أثار الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، ليس بما انطوى عليه من رسائل "ردع" للعدو الإسرائيلي، الذي أكد له جهوزية المقاومة لمواجهة أيّ مغامرة يمكن أن يقدم عليها، من دون أيّ ضوابط أو أسقف، ولكن في الجزئية المتعلقة بالتحذير الذي وجّهه إلى دولة قبرص من فتح مطاراتها لإسرائيل في حال شنّ حرب على لبنان، حيث اعتبر أنّ فعلها لذلك "يعني أنها أصبحت جزءًا من الحرب".


 
وفي وقت أثار الأمر "بلبلة" في الداخل تجلّت بالإشاعات التي انتشرت سريعًا عن إقفال السفارة القبرصية لأبوابها، وهو ما سارع المعنيّون إلى نفيه، مع التأكيد على متانة العلاقات اللبنانية القبرصية، كان لافتًا أنّ الردود القبرصية الرسمية، سواء من الرئيس أو الحكومة، جاءت "هادئة"، إن صحّ التعبير، وتقاطعت على فكرة أنّ قبرص لا تشارك في أيّ شكل من الأشكال في نزاعات الحروب، وأنّها تعتبر نفسها "جزءًا من الحل"، وليس "جزءًا من المشكلة".
 
في المقابل، جاءت ردود خصوم "حزب الله" ومعارضيه في الداخل عالية السقف، حيث تفاوتت الاتهامات التي وجّهها هؤلاء للسيد نصر الله بين تعريض علاقات لبنان مع دولة يفترض أنها صديقة للخطر، ومصادرته دور رئاسة الجمهورية والحكومة، حتى إنّ هناك من ذهب لحدّ اعتباره نصّب نفسه "رئيسًا غير مُنتخَب"، من دون أن يحجب كلّ ذلك السؤال الأكبر: ما الذي يدفع الحزب، عبر شخص نصر الله، لرفع السقف وتهديد قبرص بهذا الشكل؟
 
توتر "غير مُعلَن"
 
يقول العارفون إنّ تهديد السيد نصر الله لدولة قبرص لم يأتِ من فراغ، وهو لا يعكس مجرّد "هواجس" قد تكون موجودة لدى الحزب في مكانٍ ما، على وقع تصاعد سيناريوهات واحتمالات الحرب الشاملة، بل إنّه يشكّل في مكان ما، ذروة "توتر غير مُعلَن" منذ سنوات طويلة بين الجانبين، حيث يتوجّس الحزب من العلاقات "المتينة" بين قبرص وإسرائيل، والتي قد تصل لحدّ "التماهي" وفق وصف بعض المؤيّدين للحزب.
 
يلفت هؤلاء إلى الكثير من المحطّات في سجلّ العلاقة القبرصية الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، تفرض "الحذر" على "حزب الله" في مقاربة إيّ إمكانية لانخراط قبرصي لصالح إسرائيل في أيّ حرب يمكن أن تندلع، علمًا أنّ ما حصل في موضوع ترسيم الحدود يُعتبَر بالنسبة لهؤلاء سببًا موجبًا لخشية الحزب، بعدما اتُهِمت الجزيرة بتجاوز لبنان والذهاب إلى ترسيم "ثنائي" مع إسرائيل، ما خلق إشكالية حدودية حينها.
 
لكن، ثمّة من يتحدّث عن أسباب "أكثر مباشرة" لهجوم السيد نصر الله على قبرص، تتمثّل في ما يُحكى عن تنسيق إسرائيلي قبرصي عالي المستوى في الفترة الأخيرة، حتى في ما يتعلق بـ"محاكاة" الحرب على لبنان، وسط معلومات عن تدريبات مشتركة بين سلاح الجو الإسرائيلي ونظيره من قبرص، وكذلك عن مناورات عسكرية للجيش الإسرائيلي على الأراضي القبرصية، من دون أن ننسى المصالح الاقتصادية المباشرة بين الجانبين.
 
هل أخطأ الحزب؟
 
لكلّ هذه الأسباب، يعتبر المؤيّدون لـ"حزب الله" أنّ ما قاله السيد نصر الله في خطابه، جاء في سياقه، في ظلّ "قرع طبول الحرب" الحاصل في المنطقة، وهو بالتالي أراد أن يحذّر قبرص من تبعات الانخراط في هذه الحرب بجانب إسرائيل، ويشيرون إلى أنّ القضية لم تكن تستحقّ كلّ الضجة التي أثيرت حولها، باعتبار أنّ التحذير هو في نهاية المطاف جزء من "الحرب النفسية" ضد العدو، وليست قبرص معنيّة به إذا وقفت فعلاً على الحياد.
 
لكنّ هذا الكلام لا يجد صدى لدى خصوم "حزب الله" ممّن يعتبرون أنّ التهديد الذي أطلقه الأمين العام لـ"حزب الله" تجاوز كلّ الحدود والخطوط الحمراء، ولا سيما أنّ هناك علاقات قائمة بين لبنان وقبرص، وبالتالي فلو أراد السيد نصر الله أن يعبّر عن هواجس، لكان الأوْلى بها أن يوجّهها من خلال الحكومة، وعبر القنوات الدبلوماسية والرسمية، وليس بهذه الطريقة والنبرة العالية، وفي خطاب يصحّ وصفه بـ"الحربي" على أكثر من مستوى.
 
وأبعد من ذلك، يقول هؤلاء إنّ المشكلة ليست في أنّ "حزب الله" الذي فتح الجبهة اللبنانية من تلقاء نفسه في الثامن من تشرين الأول الماضي، لا يتوانى عن فتح جبهة ثانية ضدّ دولة أخرى لا "عداوة" معها، ولكن في أنّ الرجل الذي سبق أن "صادر" قرار الحرب والسلم عن اللبنانيين جميعًا، وفق توصيفهم، ينصّب نفسه بصورة أو بأخرى "حاكمًا أعلى"، بل يمارس الدور المفترض برئيس الجمهورية، غير المُنتخَب، وعلى الملأ.
 
ثمّة من يرى أنّ تصاعد أسهم الحرب، وما يُحكى عن سيناريوهات، هي التي دفعت السيد نصر الله إلى رفع السقف، ومخاطبة قبرص بصورة مباشرة، تفاديًا لتقديمها "يد العون" لإسرائيل في حال اندلاع المواجهة الكبرى. لكن ثمّة من يرى أنّ الرسالة كان يمكن أن تصل بطريقة أخرى، ومن دون الإرباك الذي تسبّبت به، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ خطاب الرجل، وإن كان عالي النبرة، يوصل الرسالة بطريقة "أقوى" من المراسلات الدبلوماسية، على أهميتها.. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: السید نصر الله حزب الله من دون

إقرأ أيضاً:

نصر الله يتحدّث.. وإسرائيل تصغي

عندما يتحدّث حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، فإنه يبعث فينا الأمل ويُحْيي العزائم في الأمة؛ لأنه إذا قال صدق، وإذا وعد أوفى، ويعلم ما يقول؛ فكلُّ كلمة ينطقها تكون محسوبة بدقة، وتحسب لها إسرائيل ألف حساب، وهو ما حدث مع خطابه يوم الأربعاء 19 يونيو 2024م، الذي ألقاه في الضاحية الجنوبية لبيروت في احتفال تأبيني للقائد سامي طالب عبدالله، إذ وصفته وسائل إعلام إسرائيلية، في أول تعليق لها أنّه «من أقوى خطابات نصر الله على الإطلاق، الذي يدرك اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى، أنه لن يكون هناك مفرّ من حرب شاملة»، وأنّ «نصر الله مصمّم على الاستمرار في المعركة الحالية من أجل غزة، حتى تحقيق وقف إطلاق النار، وهو غير متأثر بتهديدات إسرائيل والوسطاء»؛ بل إنّ صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية - على سبيل المثال - أكدت أنّ تهديدات إسرائيل طوال الأشهر الماضية بتدمير حماس، وإعادة لبنان إلى العصر الحجري، ما هي إلا تهديدات فارغة و«انكشفت الآن».

جاء خطاب نصر الله، متزامنًا مع نشر حزب الله، مقطع فيديو من الأراضي الفلسطينية المحتلة، في غاية الأهمية، مدته تجاوزت تسع دقائق ونصف، وحمل عنوان «هذا ما رجع به الهدهد»، وهو عبارة عن مشاهد من استطلاع جوي، تضمّنت معلومات استخبارية مهمة عن مواقع «إسرائيلية» داخل فلسطين المحتلة، التقطتها طائرة مسيّرة، وأظهرت هذه المقاطع وصول المسيّرة إلى ميناء حيفا وما رصدته من مواقع حساسة، من الميناء إلى مصافي النفط إلى مصانع عسكرية، بالإضافة إلى مواقع تمركز البوارج الحربية، وأماكن اقتصادية مهمّة، في ضربة عُدَّتْ الأقوى من حزب الله ضد الكيان الإسرائيلي، حيث إنّه حتى مواقع البحث العادية تعتم على المواقع الحساسة في إسرائيل، ولا تستطيع أن تنقل من الجو صورًا واضحة كالتي نقلتها مسيَّرات حزب الله.

