لجريدة عمان:
2025-05-02@07:32:09 GMT

الاستحقاق الزمني

تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT

يشكل الزمن ارتباطًا عضويًا بكل مكونات الحياة وتفاعلاتها المختلفة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك مسار تفاعلي دون أن يكون للزمن مساحته المستحقة؛ سواء في تشكيل هذا المسار، أو في مجموعة التفاعلات التى تؤول إلى إنجازه أو فشله على حد سواء، فالطفل الذي في الحظة الآنية تلده أمه يتلقفه الزمن عبر مساحة ممتدة، بقدر ما كتب له من عمر من لدن خالقه ذي العزة والجلال الله سبحانه وتعالى، وليتخيل أحدنا كيف يتوغل الزمن في كل مجريات حياته اليومية، بدءًا من صرخته الأولى، وحتى صرخته الأخيرة، حيث نزعة الروح من الجسد، فهل يمكن قبول فكرة أن مرحلة من مراحل هذا المخلوق تجاوزت لحظة زمنية معينة دون أن ينغمس فيها وتنغمس فيه؟ لا يمكن إطلاقًا، ولذلك يأتي تقسيم مراحل التكون لدى الإنسان (الطفولة، الصبا، الشباب، الشيبة، الكهولة) وفق المساحة الزمنية لكل مرحلة، ولا يمكن أن تتداخل المراحل الزمنية في هذا الترقي الجسدي، والفكري، على حد سواء لأي إنسان في هذه الحياة الدنيا.

وكما تنطبق الصورة أعلاه على الإنسان، هي ذاتها على أي كائن حي، فالحياة مرتبطة بالزمن، بخلاف مرحلة الموت «البرزخ» فهذه تبقى من علم الغيب عند الله، أما الزمن الحاضر في حياتنا اليومية، فنوهم أنفسنا في كثير من الخيال أننا نستقطع منه المساحة التي نريد؛ لتسهيل مجريات حياتنا اليومية، مع أن الحقيقة غير ذلك تماما، فهو الذي يأخذ منا عمرنا، وصحتنا، ومساحة الرزق، ومساحة الخير، ومساحة الشر، ومساحة الرضى والغضب، والحب والكره، ويبقى في المستحيل المطلق أن نتجاوز أي لحظة زمنية دون تأخذ منا استحقاقاتها الملزمة تنفيذها، ولعل في العبارة المشهورة: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك» تظل بالغة الدلالة في هذا الأمر، ومن هنا فإن لم يتم استغلال الزمن بكل حيثياته الدقيقة، فإن التفريط فيه خسارة كبيرة لا تتعوض بأي شكل من الأشكال، ولذلك فالذين حاولوا التلاعب بالزمن خسروا خسارة كبيرة، سواء في أعمارهم، أو في أرزاقهم، أو في علاقاتهم مع من حوله، وبالتالي فأي خسارة في مساحة الزمن لن تعوض مطلقا، ولذلك هناك من يخطئ خطأ فادحًا من خسر شيئًا ما، عندما يقول: «سأعوض ذلك في المستقبل» فمستقبل الشيء هو حاضره، وليس غده، فالغد مرهون بزمن مختلف، وبأشخاص مختلفين، وبظروف مختلفة، وأي فرد لن يعيش عصرين متتاليين؛ لأن العمر المتاح له مرة واحدة فقط، فإما أن يكون فيه، أو أن يسقط نفسه منه، ومتى أسقط الإنسان نفسه من زمنه، فلن يجد زمنا يعوضه. يحب كثير من الناس ترديد عبارة: «العمر مجرد رقم» وهذه -في تقديري- مقولة حق يراد بها باطل، فالحق يقال إنَّ كل منا له رقم زمني، هذا عمره عشرة أعوام أو أقل، وآخر عمره خمسون عامًا أو أكثر؛ فهذا حق لا يمكن إنكاره، أما الباطل المبطن في المقولة، وهو أن لك أن تعيش على فوضويتك المعتادة، وتغتال قيمك، وتناصر شهواتك، وتغض الطرف عن أخطائك، وتوهم نفسك أنك ما زلت شابًا من حقه أن يستمتع بكل ما تصل إليه يده، دون أن يكون لثقل العمر دور في تحييدك عن السقوط في براثن الضياع، فالسقوط في العمر المتأخر مصيبة كبيرة، ومن يتعمده يرتكب جريمة مزدوجة في حق نفسه، وليس يسيرًا غفرانها.

ومع كل ما ورد أعلاه، يظل الزمن فرصة ذهبية لأي مخلوق -وفي مقدمتها الإنسان- أن يستثمره في كل تفاصيل حياته اليومية، ومتى حقق أحد من الناس ذلك، يمكن أن يكون غنيًا، عالمًا، حكيمًا، مصلحًا، قائدًا، موجهًا، وغير ذلك كثيرًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن یکون

إقرأ أيضاً:

من الغسيل إلى الطهي.. 7 فوائد نفسية للأعمال المنزلية اليومية

في ظل نمط الحياة السريع والمليء بالضغوط، قد تبدو المهام الروتينية -مثل الطهي والتنظيف وترتيب المنزل- مجرد أنشطة مملة لكنها تحمل فوائد نفسية وجسدية مذهلة. وبعيدا عن كونها مجرد واجبات يومية، فهذه المهام يمكن أن تساهم في تحسين الصحة النفسية وتقليل التوتر وحتى الوقاية من بعض الأمراض العقلية. وقد يبدو الأمر محاولة لتخفيف عبء الأعمال المنزلية.

لكن الدراسات الحديثة تؤكد أن لها تأثيرا إيجابيا حقيقيا، حيث تساعد في تعزيز الشعور بالإنجاز، وتحسين الحالة المزاجية، وتنظيم الحياة اليومية. ولذا، فإن تغيير نظرتنا لهذه الأنشطة قد يجعلها أداة فعالة لتعزيز الصحة العقلية والجسدية. وإليك ما تخبرنا به الأبحاث الحديثة عن قيمة المهام المنزلية العادية:

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموتlist 2 of 2فارس الخوري.. المسيحي خطيب الأموي ووزير الأوقاف الإسلاميةend of list 1- حل المشكلات بطرق إبداعية

من الفوائد النفسية غير المتوقعة للمهام الروتينية غير المجهدة أنها تتيح للعقل فرصة للتجوال بحرية والتفكير بعمق، مما يعزز الإبداع. فعندما نشارك في أعمال بسيطة مثل الطهي أو التنظيف، يتاح لعقولنا المساحة للتفكير بحرية. وهذا النوع من التفكير المعروف بـ"التفكير التلقائي" يمكن أن يؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة وحلول مبتكرة للتحديات اليومية التي نواجهها.

وقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، ونُشرت بمجلة "سيكولوجيكال ساينتس" المختصة في علم النفس، أن الأشخاص الذين ينخرطون في مهام روتينية قبل مواجهة المشكلات المعقدة كانوا أكثر قدرة على التوصل إلى حلول إبداعية مقارنة بمن حاولوا حل المشكلة مباشرة دون أي نشاط بدني بسيط.

الانخراط بالمهام اليومية الروتينية قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بالخرف (بيكسلز)

2- تقليل خطر الإصابة بالخرف

أظهرت الدراسات أن الانخراط في المهام اليومية الروتينية قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بالخرف. وفي دراسة أجريت في البنك الحيوي بالمملكة المتحدة بين عامي 2006 و2019، وشملت حوالي 500 ألف شخص، تبين أن الأفراد الذين يقومون بالأعمال المنزلية بانتظام لديهم خطر أقل بنسبة 21% للإصابة بالخرف مقارنة بأولئك الذين لا يمارسون هذه الأنشطة. ويُعزى ذلك إلى أن هذه المهام تحفز النشاط العقلي والجسدي، مما يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ مع التقدم في العمر.

إعلان

ووفقًا لهذه الدراسة، فإن الأنشطة الروتينية مثل التنظيف والطهي تنشط مناطق مختلفة في الدماغ، مما يسهم في تحسين الوظائف المعرفية وتعزيز الصحة العقلية على المدى الطويل.

3- تقلل القلق وتخفف التوتر

يمكن أن تتحول الأنشطة اليومية -مثل الطهي أو غسل الصحون أو ترتيب الغرفة- إلى نوع من التأمل اليقظ، مما يساهم في تقليل مستويات التوتر والقلق.

وفي دراسة أُجريت في جامعة فلوريدا، أظهرت النتائج أن المشاركين الذين غسلوا الصحون بوعي (أي من خلال التركيز على إحساس الماء والصابون ورائحة المنظفات) شهدوا انخفاضًا في التوتر بنسبة 27% وزيادة في الشعور بالاسترخاء بنسبة 25%. وعندما نركز على المهمة التي نؤديها ونعيش اللحظة الراهنة، فإننا نمنح عقولنا فرصة للاسترخاء والتخلص من الأفكار السلبية.

الأنشطة الروتينية مثل التنظيف والطهي تنشط مناطق مختلفة في الدماغ (غيتي إيميجز) 4- الإحساس بالإنجاز والسيطرة

توفر المهام اليومية الروتينية شعورًا بالإنجاز والسيطرة، وهو أمر أساسي لتعزيز احترام الذات. فعندما نكمل مهمة معينة، مثل تنظيف الغرفة أو تحضير وجبة، نشعر أننا حققنا شيئا ملموسا.

