ضاق صدرى بكل ما حولى. ووسط حرارة شمس صيف قائظ الحرارة لا يرحم، قررت أن أذهب لزيارة معرض الزهور السنوى فى حديقة الأورمان كما هى العادة. وجدت الحديقة مغلقة. وقال لى رجل طيب يبدو عالما بالأمور: المعرض تم نقله إلى مبنى المتحف الزراعى، لأن تطويراً يجرى لربط الأورمان بحديقة الحيوان. تصلبت فى مكانى بضع دقائق، لما غدت كلمة «تطوير» تسببه لى من ألم وفزع.
انتقلت إلى الجهة المقابلة لأتفقد ما آلت إليه أحوال حديقة الحيوان، التى كانت فى طفولتى مرفأ لفسحة العيد الوحيدة، التى تتسم بالهناء والبهجة. لمست الذكرى جرحاً غائراً فى الروح، لطفولة لم تكن سعيدة ومليئة بالعناء والوحدة.
كنا فى العيد نلهو على حافة بحيرات الحديقة الساحرة، مع أسراب من الطيور العائمة من البط والأوز والبجع الملون، التى تسبح وتتمخطر على سطح الماء بثقة وعافية وسكينة، متباهية بجمالها ورشاقتها. وفى الشباب شهدت الحديقة أول موعد غرامى فى جزيرة الشاى، المصقولة بالخشب والرخام، وحجر المرمر، والمحاطة بمياه النوافير المتدفقة والبحيرات وشتلات الورد والأشجار والطيور النادرة من كل جانب، لكى تغدو استراحة تليق برقة ورقى وثقافة منشئها الخديو إسماعيل ووالدته وحفيده الملك فاروق.
وكان لفيلم «موعد غرام» لفاتن حمامة وعبدالحليم حافظ الفضل فى التعرف على جزيرة الشاى بالحديقة، وفى أرجائها غنى حليم واحدة من أجمل أغانيه: أغنية صدفة التى أهاجت مشاعرنا وواربت لنا بعض أبواب العشق الموصدة. تعرفنا على الحديقة أيضاً من أول فيديو كليب صوره بها محمد الموجى فى بداية إنشاء التليفزيون، لأغنية بصوته بالغة الرقة هى: فنجان شاى مع سيجارتين، ما بين العصر والمغرب، ونظرة شوق فى نار قلبين مع السكر بتتقلب، وصورة حب مرسومة فى قعدة صيف، ما تعرف مين كان الداعى، ومين الضيف.. تبارى جمع من المتسولين للالتفاف حولى أمام باب حديقة الحيوان المغلق. ولحفزى على الاستجابة لتسولهم، أخذوا فى الدعاء لى مرة بصفتى «الحاجة» ومرة ثانية بصفتى «المقدسة»!
يا لها من غفلة. الوقت مضى، وجه المدينة وملامح المجتمع يتغيران. الأرض الخضراء الممتدة من تمثال نهضة مصر، حتى مدخل جامعة القاهرة اختفت. لم تعد الأرض هى الأرض، ولا المكان هو المكان، ولا الناس هى الناس، وتهدل شموخ التمثال، وبدا منحنياً متوارياً فى صخب الحفر والدق والرزع. والحز أسئلة معلقة فى الفضاء، لا تجد من يجيب عنها. أو ليست غفلة أن تكون تلك هى المرة الأولى التى أعرف أن الحديقتين مغلقتان وأن بهما تطويراً؟
كنت قد قرأت منذ بضعة أشهر خبراً صحفياً يقول، أن تحالفاً استثمارياً، قد تسلم الحديقتين لتطويرهما، بعد موافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط العمرانى على «مخطط التطوير». اتسعت رقعة الغفلة الآن. فهأنذا أعرف للمرة الأولى أن بالبلاد مجلساً أعلى للتخطيط العمرانى. فما هى يا ترى العلاقة بينه وبين الجهاز القومى للتنسيق الحضارى؟ وما هو الرابط بينهما وبين وزارة السكان والمرافق والمجتمعات العمرانية؟ لا نعرف.
أصابنى مغص. قررت أن أتظاهر بالتجاهل. فالخبر مجهول المصدر، كما هو دأب صحافتنا هذه الأيام. معظم أخبارها منسوبة لمصدر لم تذكر اسمه. لعله مصدر يثب إلينا من قصص الجن والمردة والشياطين الأسطورية. مخطط؟ يا لها من كلمة غليظة قرينة فى الذهن والوجدان بالمؤامرة:مخطط صهيونى.. مخطط استعمارى.. مخطط الجماعة وإخوانها. أما كلمة تحالف فهى أكثر بغضاً فى دلالات إيحاءتها: التحالف الدولى لغزو العراق ونهبه، وتقسيم ليبيا وسوريا ونهب الثروات العربية ودعم حفنة من اللصوص الغزاة الإسرائيليين، فى مواجهة الشعب القلسطينى الأعزل، باسم الدفاع عن الديمقراطية!
قبل عدة سنوات قاد الكاتب الصحفى الراحل مصطفى نبيل حملة موسعة ضد أنباء كانت متداولة على خجل فى الإعلام الرسمى منسوبة– كما هى العادة- لمصادر مجهولة، تشير إلى استعداد الحكومة لبيع أرض حديقة الحيوان لشركات استثمارية. لكن ما لم يكن مجهولاً أن أحد المستثمرين من كبار رجال الأعمال هو من أمد مصطفى نبيل بتلك المعلومات، فى سياق تفاخره بصفقته الموعودة، ووصفه لحجم المولات والفنادق العالمية التى يستعد لإقامتها فوق أرض الحديقة. انتفضت المؤسسات الرسمية فى حينها– كما هو حادث هذه الأيام– لنفى تلك الأنباء وتكذيب مروجيها!
اشتد صداع رأسى وألم قلبى ومغص بطنى، وصار على إعادة ترتيب أوجاعى والتحكم بها، لكى أعبر متوازنة، من تلك اللحظة. أوقفت أحد التاكسيات لمغادرة الموقع. اندفع السائق الخمسينى يحدثنى عن والده الراحل الذى عمل سائقا شخصيا للمطربة صباح فى القاهرة ولبنان. ولكى يثبت لى صدق حديثه، أدار شريطاً لأغنيات قديمة لها. وارتفع صوتها الحنون الشجى يشدو: يا ليل طرق الهوى بابنا، فتحنا له ورحبنا، ومشانا فى تياره، وفى النص الطريق سابنا، سابنا يا ليل، يا ليل سابنا. ألم أقل لكم أنها مجرد ثرثرة لا معنى لها؟
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حديقة الحيوان على فكرة أمينة النقاش حديقة الأورمان حدیقة الحیوان
إقرأ أيضاً:
حديقةٌ أم جحرُ أفاعٍ؟ أسترالي يعثر على 100 ثعبان سام في فناء منزله
أصيب رجل أسترالي بالذهول لعثوره على أكثر من 100 ثعبان أسود سام أحمر البطن داخل كومة نشارة في فناء منزله في سيدني، في واقعة نادرة أثارت دهشة الخبراء وحيرتهم.
كان ديفيد شتاين قد لاحظ وجود بعض الثعابين التي تتسلل بين أكوام النشارة في منزله بضاحية هورسلي بارك، في المنطقة الغربية لسيدني، ما دفعه إلى الاتصال بشركة "ريبتايل ريلوكيشن سيدني" المختصة بمكافحة الزواحف.
عملية إنقاذ غير مسبوقةوصل أحد أعضاء فريق اصطياد الثعابين ديلان كوبر في اليوم نفسه، ليكتشف ما لم يكن في الحسبان، إذ انتهى به المطاف ليجد نفسه بمواجهة نحو 100 ثعبان من الثعابين السوداء السامة ذات البطن الأحمر، معظمها حديث الولادة أو في مرحلة الحمل.
وعلّق شتاين على هذا المشهد قائلاً: "إن مجرد رؤية هذا العدد في مكان واحد يصيبك بالقشعريرة".
من جانبه، أوضح كوري كيريوارو، مالك الشركة، أن أنثييْن من الثعابين البالغة وضعتا ما مجموعه 29 ثعبانًا صغيرًا داخل كيس الإنقاذ بينما كان كوبر لا يزال يواصل البحث للعثور على المزيد. وبلغت الحصيلة النهائية خمسة ثعابين بالغة و97 صغيرة.
وصف كيريوارو هذه الحادثة بأنها فريدة من نوعها، مؤكداً أنها الأكبر من نوعها في تاريخ العمليات التي من هذا النوع. وأشار إلى أن أكبر واقعة سابقة مسجّلة تضمنت إزالة 30 ثعبانًا غير سام، وهو عدد ضئيل مقارنة بما تم العثور عليه في منزل شتاين.
أما سكوت إيبر، الخبير في الزواحف الأسترالية ومؤلف العديد من الكتب حول الثعابين، فقد أوضح أن الثعابين السوداء ذات البطن الأحمر الحامل قد تلجأ إلى التجمع في أماكن معينة بحثا عن الأمان. كما رجّح أن الطقس الحار شكل غيرمعتاد في سيدني هو أحد العوامل التي ساهمت في ولادة هذا العدد الكبير من الثعابين في وقت قصير.
ووصف إيبر الحادثة بأنها "نادرة للغاية"، مؤكدًا أنها تظل حالة معزولة لم تُعرف من قبل.
Relatedشاهد: شاب يصطاد بيديه أكبر ثعبان بورمي في تاريخ فلوريداثعبان يبتلع امرأة في إندونيسياالشرطة البريطانية تبحث عن 15 ثعبانا مسروقا من نوع الأصلة الملكيةإطلاق الثعابين وتحذيرات من تكرار الحادثةبعد انتهاء عملية الإنقاذ، حصل كيريوارو على تصريح رسمي من السلطات الحكومية يوم الخميس لنقل الثعابين التي تم جمعها إلى إحدى الحدائق الوطنية، بعيداً عن المناطق السكنية، بهدف تقليل أي تواصل مع البشر في المستقبل.
وأضاف: "سيتم إطلاق 100 ثعبان في أعماق الأدغال بموقع غير مُعلن لضمان بقائها بعيدًا عن المناطق المأهولة".
وحذر الخبراء شتاين من احتمال عودة الثعابين إلى كومة النشارة في نفس الفترة من العام المقبل، باعتبارها بيئة مناسبة للولادة، ما دفعه إلى اتخاذ قرار سريع بإزالتها. وما أن سمع المسكين هذا الكلام، قال: "في غضون اليومين المقبلين، ستختفي كومة النشارة الضخمة هذه بالكامل من الفناء".
المصادر الإضافية • AP
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية السجن النافذ لمن يلقي التحية النازية.. أستراليا تقر قوانين جديدة لمكافحة جرائم الكراهية بالصور.. كل ما تحتاج معرفته عن عام الثعبان: رأس السنة الصينية 2025 بعد التنين.. الصين تستعد لعام الثعبان: بداية جديدة في 2025 سيدنيبحث وإنقاذأفعوانحيواناتأستراليا