سيطرة الدعم السريع على الفولة.. انتصار معنوي أم مكسب عسكري؟
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
الخرطوم– سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان المتاخمة لإقليم دارفور في غرب السودان بعد هدوء استمر أكثر من 6 أشهر، إثر اتفاق على تحييدها من القتال، في خطوة عدها مراقبون انتصارا معنويا للقوات، وسعيا من قيادتها لامتلاك ورقة جديدة تحسّن موقفها في مفاوضات منبر جدة، الذي تتحرك واشنطن لإنعاشه.
تقع مدينة الفولة في الجنوب الغربي لإقليم كردفان، وكانت تسمى "رجل الفولة" سابقا، وهي واحدة من المراكز المهمة لقبيلة المسيرية، التي ينقسم ولاؤها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ويقاتل أبناؤها مع الطرفين، حيث تعد المكون الاجتماعي الثاني الذي ينحدر منه مقاتلو قوات محمد حمدان دقلو "حميدتي" بعد قبيلة الزريقات.
وباستيلائها على مدينة الفولة تحاول قوات الدعم السريع تعزيز وجودها في منطقة غرب كردفان التي تضم عددًا من حقول النفط، وباتت تسيطر على ثلث محليات الولاية الـ15، حيث تمتد في الشمال محليات تقطن فيها "قبيلة حمر"، التي يناهض غالب أبنائها قوات الدعم السريع، وشكلوا قوة من 5 آلاف مقاتل لحماية مناطقهم.
معركة الفولةسيطرت قوات الدعم السريع على الفولة يوم الخميس، بعد أن دخلت مجموعات من القوات من الاتجاه الجنوبي الغربي للمدينة، وجرت معارك ومواجهات مع قوة من الجيش السوداني في مقر اللواء 91، وهو ما أدى إلى موجات نزوح كبيرة من المواطنين والفارين من "بابنوسة" الذين وصلوا إلى 16 ألف نازح.
وفي بيان لها، قالت قوات الدعم السريع إنها سيطرت على مقر اللواء 91 مشاة بمدينة الفولة، وحازت على 3 مدرعات و6 شاحنات، و19عربة قتالية بكامل عتادها، وراجمة صواريخ، وكميات من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والذخائر.
وذكر الناطق باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي أن الفولة كانت في وضع استثنائي، لكن توسع نشاط من أسماهم بـ"فلول النظام السابق" دفعهم للسيطرة عليها.
في المقابل، أدانت حكومة ولاية غرب دارفور ما وصفته بـ" الاعتداء الغاشم لقوات الدعم السريع على رئاسة الولاية في مدينة الفولة والمؤسسات الرسمية، ونهب أسواق المدينة، والمدنيين العزل".
وأوضحت أن الفولة تحتضن آلاف الفارين من مناطق الولاية وتؤويهم، وتقدم لهم الخدمات في مراكز الإيواء والمعسكرات، "إلا أن قوات الدعم السريع ظلت تطاردهم وتمنع عنهم مستلزمات الحياة الضرورية".
خرق للاتفاقتوضح مصادر عسكرية أنه منذ انتقال الحرب من الخرطوم إلى كردفان ودارفور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي طرحت الإدارة الأهلية والرموز الاجتماعية في غرب كردفان اقتراحا لتحييد مدن الولاية من القتال، حتى لا تتضرر المدن وبنياتها ولا يهجر مواطنوها، وهو ما وافقت عليه القوات المسلحة والدعم السريع.
وتقول المصادر العسكرية –التي طلبت عدم الكشف عن هويتها– للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع لم تلتزم بالاتفاق، وهاجمت الفولة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وخربت مؤسسات الدولة ونهبت ممتلكات المواطنين والمستشفيات والمدارس، لتتدخل الإدارة الأهلية مرة أخرى وتُنشّط الاتفاق، ودفعت القوات للانسحاب.
وتضيف المصادر ذاتها، أن الجيش نقل معظم قواته في اللواء 91 من الفولة إلى بابنوسة، التي توجد بها قوات الفرقة 22، واحتفظ بنحو 200 عسكري لحماية المدينة من المتفلتين ولمساعدة الشرطة، واستطاع مواطنو الولاية لاحقا إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، وباشرت حكومة الولاية مهامها وانطلق العام الدراسي.
وبيّن المتحدث أن الدعم السريع حاولت خلال الفترة الماضية تحقيق أي انتصار عسكري لرفع الروح المعنوية لقواتها المتراجعة؛ بعد مقتل قائدها في إقليم دارفور علي يعقوب ودحر كل هجماتها على الفاشر بعدما أعدت لها 4 أشهر وفشل هجماتها المتكررة على الفاشر وبابنوسة وسلاح الإشارة بالخرطوم بحري والمدرعات في الخرطوم، والتقدم نحو مدن ولايات النيل الأبيض وسنار ونهر النيل والقضارف. وتكبدت خسائر فادحة.
وتقلل المصادر ذاتها من سيطرة "مليشيا الدعم السريع" على الفولة، لأنها لا تمثل مركز ثقل عسكري، واتهمتها بتصفية أسرى من الجيش والمقاومة الشعبية، واستخدام مرتزقة من إثيوبيا في الهجوم على المدينة، حيث ظهر بعضهم يرفع علم بلاده على مقطع فيديو صوّرته القوات، مما يعكس أنها فقدت قواتها الصلبة وصارت تستجلب المرتزقة للقتال إلى جانبها، حسب تحليله.
رسائل الدعم السريعاعتبر المحلل ورئيس تحرير صحيفة "الصحافة" السابق، إبراهيم الصديق، أن سيطرة قوات الدعم السريع على الفولة "مغامرة" لرفع الروح المعنوية لقواتها، بعد عجزها عن تحقيق تقدم في كافة مسارح العمليات.
ويرى المحلل في حديث للجزيرة نت، أن قوات الدعم السريع تسعى لإخضاع المجتمعات والقبائل الرافضة لوجودها في عاصمة غرب كردفان، وتوجه رسالة للقيادات في تنسيقية قبيلة المسيرية، الذين توجهوا إلى بورتسودان وتبرؤوا من ممارسات القوات وتعهدوا بسحب أبنائهم من صفوفها، وتوقع أن تدفع القوات ثمن الإخلال بالتوازنات المجتمعية من خلال حفاظ المسيرية ومن معهم على الفولة خارج الصراع العسكري.
غير أن الباحث السياسي عبد السلام صافي الدين، يعتقد أن الفولة تحقق مكسبا عسكريا لقوات الدعم السريع، لأنها أول مدينة كبيرة تسيطر عليها بعد ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويمكن أن تتوسع في بقية محليات الولاية الأخرى، وأن تصل إلى حدود دولة جنوب السودان، وهو الذي يمكن أن يكون مفيدا لها لوجستيا.
وحسب الباحث للجزيرة نت، فإن الأوضاع المعقدة في الفولة وغرب كردفان ترجح أن يحدث توافق جديد يؤدي لانسحاب قوات الدعم السريع من المدينة، لأن استمرار السيطرة عليها سيدفع نحو مواجهات بين المسيرية الزرق والمسيرية الحمر، وهما أكبر مجموعتين قبليتين في الولاية، وربما تتدخل في الجزء الشمالي من الولاية قبيلة حمر التي لديها ثارات وتنافس مع المسيرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع على مدینة الفولة غرب کردفان على الفولة
إقرأ أيضاً:
خالد سلك ومحاولة تبرئة الدعم السريع: قراءة تحليلية في رسالة إدانة مجزرة صالحة
خالد سلك ومحاولة تبرئة الدعم السريع: قراءة تحليلية في رسالة إدانة مجزرة صالحة
مدخل:
خرج علينا السياسي خالد عمر يوسف “خالد سلك” بتصريح أدان فيه مجزرة صالحة، التي راح ضحيتها عشرات المدنيين العزل، محمّلًا المسئولية لما أسماه “عناصر” من قوات الدعم السريع.
ورغم أن الإدانة في ظاهرها تبدو موقفًا إنسانيًا وأخلاقيًا، إلا أن التدقيق في مضمونها وتوقيتها يكشف عن محاولة مقصودة لابعاد المسئولية، وفصل الجريمة عن المؤسسة الرسمية للدعم السريع.
