الجزيرة:
2025-03-03@15:24:56 GMT

هاشم الأتاسي.. أبو الدستور السوري

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

هاشم الأتاسي.. أبو الدستور السوري

هاشم الأتاسي زعيم وطني سوري، ولد في مدينة حمص عام 1873 م، شغل منصب رئيس الجمهورية 3 مرات، وانتخب رئيسا للمؤتمر السوري عام 1920، وهو واضع الدستور السوري الأول، أسس مع رفاقه الكتلة الوطنية، وترأس الوفد السوري لباريس عام 1936 للتفاوض لعقد معاهدة استقلال سوريا، وانتخب رئيسا للجمهورية السورية عام 1936، ثم أعيد انتخابه عام 1949، وتولى الرئاسة بعد إخراج أديب الشيشكلي من الحكم عام 1954، توفي عام 1960.

المولد والنشأة

ولد هاشم الأتاسي الملقب بـ"أبو الدستور" يوم 11 يناير/كانون الثاني 1873 م في مدينة حمص وسط سوريا لعائلة اشتهرت بمكانتها الاجتماعية والسياسية، إذ شغل عدد من أبنائها مناصب متنوعة في الساحتين الدينية والسياسية على مدى 6 قرون، بدءا من القرن الـ14 وصولا إلى القرن الـ20 الميلادي، ومن بين تلك المناصب مفتون ووزراء ونواب وسفراء ونقباء وشخصيات أخرى بارزة.

نشأ هاشم في عائلة اهتمت بعلوم الدين والقضاء، فكان جده محمد الأتاسي مفتيا لحمص، في حين شغل والده منصب عضو في مجلس "المبعوثان" في إسطنبول، ثم خلف والده في منصب مفتي حمص.

تلقى علوم الدين والأدب عن والده وأعمامه، إضافة إلى كبار علماء حمص، فمهدت له هذه البيئة الطريق ليصبح إحدى أبرز الشخصيات في تشكيل سياسة سوريا الحديثة، تزوج ابنة عمه وردشان الأتاسي وأنجبا 7 أبناء.

الدراسة والتكوين العلمي

أتقن هاشم الأتاسي علوم الدين والشريعة والأدب في صغره، وأتم دراسته الابتدائية في مسقط رأسه، ثم أوفده والده إلى الكلية الإسلامية (المدرسة السلطانية) في بيروت لمتابعة دراسته الثانوية.

التقى الأتاسي في بيروت بالإمام محمد عبده الذي كان يقضي فترة منفاه هناك، ودرس عليه اللغة العربية وأفكاره الإسلامية، اجتمع أيضا بكامل دوامة كاتب سر السلطان عبد الحميد وأحد أقرب المقربين منه.

هاشم الأتاسي أكمل دراسته العليا في إسطنبول ودرس بالمدرسة الملكية العليا للإدارة (الجزيرة)

أعجب دوامة بذكاء الأتاسي وشجعه في دراسته، وعرض عليه الزواج من ابنته، لكن الأتاسي اعتذر لأنه كان قد خطب ابنة عمه المفتي عبد اللطيف الأتاسي في حمص.

أكمل دراسته العليا في إسطنبول، ودرس بالمدرسة الملكية العليا للإدارة لمدة 4 أعوام، وحصل على الشهادة الملكية عام 1894.

التجربة السياسية في العهد العثماني

انخرط هاشم الأتاسي في عالم السياسة فور تخرجه في المدرسة الملكية عام 1894 م، وتنقل بين الولايات في بلاد الشام وفي الأناضول، فشغل منصب نائب والي بيروت لمدة 3 سنوات.

ثم تدرج في منصب القائم مقام لمدة 24 عاما، بدأها من مدينة المرقب عام 1897 م، ثم مدينة عكا في العام ذاته، ثم صهيون بعد ذلك في بانياس، وانتقل بعدها إلى مدينة صفد عام 1902، ثم إلى صور في العام التالي، وفي عام 1904 أصبح قائم مقام مدينة السلط لمدة عام، انتقل بعدها بالمنصب ذاته إلى عجلون في السنة التالية وبقي فيها 3 سنوات، قبل أن يصبح قائم مقام مدينة جبلة عام 1908، ثم بعلبك عام 1909 ثم حاجين 1910، وأخيرا يافا عام 1911.

