بوابة الوفد:
2024-11-05@15:27:25 GMT

الوراقة والورّاقون وأوراقهم

تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT

سجّلتْ اللغة العربية فى الأوراق بقدْر ما سجّلتْ ـ منذ الأزل ـ فى ذاكرة الحفّاظ، وفى محفوظات الرواة ومخطوطاتهم ، ويمكن القول إن ما عرف باسم (الورّاقين)، وما عرف باسم (الوراقة) هو المرادف لما نعرفه اليوم بدور النشر، والطباعة، وبالمطابع وآليات نشر الكتاب وتوزيعه وتسويقه. بل أنه يشبه ـ إلى حد ما ـ جانبا من الحركة الإعلامية والتثقيفية فى العصر الحديث، ذلك أن (الورّاق) كان عالما أو أديبا ذا خبرة بحركة العلوم ومنتجاتها وأعلامها، ومصنفيها، والأصيل من المصنفات والزائف منها، والسابق واللاحق.


ومنذ أقدم العصور ساعد نبات البردى المصريين القدماء على صناعة ورق البردي، وقد عرف العرب الكتابة على الرقوق، جمع رقّ، وأطلقوا عليها اسم الأديم، وهو الجلد الأحمر المدبوغ، ومما روى من حديث شريف:» وهو مكتوب عندنا فى أديم خولانى « نسبة إلى خولان قبيلة يمنية ،ودوّن القرآن الكريم تفاريق فوق جلود وعظام وعسب (جريدة من النخل) ، وورق ،أو الكاغد ،كما كتب على جلود الظباء، ووردتْ كلمة المهارق كثيرا فى أشعار العرب ،ومفردها مهْرق ، وهو قماش الحرير المطلى بالصمغ ليستخدم فى الكتابة، وهى كلمة فارسية الأصل، وشيوع الكلمة فى الشعر دليل على شيوع الاستعمال.
وفى مجال حديثنا عن أهل صناعة الورق والكتاب فى لغتنا العربية فصّلتْ  المصادر القديمة القول تفصيلا، ومن ذلك ـ على سبيل المثال. لا الحصر ـ تاريخ بغداد ، ومعجم الأدباء، ومعجم البلدان، والأنساب، ومقدمة ابن خلدون ، والفهرست، والمصاحف، والدانى فى المقنع فى رسم مصاحف الأمصار، إستانبول مطبعة الدولة ، وابن درستويه فى كتاب الكتّاب ،الذى نشره الأب لويس شيخو اليسوعى ،بيروت، مطبعة الآباء اليسوعيين ، عن أخبار الوراقين ، وفى العصر الحديث أفاض كل من : زكى حسن فى الكتاب فى الفنون الإسلامية، مجلة الكتاب، القاهرة ، والكتاب قبل اختراع الطباعة، نفسه ، وحبيب زيات فى مقال الوراقة والوراقون فى الإسلام ، مجلة المشرق ،وسفنددال فى تاريخ الكتاب من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر، ترجمة محمد صلاح الدين حلمى، القومية، القاهرة ،  ودى جرولييه ، إريك ،تاريخ الكتاب، ترجمة خليل صابات، نهضة مصر، القاهرة، وعبد الستار الحلوجى فى فصل الوراقة والوراقون من كتابه (المخطوط العربى ..) ، ومحمد طه الحاجرى ، الورق والوراقة فى الحضارة الإسلامية ،مجلة المجمع العلمى العراقى مج 12 1965 ص 116ـ138،ومج 13 1966 ص 63ـ88.. 
وتاريخ صناعة الورق قديم جدا، فقد بدأتْ صناعة الورق منذ سنة 105 بعد الميلاد حين اخترع الصينى «تساى لون» نقْع لحاء الشجر والفضلات ،وشباك الصيد والخرق القديمة البالية، واكتشف الصينيون فرشاة شعرة الجمل سنة 250 بعد الميلاد ،وفى مقتبل القرن السابع الميلادى أسهمتْ اليابان عن طريق الرهبان البوذيين.
وعرف العرب الورق أو الكاغد واستخدامه فى الدواوين فى عصر الرشيد ووزيريْه: جعفر والفضل البرمكيين، وحين فتح المسلمون سمرقند سنة 712م وجدوا فيها الكاغد، ثم تعلموا صناعته، وفى سنة 751 م هاجم الصينيون مدينة «سمرقند» التى كانت قد دخلتْ الإسلام، وأسر بعض الصينيين الغزاة أهلها، وانتشرتْ عنهم صناعة الورق، وكثر إنتاجه بسمرقند مع صناعات أخرى ، وكان قد أقيم أول مصنع للورق قبل نهاية القرن الثامن الميلادى (794م) فى بغداد، فى عهد الخليفة هارون الرشيد (776ـ 809م) ،ونشط فى مكان اسمه دار القز ، وكانت أول صناعة للورق فى اليابان حوالى عام 770م ، لتنتشر صناعة الورق باستخدام القش المستخرج من الأرز ولحاء الأشجار ،وغيرها، وعن طريق القوافل انتقلت صناعة الورق إلى بغداد ، ودمشق، وفى مصر أنشئ أول مصنع للورق من عجينة الكتان سنة800م، وأسس أول مصنع للورق بالأندلس سنة 950م  تلتْها صقلية سنة 1102م ، ومراكش 1100م،وعن طريق الأندلس إلى إيطاليا سنة 1154، حيث نشأت صناعة الورق فى «فابريانو» الإيطالية سنة 1276م ، وإلى بقية بلدان البحر الأبيض المتوسط ،فألمانيا 1228م، فانجلترا، فتورين بفرنسا سنة 1348م. يقول مؤلّفا كتاب ظهور الكتاب: لوسيان فاقر،وهنرى _ جان مارتان،ترجمة محمد سميح قاسم:» فلا شك إذن فى أن اختراع الطباعة كان سيظل عديم الفعالية سنين لكى يعم استخدامه فى نهاية القرن الرابع عشر»، ويستمر تحت عنوان1ـ مراحل صناعة الورق...الجديد من»الرق» الذى كان يأتى به التجار المتعاملون مع العرب . وللحديث بقية

عضو المجْمع العلمى المصرى
وأستاذ النقد الأدبى الحديث

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نهضة مصر لغتنا العربية جذور هويتنا د يوسف نوفل صناعة الورق

إقرأ أيضاً:

الثقافة تصدر «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق» بهيئة الكتاب

أصدرت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق لدى فلاسفة الإسلام»، للدكتور الصاوي الصاوي أحمد.

وتعد قضية الوجود والمعرفة والأخلاق من أهم القضايا التي شغلت الإنسانية بكل مستوياتها وطبقاتها منذ الخليقة حتى عصرنا، فلا يوجد إنسان في أي عصر من العصور لم تشغله قضية وجوده وعلاقته بوجود الآخر، وكيف يعرف وجوده ووجود الله على حقيقته، والسلوك الخلقي الذي يجب أن يتحلى به الإنسان في كل أمور حياته، ونعني هنا بالوجود وجود الله والعالم بما هو موجود في الظاهر والباطن، وكيفية معرفة كل ما يتعلق بهذا الوجود وأسراره. 

أما الأخلاق فتعنى بها السلوك الواجب الالتزام به في معرفة الوجود على الحقيقة وكيفية التعامل معه بما يجب، ولهذا كان شغل الفلاسفة على مر العصور هو البحث في حقيقة هذا الوجود «وجود الله والعالم»، وكيفية معرفة حقيقته، وما القيم الأخلاقية الواجب الالتزام بها لمعرفة سر هذا الوجود والتعامل معه. 