متن:
أولًا: التفريق بين “العناصر” والمؤسسة
باستخدامه لمصطلح “عناصر”، يحاول خالد سلك إحداث فصل ذهني بين قوات الدعم السريع كمؤسسة، وبين بعض أفراده الذين ارتكبوا المجزرة. هذه الصياغة تسعى لتمرير فكرة أن الجريمة ليست سياسة معتمدة أو ممارسة ممنهجة، بل هي “تصرفات فردية” خرجت عن السيطرة.
وهذا بالضبط ما تحتاجه أي مؤسسة عسكرية تواجه تهم ارتكاب جرائم حرب: أن يتم تقديم جرائمها على أنها تصرفات معزولة لأفراد، لا قرارات صادرة عن قيادة وأوامر منظمة.
ثانيًا: تبييض الدعم السريع دوليًا ومحليًا
في ظل الاتهامات الدولية المتزايدة ضد قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، فإن تبرئة الكيان الرسمي، وحصر المسئولية في بعض “العناصر”، يمثل طوق نجاة سياسي تحتاجه قيادات الدعم السريع بشدة.
خالد سلك، عبر هذا الخطاب، يقدم دعمًا موضوعيًا لهذه المحاولة، سواء عن قصد أو عن جهل بتبعات تصريحه.
ثالثًا: السياق السياسي وراء التصريح
لا يمكن قراءة موقف خالد سلك بمعزل عن التوجهات الأخيرة لبعض التيارات السياسية المرتبطة بالحرية والتغيير (قحت)، والتي تبحث عن “تسوية جديدة” في السودان.
ضمن هذه التسوية، يصبح من الضروري تهيئة الأرضية لعفو مشروط عن قوات الدعم السريع أو إدماجها مستقبلاً في المشهد السياسي والعسكري، مقابل ضمانات معينة.
وبالتالي، فإن تصريح سلك قد يكون جزءًا من محاولات إعادة تأهيل الدعم السريع وإزالة صفة “المليشيا المجرمة” عنه، تمهيدًا لاستيعابه في ترتيبات ما بعد الحرب.
رابعًا: خطورة هذا الطرح
محاولة خالد سلك لفصل الدعم السريع عن جرائمه ليست مجرد سقطة لفظية، بل تحمل خطورة سياسية وأخلاقية بالغة:
فهي تضعف جهود توثيق الجرائم،
وتمهد للإفلات من العقاب،
وتبعث برسائل خاطئة للضحايا بأن العدالة ستُضَحى بها لصالح تسويات سياسية رخيصة.
كما أنها تعيد إنتاج منطق “الجرائم الفردية” الذي طالما استخدمته أنظمة القمع لتبرئة نفسها عبر التاريخ.
خامسًا: لماذا يجب تحميل الدعم السريع كمؤسسة المسئولية؟
قوات الدعم السريع ليست تجمعًا عشوائيًا من الأفراد، بل هي قوة شبه نظامية تتبع تسلسلًا قياديًا واضحًا، وتخضع لأوامر مركزية من قادتها.
ما حدث في صالحة – كما في غيرها من الجرائم – ليس سلوكًا فرديًا شاذًا، بل جزء من نمط ممنهج من الانتهاكات، ينفذه أفراد بتوجيهات واضحة، أو في مناخ يسمح ويشجع على ارتكاب مثل هذه الفظائع.
مخرج:
تصريحات خالد سلك بشأن مجزرة صالحة تمثل انزلاقًا خطيرًا نحو تبييض صفحة واحدة من أبشع المليشيات التي عرفها السودان.
تاريخ الشعوب التي خرجت من الحروب الأهلية يعلمنا أن العدالة الحقيقية لا تتحقق عبر مساومات سياسية رخيصة، بل عبر محاسبة المجرمين كمؤسسات، لا كأفراد تائهين.
إن محاولة تبرئة ساحة الدعم السريع من مسئوليته الجماعية عن المجازر، لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج المأساة بأشكال أخرى، وستكون خيانة لدماء الضحايا، ولحلم السودانيين بدولة القانون والعدالة.
خالد سلك ومحاولة تبرئة الدعم السريع: قراءة تحليلية في رسالة إدانة مجزرة صالحة
وليد محمدالمبارك احمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب