الحوثية وسعار الاعتقالات.. البحث عن انتصار مزيف على طريق الهزيمة
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
بالتزامن مع بث الإعلام الحوثي ما سماها اعترافات لخلية "تجسس" مزعومة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، شنّت مخابرات الجماعة الحوثية في السادس من يونيو الجاري حملات مداهمة ضد العشرات من موظفي وكالات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، ومنظمات إنسانية أخرى.
تعتبر تهمة التجسس أبرز الاتهامات التي توجهها مليشيا الحوثي لمعارضيها أو من تشتبه بمعارضتهم لها، وهي تهمة جاهزة ونابعة من الطبيعة الارتيابية لجماعة مسلحة يغلب عليها السلوك المليشاوي وتعجز عن التصرف كدولة مع المواطنين القاطنين في مناطق سيطرتها.
بحسب طبيعة "الاعترافات" المزعومة لعدد من المعتقلين، وهم مجموعة من الموظفين السابقين في السفارة الأمريكية باليمن وجميعهم يمنيو الجنسية، ظهر الإعلان الحوثي عن "خلية تجسس" لصالح أمريكا، بمثابة مبرر لاعتقالها موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تتخذ من صنعاء المختطفة مقرا لأعمالها ومنطلقا لها في عموم اليمن.
البحث عن انتصار مزيف
من ناحية أخرى، وبحسب توقيت الإعلان الحوثي عن "خلية التجسس" المزعومة، اعتبر مراقبون ونشطاء مدنيون أن الدافع وراء هذا الإعلان هو بحث المليشيا الحوثية عن انتصار تروج به لأتباعها أن أمريكا تستهدفها ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضا على مستوى الاستخبارات وجمع المعلومات عنها. هذا التوقيت بحسب المراقبين، يتزامن مع عزوف اليمنيين القاطنين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية عن الاهتمام بهجماتها ضد السفن التجارية تحت لافتة مناصرة غزة والقضية الفلسطينية، كما أن المواطنين أصبحوا أكثر اهتماما بتدبير شؤون حياتهم التي أثقلتها الجبايات الحوثية وعدم مبالاتها بمعاناتهم المعيشية.
وعلق كثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية أن المواطنين القاطنين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية أدركوا فداحة لا مبالاة سلطة المليشيا بمعاناتهم واهتمامها بالولاء لإيران وتلميع صورتها بالموقف مع القضية الفلسطينية على حساب معاناتهم، وهو الأمر الذي تولد معه نفور شعبي من تناقض هذه الجماعة أخلاقيا وإنسانيا.
محاولة تشتيت الانتباه
ولم يخفَ على المراقبين المحليين رصد وتحليل سلوك المليشيا الحوثية في التعامل مع انتكاساتها وهزائمها التي كان آخرها ما تتجرعه منذ أسابيع في معركة الحكومة الشرعية في إصلاح القطاع المصرفي وقطاعي الاتصالات والطيران المدني. واعتبر المراقبون أن قرارات البنك المركزي اليمني في تضييق الخناق على البنوك وشركات الصرافة الحوثية والخاضعة لسيطرة الجماعة، إضافة إلى الإجراءات الحكومية في قطاعي الاتصالات والطيران المدني، حولت اهتمام المواطنين في عموم المحافظات إلى متابعة نتائج هذه القرارات والإجراءات، كونها تتعلق بحياتهم ومعيشتهم. فيما أقدمت مليشيا الحوثي على اتخاذ عدد من الإجراءات بالمقابل لتشتيت انتباه المواطنين ومحاولة إعادتهم إلى متابعة هجماتها على الملاحة البحرية ومعركتها التي سئم الناس منها مع أمريكا وإسرائيل وبريطانيا.
المحاولة الحوثية لتشتيت انتباه اليمنيين عن متابعة هزيمة الجماعة في المعركة المصرفية والاقتصادية مؤخرا، لم تتوقف عند تلفيق اتهامات لمعتقلين مضى على سجنهم عدة سنوات بالتجسس لصالح أمريكا لمجرد أنهم كانوا موظفين في سفارتها، بل امتدت إلى اعتقال موظفين عاملين في وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تعمل في صنعاء ومناطق سيطرة المليشيا منذ بداية الحرب. وعندما وجدت الجماعة أن الإعلان عن خلية التجسس المزعومة واعتقال المزيد من الموظفين لدى المنظمات الدولية لم يؤتِ ثماره، لجأت إلى إعلان فتح الطرقات المؤدية إلى مدينة تعز، وهو ما يرى المراقبون أنه يجب ألا يوقف الحكومة عن المضي في إجراءاتها وتضييق الخناق اقتصاديا على الجماعة.