ترقى بعدها إلى منصب المتصرف، فعيّن متصرفا لمدينة حماة عام 1912، ثم عكا، فجبل بركات، ثم عيّن في منطقة بوردور التي كانت تابعة إداريا لولاية قونية التركية أيام الحكم العثماني، وأخيرا بيروت عام 1913.

عاد هاشم إلى حمص بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وشغل منصب متصرف لها بعد ابن عمه عمر الأتاسي، وذلك بعد أن استقلت من متصرفية حماة، وتولى هذا المنصب من عام 1919 حتى 1920.

عمل الأتاسي خلال توليه منصب قائم مقام على حماية الأقليات، ففي عام 1901 لجأت 300 أسرة شيشانية من الاضطهاد القيصري الروسي إلى الأردن، حيث استوطنت مدينة الزرقاء، وأعطى الأتاسي الموافقة للعائلات بإقامة أول بناء في صويلح.

هاشم الأتاسي (الثالث يمين) مع الملك فيصل بن سعود (يمين) ورئيس الوزراء فارس الخوري (موقع آل الأتاسي) المؤتمر السوري العام

لم يشارك هاشم الأتاسي في الثورة العربية الكبرى التي انطلقت عام 1916، لكنه كان متعاطفا معها ومقربا من قائدها العام الشريف حسين بن علي أمير مكة المكرمة، انتهت الثورة بخروج العثمانيين من بلاد الشام وقيام الحكومة العربية عام 1918 بقيادة الأمير فيصل الأول بن الحسين.

دعا الأمير فيصل إلى إجراء انتخابات لقيام أول مجلس نيابي لبلاد الشام، ففاز الأتاسي بعضوية المجلس الذي سمي المؤتمر السوري العام ممثلا عن مدينة حمص، وانتخب رئيسا للمؤتمر يوم 6 مارس/آذار 1920، وعقدت أول جلسة للمؤتمر يوم 8 مارس/آذار 1920 افتتحها الأتاسي بقرار تنصيب الأمير فيصل ملكا على سوريا وعدم الاعتراف باتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور.

وفي 10 مارس/آذار 1920 انتخب مجلس النواب هاشم الأتاسي رئيسا للجنة صياغة الدستور السوري الأول الذي اعترف بمُلك الأمير فيصل وأولاده على أراضي سوريا، ونص على ضرورة عودة الملك إلى مجلس النواب قبل اتخاذ أي قرار يخص البلاد في حالتي السلم والحرب.

واجهت سياسة توحيد بلاد الشام تحت حكم الملك فيصل معارضة قوية من الدول الاستعمارية التي سعت لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة.

وفي 14 يوليو/تموز 1920 تلقى الملك فيصل إنذارا من المفوض السامي الفرنسي هنري غورو يطالبه بحل الجيش السوري وجمع السلاح تمهيدا لفرض الانتداب الفرنسي، وبينما اقترح الأتاسي رفض الإنذار اختار الملك فيصل رغبة منه في تجنب الصراع مع فرنسا قبوله وأرسل برقية موافقة إلى غورو.

اعتبر غورو رد فيصل متأخرا، وأمر ببدء الزحف نحو دمشق، حيث وقعت معركة ميسلون يوم 24 يوليو/تموز 1920 بين الجيشين السوري والفرنسي، وانتهت بهزيمة الجيش السوري، مما أدى إلى عزل الملك فيصل ومغادرته البلاد وعودة هاشم الأتاسي إلى حمص.

الكتلة الوطنية

عُقد مؤتمر سان ريمو -الذي أقر الاحتلال الفرنسي على سوريا عام 1920- وانتقلت القوات الفرنسية من بيروت إلى سوريا وبدأت بتأسيس دويلات منفصلة على أنقاض المملكة العربية السورية.

اصطدمت هذه المخططات باندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، وعلى إثرها اعتقلت القوات الفرنسية هاشم الأتاسي ومجموعة من الوطنيين ونقلتهم إلى سجن جزيرة أرواد السورية عام 1926.

سعى الوطنيون بعد انتهاء الثورة عام 1927 إلى تأسيس تنظيم سياسي جديد يمثل مطالب الشعب السوري بإنهاء الاحتلال وتوحيد الأراضي السورية.

