مناقشة مع عبد العزيز بركة ساكن
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
مناقشة مع عبد العزيز بركة ساكن
عمر الدقير
٢١ يونيو ٢٠٢٤
لا يقتصر أمر المثقف – الجدير بهذه الصفة – على حيازته لنصيبٍ من سلطة المعرفة وموهبة الإبداع، بل يتعداهُ إلى بُعْدٍ إنساني وأخلاقي يتعلق بموقفه من القضايا العامة وتموضعه خلال الصراع الذي يقع في مجتمعه على خلفية هذه القضايا .. وعليه، فإن السؤال عن موقف المثقف هو سؤال جوهري خصوصاً في المنعطفات الخطيرة في مسيرة الشعوب والأوقات الصعبة التي تَمُرُّ بها.
لكننا، مع ذلك، نعتقد أن الاستياء من مواقف المثقفين والمبدعين من القضايا العامة لا يعني بالضرورة حُكْماً بتواضع منجزهم المعرفي والإبداعي أو استصغاراً لقيمته، مثلما أن الاحتفاء بمواقفهم النبيلة لا يعني الاحتفاء التلقائي بمنجزهم الإبداعي وإعلاء شأنه .. فهناك أمثلة كثيرة لمن تصالحوا مع الاستبداد أو خذلوا شعوبهم في أوقات المحن الكبرى بينما كان إبداعهم في اتِّجاهٍ مغاير منتصراً للنبل ومَصْدراً للإلهام، مقابل آخرين أوغلوا في مقاومة الاستبداد ونصرة قضايا شعوبهم إلى درجة الفداء بأرواحهم بينما كان إنتاجهم المعرفي والإبداعي متواضعاً وبقي خارج دائرة التأثير والإلهام.
وفي هذا السياق، لا أحد بإمكانه أن ينكر أهمية الإرث المعرفي الباذخ الذي تركه عبد الرحمن بن خلدون للبشرية في مجال علم الاجتماع والتاريخ وفلسفة العمران والعلوم السياسية، ولكن مع ذلك يصعب التسامح مع موقفه المهادن والمتملق للقائد المغولي تيمورلنك عندما ذهب لمقابلته – في الوقت الذي كان جيشه يحاصر مدينة دمشق تمهيداً لاجتياحها – وجثا أمامه على ركبتيه وقَبّل يديه وخاطبه بقوله: “إنك سلطان العالم وملك الدنيا وما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم إلى هذا العهد ملكٌ مثلك”، بل واستجاب دون تردد لطلبه بكتابة تقرير شامل مزود بالخرائط عن منطقة شمال أفريقيا، ليستفيد منها إذا قرر مواصلة زحفه الدموي نحو تلك المنطقة! .. وإذا كان كثيرٌ من النقاد يتفقون حول علو المكانة الأدبية للشاعر الفرنسي لويس أراغون، لكنه كان من المناصرين للاستبداد الستاليني، وكتب مدافعاً عن الغولاق – الجهاز الأمني المسؤول عن معسكرات الاعتقال والعمل القسري في سيبيريا، والتي سيقت إليها أعدادٌ كبيرة من المعارضين – معتبراً أن ستالين يبني أول مجتمع خالٍ من الرأسمالية وبالتالي يجب على كل ثوري أن يدعمه!
وفي المقابل، هناك من جمعوا بين الحُسْنَيَيْن – أي الإمساك بناصية المعرفة وجذوة الإبداع بجانب الموقف الصحيح من القضايا العامة – ولعلّ المثال الأكثر صلةً بواقعنا الحالي هو موقف الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى من الحرب التي وقعت في مجتمعه – حرب داحس والغبراء – حين لم تختلط عليه الظلال وساهم، من خلال حراكه وشعره، في إيقاف تلك الحرب العبثية وما كان فيها من تدميرٍ وتشريدٍ وموتٍ ويُتْمٍ وثأرٍ أعمى.
هذه المقدمة ليست لمحاكمة التقديرات السياسية للروائي عبد العزيز بركة ساكن ومواقفه الحالية، وإنما لتأكيد أنه لا يصح تقييم إنتاجه الأدبي بناءً على تلك التقديرات والمواقف بل يجب أن يكون التقييم بمعايير النقد الأدبي العلمية أو حتى بالذائقة الفنية التي تختلف من شخص لآخر، ولكن – في ذات الوقت – من حق المخالفين لمواقفه أن يجادلوه ما دام خرج بها للرأي العام.
