في دراسته، وعرض عليه الزواج من ابنته، لكن الأتاسي اعتذر لأنه كان قد خطب ابنة عمه المفتي عبد اللطيف الأتاسي في حمص.

أكمل دراسته العليا في إسطنبول، ودرس بالمدرسة الملكية العليا للإدارة لمدة 4 أعوام، وحصل على الشهادة الملكية عام 1894.

التجربة السياسية في العهد العثماني

انخرط هاشم الأتاسي في عالم السياسة فور تخرجه في المدرسة الملكية عام 1894 م، وتنقل بين الولايات في بلاد الشام وفي الأناضول، فشغل منصب نائب والي بيروت لمدة 3 سنوات.

ثم تدرج في منصب القائم مقام لمدة 24 عاما، بدأها من مدينة المرقب عام 1897 م، ثم مدينة عكا في العام ذاته، ثم صهيون بعد ذلك في بانياس، وانتقل بعدها إلى مدينة صفد عام 1902، ثم إلى صور في العام التالي، وفي عام 1904 أصبح قائم مقام مدينة السلط لمدة عام، انتقل بعدها بالمنصب ذاته إلى عجلون في السنة التالية وبقي فيها 3 سنوات، قبل أن يصبح قائم مقام مدينة جبلة عام 1908، ثم بعلبك عام 1909 ثم حاجين 1910، وأخيرا يافا عام 1911.

ترقى بعدها إلى منصب المتصرف، فعيّن متصرفا لمدينة حماة عام 1912، ثم عكا، فجبل بركات، ثم عيّن في منطقة بوردور التي كانت تابعة إداريا لولاية قونية التركية أيام الحكم العثماني، وأخيرا بيروت عام 1913.

عاد هاشم إلى حمص بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وشغل منصب متصرف لها بعد ابن عمه عمر الأتاسي، وذلك بعد أن استقلت من متصرفية حماة، وتولى هذا المنصب من عام 1919 حتى 1920.

عمل الأتاسي خلال توليه منصب قائم مقام على حماية الأقليات، ففي عام 1901 لجأت 300 أسرة شيشانية من الاضطهاد القيصري الروسي إلى الأردن، حيث استوطنت مدينة الزرقاء، وأعطى الأتاسي الموافقة للعائلات بإقامة أول بناء في صويلح.

هاشم الأتاسي (الثالث يمين) مع الملك فيصل بن سعود (يمين) ورئيس الوزراء فارس الخوري (موقع آل الأتاسي) المؤتمر السوري العام

لم يشارك هاشم الأتاسي في الثورة العربية الكبرى التي انطلقت عام 1916، لكنه كان متعاطفا معها ومقربا من قائدها العام الشريف حسين بن علي أمير مكة المكرمة، انتهت الثورة بخروج العثمانيين من بلاد الشام وقيام الحكومة العربية عام 1918 بقيادة الأمير فيصل الأول بن الحسين.

دعا الأمير فيصل إلى إجراء انتخابات لقيام أول مجلس نيابي لبلاد الشام، ففاز الأتاسي بعضوية المجلس الذي سمي المؤتمر السوري العام ممثلا عن مدينة حمص، وانتخب رئيسا للمؤتمر يوم 6 مارس/آذار 1920، وعقدت أول جلسة للمؤتمر يوم 8 مارس/آذار 1920 افتتحها الأتاسي بقرار تنصيب الأمير فيصل ملكا على سوريا وعدم الاعتراف باتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور.

وفي 10 مارس/آذار 1920 انتخب مجلس النواب هاشم الأتاسي رئيسا للجنة صياغة الدستور السوري الأول الذي اعترف بمُلك الأمير فيصل وأولاده على أراضي سوريا، ونص على ضرورة عودة الملك إلى مجلس النواب قبل اتخاذ أي قرار يخص البلاد في حالتي السلم والحرب.

واجهت سياسة توحيد بلاد الشام تحت حكم الملك فيصل معارضة قوية من الدول الاستعمارية التي سعت لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة.

وفي 14 يوليو/تموز 1920 تلقى الملك فيصل إنذارا من المفوض السامي الفرنسي هنري غورو يطالبه بحل الجيش السوري وجمع السلاح تمهيدا لفرض الانتداب الفرنسي، وبينما اقترح الأتاسي رفض الإنذار اختار الملك فيصل رغبة منه في تجنب الصراع مع فرنسا قبوله وأرسل برقية موافقة إلى غورو.

اعتبر غورو رد فيصل متأخرا، وأمر ببدء الزحف نحو دمشق، حيث وقعت معركة ميسلون يوم 24 يوليو/تموز 1920 بين الجيشين السوري والفرنسي، وانتهت بهزيمة الجيش السوري، مما أدى إلى عزل الملك فيصل ومغادرته البلاد وعودة هاشم الأتاسي إلى حمص.