واجتمع الأتاسي مع نخبة من الوطنيين في بيروت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 1927 ليعلنوا ميلاد "الكتلة الوطنية" التي طمحت إلى مجابهة الاحتلال سياسيا.

دعت الحكومة الفرنسية في أبريل/نيسان 1928 إلى انتخاب مجلس تأسيسي وكتابة دستور جديد للبلاد، ففازت الكتلة الوطنية بأغلبية المقاعد وانتخب الأتاسي رئيسا للجنة الدستور المؤلف من 115 مادة.

أقر جميع النواب داخل المجلس مواد الدستور، لكن السلطات الفرنسية أصرت على إضافة المادة 116 التي تضمنت الاعتراف بالانتداب الفرنسي على سوريا.

رفض هاشم الأتاسي الاعتراف بالمادة، مما أدى إلى تعطيل فرنسا أعمال المجلس وحله في 5 فبراير/شباط 1929.

أعلن المفوض السامي الفرنسي في سوريا هنري بوسنو عام 1932 عن انتخابات نيابية للمجلس التأسيسي، لكنها لم تكن لصالح الكتلة الوطنية، فقد واجهت مجموعة مدعومة من فرنسا بقيادة صبحي بركات، وخسرت جميع أصوات الناخبين في الشمال السوري الذين صوتوا لصبحي بركات.

فاز الأتاسي بمقعده نائبا عن حمص، ووصل عدد نواب الكتلة إلى 17 نائبا، وهو ما لم يكن كافيا لتحقيق الأغلبية النيابية في المجلس، وترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية ضد صبحي بركات والمرشح المستقل محمد علي العابد، لكنه قرر الانسحاب وإعطاء أصوات كتلته لمحمد علي العابد الذي أصبح أول رئيس للجمهورية يوم 11 يونيو/حزيران 1932.

وفي بداية عام 1936 أعلنت الكتلة الوطنية إضرابا استمر 60 يوما بسبب تضييق الاحتلال الفرنسي على أعمال الكتلة، وقمع المظاهرات السلمية التي تطالب بالاستقلال.

قاد الإضراب فرنسا إلى الدخول في مفاوضات مع الكتلة الوطنية، حيث تم التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف الإضراب مقابل الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.

جنازة هاشم الأتاسي عام 1960 وقد لف جثمانه بالعلم السوري (موقع آل الأتاسي)

عقب الإضراب توجه وفد من أعضاء الكتلة الوطنية بقيادة الأتاسي إلى فرنسا للقاء الحكومة الفرنسية وتوقيع المعاهدة الفرنسية السورية عام 1936، حيث رضخت فرنسا لمطالب الاستقلال، وأجريت انتخابات نيابية ورئاسية فاز فيها الأتاسي بمنصب رئيس الجمهورية يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 1936.

الحرب العالمية الثانية

واجهت سوريا مرحلة حرجة تمثلت باستقالة هاشم الأتاسي من رئاسة الجمهورية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر/أيلول 1939 ونقض فرنسا معاهدة 1936.

ساعدت بريطانيا في تقليص النفوذ الفرنسي بسوريا، واستجابت لمطالب السوريين بالوحدة والاستقلال، وتحت ضغط الأطراف الدولية ونتيجة لتقلص نفوذها اضطرت فرنسا في نهاية المطاف إلى منح سوريا استقلالها عام 1946، ليتولى شكري القوتلي رئاسة الجمهورية.

عصر الانقلابات العسكرية

عاش هاشم الأتاسي بعد الاستقلال حقبة سياسية مضطربة تميزت بصراع بين الشرعية الديمقراطية والانقلابات العسكرية، وبعد هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل عام 1948 دشن حسني الزعيم عصر الانقلابات العسكرية في سوريا بانقلابه الأول على شكري القوتلي عام 1949.

لم تستمر حكومة الزعيم طويلا، حيث انقلب عليه سامي الحناوي الذي اجتمع بزعماء سوريا واتفقوا على تكليف هاشم الأتاسي بتشكيل الحكومة، ليعود إلى رئاسة الجمهورية في 14 ديسمبر/كانون الأول 1949.

انقلب أديب الشيشكلي عسكريا على هاشم الأتاسي عام 1951، فعاد الأتاسي إلى مدينة حمص رافضا الاعتراف بحكم الشيشكلي، ودعا إلى مؤتمر حمص في منزله عام 1953 ضم جميع خصوم الشيشكلي الذين أقروا بعدم الاعتراف بحكم الشيشكلي والسعي لإسقاطه بكل الطرق المتاحة.