ويمكن لهذا الإحساس بالإنجاز أن يعزز ثقتنا بأنفسنا ويحسن مزاجنا. كما أن الشعور بالقدرة على التحكم في جوانب معينة من حياتنا، حتى لو كانت بسيطة مثل ترتيب المنزل، يمكن أن يساهم في تقليل الشعور بالعجز والقلق.

5- تحسين الصحة البدنية

إلى جانب الفوائد النفسية، تسهم المهام الروتينية في زيادة النشاط اليومي، مما يعزز الصحة البدنية بشكل غير مباشر. فالأنشطة مثل المشي أثناء ترتيب المنزل، وتنظيف الأرضيات، أو طهي الطعام، تساعد في حرق السعرات الحرارية وتحسن الدورة الدموية وصحة القلب.

وتشير دراسة أجريت في معهد أبحاث الصحة جامعة ليمريك في أيرلندا إلى أن الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال المنزلية اليومية يتمتعون بلياقة بدنية أفضل، وأن القيام بنشاط بسيط بعد تناول الطعام -مثل الوقوف أو أداء الأعمال المنزلية- يقلل من مخاطر السمنة وأمراض القلب.

إدخال المهام الروتينية في الجدول اليومي يساعد في تنظيم الحياة (الألمانية) 6- بناء عادات إيجابية وتنظيم للحياة

يساعد إدخال المهام الروتينية في الجدول اليومي في تنظيم الحياة، مما يعزز الاستقرار النفسي والعقلي. فالأشخاص الذين يتبعون روتينا يوميا ثابتا يميلون إلى الشعور بمزيد من الاستقرار والراحة، كما أن وجود جدول منتظم يساهم في تقليل الشعور بالفوضى والقلق الناتج عن عدم التنظيم.

إعلان

ووفقًا لعلم النفس السلوكي، يمكن للعادات الصغيرة المتكررة -مثل ترتيب السرير يوميًا أو غسل الصحون بعد الوجبات- أن تكون بداية لعادات أكبر، مما يحسن جودة الحياة بشكل عام.

7- تعزيز الروابط الاجتماعية

عندما تُؤدى المهام الروتينية مع أفراد الأسرة، يمكن أن تصبح وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، الطهي معًا أو تنظيف المنزل كفريق يمكن أن يعزز التواصل والتعاون بين أفراد الأسرة. وقد يبدو تحضير وجبة الغداء أمرًا مملًا، ولكن عندما يشارك فيه أفراد العائلة معًا يصبح فرصة للمشاركة والحوار وسط يوم مليء بالأحداث. كما تعزز المشاركة في الأنشطة اليومية مع الآخرين الشعور بالانتماء والدعم العاطفي، مما يساهم في تحسين الصحة النفسية.

ورغم أن المهام الروتينية قد تبدو مملة في بعض الأحيان، فإن لها تأثيرا إيجابيا على الصحة العقلية والنفسية. ومن تعزيز الإبداع وتقليل التوتر إلى تحسين الصحة البدنية وتقوية الروابط الاجتماعية، يمكن لهذه الأنشطة اليومية أن تحدث فرقًا كبيرًا في حياتنا.

لذلك، بدلا من النظر إلى المهام الروتينية كعبء يومي، يمكننا الاستفادة منها كأداة لتحقيق التوازن النفسي وتحسين جودة الحياة. ومع الوعي بأهميتها، يمكن أن تتحول هذه العادات اليومية إلى مصدر للراحة والإنجاز والنمو الشخصي.

مقالات مشابهة

  • الأحزاب السياسية تتجنب الانخراط المباشر في الانتخابات البلدية
  • تحذيرات من خطر خفي يحيط بحياتنا اليومية
  • ركن الفنون.. إمتاع بصري ومساحة نابضة بالإبداع
  • رئيس المتحف المصري الكبير يزور اليابان قبل الافتتاح الرسمي
  • فوائد تناول البصل الأخضر.. وكيف يمكن استخدامه في الوجبات اليومية؟
  • أمة على هامش الزمن
  • من الغسيل إلى الطهي.. 7 فوائد نفسية للأعمال المنزلية اليومية
  • الأوقاف تحذر من تأشيرات وهمية للحج وتؤكد: لا حج خارج المسار الرسمي
  • «الجولف» يتوج أبطال موسم «وسام الاستحقاق»
  • 99 % من العاملين في «الخاص» مسجلون في «حماية الأجور»