كان متوقعًا أمام إنجاز كبير كهذا، أن يتناول نصر الله هذا الموضوع في خطابه، إذ أمدت عملية الهدهد المقاومة بكمٍّ كبيرٍ من المعلومات، ظهر جزء منها فقط في دقائق الفيديو التسع التي اختيرت من بين ساعات طويلة من التصوير فوق حيفا، وهو ما أشار إليه نصر الله بتأكيده أنّ المقاومة «تملك بالتفصيل الممل المعلومات حول المواقع الأمامية، وتعرف تفاصيل كثيرة عنها». ندرك أهمية هذا الإنجاز لحزب الله إذا ما استذكرنا أنّ أكبر إنجازات إسرائيل عبر تاريخها هو التجسس؛ فقد نجحت في تتبع كلِّ صغيرة وكبيرة في الوطن العربي، وزرع رجالها شرقًا وغربًا، وتدخلت في رسم سياسات التعليم والسياسات الإعلامية، ووصل بها الأمر إلى توجيه خطب الجمعة!. وما فعله حزب الله اليوم كأنه يقول لنا إنّ الأيام دول، وإنّ الدور جاء على إسرائيل لتقع هي فريسة التجسس؛ فتصوير مراكز ثقلها ونقاطها الحساسة ومفاصل «دولتها» ونشرها علنًا بكلِّ وضوح، هو أمرٌ لم يخطر ببالها قط، ونزل عليها كصاعقة، أو كقنبلة شلت قدرتها على الحركة، وهذا يعني أنّ تهديدات حسن نصر الله ضد الكيان كانت في محلها.

وعودة إلى خطاب حسن نصر الله الذي بعث فيه رسائل واضحة إلى قيادة الاحتلال و«جيشه»، مفادها أنّ التهديد بتوسيع الحرب على مدى ثمانية أشهر لا يخيف المقاومة في لبنان، وأنّ «العدو يعلم وسيده الأمريكي، أنّ شنّ الحرب على لبنان سيحمل تداعيات على المنطقة والإقليم»، بل إنه أكد أنّ حزب الله حضّر نفسه «لأسوأ الأيام، والعدو يعلم ما ينتظره، ولذلك بقي مرتدعًا»، مضيفًا أنّ «كيان الاحتلال يعلم أنه لن يبقى مكانٌ فيه سالمًا من صواريخ المقاومة ومُسيّراتها الدقيقة، التي لن تقصف أهدافها بشكل عشوائي»، ولم يكتف بذلك، بل أعلن في تحدٍّ واضح أنّ ما ينتظر الاحتلال في البحر المتوسط «كبير جدًا»، إذ إنّ «كلّ سواحله وبواخره وسفنه ستُستهدف»، وأنه «إذا فرضت الحرب، فالمقاومة ستقاتل بلا ضوابط وقواعد وأسقف». ولكي يؤكد على صحة تهديده أشار إلى أنّ المقاومة «لديها بنك أهداف كامل وحقيقي، ولديها القدرة على الوصول إلى كلِّ الأهداف مما يزعزع أسس الكيان».

وهناك نقطة لافتة في خطاب نصر الله، وهي تحذيره للحكومة القبرصية من أنّ تفتح مطاراتها وقواعدها لـ«إسرائيل» لاستهداف لبنان؛ فذلك يعني رسميًّا «أنها أصبحت جزءًا من الحرب». ولم تكن إسرائيل هي الوحيدة التي صغت للخطاب؛ فالرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس تابعه بدقة، فمع آخر كلمة نطقها نصر الله، سارع إلى كتابة تدوينة على حسابه في منصّة «إكس»، ليُؤكّد أنّ بلاده لا تُشارك بأيّ شكلٍ من الأشكال في أيّ أعمال عدائيّة ضدّ لبنان، وأنّها «جُزءٌ من الحل وليست جُزءًا من المُشكلة». وفي اعتقادي أنّ تهديدًا كهذا موجهًا لقبرص سيجعلها وغيرها تحسب حسابًا لكلِّ خطوة قد تخطوها في المشاركة في الحرب ضد لبنان، فالقبارصة وغيرهم يعلمون جيدًا أنّ نصر الله إذا قال فعل.