وفي 25 فبراير/شباط 1954 انطلقت الشرارة الأولى للانقلاب العسكري الذي أطاح بأديب الشيشكلي من مدينة حلب بقيادة الضابط البعثي مصطفى حمدون.

اجتمعت الأحزاب ورجال السياسة في منزل هاشم الأتاسي بحمص بعد الإطاحة بنظام الشيشكلي، وطلبوا منه بالإجماع العودة إلى الحكم لإكمال مدة رئاسته الدستورية، فوافق رغم تقدمه في السن، وكان قد تجاوز الـ80 عاما.

استمر هاشم الأتاسي في رئاسة سوريا حتى انتهاء فترة ولايته يوم 6 سبتمبر/أيلول 1955، ليتسلم شكري القوتلي مقاليد الحكم عبر تنظيم انتخابات.

الوظائف والمسؤوليات

لعب هاشم الأتاسي دورا محوريا في تاريخ سوريا الحديث، بدءا من رئاسته للمؤتمر السوري العام عام 1920، حيث قاد صياغة الدستور السوري الأول، ثم أسس الكتلة الوطنية عام 1928، وترأس لجنة صياغة الدستور مرة أخرى.

وفي عام 1936 انتخب رئيسا للجمهورية السورية، فسعى إلى دعم الاستقلال الوطني ومقاومة الاحتلال الفرنسي.

استقال من منصبه عام 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكنه عاد إلى رئاسة الجمهورية عام 1949 بعد الإطاحة بحكم حسني الزعيم، وبقي في المنصب حتى انتهاء فترة ولايته عام 1955.

قضى الأتاسي بقية حياته في مدينته حمص معتزلا السياسية وبعيدا عن الشأن العام، وكان آخر ظهور علني له عام 1958 عندما توجه إلى دمشق للمشاركة في استقبال الرئيس المصري جمال عبد الناصر حين تم إعلان الوحدة بين سوريا ومصر وإنشاء الجمهورية العربية المتحدة.

الوفاة

توفي هاشم الأتاسي صباح يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1960 عن 87 عاما في مسقط رأسه بحمص، وأُعلن الحداد الوطني في كافة أنحاء الجمهورية العربية المتحدة آنذاك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رئاسة الجمهوریة الکتلة الوطنیة الحرب العالمیة الأمیر فیصل الملک فیصل مدینة حمص عام 1936

إقرأ أيضاً:

تحت القصف في غزة.. فريق محلي ينقذ تاريخا مدفونا تحت الأنقاض

غزة- بينما كان غزيون ينبشون بسواعدهم تحت ركام المنازل والمباني المدمرة بحثا عن أحبتهم الشهداء، كانت حنين العمصي تقود فريقا محليا في مهمة معقدة تحفها مخاطر جمة لإنقاذ تاريخ غزة الذي لم يسلم من حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع المدمر.

وعلى وقع أصوات الانفجارات، والقصف جوا وبرا وبحرا، كانت العمصي وفريقها ينقبون تحت مقر "دائرة المخطوطات والآثار" المدمر في قلب "غزة القديمة" بحثا عن مخطوطات استهدفتها صواريخ وقذائف الاحتلال لتغتال "حكاية تاريخ" لهذه المدينة "الضاربة في عمق الزمن".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إحياء فن الخط العربي في سريلانكا.. مبادرة لتعزيز الهوية الثقافية للمسلمينlist 2 of 2"شيخ الخطاطين" حسن جلبي.. 60 عاما برفقة اليراعend of list

وبدأت رحلة البحث عن المخطوطات وإنقاذها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من خلال فريق محلي مكون من 4 أفراد وبتمويل أوروبي، وعن هذه المخطوطات تقول العمصي للجزيرة نت:

"إنها ضمير الشعب الفلسطيني، وعنوان بارز في تاريخنا، وهي الذاكرة الواعية، وسجل حافل، ورسالة تواصل بين الأجيال المتعاقبة".