الكتلة الوطنية

عُقد مؤتمر سان ريمو -الذي أقر الاحتلال الفرنسي على سوريا عام 1920- وانتقلت القوات الفرنسية من بيروت إلى سوريا وبدأت بتأسيس دويلات منفصلة على أنقاض المملكة العربية السورية.

اصطدمت هذه المخططات باندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، وعلى إثرها اعتقلت القوات الفرنسية هاشم الأتاسي ومجموعة من الوطنيين ونقلتهم إلى سجن جزيرة أرواد السورية عام 1926.

سعى الوطنيون بعد انتهاء الثورة عام 1927 إلى تأسيس تنظيم سياسي جديد يمثل مطالب الشعب السوري بإنهاء الاحتلال وتوحيد الأراضي السورية.

واجتمع الأتاسي مع نخبة من الوطنيين في بيروت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 1927 ليعلنوا ميلاد "الكتلة الوطنية" التي طمحت إلى مجابهة الاحتلال سياسيا.

دعت الحكومة الفرنسية في أبريل/نيسان 1928 إلى انتخاب مجلس تأسيسي وكتابة دستور جديد للبلاد، ففازت الكتلة الوطنية بأغلبية المقاعد وانتخب الأتاسي رئيسا للجنة الدستور المؤلف من 115 مادة.

أقر جميع النواب داخل المجلس مواد الدستور، لكن السلطات الفرنسية أصرت على إضافة المادة 116 التي تضمنت الاعتراف بالانتداب الفرنسي على سوريا.

رفض هاشم الأتاسي الاعتراف بالمادة، مما أدى إلى تعطيل فرنسا أعمال المجلس وحله في 5 فبراير/شباط 1929.

أعلن المفوض السامي الفرنسي في سوريا هنري بوسنو عام 1932 عن انتخابات نيابية للمجلس التأسيسي، لكنها لم تكن لصالح الكتلة الوطنية، فقد واجهت مجموعة مدعومة من فرنسا بقيادة صبحي بركات، وخسرت جميع أصوات الناخبين في الشمال السوري الذين صوتوا لصبحي بركات.

فاز الأتاسي بمقعده نائبا عن حمص، ووصل عدد نواب الكتلة إلى 17 نائبا، وهو ما لم يكن كافيا لتحقيق الأغلبية النيابية في المجلس، وترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية ضد صبحي بركات والمرشح المستقل محمد علي العابد، لكنه قرر الانسحاب وإعطاء أصوات كتلته لمحمد علي العابد الذي أصبح أول رئيس للجمهورية يوم 11 يونيو/حزيران 1932.

وفي بداية عام 1936 أعلنت الكتلة الوطنية إضرابا استمر 60 يوما بسبب تضييق الاحتلال الفرنسي على أعمال الكتلة، وقمع المظاهرات السلمية التي تطالب بالاستقلال.

قاد الإضراب فرنسا إلى الدخول في مفاوضات مع الكتلة الوطنية، حيث تم التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف الإضراب مقابل الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.

جنازة هاشم الأتاسي عام 1960 وقد لف جثمانه بالعلم السوري (موقع آل الأتاسي)

عقب الإضراب توجه وفد من أعضاء الكتلة الوطنية بقيادة الأتاسي إلى فرنسا للقاء الحكومة الفرنسية وتوقيع المعاهدة الفرنسية السورية عام 1936، حيث رضخت فرنسا لمطالب الاستقلال، وأجريت انتخابات نيابية ورئاسية فاز فيها الأتاسي بمنصب رئيس الجمهورية يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 1936.

الحرب العالمية الثانية

واجهت سوريا مرحلة حرجة تمثلت باستقالة هاشم الأتاسي من رئاسة الجمهورية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر/أيلول 1939 ونقض فرنسا معاهدة 1936.

ساعدت بريطانيا في تقليص النفوذ الفرنسي بسوريا، واستجابت لمطالب السوريين بالوحدة والاستقلال، وتحت ضغط الأطراف الدولية ونتيجة لتقلص نفوذها اضطرت فرنسا في نهاية المطاف إلى منح سوريا استقلالها عام 1946، ليتولى شكري القوتلي رئاسة الجمهورية.

عصر الانقلابات العسكرية

عاش هاشم الأتاسي بعد الاستقلال حقبة سياسية مضطربة تميزت بصراع بين الشرعية الديمقراطية والانقلابات العسكرية، وبعد هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل عام 1948 دشن حسني الزعيم عصر الانقلابات العسكرية في سوريا بانقلابه الأول على شكري القوتلي عام 1949.

لم تستمر حكومة الزعيم طويلا، حيث انقلب عليه سامي الحناوي الذي اجتمع بزعماء سوريا واتفقوا على تكليف هاشم الأتاسي بتشكيل الحكومة، ليعود إلى رئاسة الجمهورية في 14 ديسمبر/كانون الأول 1949.

انقلب أديب الشيشكلي عسكريا على هاشم الأتاسي عام 1951، فعاد الأتاسي إلى مدينة حمص رافضا الاعتراف بحكم الشيشكلي، ودعا إلى مؤتمر حمص في منزله عام 1953 ضم جميع خصوم الشيشكلي الذين أقروا بعدم الاعتراف بحكم الشيشكلي والسعي لإسقاطه بكل الطرق المتاحة.

وفي 25 فبراير/شباط 1954 انطلقت الشرارة الأولى للانقلاب العسكري الذي أطاح بأديب الشيشكلي من مدينة حلب بقيادة الضابط البعثي مصطفى حمدون.

اجتمعت الأحزاب ورجال السياسة في منزل هاشم الأتاسي بحمص بعد الإطاحة بنظام الشيشكلي، وطلبوا منه بالإجماع العودة إلى الحكم لإكمال مدة رئاسته الدستورية، فوافق رغم تقدمه في السن، وكان قد تجاوز الـ80 عاما.

استمر هاشم الأتاسي في رئاسة سوريا حتى انتهاء فترة ولايته يوم 6 سبتمبر/أيلول 1955، ليتسلم شكري القوتلي مقاليد الحكم عبر تنظيم انتخابات.

الوظائف والمسؤوليات

لعب هاشم الأتاسي دورا محوريا في تاريخ سوريا الحديث، بدءا من رئاسته للمؤتمر السوري العام عام 1920، حيث قاد صياغة الدستور السوري الأول، ثم أسس الكتلة الوطنية عام 1928، وترأس لجنة صياغة الدستور مرة أخرى.

وفي عام 1936 انتخب رئيسا للجمهورية السورية، فسعى إلى دعم الاستقلال الوطني ومقاومة الاحتلال الفرنسي.

استقال من منصبه عام 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكنه عاد إلى رئاسة الجمهورية عام 1949 بعد الإطاحة بحكم حسني الزعيم، وبقي في المنصب حتى انتهاء فترة ولايته عام 1955.

قضى الأتاسي بقية حياته في مدينته حمص معتزلا السياسية وبعيدا عن الشأن العام، وكان آخر ظهور علني له عام 1958 عندما توجه إلى دمشق للمشاركة في استقبال الرئيس المصري جمال عبد الناصر حين تم إعلان الوحدة بين سوريا ومصر وإنشاء الجمهورية العربية المتحدة.

الوفاة

توفي هاشم الأتاسي صباح يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1960 عن 87 عاما في مسقط رأسه بحمص، وأُعلن الحداد الوطني في كافة أنحاء الجمهورية العربية المتحدة آنذاك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رئاسة الجمهوریة الکتلة الوطنیة الحرب العالمیة الأمیر فیصل الملک فیصل مدینة حمص عام 1936

إقرأ أيضاً:

عمرو صالح يس: دولتي متطرف أو … في الفرق بين الدولة و الدستور

محمود المعتصم
مدونة ظَلام

عمرو صالح يس: دولتي متطرف أو ... في الفرق بين الدولة و الدستور

مقدمة:

يأتي هذا المقال في سياق بالغ التعقيد من الناحية النظرية والعملية. فمن الناحية العملية بلغ تعداد السودانيين النازحين من جراء هذه الحرب الملايين. ومن حيث القتل والتدمير فقد بلغ الامر من السوء أن خصصت الأمم المتحدة مجموعة لتقصي الحقائق خرجت ببيانات يندى لها الجبين في جرائم الحرب فقط ناهيك عن آثار الحرب التي لا تعتبر من جرائم الحرب وهي الأغلبية بطبيعة الحال. (ولا نقول إلا الحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله). وبالمناسبة فإدعاء خالد عمر المعروف بخالد سلك بأن تقرير الامم المتحدة أثبت نظرية (جرائم ارتكبها كلى الطرفين) هو قول جزافي إذ جاء التقرير بفرق مقدار ونوع كبيرين بين منهجية ممارسات الدعم الاجرامية حسب القانون الدولي، والممارسات غير القانونية التي قام بها الجيش. وهو الامر الذي يعايشه السودانيون ويوثقونه كل يوم بسعيهم للتواجد في مناطق الجيش. وتجدر إذن قراءة تقرير الامم المتحدة لأن السياسيين السودانيين سيكذبون حوله كما هو واضح. على العموم نحن أمام مشهد مضطرب عمليا بصورة كثيفة.

وكذلك المشهد مضطرب نظريا. فمفاهيم ك (الدولة)، (التمرد)، (العنف)، (الانفصال)، (العرق)، إلخ. هي الان مما يتحرك على الأرض بصورة مسعورة. فهي كمفاهيم مجردة. فلسفية. تعيش اليوم وتتحرك على الارض سعيا نحو مواضعها النهائية. أقصى الممكن العملي فيها. وبالتالي فإن التنظير في هذه الحالة هو أشبه بمحاولة الركوب على حصان وهو في أثناء عدوه. مع ذلك يمكن للمرأ أن يروح عن نفسه هنا بفكرتين: الأولى هي ملاحظة أنه في أثناء تحرك كل الأفكار النظرية أثناء الحرب، وبصورة محمومة كما هو واضح، فإن الاستثناء هو (الديمقراطية). هذه وضعتها النخبة وبهدوء على الرف. بينما ناقشت كل ما سواها حتى عباطات (النهر والبحر). الأمر الآخر هو أنه من ناحية التحليل النظري فإن الحصان العادي هو وفي نفس الوقت الحصان الأجمل والأكثر جذبا للجمال الذي هو امتزاج التعقيد مع الوضوح.

ولذلك فنقول بسم الله و نبدأ. لكن قبل البدء وجب توضيح بعض النقاط:

١. كنت قد خضت نقاشات طويلة مع بعض الكتاب والمثقفين السودانيين الشباب من بينهم عمرو صالح يس حول فكرة (الديمقراطية) وجدت فيها نفسي وبصورة في الحقيقة مفاجئة جدا في موقع أقلية. حيث كانت النخبة السودانية قد تبنت فيما يبدوا فكرة المباديء فوق الدستورية - أقرأ الكتيب المنشور من قبل الحركة الشعبية - شمال أدناه، و أقرأ ردي عليه في هذا المقال:

قراءة نقدية لورقة المبادئ فوق الدستورية
MAHMOUD ELMUTASIM
·
13 يناير 2023
Read full story

كتيب المبادىء فوق الدستورية
1.97MB ∙ PDF file
Download
على العموم في نهاية هذه النقاشات وإدراكا مني لحدوث تغبيش كثيف لفكرة الديمقراطية في العقل النخبوي السوداني قمت بكتابة هذا المقال الذي يهمني أن يقرأه القاريء حتى يفهم الإطار التأسيسي هنا.

الديمقراطية كنظام تأسيس..
الديمقراطية كنظام تأسيس..
MAHMOUD ELMUTASIM
·
28 أبريل 2023
Read full story
٢. في أثناء هذه الحرب فأنا مع معسكر دعم السيادة الوطنية، أو أكثر من ذلك فأنا ضد قوات الدعم السريع كتهديد أجتماعي سياسي مرتهن للخارج. بمعنى أنني أقف في صف التيار الذي بات عمرو صالح يس في مقدمة المدافعين عنه بالكلمة (وبجهد معتبر وثبات بالحجة والتفصيل في الرأي عز في هذا الوقت العصيب حيث السوشيال ميديا و البلاهات والتهريج). وجب تثبيت هذه النقطة في البداية حتى لا يشكل الأمر على القاريء.

٣. غرضي من هذا المقال هو أعادة تذكير الناس بأسبقية الاستراتيجية على التكتيك. والمستقبل على الحاضر. وبالتالي النظرية على الممارسة. وهو أمر ربما يكون الآن مما قل مريدوه. وكسد سوقه. وأبيع في هذا الاطار بضاعتي بلا جزع ولا تمني. فأرجوا أن يكف عنا في هذا المجال أنصار بلاهات (تعال كاتل معانا، إنت قاعد في أمريكا إلخ) فذلك مما لا يعنيني في هذا الإطار. فمهمتي هي قول الحقيقة. وأرى أن القتل بالحقيقة أكثر أهمية الآن من القتل بالسلاح. (مع حفظ المقامات، فلا يمكن في أطار أخر، عقد أي مقارنة بين مكافح بسلاحه وحياته من أجل الوطن وبين منظر من الخارج، كل ما أقوله أننا في نطاقين مختلفين جذريا، ويحق للمثقف أن يطالب بهذا الفصل في أي وقت، بشرط التزامه قول الحقيقة ما استطاع).

أ. مشانق عمرو صالح يس: يعقوبي خالي ديمقراطية

عمرو صالح يس هو كاتب ومثقف شاب تعرفت عليه في أطار تواجدي في وسائل التواصل الإجتماعي في نطاقات المثقفين السودانيين الشباب الجادين مثل خالد عثمان الفيل، هشام عثمان الشواني، قصي همرور إلخ. وهو في خلال ثورة ديسمبر ظهر كأحد منظري فكرة (البناء القاعدي) حيث تبلور داخل هذه الفكرة تصور عمرو للمجتمع والدولة. مجتمع مدني منظم وقوي، يؤدي لدولة (تنموية) هي أساس الحل في المسألة التاريخية الإجتماعية المسماه (ما بعد الإستعمار).

مع بداية الحرب، أتخذ عمرو صالح يس موقفا واضحا في مساندة الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع المتمردة. وذلك أمر تشاركه معه أغلب السودانيون ربما. لكن مع أختلاف بسيط: عمرو نظّر وبصورة كثيفة في المنشورات الفيسبوكية لأن الوقوف مع الجيش هو أبتداءا وقوف مع (الدولة) و ليس ضد الدعم السريع فقط. مع (الدولة) كجهاز بيروقراطي، قومي، له عند عمرو صالح يس شرعية أمر واقع قطعية. وبالتالي فأكثر مما وضح موقف عمرو صالح يس هو رفضه لفكرة تعبوية ما تزال في بداياتها ممثلة في (نداء الوسط) وهو تداعي أقوام من أهل الوسط للدفاع عن نفسهم ضد الدعم السريع، بالتوازي مع الجيش وليس ضده لكن بشكل ربما مستقل تنظيميا. وهنا يكمن الفرق بين عمرو صالح يس (كدولتي Statist) وبين هؤلاء الشباب. فكلاهما (ضد) الدعم السريع. لكن وضح أنه حتى الموقف ضد الدعم السريع هو "خشوم بيوت".

في أطار أخر. ولأسباب مفهومة وواضحة، فإن العدو الرئيس بالنسبة لعمرو صالح يس. ك (دولتي) لم يكن قوات الدعم السريع بل الحركة الليبرالية اليسارية السودانية التي تحالفت كيفما اتفق داخل تكوينين هما ("قحت" ثم "تقدم") ربما بقيادة (حزب المؤتمر السوداني) وهو حزب وسط ليبرالي صعد كقوة سياسية معتبرة أبان ثورة ديسمبر. وأسبقية العداء لهذا التيار عند عمرو صالح يس، وهو محق في ذلك في رأيي، أن هذا التيار وفر الأرضية النظرية و الجيو-أستراتيجية التي مكنت الدعم السريع من تحويل تمرد معزول اجتماعيا (وكان من الممكن دوليا) لنزاع مسلح متطاول مسنود بجسر جوي عسكري من دولة الأمارات.

وتطور مع مرور الوقت، موقف هذه القوى (تقدم) ليصبح موقف تحالف ضمني مع الدعم السريع، حتى بعد ثبات ارتكاب الدعم السريع لعملية تطهير عرقي في غرب السودان في الجنينة. ومنهجية أنتهاكات القانون الدولي (ما يهمني هو انها انتهاكات لاعراف الحرب أما القانون الدولي ففي الحقيقة لا يهمني، وجب التنبيه). وبالتالي تطور موقف عداء عمرو صالح يس لهذه القوى. حتى وصل مؤخرا لدعوة ربما غريبة من حيث الشكل ب (اعدام) قيادات هذه القوى حال انتهاء الحرب بانتصار الجيش. وهي دعوة تجد صدى واسعا خاصة من قبل مناصري نظام المشير عمر البشير السابق العائدين حديثا للمشهد من بوابة مناصرتهم للجيش. وربما أيضا صدى واسعا عند عامة السودانيين ممن أذاقهم الدعم السريع مر العذاب وبالتالي أصبح موقفهم ضد (تقدم) راديكاليا بصورة مفهومة.

ذكرني موقف عمرو صالح يس لنمط من السياسة الجذرية كنت (ومازلت) أسعى لاستعادته. وهو منطق السياسة اليعقوبية في العنف الثوري. أقرأ مثلا هذه الورقة الأكاديمية الذي قمت بترجمتها قبل ثورة ديسمبر بوقت ما:

روبيسبيير أو (العنف المقدس) للإرهاب / ترجمة مقال لسلافوي جيجاك
MAHMOUD ELMUTASIM
·
13 يناير 2023
Read full story
فعمرو يطالب، من باب راديكالية الموقف العملي، وأثاره الجذرية العنيفة على عموم السودانيين، بإدخال العنف القانوني للدولة كجزء من عملية التأسيس. وهذا أمر أتفق معه فيه كما هو واضح من الترجمة في الاعلى و مقالي عن الديمقراطية كنظام تأسيس.

إلا أن ما نختلف فيه على ما يبدو، هو من يقرر شرعية هذا العنف التأسيسي. (أقترح على المهتم قراءة الورقة بالغة الأهمية لوولتر بينجامين حول نقد العنف)

فليس من الواضح، في دعوة عمرو للعنف السياسي - القانوني، كيف تتم هذه العملية. وليس من الواضح بالنسبة لي، مدى التزام عمرو بالدستورية (أو الديمقراطية) في هذه العملية. من ناحيتين:

أولا، إن صح أن عمرو من مؤيدي فكرة المباديء فوق الدستورية، فيفترض أن من أهم تلك المباديء فوق الديمقراطية هو الحق في التعبير والإعتقاد. بما في ذلك، كما أظن و إن اتسع صدر المشرع للمباديء فوق الدستورية أيا يكن، الحق في الاعتقاد ببلاهة فكرة الدولة. أو الحق في الاعتقاد في الدعم السريع. أو حتى الحق في الاعتقاد بعدم أهمية الروح الإنسانية ألخ من سيء المعتقدات التي يفترض أن الدستور يحميها حماية لحرية الضمير من ناحية جذرية. وبالتالي تكون مشانق عمرو صالح يس مفهومة فقط باعتبار أن "قحت" قد ارتكبت جريمة قانونية هي الخيانة الوطنية وهذه جريمة تحتاج لقانون مشرع بطريقة ما يفصل فيها. فليس كل علاقة مع دولة أجنبية هي خيانة وطنية حسب القوانين المختلفة للمجتمعات المختلفة. وبالتالي يجدر هنا التساؤل عن آلية عمرو لهذه المشانق. هل هي مما يسبق حتى المباديء فوق الدستورية؟ (ونعود لهذا السؤال لاحقا).

ثانيا، يتردد في صدى دعوة عمرو أسماء قادة عسكريين أقوياء يؤسسون "دولتهم" على مثل رغبة عمرو (وربما تحولها لرغبة شعبوية عامة). فيمن للواحد أن يتخيل صدام حسين مثلا معجبا بمثل مشانق عمرو. أو حتى المقاتلين الأسلاميين حاليا في كتائب البراء أبن مالك. فهذه الدعوة هي دعوة دولتية Statist قد تروق في عنفها لمؤيد الدولة، الديمقراطي، والمجرم (صدام حسين كان كذلك مؤيدا شرسا لفكرة الدولة، والنظام المصري المبالغ في العنف والإجرام كذلك، فالدعوة للعنف في هذا الاطار هي ليست نقية من هذه الشائبة بالتعريف وتحتاج لتوضيح كثيف).

ونأتي هنا ونحن بصدد مسألة بالغة الجدية كالعنف، للتفريق بين الدولة والدستور.

ب. إنه الدستور أيها الغبي

كان جيم كارفيل، وهو شخص مثير للتقزز بالمناسبة، قد وضع الشعار It is the economy, Stupid! كشعار لحملة بيل كلينتون الانتخابية الأولى في ١٩٩٢ والذي لاقى أستحانا عاما حتى بات أحد أهم الشعارات السياسية في تاريخ الانتخابات الأمريكية. وسر مقبولية الشعار هو أنه ذكر النخبة الأمريكية بأمر كانت قد نسيته في وقت وجب تذكره. وهذا هدف العنوان الجانبي (مع حفظي لحقي في ذكر حقيقة أن عمرو صالح يس غبي بدون أعتذار ههههه).

على العموم،

إذا أردنا أن نسائل موقف عمرو صالح يس الدولتي أكثر، وجب أن نزيحه عن وضعه المريح كموقف (ضد الدعم السريع) فهذه الحالة بالذات يسهل التبرير لها بأي تبرير. إن قلت أنني ضد الدعم السريع لأنني مرهف الحس صح هذا التبرير. أو لأنني أكره الفوضى. أو لأنهم مدعومون من دولة أجنبية ألخ. فمشاكل الدعم السريع كثيرة بالتالي يسهل الاختباء تحت ظلها.

لكن لفهم أشكالية موقف عمرو صالح يس. علينا أن نتخيل أن بدل الدعم السريع كان يخوض هذه الحرب عبد العزيز الحلو على رأس جيشه الشعبي لتحرير السودان. ويسعى عبرها لتحرير وطني يرسي من بعده وبصدق مبادئه الفوق دستورية. ما الموقف في تلكم اللحظة؟ هل ستقف فكرة الدولتية العمرو صالح ياسينية على نفس سيقانها في ذلك الوقت؟ وهذا الأمر قد حدث بالفعل في التاريخ السوداني. فقد كان العقيد جون قرنق قد خاض ضد الدولة السودانية حرب تحرير وطنية لقومه وحصل من الدولة السودانية، وبعد هزيمته لها، على حق الانفصال عنها. ويمكن للمرأ أن يتخيل حركة شعبية ماوية أكثر جذرية لا تقف إلا بعد أسقاط الدولة وبناء جمهورية شعبية على انقاضها. و مشروعية هذه الممارسات سيكون من المضحك مناقشتها بناءا على فكرة مجردة في محبة (الدولة). فمن الممكن كما هو واضح نظريا، السعي لتدمير الدولة لبناء دولة أفضل منها في مكانها. وهو الأمر الذي قامت به الشعوب بصورة مستمرة. ومشروعيته تناقش في إطار (أي الدولتين أفضل، القديمة أم الجديدة) أكثر منه عبر الدفاع بفكرة ال (الوضع القائم De facto or Default ) عن الدولة القديمة.

ثم يجدر السؤال كذلك عن مدى مشروعية الدولة السودانية الآن. وهي أمتداد في شكل جيشها وقائدها لدولة عمر البشير الانقاذية الشمولية (وغير الدستورية كذلك، باعتبار خرقها الدائم للدستور غير الديمقراطي نفسه). وبالتأكيد فليس لهذه الدولة أي مشروعية. وهو الأمر الذي قرره الشعب عمليا في ثورة ديسمبر. فهي بالفعل (دولة) من حيث جهازها البيروقراطي، ألياتها الأجتماعية التأسيسية Infrastructure (التعليم، الصحة، الطرق إلخ) لكن لا يعني ذلك أنها شرعية. فهنالك دولة شرعية. ودولة غير شرعية. (وجب التفصيل هنا، قد يقول عمرو أن ما تم الغاء شرعيته في ديسمبر هو السلطة "حزب المؤتمر الوطني" وليس الدولة، وقد يكون ذلك صحيحا باعتبار أن الجماهير طالبت بتدخل جيش الدولة، إلا أنه يمكن تخيل حراك ثوري أخر ضد جيش الدولة نفسه، وبالنسبة لي كان يكون ذلك مشروعا كذلك، مثلما حدث في سوريا او ليبيا).

ويحق بحق الدولة غير الشرعية الخروج عليها بالسلاح. فدولة الحكم التركي الغردونية كانت دولة غير شرعية يحق الخروج عليها بالسلاح. ودولة معمر القذافي في ليبيا كذلك. وسيكون من المضحك أن تجادل انسانا ليبيا ابان حكم معمر القذافي بأنه من ناحية مبدئية لا يجدر الخروج على طاغية مبالغ في العنف مثله بالسلاح. بينما يقوم هذا الطاغية باستعمال أجهزة (الدولة) في قتل سكان مدن باكملها. فذلك يكون من باب أن تطعم الانسان ولا تدعه ياكل من خشاش الارض.

أذن فالنقاش فيما يخص الوضع الراهن (الجيش ضد الدعم السريع) هو ليس نقاش مبدئي. (لو كان الدعم السريع تنظيما ديمقراطيا جذريا لكنت أنا أول مؤيديه، وبصورة عامة ليس عندي أي مأخذ على الثورات المسلحة من حيث المبدأ بداية بالثورة الفرنسية وصولا للحرب الأهلية الصينية بقيادة ماو). بل هو نقاش تكتيكي واقعي (يجب أن نقف مع الجيش، الذي يمثل الدولة غير الشرعية، لأن المهدد الآن هو شيء أسوأ، يهدد الأمن الاجتماعي ويهدد برهن مصيرنا للاجانب). وفي هذا النقاش التكتيكي هنالك أذن مسارات عدة ممكنة (كنت في معرض مقالي عن الديمقراطية كنظام تأسيس قد قلت أن مثل مقالي ينفع لحالات الحرب كذلك، يمكن قراءته)، واحدة منها مثل تنظيم (نداء الوسط) ونقد هذه المسارات يكون بنقد تفاصيلها: هل أجادت العمل وأحسنت النية (النظرية) أم لا. وليس بفكرة الدولة التي لا ترى غير طريق واحد لخوض هذه الحرب.

ثم ماذا لو هزم الجيش. يبدو أن عمرو صالح يس يريد أن يسلمنا كسودانيين مسدسا بطلقة واحدة. فيبدو لي أنه إذا حدث و إنهزم الجيش فليس لدى عمرو صالح يس لنا كسودانيين أي خيارات أخرى. فالرب الذي هو الدولة قد مات. وتلك حالة متطرفة في التوسل بالوضع الراهن غير تاريخية. ولو كان الأمر كذلك لكانت نهاية المجتمع السوداني قد حدثت حوالي العام ١٥٠٤م على يد عبد الله جماع وعمارة دنقس.

ج. الفرق بين الدولة و الدستور:

لأن عمرو صالح يس غير مؤمن بالديمقراطية. (ولأن كل الحالات الدستورية الأخرى باتت غير ممكنة: الملكية، دولة الحزب الاشتراكي الواحد، الدولة الاسلامية) فيجد عمرو صالح يس نفسه خاليا من الدستور كملجأ من حر هذه الحرب. وبالتالي يستجير بمفهوم (الدولة) عبر تحويلة بصورة تكاد تكون كوميدية لمفهوم شبه-أخلاقي. فلكي يضع الواحد منا الدستور كعنصر مؤسس يمكن خوض الحروب تحت ظله، سيجد الانسان نفسه متورطا ربما في الفكرة الدستورية الوحيدة الممكنة اليوم وهي الديمقراطية.

و الكوميدية في تصور عمرو ليست في مفهوم (الدولة) نفسه. فهيغل مثلا نظر للدولة كتكوين روحي جامع (يقوم تحديدا عبر الحرب، وهذه النقطة قد تعجب عمرو)، ولكن لفصله (أي عمرو) مفهوم الدولة (البيروقراطية، الآلية أو المادية يمكن القول صاحبة ال Infra-Structures) عن أصلها الروحي (الشرعية) في الدستور. فدولة عمرو صالح يس هي دولة مثل هذه التي يقودها البرهان، دولة كيفما اتفق، ثم يريد عمرو أن يحولها لشيء روحي. وذلك ممكن أثناء حرب شعواء عبر مشاعر شخص قلق. لكنه حال التفكير فيه بروية سيبدوا مضحكا.

ما يمكن الإجماع حوله. والإلتزام به روحيا. هو الدستور. وتحديدا في هذا الإطار، الدستور الديمقراطي. وليس الدولة.

وستجد في الدستور الديمقراطي الأمريكي، مثلا، تبيانا لتناقض الدولة و الدستور: فالدستور بصفته المؤسس (الذي بحقه البيعة، وهي في عرف المسلمين ميثاق الانسان تجاه السلطة) يقسم الدولة لثلاثة أقسام يضع كل منها ضد الأخر تراقبه. و الدستور، يجهز الشعب بالسلاح كحق أعلى وجب رفعه ضد الدولة حال خروجها عن حقها في تطبيق الدستور فقط. على طريقة لقومناك بسيوفنا. فالدستور أبتداءا ينزع الشرعية المطلقة من الدولة ومن تهديدها للناس بالعنف جزافا. ويجعل الشرعية بالمطلق داخل التقرير الديمقراطي الذي هو تقرير الشعب في صورة الدستور المجاز في فيلاديلفيا في القرن الثامن عشر بالأغلبية.

وقد يرد قائل بفكرة (أمريكا البتعبدوها دي) أي أن امريكا ليست نموذجا يحتذى. (وهي عندي نموذج في الديمقراطية يحتذى ولست رهينا للغرب جزافا مع ذلك و الحمد لله). لكن لمثل هؤلاء فسأقول بانكم عبدتم امريكا دي في كل حاجة، ما بقت على الديمقراطية يعني: حتى الحركة الاسلامية السودانية تشدقت لنا بثورة التعليم العالي الحديثة. فادعاء الجذرية في رفض النموذج الامريكي-الغربي عندنا هو كذب عموما. وربما لخير فالنموذج الأخر (الصين) اليوم، رغم محاسنه العديدة، فهو من ناحية أخرى تهديد لحريتنا كمجتمع حقيقي جدا.

خاتمة:

نحن قوم أعزنا الله بفكرة الديمقراطية. و الدستور الديمقراطي. و متى أبتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

في هذه الحرب، فكل عمل يهدف لاستعادة حق الناس الديمقراطي في حكم انفسهم. الحق الذي انطلقت به ثورة ديسمبر، أستعادته أولا من عصابات الدعم السريع العشوائية الجهوية المرتهنة للخارج، ثم من العناصر ضد الديمقراطية داخل الجيش ايا كانت، كل عمل يهدف لذلك هو حق. و أستراتيجيا هو عمل بناء. إن كان مسلحا أو غير مسلح. عبر أجهزة الدولة أو خارجها. أما أمثال عمرو صالح يس فهم في نهاية التحليل أدوات سلطوية، ستجد في نهاية الأمر مستبدا عادلا كاغامي (نسبة لبول كاغامي أكبر جهابذة الدولتية Statists الافارقة) ما لتؤيده وتجرعنا غصص السعادة من أعلى. من أعلى هنا تعني من أعلى أبراج الدولة السلطوية الجميلة.

نأتي ربما في وقت أخر لنقترح بعض الأمور للتشكيلات النيرة مثل نداء الوسط لتجويد عملهم ليس بالديمقراطية الدستورية فقط بل بالديمقراطية الواقعية (التشاركية - التعاونية - التنظيمية) فالحروب هي ظروف جذرية في الشدة يظهر في داخلها أحيانا الخلق.

و قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء.

كاتب سوداني - شيوعي - أفريقي

mahmoud.elmutasim@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • قطر.. بدء التصويت على مشروع التعديلات الدستورية
  • عمرو صالح يس: دولتي متطرف أو … في الفرق بين الدولة و الدستور
  • أمانة التعليم بـ"مستقبل وطن" تستعرض إطلاق منصة تعليمية لدعم الطلاب
  • بيعالج حاجات كتير.. فوائد اللب السوري| أبرزها زيادة الطاقة والمناعة
  • تصاعد قصف النظام السوري يفاقم أزمة النزوح بريف إدلب
  • فيدان: النظام السوري غير مستعد للتطبيع مع تركيا والاتفاق مع المعارضة
  • إسقاط عضوية نائب بالبرلمان السوري لحمله الجنسية الأردنية
  • هاشم صفي الدين.. وكرم الشهادة
  • تركيا: الرئيس السوري غير مستعد لتطبيع العلاقات
  • الكتلة الوطنية: عملية البترون تثبت ان البلاد مكشوفة أمام الآلة العسكرية الاسرائيلية