أوروبا والسيارات الكهربائية الصينية والطاقة النظيفة
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
في 12 يونيو وبعد تحقيق حول الدعم الحكومي ذكرت المفوضية الأوروبية أنها ستفرض مؤقتا رسوما جمركية تتراوح بين 27.4% و48.1% على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، يأتي هذا القرار بعد شهر من إعلان الولايات المتحدة عن عزمها رفع رسومها الجمركية الخاصة بها على السيارات الكهربائية الصينية بنسبة غير مسبوقة تصل إلى 102.
تحركات المفوضية بشأن السيارات الكهربائية قد لا تكون الأخيرة التي تُتَّخذ ضد تقنية الطاقة النظيفة المستوردة من الصين. فهنالك إجراءات تجارية جرى النظر فيها مؤخرا لركيزتين من ركائز الانتقال إلى الطاقة النظيفة في أوروبا. لقد تم إيقاف تحقيق في الدعم الحكومي لشركات صينية تصنع ألواح الطاقة الشمسية سبق أن تقدمت بعطاءات لمشروع حكومي في رومانيا وذلك بعد انسحاب هذه الشركات من المناقصة. ويجرى الآن تحرٍّ مماثل حول شركات توربينات الرياح الصينية. ودشَّنت الجهات المعنية كلا التحقيقين بموجب لائحة الدعم الأجنبي الجديدة.
مخاطر فرض التعريفات الجمركية
الاتحاد الأوروبي حريص على حماية شركاته مما يعتبرها منافسة غير عادلة، فهو لديه ذكريات مريرة عن أوائل العشرية الثانية عندما كادت ألواح الطاقة الشمسية الصينية الرخيصة أن تقضي على صناعتها الأوروبية.
الاتحاد الأوروبي مصيب في اعتباره تقنية الطاقة النظيفة صناعة استراتيجية بالغة الأهمية والعمل على التلطيف من العواقب السلبية لارتفاع الواردات من الصين. فعلى خلفية جيوسياسية متقلبة يمكن أن يكون من المعقول دفع علاوة سعرية للسلع المنتجة محليا.
لكن تقنيات التخلص من الكربون كألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية لها خصيصة تميزها عن السلع التجارية الأخرى. فهي عندما تُستخدم كبدائل للوقود الأحفوري تقلل من كمية غازات الاحتباس الحراري التي تُضخ في طبقات الجو العليا. إنها مطلوبة بكميات كبيرة وبسرعة لتجنب أسوأ آثار التغير المناخي.
والاتحاد الأوروبي ملزم قانونا بتحييد انبعاثات غاز الاحتباس الحراري بحلول عام 2050 وتحقيق هدف فوري بخفض الانبعاثات بنسبة 50% في عام 2030 قياسا بمستوياتها في عام 1990. وكان هنالك اقتراح بخفضها بنسبة 90% في عام 2040.
هذه الأهداف طموحة ولو أنها ليست كافية للحد من الاحترار عند 1.5 درجة مئوية. ومع خفض الانبعاثات بنسبة 32.5% في عام 2022 (قياسا بمستواها في عام 1990) سيكون المطلوب القيام بعمل متسارع ومستدام. هذا يعني ضمنا استخدام منتجات التقنية النظيفة التي تستهدف سوقا واسعة كألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وبأعداد كبيرة جدا.
تكاليف الصناعة الأوروبية
يريد الاتحاد الأوروبي تصنيع هذه المنتجات داخل حدوده. وكانت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين جازمة في خطابها عن حالة الاتحاد لعام 2023. فمستقبل التقنية النظيفة في الاتحاد الأوروبي يجب أن يتشكل في أوروبا. وتسعى الخطة الصناعية للصفقة الخضراء التي أعلنت في أوائل عام 2023 إلى القيام بذلك من خلال التخلص من الروتين الحكومي (خفض العوائق البيروقراطية) وتحسين إمكانية الحصول على التمويل وتعزيز المهارات والترويج للتجارة العادلة. ويضع قانون الصناعة للحياد الكربوني هدفا للاتحاد الأوروبي يتمثل في تصنيع 40% على الأقل من تقنيات الحياد الكربوني الاستراتيجية التي يوظفها سنويا بحلول عام 2030. ويقترح القانون تحقيق ذلك من خلال إجراءات تشمل مطالبة السلطات العامة بالنظر في مقاييس "استدامة ومرونة" غير سعرية عند شراء الطاقة المتجددة. فهذا نظريا من شأنه زيادة جاذبية السلع المصنَّعة في التراب الأوروبي.