وجاءت هذه الرحلة استكمالا لما كان قد بدأه المختص في ترميم المخطوطات أحمد أبو شريعة بمفرده، وهو المبادر الأول في مهمة البحث عن المخطوطات وانتشالها من تحت الأنقاض، ويقول للجزيرة نت "رغم حالة الخوف والرعب التي كانت تنتابني من سماع أصوات القذائف والصواريخ من حولي وأنا أحاول كل مرة أن أخرج هذا الإرث العظيم الذي خلفه علماء غزة ومشايخها من مخطوطات في كافة العلوم".

إعلان

"تغلب عشقي للمخطوطات والتاريخ على مخاوفي" ويتابع أبو شريعة وهو عضو في الفريق المحلي ويقول "كان همي الوحيد أن أنقذ تاريخا عريقا خطه السابقون مثبتين أننا أصحاب هذه الأرض وأننا بحفاظنا على هذا الوجود القائم من قديم الزمان وهو مؤرخ في هذه المخطوطات نحفظ حق أبنائنا في هذه الأرض وندحض رواية من يقولون إننا حديثي العهد على هذه الأرض".

الدكتورة حنين العمصي تشرف على فريق محلي لإنقاذ مخطوطات تاريخية بدائرة المخطوطات والآثار بمدينة غزة (الجزيرة) وثائق نفيسة

غير مرة تساقطت القذائف في الجوار، بينما حنين وفريقها ينهمكون في مهمة سباق مع الزمن، لانتشال المخطوطات من تحت الأنقاض والركام، وبرأيها فإن المهمة "تستحق المغامرة والمخاطرة" وبفخر وعزيمة تقول "قتلونا وأرادوا قتل تاريخنا، ولكننا أفشلنا عملية اغتيال التاريخ وحافظنا على إرث الأجيال".

وهذه المخطوطات التي أراد الاحتلال بجريمة ممنهجة أن يدمرها ويدفنها هي:

"وثائق نفيسة، وهي إرث قيم كتبه علماء فلسطين وعلماء غزة، وتروي تاريخنا الضارب في أعماق التاريخ من آثار معمارية وفنية، وحياة فكرية وعلمية، وتصور حياة زاخرة على هذه الأرض منذ قديم الأزل".

وجاء جهد الفريق المحلي ضمن مشروع "الإنقاذ العاجل لقبة دار السعادة والمخطوطات التاريخية" بتنفيذ مؤسسة التعاون الدولي جنوب جنوب (CISS Palestine)، وتمويل الاستجابة الثقافية الطارئة (Cultural Emergency Response).

وبكثير من الفخر بما أنجزه الفريق، تقول العمصي "الآن نستطيع القول: إننا نشعر بخير" وتضيف "هذه بطولة في وقت عصيب" وتستشهد بعظيم الانجاز بما يقوله المؤرخ الفلسطيني مدير دائرة المخطوطات والآثار الدكتور عبد اللطيف أبو هاشم "هذا وقت تعتبر فيه المخطوطات واحدة من أهم الوثائق التي تؤكد وترسخ التاريخ الفلسطيني في هذه الأرض، فهذه مخطوطات تعزز حقيقة وأحقية الوجود الفلسطيني، وتقف سداً منيعاً أمام الرواية التوراتية، والسردية الصهيونية. كما أنها تعمل على دحضها ونقدها وتقدم الأدلة الرصينة على ذلك، لكونها تعد أهم ركائز الموروث الثقافي الذي يشكل الشخصية الفلسطينية على مدار التاريخ".

بعد انتشال المخطوطات من تحت الركام هناك مرحلة ثانية لترميم المتضرر منها (الجزيرة) دحض السردية الصهيونية

عايش الدكتور أبو هاشم هذه المخطوطات على مدار 30 عاما، وأخضعها للدراسة والبحث، ليتكشف له الجانب المضيء من التاريخ الفلسطيني، وليثبت من خلالها أحقية الوجود الفلسطيني على هذه الأرض، فأصبح جل اهتمامه كيف يعتني ويحافظ على هذه المخطوطات الشاهدة على الهوية الفلسطينية.

إعلان

وبإشراف الدكتور أبو هاشم، تقول العمصي:

"على مدار حرب الإبادة تفرقت وتمزق الكثير من هذه المخطوطات؛ لكن تعود اليوم من تحت الركام لترى النور من جديد بسواعد فلسطينية، لتبقى حكاية وهج فلسطيني يظنه الغافلون عن تاريخنا أنه اندثر وأُبيد .. هي حقائق تبرز تراثنا وإرثنا ومؤلفات علمائنا وأعلامنا وشيوخنا".