من نافل القول إنه لا يمكن فصل ما يحدث في غزة عما يحدث في لبنان؛ فالجبهتان هما جبهة واحدة، وكان كثيرون قد انتقدوا عدم دخول حزب الله الحرب، متناسين أنّ الحزب أشغل الجيش الإسرائيلي منذ الثامن من أكتوبر 2023، وقد أكّد السيد نصر الله أنّ الضغط من جبهة لبنان والجبهات الأخرى والصمود الأسطوري في غزة، قد أثر على مسار المفاوضات وأعطى للمفاوض الفلسطيني القوة، وأنّ الاحتلال «عجز عن إنهاء معركة رفح المُحاصرة، وفشل أمام صمود المقاومة والقتال الأسطوري في غزة، على الرغم من استمرار القصف، ومشاركة عدة فرق من جيش الاحتلال في العملية».

وإذا كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تهتم بخطابات نصر الله، وتحلل نبرات صوته وحركات يديه، فماذا عن وجهة نظر المسؤولين الإسرائيليين عن حزب الله؟ يجيب عن السؤال مايكل أورين السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، من خلال مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، ضمن تحقيق بعنوان «كيف قد تبدو الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟»، يقول إنّ حزب الله يشكّل تهديدًا استراتيجيًا لـ«إسرائيل»، واصفًا ما يمكن أن يفعله الحزب بـ«إسرائيل» خلال ثلاثة أيام فقط بـ«المروّع»، إذ يقول: «أنت تتحدّث عن تدمير كلِّ بنيتنا التحتية الأساسية، ومصافي النفط، والقواعد الجوية، ومنشأة ديمونا»، وفي تحقيقها أكدت المجلة أنّ التقديرات تشير إلى امتلاك حزب الله نحو مائة وثلاثين ألف صاروخ وقذيفة يمكن أن تتفوّق على أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في «إسرائيل»، وتضرب أكبر مدنها، لافتةً إلى ما يعنيه نشر الحزب للقطات التي التقطتها الطائرة المسيّرة لميناء حيفا، من إثباتٍ لقدرته على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والوصول إلى عمق «إسرائيل»، ورجّحت المجلة أن «تكون لدى حزب الله شبكة أنفاق متطورة تمتد تحت لبنان»، ناقلةً عن بعض المحللين الإسرائيليين قولهم إنّ هذه الأنفاق أكثر اتساعًا من تلك التي تستخدمها حركة حماس، وقد يقول قائلٌ إن تصريح أورين وتحقيق مجلة «فورين بوليسي» عن قوة حزب الله ليس سوى مبالغات لها أهداف هم أعلم بها، إلا أنّ ذلك لا يعني أبدًا أنّ الحزب قد يكون لقمة سائغة في أية حرب قادمة، وهو ما يعلمه قادة الاحتلال تمامًا.

ردّدنا كثيرًا من قبل، ولا نزال نردِّد أنّ الكيان الصهيوني - والعالم أجمع - لا يعترف إلا بمنطق القوة، وقد رأينا كيف غيّر صمود غزة العالم، لصالح القضية الفلسطينية التي أدخلت في الثلاجة سنين طويلة، لذا فإنّ القوة التي يتحدّث بها وعنها حسن نصر الله، هي السبيل الوحيد لإيقاف الغطرسة الإسرائيلية؛ فنحن نعيش لحظات تاريخية هي الأعظم منذ عام 1948م، ستغيّر وجه المنطقة وستصنع مستقبلها.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • رئيس الحركة ينقل البارودة من كتف لكتف
  • مخاوف فرنسية من حرب نتنياهو بعد خطاب الكونغرس
  • وقفوهم إنهم مسؤولون
  • نصر الله يتحدّث.. وإسرائيل تصغي
  • السيد عبد الله.. الرحيل المُفاجئ
  • سرّ إستخباراتي.. لماذا رفض نصرالله إنضمام أجانب إلى الحزب؟
  • حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها
  • سوريا ليست ضمن المعركة
  • الحروب بالوكالة: حزب الله وقبرص
  • وزير تركي يشن هجوما لاذعا على قبرص.. ما علاقة قطاع غزة؟