وهنا أود مناقشته حول ملابسات تغيير موقفه الذي عَبّر عنه في أبريل الماضي بقوله: (أنا ضد تجريم قحت أو تقدم أو أية جهة مدنية لا تحمل السلاح، وأختلف مع قحت وأختلف مع تقدم مدنياً بالرأي والرأي الآخر، ولكن أظل ويظلون تحت مظلة الاحترام، ولا تخوين لصاحب رأي)، وذلك قبل أن يتراجع القهقرى منذ أيام ويُحَمِّل الجنجويد وقحت – يقصد الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير – وزر كل قطرة دم سُفكت في بلادنا طوال هذه الحرب، مُصْدِراً بذلك صك براءة لمن أشعلوا نار الحرب ولا زالوا ينفخون في كيرها رغم كل ويلاتها على شعبنا وتداعياتها على وطننا ؟!!
ولاحقاً حاول السيد عبد العزيز تبرير تغيير موقفه بعدة أسباب نوردها ونعلق عليها أدناه:
أولاً: (يكفي أنهم لا يدينون إلا بخجل مجازر الجنجويد) .. أعتقد أن كلمة “بخجل” هنا مرسلة على عواهنها دون أي دليل، فعلى كثرة البيانات التي أصدرتها تنسيقية تقدم وقوى الحرية والتغيير ومكوناتهما وأدانت فيها بوضوح انتهاكات وجرائم طرفي الحرب، أرجو أن يتكرم بتوضيح موضع “حمرة الخجل” في أيٍّ من هذه البيانات؟
ثانياً: (يكفي أنهم أسكتوا ممثل المزارعين إبراهيم الدارفي في مؤتمر تقدم التأسيسي علناً أمام الكاميرات) .. بدا لي غريباً أن يصدر مثل هذا الاستدلال من أخينا عبد العزيز! ومن المؤسف أنه انساق وراء الدعاية التضليلية التي تعتمد على التكنولوجيا لاجتزاء مقطع مصور أو مسموع لتغييب كامل المشهد وبالتالي تزييف الحقيقة، فالمعلوم والمُوَثّق أن واقعة مقاطعة حديث ممثل المزارعين بواسطة بضعة أفراد كانت في الجلسة الافتتاحية التي حضرها كثيرون من غير أعضاء المؤتمر ومن غير المنتسبين لـ “تقدم”، لكنّ أخانا عبد العزيز تجاوز – قصداً أو جهلاً – الموقف الرسمي لـ “تقدم” الذي عَبّرت عنه مقدمة برنامج الافتتاح عندما طالبت الحضور بعدم مقاطعة المتحدث، وبالفعل أتم الرجل كلمته متعدياً الزمن المخصص لها ولم يُسْكَت كما جزم بذلك عبد العزيز من دون دليل غير رواية المعتدين على الحقيقة .. فهل نأمل في أن يراجع ويتراجع عن هذا التسبيب بعد هذا التوضيح؟
ثالثاً: (يكفي التسريب الصوتي لسيدة عضو تنسيقية تقدم الذي وضحت فيه فلسفة حزبها في تأييد الجنجويد وتسطيح الجرائم ضد الإنسانية) .. بصرف النظر عن صحة هذا التسريب من عدمها، فإن موقف تقدم وقوى الحرية والتغيير الحقيقي والمعلن هو عدم الانحياز لأية بندقية – رغم أنف الدعاية الكذوبة من أبواق النظام المباد ودعاة الحرب – كما أن ذات الموقف يتعدى إدانة الانتهاكات والجرائم إلى المطالبة بالتحقيق والمحاسبة.
رابعاً: (يكفي سكوتهم المخجل وتبريرهم لقتل المواطنين في ود النورة) .. هذا القول إمّا أن يكون انسياقاً وراء حَمْلة الأكاذيب أو جهلاً بمواقف الآخرين، وهنا نكتفي بإحالة السيد عبد العزيز لصفحة حزب المؤتمر السوداني بالفيسبوك ومراجعة البيان الصادر عن الحزب بتاريخ ٥ يونيو الماضي، كما بإمكانه أن يجول في الأرشيف ليقف على ردود الفعل من مكونات تقدم والحرية التغيير على ما حدث في ود النورة، عَلّه يتراجع عن إفادته المجافية للحقيقة.
لقد أورد السيد عبد العزيز أربعاً من الفقرات التي تبدأ بكلمة “يكفي” في محاولة لإسناد وتبرير مقولته الأخيرة عمّن يتحمل وزر الدم النازف جراء الحرب في بلادنا، ولكن كل هذه “اليَكْفِيات” لا تكفي للتبرير والإسناد لأنها مثل الحزازيات بلا جذور، وأضعف من أن تستوي واقفةً أمام الحقيقة كما أوضحنا، وأعجز مِنْ أن تُبَرِّئ مَنْ أراد تبرئتهم.
من حق أي شخص أن يتخذ ويعلن ما يشاء من المواقف شريطة عدم التلاعب بالحقائق وعدم إخراج الوقائع من سياقاتها، والتحلي بفضيلة التراجع عن الخطأ متى ما تَبَيّن خصوصاً إذا كان هذا الخطأ متعلقاً بإصدار حُكْمٍ سلبي وقطعي على مواقف الآخرين.
نتمنى للروائي عبد العزيز بركة ساكن التوفيق في مسيره الإبداعي، ونتمنى له ولنا وللجميع صفاء النفوس والرشد السياسي لمنجاة وطننا من محنته .. السلام هو الطريق، ويبقى الحُكْم للشعب والتاريخ.
الوسومالجنجويد تقدم عبد العزيز بركة ساكن عمر الدقير مناقشهالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجنجويد تقدم عبد العزيز بركة ساكن عمر الدقير
إقرأ أيضاً:
أخبار التوك شو | الحكومة تعلن زيادة المرتبات خلال أسابيع .. إزاي تخلي فلوسك فيها بركة؟
تناولت برامج التوك شو أمس ، عددًا من الملفات والقضايا المهمة محليًا ودوليًا، ونستعرض لكم أبرزها من خلال التقرير التالي:
مفاجأة بشأن التضخم.. الحكومة تعلن زيادة المرتبات خلال أسابيع
ينتظر الكثير من المواطنين موعد إعلان الحكومة عن الحزمة الاجتماعية الجديدة وزيارة المرتبات ، التي أعلن عنها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ورد المستشار محمد الحمصاني المتحدث باسم مجلس الوزراء، على سؤال "موعد زيادة المرتبات، والحزمة الاجتماعية الجديدة.
مفاجأة في أسعار الذهب.. رقم تاريخي جديد بفعل القرارات الاقتصادية
قال هاني ميلاد، رئيس شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، إن أسعار الذهب شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، متوقعًا أن تستمر الارتفاعات في الفترة المقبلة.
زيادة في الرواتب والمعاشات وكشف بترولي جديد.. رسائل مهمة من رئيس الوزراء
وجه الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، مجموعة من الرسائل المهمة للمواطن المصري وذلك في مؤتمر صحفي له عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي .
الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي: مصر تتصدر إفريقيا في سرعة الإنترنت الثابت
أكد الدكتور عبدالوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي بجامعة الدول العربية، أن الاقتصاد الرقمي والتحول الرقمي هما القوى المحركة التي تقود العالم حاليًا.
إزاي تخلي فلوسك فيها بركة؟.. خبيرة الطاقة تجيب
قالت سهام عيد، خبيرة الطاقة، لكي يشعر الانسان بـ البركة في أغراضه الموجودة في المنزل وبركة في أمواله وبركة في إنفاقه مثل أيام زمان لازم يتخلص من الكركبة.
أحمد موسى: زيادة قادمة بداية من شهر يوليو في المرتبات والأجور والمعاشات
كشف الإعلامي أحمد موسى، عن موعد الحزمة الاجتماعية الجديدة، مؤكدا أن زيادة قادمة بداية من شهر يوليو في المرتبات والأجور والمعاشات.
أستاذ علاقات دولية: تصريحات الرئيس الأمريكى بشأن غزة خطيرة
قال الدكتور إدموند غريب أستاذ العلاقات الدولية، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس خلال المؤتمر الصحفي، كانت خطيرة للغاية.
"الرواد الرقميون".. وزير الاتصالات يكشف تفاصيل مبادرة مفتوحة للجميع بالمجان| تفاصيل
كشف الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن تفاصيل مبادرة «الرواد الرقميون»، وهي لكل فئات المجتمع، حتى الذين تخطوا الـ 30 عاما، مؤكدا أن المبادرة كلها بالمجان، وتتحمل الدولة كافة تكلفتها.
مستشار «ترامب» يكشف تفاصيل صفقة القرن وفكرة ضم غزة للولايات المتحدة |فيديو
كشف جابريل صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تفاصيل عمله في صفقة القرن في عام 2019 ورؤية الرئيس الأمريكي تجاه قضية غزة، مشيرًا إلى أن الرئيس ترامب كان لديه اهتمام خاص بإعادة إعمار غزة، إلا أن حل مشاكلها لم يكن بالأمر السهل.
الوزير محمد جبران: نستهدف أن يعيش قانون العمل الجديد 30 سنة
قال محمد جبران وزير العمل، إنّ الوزارة أجرت حوارا مجتمعيا في الفترة الماضية فيما يخص قانون العمل الجديد، متابعا: جميع النقابات والشركات واتحاد الصناعات والغرف التجارية وبعض الخبراء ومنظمة العمل الدولية شاركوا في الحوار.