سجّلتْ اللغة العربية فى الأوراق بقدْر ما سجّلتْ ـ منذ الأزل ـ فى ذاكرة الحفّاظ، وفى محفوظات الرواة ومخطوطاتهم ، ويمكن القول إن ما عرف باسم (الورّاقين)، وما عرف باسم (الوراقة) هو المرادف لما نعرفه اليوم بدور النشر، والطباعة، وبالمطابع وآليات نشر الكتاب وتوزيعه وتسويقه. بل أنه يشبه ـ إلى حد ما ـ جانبا من الحركة الإعلامية والتثقيفية فى العصر الحديث، ذلك أن (الورّاق) كان عالما أو أديبا ذا خبرة بحركة العلوم ومنتجاتها وأعلامها، ومصنفيها، والأصيل من المصنفات والزائف منها، والسابق واللاحق.
ومنذ أقدم العصور ساعد نبات البردى المصريين القدماء على صناعة ورق البردي، وقد عرف العرب الكتابة على الرقوق، جمع رقّ، وأطلقوا عليها اسم الأديم، وهو الجلد الأحمر المدبوغ، ومما روى من حديث شريف:» وهو مكتوب عندنا فى أديم خولانى « نسبة إلى خولان قبيلة يمنية ،ودوّن القرآن الكريم تفاريق فوق جلود وعظام وعسب (جريدة من النخل) ، وورق ،أو الكاغد ،كما كتب على جلود الظباء، ووردتْ كلمة المهارق كثيرا فى أشعار العرب ،ومفردها مهْرق ، وهو قماش الحرير المطلى بالصمغ ليستخدم فى الكتابة، وهى كلمة فارسية الأصل، وشيوع الكلمة فى الشعر دليل على شيوع الاستعمال.
وفى مجال حديثنا عن أهل صناعة الورق والكتاب فى لغتنا العربية فصّلتْ المصادر القديمة القول تفصيلا، ومن ذلك ـ على سبيل المثال. لا الحصر ـ تاريخ بغداد ، ومعجم الأدباء، ومعجم البلدان، والأنساب، ومقدمة ابن خلدون ، والفهرست، والمصاحف، والدانى فى المقنع فى رسم مصاحف الأمصار، إستانبول مطبعة الدولة ، وابن درستويه فى كتاب الكتّاب ،الذى نشره الأب لويس شيخو اليسوعى ،بيروت، مطبعة الآباء اليسوعيين ، عن أخبار الوراقين ، وفى العصر الحديث أفاض كل من : زكى حسن فى الكتاب فى الفنون الإسلامية، مجلة الكتاب، القاهرة ، والكتاب قبل اختراع الطباعة، نفسه ، وحبيب زيات فى مقال الوراقة والوراقون فى الإسلام ، مجلة المشرق ،وسفنددال فى تاريخ الكتاب من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر، ترجمة محمد صلاح الدين حلمى، القومية، القاهرة ، ودى جرولييه ، إريك ،تاريخ الكتاب، ترجمة خليل صابات، نهضة مصر، القاهرة، وعبد الستار الحلوجى فى فصل الوراقة والوراقون من كتابه (المخطوط العربى ..) ، ومحمد طه الحاجرى ، الورق والوراقة فى الحضارة الإسلامية ،مجلة المجمع العلمى العراقى مج 12 1965 ص 116ـ138،ومج 13 1966 ص 63ـ88..
وتاريخ صناعة الورق قديم جدا، فقد بدأتْ صناعة الورق منذ سنة 105 بعد الميلاد حين اخترع الصينى «تساى لون» نقْع لحاء الشجر والفضلات ،وشباك الصيد والخرق القديمة البالية، واكتشف الصينيون فرشاة شعرة الجمل سنة 250 بعد الميلاد ،وفى مقتبل القرن السابع الميلادى أسهمتْ اليابان عن طريق الرهبان البوذيين.
