البزعي يفتح ملف التنوع الثقافي في السودان
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن إثارة قضية توجيه المدير العام للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون إبراهيم البزعي إلي إحدى المذيعات بسبب إرتدائها زي الإثنية و استخدام العامية في الرسالة الإعلامية من خلال تلفزيون السودان القومي، تتحول من توجيه إداري حسب نصوص و لوائح الهيئة إلي إثارة حفيظة أثنية، كأن القصد الهدف منه هو التقليل من شأن الأثنية و عدم إبراز ثقافتها.
إذا كانت القضية مرتبطة باحترام ثقافة الإثنيات في السودان، و التنوع الثقافي يصبح إبراهيم البزعي رائدا لهذه التوجه ليس لأنه مديرا للهيئة و لكن من خلال البرامج الثقافية التي قدمها سنين طويلة في الإذاعة السودانية " بليلة مباشر – و كيف قيلتو" التي كانت مدخلا حواريا لكل باحث و دراس للثقافة السودانية الشعبية بكل تمظهراتها.. أن كل الذين يتظاهرون ضده حبا لإثنيتهم لم يقدموا لهذه الإثنية كما قدم لها البزعي، و كل القيادات السياسية التي حاولت أن تستغل الحادثة قد خاب فألها.. أتذكر عندما تم تعين البزعي مديرا للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م خرجت بعض الأبواق تتهم البزعي بأنه صنيعة الإنقاذ، رغم أن البزعي تم تعينه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.. عندما جئت منقولا 1980م من قسم الدراسات و البحوث في وزارة الثقافة و الإعلام للإذاعة، كان البزعي موجودا في الإذاعة.. و أتذكر أنني كتبت مقالا نشر في السودان قلت فيه أن الذين يتهمون البزعي بأنه صنيعة الإنقاذ.! لا يعرفون الرجل الذي يعد أحد إبرز الرموز الثقافية في السودان، لما قدمه لهذه الثقافات المتنوعة. و لكن هؤلاء كانت عيونهم على الوظيفة فقط، و يحاولون شيطنة تعين البزعي في الوظيفة..
أتذكرأيضا في النصف الثاني من عقد ثمانينيات القرن الماضي كان إبراهيم البزعي مديرا لإذاعة كسلا، و كان بحكم وظيفته قد طلب أن يرسل إليه أحد المحررين في إدارة الأخبار لتدريب عدد من العاملين في اقسام العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية في الولاية، و تم اختياري و ذهبت و مكثت شهرا في إذاعة كسلا.. كان بالقرب من الإذاعة في ذلك الوقت جدول كبير و عريض بني لكي يصريف مياه الخريف، و بعد الخريف يستغل من قبل الباعة خاصة الذين يبيعون " الشاي و القهوة" و كان هؤلاء يبدأون عملهم في الخامسة صباحا، و ذهبت هناك عدة مرات، كان الباعة من اثنيات مختلفة، و لفت نظري كيف يضع آهل البجا و المكونات الأخرى الخلال في الرأس، و في نقاش مع البزعي قال إلي أنت بتحكي إلي لماذا؟ أحضر هؤلاء و سجل معاهم.. ثم استدرك و قال اليوم أريد أ، اعرفك بأهم مثقفي هذه المنطقة و اكان أبرزهم لأستاذ الراحل " محمد عثمان كجراي" الذي كان يعمل في وزارة الإعلام بالولاية و أصبح مكتب كجراي طوال اليوم جلسات للحوار المتواصل، و كنت قد أثرت معه قضية التنوع الثقافي، و تسجيل حلقات عن الخلال للإذاعة باعتبار أن هناك قصص و حكايات تروى عن الخلال. و بالفعل سجلنا خمس حلقات و تمت إذاعتها في إذاعة "كسلا" و أيضا في إذاعة "صوت الأمة" لأنني بعد ما اعطيتها للسر محمد عوض رئيس قسم المنواعات في الإذاعة جاء سيف الدين السوقي و أخذها ل"صوت الإمة" لا اعرف شخص مثل البزعي بهذه الأريحية و الانفتاح الثقافي أن يعادي أو يكون متهما بأنه لا يقبل إشارات و رموز لثقافة أثنية، و اعتقد لولاء هذه الوائح و القوانين كان قلب البزعي مباني التلفزيون القومي لمبنى فلكلوري لحبه و عشقه للثقافة الشعبية، لذلك لا يمكن أن يسيء البزعي لثقافة إثنية أو حتى يتجاهلها..