أبعاد دولية للورطة الحوثية
لا تعتبر مليشيا الحوثي إقدامها على اعتقال الموظفين الأمميين وموظفي المنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها خطأً سياسيا أو دبلوماسيا، فقد أقدمت قبل ذلك على اعتقال موظفين دوليين من جنسيات غير اليمن. لكن هذه المرة، ما دام المعتقلون يمنيين والتهمة هي التجسس، فهي تعتقد أن من حقها اتخاذ أي إجراء مهما كان ذلك متعارضا مع القوانين المحلية والدولية. وعلى عكس تعامل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مع الكثير من أنظمة الحكم المليشاوية التي تسيطر على السلطة بالانقلاب، لم يتم التعامل حتى الآن بصرامة مع المليشيا الحوثية جراء انقلابها على السلطة الشرعية وعلى جرائمها بحق اليمنيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى. رغم ذلك هناك أبعاد دولية لإقدام المليشيا الموالية لإيران والمدعومة منها على اعتقال موظفين يعملون في وكالات الأمم المتحدة، حيث أدانت الأمانة العامة للأمم المتحدة مداهمة واعتقال موظفيها، وما زالت بيانات الإدانة والاستنكار والمطالبة بإطلاق سراحهم تتوالى منذ أكثر من أسبوع على هذا الاعتقال غير المبرر.
حيث أصدر عدد من قادة الأمم المتحدة وسفراؤها ووكالاتها الجمعة 14 يونيو الجاري، بيانا طالبوا فيه بالإفراج عن ما لا يقل عن 13 من موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من عمال الإغاثة الذين اعتقلهم الحوثيون في السادس من نفس الشهر في مداهمات متزامنة في كل من: صنعاء والحديدة وصعدة وعمران.
واستنكر البيان ما قاله رئيس ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، عبد الحكيم الخيواني، عن وصف الموظفين الأمميين ومنظمات الإغاثة بشبكة "تجسس أمريكية إسرائيلية"، وإنهم كانوا يقومون بعمليات تجسس في اليمن منذ عقود، ومرتبطون بشكل مباشر بوكالة المخابرات المركزية، ويعملون "تحت غطاء منظمات الأمم المتحدة" ويستخدمون "العمل الإنساني" لإخفاء "أنشطتهم التجسسية والتخريبية".
وفي نفس الصعيد استنكر المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فولكر تورك، في مؤتمر صحفي عقدته المتحدثة باسمه الجمعة، اعتقال المليشيا الحوثية للموظفين الأمميين الذين بينهم 6 من موظفي وكالته.
وقال تورك إنه منذ اعتقالهم قبل أكثر من أسبوع، لم يتواصل الموظفون مع عائلاتهم، ولم تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إليهم أو الحصول على تأكيد فردي باحتجازهم.
وجاء بيان تورك بعد بيان أصدرته الجمعة، أيضا سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد، نيابة عن 39 دولة عضو في الأمم المتحدة ووفد الاتحاد الأوروبي، وأدانت الاعتقالات وطالبت بالإفراج عن موظفي الإغاثة. الأمر الذي يلقي الضوء على أبعاد الورطة الحوثية في هذا الاعتقال التعسفي، خاصة وهو يتزامن مع استمرار هجمات الجماعة على الملاحة الدولية وتصاعد الموقف الدولي ضدها.
وأصدر قادة وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى التي تم اعتقال موظفيها بيانا مشتركا مماثلا الجمعة، ووصفوا الاعتقالات بأنها "غير مسبوقة –ليس فقط في اليمن ولكن على مستوى العالم". وقالوا إن الاعتقالات "تعيق بشكل مباشر قدرتنا على الوصول إلى الأشخاص الأكثر ضعفا في اليمن، بما في ذلك 18.2 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والحماية".
وأكد البيان أن من بين الموظفين المحتجزين موظفون يمنيون في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأغذية العالمي، ومكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن، ومنظمات الإغاثة "أنقذوا الأطفال"، و"أوكسفام"، و"كير أمريكا"، ومن منظمات المجتمع المدني اليمنية منظمة "الإغاثة والتنمية"، والصندوق الاجتماعي للتنمية.
وقال البيان: "نحن، رؤساء هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية المتضررة، ندعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين المحتجزين في اليمن من قبل سلطات الأمر الواقع الحوثية. نشعر بقلق بالغ إزاء احتجاز سلطات الأمر الواقع الحوثية مؤخرًا لـ17 عضوًا من منظماتنا [كيانات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية] والعديد من الأشخاص الآخرين المرتبطين بمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية وغيرها من المنظمات التي تدعم الأنشطة الإنسانية".
وأكد البيان مطالبة قادة المنظمات للمليشيا الحوثية "التأكد من مكان وجود المعتقلين بالضبط وظروف احتجازهم، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إليهم فورًا"، مشيرا إلى أن القانون الدولي يحظر الحرمان التعسفي من الحرية، وأن القانون الإنساني الدولي يتطلب من جميع أطراف النزاع المسلح احترام وحماية العاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك ضد المضايقات وسوء المعاملة والاعتقال أو الاحتجاز غير القانوني، وأنه يجب أن يتوقف استهداف العاملين في المجال الإنساني وحقوق الإنسان والتنمية في اليمن، وإطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً.
ووقع هذا البيان كل من: أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأميتاب بيهار، المدير التنفيذي (المؤقت) لمنظمة أوكسفام الدولية، وأودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، وكاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف، وسيندي ماكين، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، وإنغر آشينغ، الرئيس التنفيذي لمنظمة إنقاذ الطفولة الدولية، وميشيل نان، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة كير، وتيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وفولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
وكان متحدث باسم الأمم المتحدة قال في مؤتمر صحفي عقدته المنظمة الأممية الخميس، ردا على سؤال إذا كان هناك أي تقدم في المفاوضات مع الحوثيين بشأن موظفي الإغاثة: "نحن على اتصال مع سلطات الأمر الواقع، ونعمل على تأمين إطلاق سراحهم من الاحتجاز. ليس لدي أي تقدم للإبلاغ عن ذلك". وهو الأمر الذي يؤكد عدم قبول الحوثيين لأي تفاوض مع الأمم المتحدة حول الموظفين المعتقلين.
وفيما لو استمر التعنت الحوثي في عدم الإفراج عن الموظفين الأمميين والمنظمات الدولية الأخرى وعدم قبول التفاوض حول ظروف احتجازهم وإطلاق سراحهم، من المتوقع أن ينعكس هذا التعنت على ملفات أخرى في الأزمة اليمنية وأبرزها مفاوضات الحل السياسي، خاصة أن من بين المعتقلين موظفين في مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن.
ومن الملفات التي يمكن أن ينعكس عليها اعتقال المليشيا الحوثية للموظفين الأمميين ورفض الكشف عن مصيرهم والإفراج عنهم، ملف الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم الحكومة الشرعية بتنفيذها منذ أسابيع، حيث من المتوقع أن تصدر عن مجلس الأمن الدولي قرارات أكثر حزما ضد المليشيا الحوثية بالتزامن مع تصاعد أصوات كبار مسؤولي الأمم المتحدة المطالبة بالإفراج عن المعتقلين. ويرى مراقبون أن جميع هذه الإجراءات يمكن أن تشكل طريقا متواصلا نحو هزيمة المليشيا الحوثية -ذراع إيران في اليمن- على المدى القريب.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: الأمم المتحدة والمنظمات وکالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولیة الملیشیا الحوثیة المنظمات الدولیة فی مناطق فی الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمن يرحب بقرار اممي بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة في فلسطين
رحبت الجمهورية اليمنية، بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار الذي تقدمت به النرويج بالإضافة إلى بلادنا و فلسطين والسعودية ومصر وقطر والاردن وإندونيسيا وماليزيا وأيرلندا والبرازيل وجنوب أفريقيا وعدد من الدول الأخرى، والمتضمن طلب فتوى عاجلة من محكمة العدل الدولية، بشأن خرق الكيان الإسرائيلي بصفته القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماته المتعلقة بأنشطة ووجود الأمم المتحدة والدول الأخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ودعت وزارة الخارجية في بيان نشرته وكالة الانباء اليمنية (سبأ) إلى سرعة استكمال الإجراءات اللازمة لذلك، في ظل ما يعانيه الشعب الفلسطيني من جرائم وانتهاكات.
واكد البيان، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف العدوان الاسرائيلي المستمر وتوفير المساعدات الانسانية والاغاثية العاجلة للشعب الفلسطيني، وتحقيق تطلعاته المشروعة في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة.