إلى الأستاذة رشا عوض..!
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
إلى الأستاذة رشا عوض..!
شمس الدين ضوالبيت
ما تتعرضين له الآن من حملة تكفيرية جائرة هو قدر كل وطني خلوق مثلك، يعمل لخير بلدنا واهلها، ويحمل في فكره وروحه قيم الإسلام بوجهه الأخلاقي الإنساني الحقيقي، قولا وفعلا، تعاملا وسلوكا.. حرفا وكتابة ..
لايمكن ان نتوقع من الذين خططوا وحرضوا واحتفلوا بتنفيذ اغتيال مفكر سوداني عظيم، تتنادي المنابر الاقليمية والعالمية اليوم لدراسة اعماله ومساهماته الفكرية، مثل الأستاذ محمود محمد طه، عحزا منهم عن مقارعة حجته، لا يمكن ان نتوقع من هؤلاء خلافا لما يحيكونه ويمارسونه ضدك اليوم، فهكذا هم، وذلك ديدنهم .
لا يمكن ان نتوقع من الذين أوصلوا بلادنا إلي الكارثة التي نعيشها حاليا غير هذا الذي يفعلون معك الآن .. فبالتضليل ذاته، وبالفكر الشائه المحرف واستغلال العاطفة الدينية عينه، الذي يمارسونه اليوم ضدك، انقلبوا بالدبابات على ارادة الشعب السوداني في عام 89′.. وبها ذاتها اججوا الحرب ضد المواطنين في جنوب السودان لتصبح حربا (جهادية)، ثم اشعلوا من بعدها أربع حروب أخرى ضد مواطني مناطق خارج الجنوب، كل ذلك بغرض صهر شعوبها في محرقة (فرنهم) الايديولوجي البالي، المصنوع في. ظلام القرون الوسطى ..
لا يمكن ان نتوقع ولا يرجى ممن شعاره (أن ترق كل الدماء)، دماء جميع السودانيين، لقهرهم والتحكم في رقابهم، من أجل الحفاظ على سلطة دنيوية وثروات من عرق وموارد الشعب السوداني منهوبة. لا يمكن ان نتوقع من هؤلاء غير التكفير والتهديد بسفك دماء كل من يرفع قلما أو ينطق فكرا أو يقف مانعا أمام فسادهم واستبدادهم المترع بدماء الأبرياء والشرفاء ..
لا يمكن ان نتوقع، ويجب ألا نتعجب أو نستغرب هذا العداء لك، ممن دمر طاقاتنا ومقدراتنا الانتاجية الزراعية والصناعية والخدمية، ودفع الملايين من اهلنا في الريف إلى فقر مدقع، يسدد كل السودانيين، اليوم، تبعاته من وجودهم البدني والوطني.. وعندما ثار شبابنا وشعبنا وألقوا بالمشروع الكارثي الفاشل لتنظيمهم الفاشي في الركن الذي يستحقه كل مشروع فاشل ابتر، اشعلوا حربا لا تبقي ولا تذر ..
لقد اصبت كبد الحقيقة وجوهرها، والواحب علينا إزاءها -الاخت العزيزة رشا- باعلانك انك لن تتوقفي عن نقد نموذج “التدين” الشائه المحرف، الذي فرضه هؤلاء الناس علينا، وانتهى بدمار بلادنا وهلاك أهلنا.. أصلا، فقد قام صعود حركة الاخوان المسلمين في السودان على هذه القاعدة: منع كل مسلم سوداني غيرهم ان ينبت ببنت شفة حول أي مسألة تختص بالدين أو التدين .. فذلك سبيلهم الوحيد لحماية واستغلال صيغة من التدين، باطشة، ولا إنسانية، غير قابلة للتطبيق في المجتمعات المعاصرة، استغلالها من أجل الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، وتحويلها لمفرخة تبيض الذهب المنهوب في جيوبهم، ووتنفث مشاعر الجاه والحظوة الزائفة في قلوبهم ..
بعد ثلاثين عاما من التطبيق الباطش الصارم، لم يعد من شك بأن لا علاقة لمشروعهم الحضاري المزعوم ولا لأساليبهم الحزبية النابذة، بقيم وغايات الإسلام الكبرى من حرية وكرامة وقوة انسانية وعدالة وعلم وسلام، جواهر الإسلام، التي أكد القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، أنها اركان كل مجتمع إسلامي واساسه المتين ..
لقد اخترنا معك ومع المستنيرين من شعبنا أن يكون قدرنا وغاية وجودنا وتاج جهودنا التصدي لهذه المنظومة الشائهة فكرا وتاريخا وممارسة، ولن يمنعنا –ولم يمنعنا- عن ذلك بطش، ولا تهديد أو تكفير..
وسلام عليك في العالمين..
شمس الدين ضوالبيت
الوسومالمستنيرين حملة رشا عوض شمس الدين ضو البيت
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
الساحل السوري وانكشاف الزيف الإنساني
يمانيون../
تتوارد الأخبار السوريّة المفجعة: صور ومشاهد يندى لها جبين الإنسانية، مجازر تتنقّل بحسب خطوات القتلة، إعدامات ميدانية مشهودة والتّهمة “علويّ” أو “مسيحيّ”. الساحل السوري أصبح بركة دم مسفوك بسيف التكفير والإرهاب المتعدّد الجنسيات. أطفال ونساء وعُجّز ورجال يتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب قُبيل القتل. كلّ هذا يجري في ما يواصل المبتهجون بسقوط النظام السابق رقصهم فوق جثث ضحايا إرهاب النظام الحالي، وينكشف زيف إنسانيّتهم للمرّة الألف: هؤلاء الذين بكوا بحرقة لأجل سجناء صيدنايا يصفقون اليوم لمجازر الإبادة التي تُرتكب بحقّ الأبرياء فقط لأنّ القاتل لا يعادي “أميركا”. هذه الإنسانية المشوّهة العاملة بخدمة الشرّ، هي نفسها التي اختلقت ألف ذريعة تبيح للصهيوني أن يدوس بدباباته فوق أجساد الفلسطينيين في غزّة.
بثّت “العربية” يوم أمس تقريرًا يتحدّث عن توزيع “هدايا رمضانية” على سكان الساحل السوري، ولم يصلها تعداد الضحايا الذين ملؤوا الشوارع والبيوت مغرقين بدمهم. للوهلة الأولى، يشعر المتلقي أنّ تقريرًا كهذا هو اشتراك فعلي بالقتل، فمحاولة التستّر على الجريمة جريمة أيضًا، فما حال محاولة التعتيم التّام على مجزرة لا يوجد في معجم توصيف الوحشية مفردة تفيها وحشيّتها.
وكما العربية، دول وشخصيّات رسمية، عادت سورية وحاربتها طوال سنين بذريعة أنّ النظام فيها يقمع شعبه، تغضّ طرفها اليوم عن جريمة متواصلة، يستهدف فيها القاتل السوريين العُزّل في بيوتهم وأحيائهم، ويستقدم مرتزقة متوحشين من كلّ أصقاع الأرض كي يرتكبوا كلّ ما يمكن من فِعال مجرمة: سبي واغتصاب وتنكيل وإذلال وقتل بمختلف الطرق وبعد القتل تنكيل بالجثث وانتهاك لكل الحرمات!
يتحدّث القتلة عن فعالهم بفخر في فيديوهات لا يخجلون من بثّها على منصات التواصل، ويتبجّح مؤيدوهم بما يسمّونه انتقامًا من “فلول النظام السابق”. لنسلّم جدلًا أنّ هؤلاء الضحايا وبالأخصّ الأطفال هم من مؤيّدي النظام السابق، هل يبيح هذا الأمر التنكيل بهم وقتلهم؟! دعنا من كلّ الشعارات الزائفة التي تمجّد الديمقراطية وحريّة الفكر والاعتقاد، ما الذي قد يبرّر هذا المستوى من العنف، هذا الإرهاب، هذا التطهير الديني والمذهبي؟ وما الذي قد يدفع بالأنظمة والدّول للسكوت عنه بهذا الشكل الذي لا يمكن إلّا أن يكون اشتراكًا في الجريمة؟
وللمفارقة، حين يقوم “مسلم” أو “عربي” أو “ذو أصول عربية” بارتكاب جريمة قتل في الغرب، ولو بخلفية جنائية، يتمّ تحويلها إلى جريمة إرهابية بخلفية دينية أو مذهبية، وتسارع دول وسفارات لتصدير بيانات إدانة وشجب، ويتسابق عربٌ ومسلمون وذوو أصول عربية للتبرّؤ من فعلة الفاعل، وكذلك تسارع منظمات حقوقية لتبرير الإسلاموفوبيا ومداواة المجروحة قلوبهم من المشهد. أما أمام المشهد السوريّ الدامي والواضح، يصمت بعض هؤلاء متجاهلًا المشهد، وبعضهم الآخر يصفّق له أو يجتهد في صناعة المبرّرات والذرائع.
تحدّثت “فوكس نيوز” عن أربعة آلاف قتيل من العلويين والشيعة والمسيحيين في الساحل السوري خلال اليومين الماضيين، وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تخطّي عدد الضحايا للألف بين نساء ورجال وأطفال وعجّز. تمتلأ منصّات التواصل بالتسجيلات والفيديوهات المرعبة. وتتردّد أصداء نداءات الاستغاثة وأنّات الاحتضار من شوارع وبيوت الساحل السوري؛ ويصمت الذين ملؤوا الدنيا ضجيجًا في كلّ مرّة تحدّثوا فيها عن النظام السوري السابق! يصمت المنادون بحقوق الإنسان، والمحاضرون بحريّة المعتقد، والمبتهجون بتحرير السجناء مهما كان نوع الارتكاب الذي أدى إلى سجنهم.. يصمت الخطباء الذين كانوا يبلّلون المنابر بدموعهم إشفاقًا على “الأبرياء” في إدلب مثلًا.. يصمت الذين استخدموا كلّ وسائل الإعلام كي يدينوا ارتكابات النظام بحقّ الجماعات التكفيرية على مدى سنوات.. يصمت كلّ هؤلاء، في ما يتدفّق الدم المظلوم المستباح بخلفية دينية ومذهبية.. ما نشاهده اليوم هو ليس مجرّد انكشاف إنسانية مزيّفة وشعارات كاذبة.. ما نشاهده من صمت حيال الأحداث الدامية هذه هو اشتراك ميدانيّ بجريمة تطهير وإبادة، وفي مكان ما قد يكون تحريضًا عليها.
في الساحل السوريّ الآن، رائحة الدم المسفوك أقوى من كلّ الكلمات.. وأقوى من الصمت التعتيميّ والسكوت الذي يدفع القاتل إلى مواصلة جريمته.
موقع العهد الإخباري – ليلى عماشا