لكن هذا المطلب يمكن تجاهله إذا انطوى على تكاليف إضافية غير متناسبة. لذلك من المشكوك فيه أن يكون كافيا للتعويض عن الاختلاف الكبير في تكاليف الإنتاج بين ألواح الطاقة الشمسية الصينية وتلك التي يتم تصنيعها في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
حسب التقديرات يحتاج تشييد المصانع المطلوبة لبلوغ أهداف القانون في تصنيع ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات إلى ما يقرب من 70 بليون دولار بحلول عام 2030.
لكن خلافا لما في الولايات المتحدة حيث يتيح قانون خفض التضخم دعومات سخية لا تقدم خطة الاتحاد الأوروبي الصناعية للصفقة الخضراء شيئا يذكر في جانب التمويل الجديد. الخطة تخفف من ضوابط العون الحكومي مما يمكِّن الدول الأعضاء من دعم الصناعة الخضراء. واقترحت تمويلا جديدا على مستوى الاتحاد الأوروبي للاستثمار في مشروعات التقنية النظيفة الاستراتيجية.
على أية حال، عودة القواعد المالية على نطاق الاتحاد الأوروبي ستقيِّد الإنفاق الحكومي بما في ذلك الصرف على الانتقال إلى الطاقة الخضراء. فالصندوق السيادي الأوروبي تم تقليصه وفي نهاية المطاف صار منصة لتحشيد التمويل الخاص.
المستويات الحالية للاستثمار في انتقال الاتحاد الأوروبي للموارد المتجددة غير كافية إلى حد بعيد مع تقدير العجز السنوي للاستثمار المناخي بحوالي 406 بليون يورو أو 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني ضمنا الحاجة إلى مضاعفة التمويل المناخي للوفاء بأهداف عام 2030.
وأشار تقرير صادر في يونيو 2023 عن محكمة المراجعين الأوروبية إلى "عدم وجود معلومات تشير إلى أن التمويل الكافي لبلوغ أهداف 2030 سيتم توفيره. "والإنفاق العام الموجه للمناخ من المرجح أيضا تقليصه بالتركيز المتزايد على الدفاع والأمن. ومع قيود الموارد المالية وضيق الإطار الزمني تصبح تكلفة الوحدة لكل منتج مطلوب لتحقيق الانتقال إلى الموارد الخضراء متغيِّرا بالغ الأهمية.
عندما يتعلق الأمر بالتقنية النظيفة والرخيصة فإن الصين هي زعيمة العالم بلا منازع. فعشرون عاما من السياسة الصناعية المتواصلة والموجهة إلى جانب فوائد السوق المحلية الضخمة يعني أن الصين اليوم تنتج سلعا متدنية الكربون ورفيعة المستوى وبأسعار تنافسية إلى حد بعيد.
في عام 2023 كانت وحدات الطاقة الشمسية تُصنع في الصين بتكلفة تبلغ 0.15 دولارا لكل واط مقارنة بحوالي 0.30 دولارا في أوروبا. وفي فرنسا في عام 2023 كانت أسعار أرخص السيارات الكهربائية تتراوح بين 22 ألف يورو إلى 30 ألف يورو (24 ألف دولار إلى 32 ألف دولار.) هذا فيما في الصين يباع محليا ما يزيد على 50 طرازا من السيارات الكهربائية بأقل من 100 ألف رينمينبي (15 ألف دولار).
إلى ذلك، وجد تحليل أجراه مركز أبحاث "النقل والبيئة" أن شركات صناعة السيارات الأوروبية خصصت الأولوية لإنتاج السيارات الكهربائية الفاخرة والكبيرة على حساب الموديلات الرخيصة والصغيرة.
رفع تكلفة المعيشة
إذا ظلت الأمور على ما هي عليه فإن كل شيء يؤدي إلى وقف تدفق أرخص المنتجات المنخفضة الكربون سيزيد تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة ويبطئه. وهذا ما سيفاقم بدوره من مخاطر عجز الاتحاد الأوروبي عن بلوغ أهدافه في خفض انبعاثات الكربون لكن هذه ليست المخاطر الوحيدة. فإذا صارت ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح أغلى ثمنا سيقود ذلك في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار الكهرباء وزيادة تكلفة المعيشة بالنسبة للمواطنين ويشكل ضغوطا تضعف التنافسية الهشة للصناعة الأوروبية.
