صحيفة التغيير السودانية:
2025-01-22@13:47:20 GMT

خِطاب المَحبة

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

خِطاب المَحبة

 

خِطاب المَحبة

سارة حمزة الجاك

المْحب هو الإنسان في حال إتساقه مع ذاته، وإنْ كان وحيدا في الكون، يحاورها ويسمعها وتسمعه، تتقلص المسافة بينهما، فيهدأ باله ويهنأ داخله، يسكن هادئا؛ بلا حراك يستقبل أكسجين الحياة، ويهديها ثاني أكسيد كربونه.

هو عازف موسيقي الإنسانية؛ حال كونه نواةٌ أولي في مكون مجتمعي صغير، يترابط بنويات صغيرة مثل نواته، ليتكون مجتمع أكبر، وهكذا تتسع شيمة اللّْحمة الإنسانية، لتشمل كل إنسان علي أختلاف لونه ولسانه وعرقه ودينه.

.هذا العازف المحب؛ يتوخي حذر إيذاء من هم حوله، ويتخير من نوتته الموسيقية أعذب مافيها ليهدهِم إيّاها نغمة تتبع أخري. فتسهم في جعل معزوفتهم أجمل، ويتباري المحبون في التعبير عن محبتهم، فتنمو وتزدهر وتهدي الكون من أريجها أعطره.

يكون الفرد محبا؛ عندما يعلم أن الكون المتسع الفسيح مسخر له؛ عندما يفك شفرة النواميس التي تحكم الحياة، فيتعاطي معها، ويختار الإصغاء إلي صوت الله بداخله فيطمئن،ويري المحيط ويستمتع بكشف الغازه، وحل أحجياته بلا أحكام سابقة، أو خوف منها ، فالإنسان عدو ما يجهل، جعله التعلم المدرسي حصانا في مضمار معرفة وحيدا، لا يغني ولا يسمن من جوع، وهو مطلع تواق إلي المعرفة، يشتهيها، يسعي إليها وينهل منها. فالمعرفة متاحة للجميع، والحكمة ضالة المحب أنّى وجدها فهي حسبه. إذاً فالمحب عارف وحكيم، يحب المحب ذاته، وروحه التي بين جنبيه، ونفسه بكل مالها وماعليها: جسده الساكن فيه وهو طالب في مدرسة محبه، خالقه ،وموجده؛ هو الممتن لمن عبر عبرهم الي الأرض، ومن عبروا عبره أيضا، ينتمي إلي أرضه التي هو إبنها، ويدين لكل الأراضين بالشكر، متوسما الخير فيما يعتقد، متمنيا لو كان الجميع يعتقدون كما يعتقد، لكنه لعلمه بالنفس وخباياها، يعلم أن لابد لصاحب التجربة من أن يخوضها، ولابد للسائر في الدرب من أن يصل. فلا التجربة تتكرر ولا الطريق فرد.

يحب المحب لأنه مجبول علي الحب؛ منه إبتدأ واليه منتهاه؛ ييسر عسيره؛ يسهل صعبه؛ يخفف حموله التي علي ظهره؛ يضعه في صراطه المستقيم؛ ليقوم علي الحب وبه؛ يُقيم كل ماله وماعليه؛ ليجعله قويما وقواما؛ يتسع به صدره؛ ينتظم به تنفسه؛ عندها يتلقي وحيه وإلهامه؛ يكتبه شعرا؛ يصيغة نثرا؛ يحكيه سردا او يغنيه لحنا؛ المحب فنان لامحالة؛ إذ كيف يعكس مايتعمل داخله بلا أداة؟
كيف يتحمل عبْ كل هذا الحب؟دون البوح به

يعبر المحب عن حبه؛ بإحترامه لذاته التي يعرفها؛ كيفكما كان تعريفه للإحترام؛ بإكرامه لروحه ونفسه وجسده؛ أسمي درجات الإكرام ؛أن يهدي كل مكون من مكونات ذاته السكون؛ أن يعلمهم فن الإصغاء الي همسات دبيب النمل؛ هديل الحمام؛ خرير الماء؛ صوت الشمس ذات الحمم؛ يغنون جميعا؛ يسبحون جميعا؛ فهل كان صاغ؟
إحترامه لذاته يعينه علي إحترام الأخرين حوله؛ يحثه عي إكتشافهم؛ سماع صوتهم وتقدير يومياتهم المكونة لثقافاتهم؛ طريقة إدارتهم لحياتهم؛ كيف يرونها وينظرون إليها؛ كيفية تعبيرهم عنها والتعريف بها؛ معتقداتهم ومايدينون به؛ إرتباطه بأرضه وحبه لها؛ يقف حائطا صلدا؛ أمام تعديه علي أراضي الأخرين؛ لأنها عزيزة عليهم؛ كما أرضه عزيزة عليه؛ فلا يتجرأ علي المساس بها؛ أو بأي مقدس من مقدساتهم؛ المحب محاور ممتاز ومفاوض ذكي؛ فقد تعلم فن الحوار قبلا؛ عندما خاض حروبه الكبري مع ذاته؛ فهو القادر علي محاورة ومفاوضة ؛كل من إختلف معه بهدوء وإسترخاء؛ بذكاء وفطنة إكتسبها من تلقيه لوحيه وإلهامه المستمرين.
يؤثر المحب علي مجتمعه بإنتباذه مكانا قصيا؛ يستخلص حكمته ويستلهم أفكاره من الخلوة؛ ليعود صامتا؛ يتحدث عندما يطلب منه؛ ينقل علمه لمن يراه مناسبا؛ يمشي بين الناس ناشرا لمحبته وسلامه؛ قولا لا فعلا؛ يكون القدوة الحسنة دائما؛ يغفر لنفسه إذا أخطا؛ يجازيها بمزيد من الحب حال أصاب؛ يصبر علي منعرجات الطريق؛ حال الإمتحان او الإمتهان؛ يؤثر بأن يخبر عما يعرف لمن لا يعرفون؛ والا يكرههم علي المعرفة؛ فكل آت قريب
تتكون الكراهية عند جهل الكارِه لكٌنه مايكره؛ ولو عرفه لما كرهه؛ فيكون خطاب الكاره خطابا حاثا الأخرين؛ من الذين لا يعرفون مثله؛ علي كراهية مايجهلون؛ كاشفا لهم الجانب الذي رأءه؛ فتحول من جاهل بما لا يعرف؛ الي كاره لما عرف مما كره.
الكاره أجهل بمكونه؛ كاره لنفسه وروحه وجسده؛ يكره ذاته فيبادله مجتمعه كرها بكره؛ ينفث في خطابه السم؛ تتسمم الذات التي تسمعه؛ فإن كانت محبة؛ كان الحب لها ترياقا؛ وإن كانت كارهة زادها مرض علي مرضها؛ ثم يملكها ويمسك خيوطها في يده يحركها كيف يشاء؛ يعبر عن كرهه؛ بشتي الطرق يسخر لها السبل؛ تسعي حية بين الناس؛ ترعب هذا؛ تلدغ ذاك؛ تسمم فضاء هولاء.
خطاب الكراهية؛ خطاب قاصر ومبتسر؛ لايصل الي هدفه المخالف للنواميس؛ خطاب مرهق يحتاج الي الأدلة والبراهين الجزاف؛ او المستلة من صياغها لتؤام الخطاب المهتز؛ خطاب يحارب المحبة والإنسانية والحياة؛ بينما خطاب المحبة لا يحارب لا فردا ولا جماعة؛ بل يشمل الجميع بنداءه لهم؛ ليمضي المحبين في سبيل حبهم؛ كل يحب مايحب يبذل له الحب بالطريقة التي يستطيع التعبير بها؛ يملأ الحب كل الفضاء العام؛ لينزاح ماهو غير ذلك.

الوسومحرب السودان سارة الجاك مناهضة خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حرب السودان مناهضة خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية

في مسرح الحياة، يقف بعض الأشخاص تحت أضواء الحب الجماعي، ملايين القلوب تتسابق لتقديم محبتها وإعجابها، وتُغرقهم بفيض من المشاعر التي تجعلهم في مقام القداسة البشرية.. ولكن فجأة، وكأن عاصفة غاضبة اجتاحت الميدان، يتبدل الحب والإعجاب إلى نقد لاذع، والقلوب التي كانت تنبض باسمهم، تخفت وتنسحب دون تفسير واضح! فما الذي يدفعهم لإظهار العكس؟ وكيف يمكن لذلك الشخص المستهدف استعادة ذلك الحب الذي بدا يومًا وكأنه لن ينتهي؟