أن إشكالية السودان في الحقيقة تقع على عاتق قلة المفكرين في الوسط السياسي الذين يحولون الشعار كفكرة إلي مشروع مفصل قابل للتنزيل على الأرض، حيث أصبحت البلد مليئة بالناشطين السياسيين ذوي القدرات المتواضعة، و هؤلاء لا يملكون أي رؤية لكيفية تقديم مصطلح مع خطة لتطبيقه، مثل شعار " التنوع الثقافي في البلاد" هذه حقيقة مؤكدة أن البلاد تنعم بتعدد و تنوع ثقافي يتجاوز الخمسين ثقافة، و المسألة ليست الاعتراف بها فقط، و لكن كيف تجد هذه الثقافات الرعاية و الاهتمام من قبل الدولة لكي تتفتح زهورها في البستان الوطني مع بقيت الزهور الأخرى؟ و الآن البزعي يفتح ملف مصطلح " التنوع الثقافي في السودان" ليس على مائدة سياسية و لكن كحوار ثقافي تشارك فيه مجموعات المثقفين السودانيين للإجابة على سؤال: كيف يمكن أن يتم التعامل مع المصطلح و تنزيله على الأرض بالصورة التي ترضي آهل كل الثقافات؟ و أيضا هذه الثقافات يجب أن تخلق وجدانا وطنيا واحدا.. و اعتقد من أهم المساهمين في ذلك هو الأخ إبراهيم البزعي بصفته أحد ركائز الثقافة الشعبية و الوطنية في البلاد. و نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التنوع الثقافی فی فی السودان
إقرأ أيضاً:
هكذا يمكن مساعدة الفلسطينيين الذين يتحدون حماس
لفت حسين إبيش، كبير الباحثين المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى أنه بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات الشعبية في شمال غزة ضد حماس، يبدو أن قبضة الحركة هناك تتلاشى. فقد شارك في كل احتجاج مئات الفلسطينيين، ويعكس ذلك فهماً واضحاً بأن حماس، وليس إسرائيل فقط، مسؤولة عن محنتهم. وقد تكون هذه نقطة تحول، لكن الكثير يعتمد على كيفية رد القوى الخارجية.
آلاف الفلسطينيين الوطنيين في غزة يريدون بصدق إنهاء الحرب
كتب إبيش في شبكة "إم إس إن بي سي" الأمريكية أن الانتقادات العلنية لحماس في غزة ليست نادرة، كما يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وحتى خلال الحرب التي شنتها إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل، اندلعت احتجاجات أصغر وأكثر تفرقاً بشكل دوري.
يبلغ الإحباط من حماس بين سكان غزة العاديين ذروته. ولكن ما يميز الاحتجاجات الأخيرة هو حجمها واستمرارها. ففي الأيام القليلة الماضية، تجمع آلاف الفلسطينيين لحث حماس على التخلي عن السلطة، وإطلاق سراح الرهائن، والمساعدة في وقف هجمات إسرائيل المتواصلة التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين. أما نتانياهو فهو مخطئ في الاستشهاد بالاحتجاجات، وبطريقة ساخرة وكاذبة، بصفتها دليلاً على أن سياسات إسرائيل "تنجح". لكن حماس مخطئة أيضاً في ادعائها أن تلك الاحتجاجات مُصنعة وموجهة من "قوى خارجية"، وليست تعبيراً عفوياً عن غضب مستحق بقوة.
غضب على إسرائيل وحماس
وأضاف الكاتب أنه لطالما أعرب عن رأي مفاده أن على الفلسطينيين ألا يسامحوا حماس على استفزازها المتعمد لإسرائيل، ودفعها إلى رد فعل مبالغ فيه. ولطالما اعتمدت السياسة الإسرائيلية على الانتقام غير المُتكافئ. إن شدة الوحشية الإسرائيلية في غزة متوقعة بقدر ما هي مروعة. والفلسطينيون يدركون ذلك بشكل شخصي.
ثمة غضب واسع ضد حرب إسرائيل على المجتمع الغزي بشكل عام، وهو غضب لا يقتصر على حماس فحسب. وجادل العديد من الباحثين والمؤرخين حول الإبادة الجماعية، بما في ذلك عدد من الإسرائيليين، وقالوا إن الكلمة تنطبق بشكل معقول على استخدام الجيش الإسرائيلي للغذاء، والدواء، والماء، والنزوح الروتيني، أسلحة حرب ضد المدنيين.
Analysis | Anti-Hamas demonstrations in Gaza have shown rare defiance against Hamas and longevity—but without leadership, regional backing, or media coverage, their path forward remains uncertain.
✍️@sfrantzmanhttps://t.co/ZhavPPUuH7
ومع ذلك، لا يزال الإحباط من حماس بين سكان غزة العاديين في غليان. ومن المتوقع أن تتركز الاحتجاجات في شمال غزة، وهي أول المناطق التي دمرت بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث تركزت أشد أعمال العنف والحرمان من الضروريات الأساسية.
لم تسأل مليوني فلسطيني
على عكس مزاعم نتانياهو، تجري هذه الاحتجاجات رغم وحشية إسرائيل المستمرة، وليس بسببها. فقد أظهر استطلاع للرأي للباروميتر العربي، نشر في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أن 29% فقط من الفلسطينيين في غزة لهم مواقف إيجابية من حماس. واليوم، قد تكون النسبة أقل من ذلك.
ليس للمتظاهرين أوهام حول إسرائيل. فقد أعرب جميع من قابلتهم وسائل الإعلام العربية والغربية تقريباً عن غضبهم من وحشية إسرائيل، بوضوح تام.
The group will be forced to either meet the people’s demands or violently suppress the demonstrations. Either outcome weakens Hamas, explains @AhmadA_Sharawi: https://t.co/3VZMgqzc9y
— FDD (@FDD) March 29, 2025لم تهتم حماس بمصير أكثر من مليوني مدني فلسطيني جندتهم "للاستشهاد" دون أدنى استشارة أو تحذير أو تحضير. كما أنها لا تهتم كثيراً بمد وجزر الرأي العام. لا تزال حماس تحتفظ بقاعدة دعم شعبي، وسيواصل جزء كبير من السكان تركيز غضبهم بشكل مفهوم على إسرائيل، في الحد الأدنى حتى ينسحب الجيش الإسرائيلي نهائياً من غزة. لكن اليأس والغضب أججا هذه الاحتجاجات الكبيرة والمستمرة على نحو غير معتاد ضد حماس، ونصيبها الواضح من المسؤولية.
فرصة مهمة
وبالنسبة إلى القوى الخارجية المهتمة بصدق برؤية نهاية سلطة حماس في غزة، تمثل هذه الاحتجاجات فرصة مهمة. ليس واضحاً كيق يكون نتانياهو من بينهم حقاً، بعد عقود من ضمان بقاء الفلسطينيين منقسمين بين الحكم الإسلامي في غزة، والسيطرة القومية العلمانية في المناطق الصغيرة ذات الحكم الذاتي في الضفة الغربية. وكما هو متوقع، يبذل نتانياهو قصارى جهده لتدمير وتقويض مصداقية الاحتجاجات، وإمكاناتها السياسية بتصويرها دليلاً على حكمة سياسة الأرض المحروقة الإسرائيلية.
مع ذلك، يعلى الدول العربية ذات التوجه البناء، مثل مصر، والسعودية، والإمارات، أن تبذل، بحذر لكن بشكل عمدي، كل ما في وسعها لدعم قادة الاحتجاجات ومنظميها. وبإمكانها توفير عناصر أساسية لسلطة مدنية فلسطينية بديلة في غزة لتتولى مسؤولية الحكم، بدل الاحتلال الإسرائيلي وحماس.
لا شك أن المصالح التجارية الباقية، وزعماء العشائر وكوادر فتح المتبقية في غزة، إما مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بحركة الاحتجاج ومنظميها، أو يجب أن يصبحوا كذلك، بغض النظر عن مدى عفوية المظاهرات. هناك بالتأكيد تنسيق كبير قائم بالنظر إلى حجمها وانتشارها واستدامتها.
خطة الجامعة أمر حيوي
على إسرائيل التزام الصمت عن الاحتجاجات لأغراضها السياسية، ويُحتم استئناف وقف إطلاق النار على الدول العربية الرائدة أن تتقدم وتأخذ زمام المبادرة، وعلى الولايات المتحدة والدول الغربية، أن تدرك أن الاحتجاجات تظهر أن خطة جامعة الدول العربية التي نسقتها مصر لوقف هذا الجنون نهائياً وبداية إعادة الإعمار في غزة أمر حيوي، بل هو الإطار الحقيقي الوحيد القادر على إنهاء الحرب، وحكم حماس في غزة.
يُظهر المتظاهرون بشجاعة أن آلاف الفلسطينيين الوطنيين في غزة يريدون بصدق إنهاء الحرب وهم يُطلقون عليها عادة اسم "الإبادة الجماعية"، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين وتنحي حماس.
هذا بالضبط ما تريده الدول العربية والغربية، والإسرائيليين. لم يعد هناك أي أساس للقول إنه لا يوجد ما يمكن فعله عملياً وسياسياً مع فلسطينيي غزة. فالواضح أن هناك الكثير، إذا كان هناك من يهتم حقاً.