وإذا ظلت تكلفة المنتجات الاستهلاكية مثل السيارات الكهربائية ومضخات الحرارة مرتفعة لن يقتصر أثر ذلك على إبطاء تبني التقنيات الخضراء فقط. بل سيعزز أيضا التصور بأن الطاقة المتجددة شيء خاص بالأثرياء والاهتمام بحماية البيئة قضية تتعلق بالنخبة. وليس من الصعب أن نرى كيف يمكن استغلال هذه القضايا لتحقيق مكسب سياسي وهذا ما يفرض المزيد من المخاطر على نجاح الانتقال إلى الموارد المتجددة.
في انعطافة جديدة على صعيد المعضلة الثلاثية للطاقة يسعى الاتحاد الأوروبي إلى موازنة الأهداف الثلاثة المتنافسة وهي خفض انبعاثات الكربون بسرعة وإزالة على المخاطر المتعلقة بالصين والمحافظة على الوظائف الصناعية. وليس واضحًا أن كل ذلك يمكن تحقيقه في الوقت ذاته.
ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي هو الاستفادة من ميزة منتجات خفض انبعاثات الكربون القليلة التكلفة والتي تستهدف سوقا واسعة لتحقيق أهدافه المناخية والحفاظ على موطئ قدم صناعي استراتيجي حيث تكون الحاجة لذلك. لكن أيضا تركيز الدعم على الجيل التالي من تقنيات خفض الكربون حيث يمكن أن يقدم نظامه البيئي للبحث والابتكار ميزة تنافسية.
على الاتحاد الأوروبي أيضا أن يضع حسابا للحقيقة غير المريحة سياسيا وهي استبعاد تحقيق أحلام تصنيع التقنيات النظيفة في أوروبا بدون زيادة الموارد التمويلية على مستوى الاتحاد.
لكن على الأقل، على الاتحاد الأوروبي أن يضع في باله المخاطر التي تواجهها أهدافه المناخية الخاصة به عندما يفرض قيودا على تقنية الطاقة النظيفة القادمة من الخارج.
الكاتب باحث مشارك بمركز البيئة والمجتمع بالمعهد الملكي للشئون الدولية (شاتام هاوس)
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ألواح الطاقة الشمسیة السیارات الکهربائیة الاتحاد الأوروبی الطاقة النظیفة الانتقال إلى فی أوروبا عام 2023 فی عام التی ت عام 2030
إقرأ أيضاً:
جامعة البريمي تنفذ مشروعات في الطاقة الشمسية وسكن للطالبات
تقوم جامعة البريمي بتنفيذ عدة مشروعات تهدف إلى تلبية احتياجات الطلبة وتوفير بيئة تعليمية متكاملة في مجالات الطاقة الشمسية وسكن الطالبات ومشروع قاعة المواهب.
ويعتبر مشروع الطاقة الشمسية من أهم المشروعات المنفذة، حيث بلغت نسبة إنجاز المشروع 100%، ويقع المشروع على مساحة 10,500 متر مربع، وتضم الألواح الشمسية 2,460 لوحًا من نوع «جينكو سولار»، كما يبلغ عدد المحولات 13 محولًا من نوع «هواوي»، ويتكون المشروع من 31 مصفوفة من الألواح الشمسية موزعة على منطقتين، ويهدف إلى توفير مصادر للطاقة النظيفة والمستدامة، كما يسعى مشروع الطاقة الشمسية إلى تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية وتقديم نموذج للتنمية المستدامة، إذ يُسهم في توفير طاقة نظيفة وصديقة للبيئة.
كما تقوم الجامعة بإنشاء قاعة المواهب، وهي عبارة عن مدرج يتسع لـ1,500 شخص، بالإضافة إلى صالة رياضية متعددة الأغراض تبلغ مساحتها 1,400 متر مربع وبلغت نسبة الإنجاز فيها 95%، إلى جانب مشروع قاعة المؤتمرات والمعارض وقاعة مفتوحة بسعة 1,000 شخص، وقد بلغت نسبة إنجازها 50%، ومن بين المشروعات المنفذة بجامعة البريمي مشروع سكن الطالبات، ويقع شمال المبنى الحالي بمساحة إجمالية 19,424 متر مربع، ويتكون من خمسة طوابق و258 غرفة، بالإضافة إلى منطقة خدمات، ويحيط بالمبنى سور بطول 91 مترًا، وبلغت نسبة الإنجاز فيه 45%.