مؤمن الجندي يكتب: كيف يُروى الغياب بعد الرحيل؟ مؤمن الجندي يكتب: قصة عمر بين الشوك والضوء مؤمن الجندي يكتب: ما الذي لا يستطيع المال شراؤه؟ مؤمن الجندي يكتب: قلوب بلا أقنعة

حين يتعلق الملايين بشخص، يكون ذلك في العادة بسبب قيم أو مهارات أو مواقف ألهمتهم، وربما لملامح كاريزمية جعلت هذا الشخص رمزًا لهم.. لكن، الحب الطاغي يسحب دائمًا الوعي وينبض من القلب، وقد يطلق في كثير من الأحيان موجة شعورية.. وهذا النوع من الحب هش بطبيعته؛ لأنه يقوم على التوقعات المثالية، وحين يخطئ هذا الشخص – كبشر طبيعي – تتحول التوقعات إلى خيبة أمل، وخيبة الأمل إلى غضب جماعي.

محمود الخطيب، رمز الأهلي التاريخي، كان دائمًا محط حب الجماهير بفضل نجاحاته لاعبًا ورئيسًا للنادي وقبلهما كقدوة حسنة في الأخلاق.. ومع ذلك، شهدت الفترة الأخيرة تحول بعض الجماهير لمهاجمته بسبب التأخر في إبرام صفقات جديدة وقرارات أخرى لم ترقَ لتطلعاتهم.. هذا التحول يعكس هشاشة الحب الجماعي الذي سرعان ما ينقلب تحت ضغط التوقعات العالية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تُضخم الخلافات.

هذا الانقلاب "السوشيالي" على الخطيب من وجهة نظري يرتبط بغياب الوعي الجماعي، حيث تنجرف بعض الجماهير خلف موجات النقد دون إدراك لحجم التحديات التي يواجهها، أو حتى لطريقة النقد نفسها كيف تكون؟ استعادة الثقة تتطلب شفافية وقرارات قوية من الخطيب، وأيضًا وعيًا من الجماهير بأن الرموز العظيمة تخطئ أحيانًا، لكنها دائمًا تملك القدرة على التصحيح.

السوشيالجية.. ومشهد التدمير الجماعي

نحن اليوم نعيش عصرًا جديدًا، حيث تلعب فئة "السوشيالجية" – أولئك الذين يعيشون على مواقع التواصل الاجتماعي – دورًا محوريًا في صياغة الرأي العام.. لكن المعضلة تكمن في أن الوعي لديهم كثيرًا ما يغيب أمام إغراء التصدر والجدل! فبدلًا من أن يُقيموا المواقف بعقلانية، ينجرون خلف التيار، ويصبحون وقودًا للتوجهات الجماعية، سواء كانت في اتجاه الحب أو الكراهية.

أرى أن الحل لهذه الظاهرة يتطلب إعادة بناء الوعي الجماعي، وتعليم الشباب أن الحب والكراهية ليسا مجرد أزرار يمكن الضغط عليها بسهولة.. علينا أن ندرك أن البشر خطاءون بطبعهم، وأن الشخصيات العامة ليست رموزًا مثالية، بل هي مرآة لعواطفنا وتوقعاتنا.

في النهاية، الحب الجماعي ليس دائمًا دليلًا على القيمة، والكراهية الجماعية ليست حكمًا مطلقًا.. وما بين الحب والكراهية، يقف الوعي كحكم عادل، قد ينقذنا من الظلم ويُعيدنا إلى جوهر الإنسانية.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

مقالات مشابهة

  • مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية
  • ارتفاع إيرادات فيلم "6أيام"
  • الكتائب: لحكومة لا تتخطى القواعد التي أرساها خطاب القسم
  • هل يختفي الحب في سنة مليون؟
  • إعلام صهيوني: “أبو عبيدة” فشلٌ امنيٌّ إسرائيلي بحد ذاته 
  • 10 نصائح ذهبية لمواساة شخص عزيز.. ابتعد عن فعل يجرح مشاعره
  • لكل من فاته خطاب ترامب.. هذه أبرز القرارات التي أعلن عنها فور تنصيبه
  • خطاب: عدد المفرج عنهم والمتمثل فى 4466 فردا فى حد ذاته فرحة عارمة
  • ‎متى عيد الحب 2025؟.. استعد لإرسال الهدايا والزهور
  • أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس في كنيسة مار اغناطيوس ببيروت