وعرف العرب الورق أو الكاغد واستخدامه فى الدواوين فى عصر الرشيد ووزيريْه: جعفر والفضل البرمكيين، وحين فتح المسلمون سمرقند سنة 712م وجدوا فيها الكاغد، ثم تعلموا صناعته، وفى سنة 751 م هاجم الصينيون مدينة «سمرقند» التى كانت قد دخلتْ الإسلام، وأسر بعض الصينيين الغزاة أهلها، وانتشرتْ عنهم صناعة الورق، وكثر إنتاجه بسمرقند مع صناعات أخرى ، وكان قد أقيم أول مصنع للورق قبل نهاية القرن الثامن الميلادى (794م) فى بغداد، فى عهد الخليفة هارون الرشيد (776ـ 809م) ،ونشط فى مكان اسمه دار القز ، وكانت أول صناعة للورق فى اليابان حوالى عام 770م ، لتنتشر صناعة الورق باستخدام القش المستخرج من الأرز ولحاء الأشجار ،وغيرها، وعن طريق القوافل انتقلت صناعة الورق إلى بغداد ، ودمشق، وفى مصر أنشئ أول مصنع للورق من عجينة الكتان سنة800م، وأسس أول مصنع للورق بالأندلس سنة 950م تلتْها صقلية سنة 1102م ، ومراكش 1100م،وعن طريق الأندلس إلى إيطاليا سنة 1154، حيث نشأت صناعة الورق فى «فابريانو» الإيطالية سنة 1276م ، وإلى بقية بلدان البحر الأبيض المتوسط ،فألمانيا 1228م، فانجلترا، فتورين بفرنسا سنة 1348م. يقول مؤلّفا كتاب ظهور الكتاب: لوسيان فاقر،وهنرى _ جان مارتان،ترجمة محمد سميح قاسم:» فلا شك إذن فى أن اختراع الطباعة كان سيظل عديم الفعالية سنين لكى يعم استخدامه فى نهاية القرن الرابع عشر»، ويستمر تحت عنوان1ـ مراحل صناعة الورق...الجديد من»الرق» الذى كان يأتى به التجار المتعاملون مع العرب . وللحديث بقية
عضو المجْمع العلمى المصرى
وأستاذ النقد الأدبى الحديث
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نهضة مصر لغتنا العربية جذور هويتنا د يوسف نوفل صناعة الورق
إقرأ أيضاً:
صناعة النواب تطالب بالتوسع في مبادرات البرمجة لتأهيل الطلاب
شهدت لجنة الصناعة بمجلس النواب خلال اجتماعها برئاسة النائب محمد السلاب رئيس اللجنة، مناقشة طلب الإحاطة المقدم من النائب جمال فؤاد بشأن الاهتمام بصناعة البرمجة وإدخال البرمجة في مناهج التعليم المختلفة وتعزيز أنظمة الأمن السيبراني لتوفير بيئة رقمية آمنة وجاذبة.
وناقش الاجتماع تأكيد الأعضاء علي أهمية قطاع البرمجة وإدخال البرمجة في الوقت الحالي في ظل التطور التكنولوجي الكبير.
ولفت النائب محمد السلاب إلى أن هذه الصناعة أصبحت من أهم الصناعات حاليا حيث أصبحت تدخل في كافة القطاعات والمجالات، لاسيما في ظل تحديات الأمن السيبراني.
وتابع : شاهدنا خلال الفترة الأخيرة أزمات دولية بسبب احتكار دولة لإنتاج منتجات اليكترونية، مثل الرقائق الإلكترونية.
وشهد الاجتماع استعراض المهندس وليد الإنجباوى، المدير التنفيذى لمبادرة براعم مصر الرقمية، التابعة لوزارة الاتصالات، مشيرا إلي أن المبادرات التى أطلقتها الوزارة سواء مبادرة أشبال مصر أو براعم مصر الرقمية، جاءت بتوجيهات رئاسية، وأنها تمثل استثماراً استراتيجياً فى مستقبل الشباب المصرى، وتهدف لبناء جيل مُتمكن رقمياً قادر على مواكبة التحولات التكنولوجية العالمية، لافتاً أنها تُعزز الابتكار وتنمية المهارات الرقمية للطلاب، حيث تستهدف تعليم البرمجة للأطفال وإعدادهم لسوق العمل محليا ودوليا.
ولفت إلى أن لدينا ٢٥ مليون طالب نسعى لتأهيلهم، ولكن فكرة المبادرات تقوم علي اختيار المتفوقين مع المتابعة الدورية لهم.
وأكد أهمية تلك الجهود، داعيا للتوسع في تلك المبادرات والترويج لها جيدا، لاسيما في ظل الاعتماد الكامل علي ذلك المجال حاليا في مختلف القطاعات.
ووافق مجلس النواب ، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة المملكة العربية السعودية.
وأكد أن العلاقات المصرية السعودية تنطلق من أسس أخوية راسخة، حيث تمتد هذه العلاقات لعقود بعيدة من التعاون الوثيق في مختلف الأصعدة لاسيما الاقتصادي منها، وتتنامى هذه العلاقات يوما بعد يوم مدعومة بتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة.
و أشار النائب محمد سليمان، أن العمليات التجارية المتبادلة والاستثمارات بين الطرفين تؤدي دورا محوريا في تنمية وتعزيز العلاقات بينهما على المستويين الإقليمي والدولي.