ويعد نصير الدين الطوسي وابن سينا وفخر الدين الرازي والشهرستاني من هؤلاء الفلاسفة الذين شغلهم البحث في الوجود، فقد حاولوا البحث في كثير من معالم الوجود وطرق الوصول إلى معرفة حقيقته، كما اهتموا بمعظم العلوم التي تتعلق بالوجود من فلك ورياضيات ورصد وفلسفة ونفس ومنطق وأخلاق وغيرها، وخلفوا لنا تراثًا في كل هذه العلوم لم يتم حصره حتى الآن، ولم يكشف عن جميعه على الرغم من جهود الباحثين في محاولة إبراز أهمية تراث هؤلاء في الفكر الإسلامي والكشف عن بعض كنوزهم الدفينة .

والطوسي كعالم وفيلسوف نشأ في عصر ركود الفلسفة وانحطاطها على يد الغزالي وغيره، وفي عصر حرم فيه التفكير الفلسفي مثل عصرنا العربي الحالي، وقد شغله هذا الهجوم على الفلسفة والفلاسفة فاطلع على تراث الفلاسفة وأعدائها وأخذ في الدفاع عنها، وهذا دفعه إلى تحليل فكر الشيخ الرئيس ابن سينا الفلسفي، وشرحه كأشهر فلاسفة الإسلام للدفاع عنه أمام أعدائه ومنهم الرازي والشهرستاني وغيرهما، لهذا انعكف الطوسي فترة من الزمن في قلاع الإسماعيلية للبحث عن قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق في مؤلفات ابن سينا وشرحها، واتهامات فخر الدين الرازي والشهرستاني له بالكفر وخرج من هذا بإنتاج أعظم مؤلفاته في الوجود والمعرفة والأخلاق، ومنها شرحه «للإشارات والتنبيهات» لابن سينا وتعليق الرازي عليها، وكذا شرح محصل أفكار المتقدمين للرازي، وألف كتابا آخر للرد على الشهرستاني «مصارع المصارع» وبهذا نمت ملكة النقد الفلسفي لدى الطوسي.

 كما نجح في محاولته التوفيق بين الفلسفة وعلم الكلام، لهذا عده البعض مؤسس المنهج الفلسفي في البحث في علم الكلام، وقد اكتسب الطوسي هذا من خلال مناقشاته ومحاوراته بين المتكلمين والفلاسفة، وهو كمسلم لم يعارض علم الكلام ولا الفكر الإسلامي بل العكس يُعد من المدافعين عنه، ونظرًا لأن هذه القضية تشغل كل إنسان فقد قام بدور بارز في التوفيق بين رؤى الفلاسفة في قضية الوجود والمعرفة ممثلة في ابن سينا، وموقف علماء الكلام منها ممثلا في فخر الدين الرازي والشهرستاني.

لهذا كان الهدف من هذه الدراسة بيان موقف الطوسي من ابن سينا ممثلا عن الفلاسفة، وفخر الدين الرازي ممثلاً عن علماء الكلام في قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق التي نحن في حاجة ماسة إليها في عصرنا الحاضر المعرفة حقيقة وجودنا وعلاقتنا بالله وبخلقه، ونظرًا لأن هذه القضايا دار حولها الجدال منذ عصور طويلة، فضلا عن أنها تعد من أهم القضايا الفلسفية.

مقالات مشابهة

  • الخطة الاستراتيجية لتطوير صناعة الكتاب والنشر على مائدة الأعلى للثقافة
  • «الأعلى للثقافة» يبحث خطة تطوير صناعة الكتاب والنشر حتى عام 2030
  • "الخطة الاستراتيجية لتطوير صناعة الكتاب والنشر" على مائدة الأعلى للثقافة
  • لماذا تؤلم جروح الورق بشدة؟
  • «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق» أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق» إصدار جديد بهيئة الكتاب
  • الثقافة تصدر «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق» بهيئة الكتاب
  • دار الإفتاء: لا مانع شرعا من الدعاء بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة
  • عشماوي: الهيئة ألغت السنوات الماضية ثقافة "تستيف" الورق إلى سياسة الجودة الحقيقة فى المدارس
  • رئيس جودة التعليم: ثقافة تستيف الورق انتهت والهيئة شريكة مع المؤسسات وليست رقيبة عليها