وما قيمة هذا التراث الذي تم إنقاذه؟ سألت الجزيرة نت الدكتور أبو هاشم، فقال كان يوجد في "قبة دار السعادة" كمقر للدائرة 228 مخطوطة كاملة و69 مخطوطة غير مكتملة، بالإضافة إلى أكثر من 25 ألفا و298 صحيفة، وتتضمن المجموعة مخطوطات من القرن الـ14 الميلادي إلى أوائل القرن العشرين، وعددًا كبيرًا من المخطوطات غير المؤرخة من العصر العثماني، وتم تسجيل هذه المكتبة في برنامج المحفوظات المهددة بالانقراض من قبل المكتبة البريطانية سنة 2018.

والمخطوطات التي كانت قبل الحرب هي مجموعة مخطوطات مكتبة الجامع العمري الكبير (دمره الاحتلال كليا خلال الحرب) التي أودعت منذ 3 عقود في دائرة المخطوطات، وتغطي وتتوزع على جميع أقسام المعرفة الدينية من علوم قرآن وحديث وفقه وسيرة وتصوف، كما يقول أبو هاشم.

ووفقا له تكمن أهمية هذه المخطوطات لما لها من خصوصية تتعلق بفلسطين ومدينة غزة، فقد أوقفها علماء مدينة غزة وجنوب فلسطين والبعض منها هي مؤلفات لعلماء المدينة، وتلقي الضوء على الحركة العلمية والثقافية في مدينة غزة وما حولها من المدن والقرى، وتبين مساهمة علماء غزة في العلوم العربية والإسلامية.

المؤرخ أبو هاشم: هذه المخطوطات وثائق تثبت الحق الفلسطيني وتدحض الرواية الصهيونية بأرض فلسطين (الجزيرة) أبرز المخطوطات

كما أنها تعبر عن الموروث الثقافي لمدينة غزة وشخصيتها العربية والإسلامية وهي إضافة للتراث العربي الإسلامي والعالمي أيضاً، ويستعرض أبو هاشم أهم هذه المخطوطات:

ديوان ابن زقاعة الغزي:

وهو ديوان للشاعر الصوفي العالم الفلكي محمد بن بهادر بن زقاعة الغزي، وهذا الديوان وثيقة شاهدة على تاريخ وحضارة فلسطين ومدينة غزة.

ويصف أبو هاشم هذا الديوان بأن "بديعة أدبية ووثيقة تاريخية" لاحتوائه على كثير من مواضع فلسطين بأسمائها القديمة، ويعتبر وثيقة شاهدة ومهمة تعضد وتعزز الرواية الفلسطينية، وتبرز جميع صور الحياة في فلسطين وتظهر جميع الجوانب الحضارية والإنسانية في فلسطين.

إعلان

كما أن هذا الديوان وثيقة ساطعة تبين كذب وتزوير الرواية والسردية الصهيونية، بما فيه من أدلة واضحة على علاقة السكان وتمسكهم بأرضهم ووجودهم، علاوة على أنه قطعة أدبية ووثيقة تاريخية ناطقة لأصالة وعراقة مدن وقرى فلسطين بأسمائها التاريخية الحقيقية، وهو أكبر دليل على كذب افتراءات المقولة الصهيونية "أرض فلسطين كانت خالية من أهلها" ففيه صورة حية عن الناس والمدن والقرى والأزهار، وهذا الديوان هو أشبه بموسوعة أراد الشاعر أن يجمع ما تفرق من معارف العلوم كان لديه نية لنشرها من خلال النظم والشعر، وهذا ما كان له في هذا الديوان.

صواريخ الاحتلال تنال من ديوان العالم الغزي ابن زقاعة وهو مخطوطة ذات قيمة تاريخية وعلمية (الجزيرة) المصحف الأسير:

وتبرز أهمية هذا المخطوط بحسب أبو هاشم بأنه كتب بخط يد العلامة الشيخ أحمد شعشاعة العلمي الغزي سنة 1271 هجرية، وبخط نسخي جميل وحسب الرسم العثماني للقرآن الكريم، وعلى ورق قديم أوقفه كاتبه الأصلي.

وبقي هذا المصحف الشريف في مكانه بمكتبة المسج العمري الكبير بمدينة غزة حتى اختفى عام 1927، وهو نفس العام الذي صدر فيه وعد بلفور المشؤوم، والذي سلب الفلسطينيين وطنهم.

ولهذا المصحف -بحسب خبير المخطوطات أبو هاشم- أهمية كبيرة جداً فهو مخطوطة أثرية تدل على مدى انتماء أهل مدينة غزة لدينهم الإسلامي الحنيف.

"كما أن مخطوطاتنا أهم موروث لدينا يجب المحافظة عليه، وهو يدل على مدى اهتمام علماء المدينة بكتابة ونسخ المصاحف في ظل عدم انتشار الطباعة في ذلك الوقت".

فريق محلي ينقذ مخطوطات قيمة تروي تاريخ مدينة غزة (الجزيرة) الفتاوى التمرتاشية في الوقايع الغزية:

وعن هذا المخطوط، يقول أبو هاشم: جمعت فيه فتاوى العلامة النحرير والفهامة الشهير شيخ مشايخ الإسلام الإمام المقدام مفتي الأنام الشيخ محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزي الحنفي، وهو بمثابة تاريخ للحركة الثقافية والدينية، حيث يرد على الفتاوى التي كانت ترفع إليه وهي سجل حافل بالحراك الاجتماعي والثقافي والديني.

فتاوى شيخ الإسلام حسن بن عبد اللطيف الحسيني:

ولد عام 1156 هجري وتولى إفتاء الحنفية لأول مرة عام 1189 هجري، وبقيت في يديه حتى وفاته ما عدا فترات قصيرة. كما عمل قاضيا ونصب نقيبا للأشراف وشيخا للمسجد الأقصى، وهو أول من جمع أهم المناصب في القدس فكان نقيبا للأشراف، ومفتيا للحنفية، وقاضيا، وشيخا للمسجد الأقصى، وفقا لأبو هاشم.

مهمة محفوفة بالمخاطر لفريق محلي من أجل إنقاذ مخطوطات تاريخية من تحت الركام في غزة (الجزيرة)

وعنه يقول خبير المخطوطات إنه كان شخصية سياسية بارزة، وكان له دور مهم في الأحداث التي مرت على القدس وفلسطين وخصوصا أثناء الحملة الفرنسية، ولا يكاد يخلو فرمان أو مرسوم في تلك الفترة من ذكره كواحد من أبرز الأعلام المساهمين في الحياة السياسية والاجتماعية في المنطقة ككل.

إعلان

ومخطوط "الفتاوى الحسنية الحسينية" ضمنه مجموعة من الفتاوى، وجمع أسانيده الشيخ والعالم المقدسي محمد بن بدير بن حبيش كتابا أسماه "كشف الحزن وحلول المنن في أوصاف السيد حسن" وهو مخطوط -بحسب أبو هاشم- وقد أوقف مكتبة كبيرة عام 1201 هجري على العلماء والطلبة، وتضم كتبه وما ورثه عن والده من الكتب، وقد ضاعت هذه المكتبة لاحقا بفعل الإهمال، على أن كثيرا من الكتب الموقوفة توجد في مكتبة المسجد الأقصى.

مقالات مشابهة

  • أحمد عمر هاشم: ذكر الله يحقق ما لا يحققه الدعاء
  • دولة القانون: مأزق السودان الدستوري
  • السويح: لقاء القاهرة لم يبحث فصل الانتخابات التشريعية عن الرئاسية
  • ماذا تعرف عن المقام المحمود يوم القيامة؟
  • أحمد عمر هاشم: شهر رمضان شهد أعظم الانتصارات في التاريخ الإسلامي
  • عاجل. نتنياهو يتوعد بضرب النظام السوري إذا تعرض لدروز جرمانة جنوب دمشق ويتعهد بحماية هذه الأقلية في سوريا
  • تأجيل دعوى إلغاء قيود سفر النساء إلى السعودية لجلسة 31 مايو
  • تحت القصف في غزة.. فريق محلي ينقذ تاريخا مدفونا تحت الأنقاض
  • تأجيل دعوى إلغاء قرار منع النساء من السفر لـ السعودية لـ 31 مايو
  • سوريا: أحمد الشرع رئيساً للبلاد بالمرحلة الانتقالية وإلغاء الدستور وحل الأجهزة الأمنية