خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
المناطق_واس
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري المسلمين بتقوى الله عز وجل فإنَّ تقواهُ أفضل زادٍ، وأحسن عاقبةٍ ليومِ المَعادِ، فاتَّقوا اللهَ في كلِّ حينٍ، وتذكَّرُوا قولَ الحقِّ في كتابِهِ المبينِ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ}.
أخبار قد تهمك 488 حاجاً يقلعون عن التدخين في عيادات “كفى” 21 يونيو 2024 - 1:47 مساءً الشؤون الإسلامية بالجوف توزع هدية خادم الحرمين على الحجاج المغادرين عبر منفذ الحديثة 21 يونيو 2024 - 1:44 مساءً
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام لقدِ انقضَى موسمٌ مِنْ أشرفِ مواسمِ أهلِ الإسلامِ، وانتهتْ أيامُ الحجِّ وشعائرِهِ العظامِ، وعاشَ الحجاجُ معَهَا أفضلَ الأيامِ، فوقفُوا في المشاعرِ بخضوعٍ واستسلامٍ، ورفعُوا الأكفَّ سائلينَ ربَّ الأنامِ، وتَطَهَّروا مِنَ الذنوبِ والآثامِ، فَهَنِيئًا لهُمْ علَى التمامِ، وهَنِيئًا لهُمْ مَا آتاهُمُ اللهُ مِنَ الفضلِ والإنعامِ، {قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مّمَّا يَجمَعُونَ}.
ودعا فضيلته إلى شكر الله على نعمَهُ وإمدادَهُ، فالشكرُ لهُ مؤذنٌ بالزيادةِ، وبذلكَ تحققُونَ مقصَدًا مِنْ مقاصدِ الحجِّ والعبادةِ، قالَ تعالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
وخاطب حجاج بيت الله الحرام بالقول هَا أنتُم يا حجاجَ بيتِ اللهِ – قدِ استفتَحتُمْ حياتَكُم بصفحةٍ بيضاء، ورجعتُم بعدَ حَجِّكُم بثيابِ الطُّهرِ والنقَاءِ، فأَرُوا اللهَ مِنْ أنفسِكُم خَيرًا، وَاعزِمُوا على المُحافظةِ على الطاعاتِ مَا بَقِيتُم، والبعدِ عنِ المعاصِي مَا حَيِيتُم؛ وحافِظُوا على مَا اكتسبْتُم وَجنيْتُم، وإياكُم مِنْ هَدْمِ مَا شَيَّدْتُم وبَنيْتُم، {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}.
وأوضح الدكتور الدوسري أن أمارةَ الحجِّ المبرورِ ومنارةَ قَبولِهِ، إيقاعُ الحسنةِ بعدَ الحسنةِ، والمداومةُ على ذلكَ، قالَ تعالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}، وهكذَا حالُ المؤمنِ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرَى، فللهِ دَرُّ أقوَامٍ أعيادُهُم قَبُولُ الأعمالِ، ومُرَادُهُم أشرفُ الآمالِ، وأحوالُهُم تَجْرِي على كَمَالٍ.
وبين أن مَنْ لبَّى في الحجِّ للرحمنِ فليلبِي بالطاعاتِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ؛ ومَنِ امتنعَ في حَجِّهِ عنْ محظوراتِ الإحرامِ، فليعلمْ أنَّ هناكَ محظوراتٍ على الدوامِ، فليحذرْ مِنْ خطواتِ الشيطانِ، ولا يقتربْ مِنْ حِمَى الرَّحمنِ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ». متفقٌ عليه.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن مِنْ توفيقِ اللهِ تعالَى أنْ يعودَ الحاجُّ بعدَ الحجِّ بالتوحيدِ الخالصِ، وقدْ صَلَحَ قَلبُهُ، وازدادَ إيمانُهُ، واستقامَ حالُهُ، وحسُنُ خُلُقه، وقَوِيَ يقينُهُ، وزادَ وَرَعُه، سُئِل الحسنُ البصريُّ رحمَهُ اللهُ تعالَى: ما الحجُّ المبرورُ؟ قالَ: أنْ تعودَ زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرةِ.
وختم الدكتور ياسر الدوسري بالقول ما يجري اليوم من اختصارٍ للخطبة وتخفيف للصلاة يأتي مراعاةً للزحام وحرارة الأجواء وتيسيرًا على المصلين، وجزى اللهُ ولاةَ أَمرِنَا في هذهِ الدولةِ المباركةِ على جهودِهِم العظيمةِ المعهودةِ، وأعمالِهِم الجليلةِ المشهودةِ؛ والتي أثمرتْ بتوفيقِ اللهِ نجاحًا عظيمًا لموسمِ الحجِّ في هذا العامِ وفي كلِّ عامٍ، وإنَّ خدمةَ الحرمينِ الشريفينِ وقاصديهِمَا مِنَ الحُجاجِ والمعتمرينَ والزوّارِ ممَّا امتازتْ بهِ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ منذُ تأسيسِهَا، فجزاهُم اللهُ عنَّا وعنكُم وعنِ الإسلامِ والمسلمينَ مِنَ الأجرِ أعظمهُ ومِنَ الثوابِ أجزلهُ، وجعلَ ذلكَ في ميزانِ حسناتِهِم.
وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور خالد المهنا عن فضل ذكر الله، وأهميته في الكتاب والسنة، مبينًا أن المداومة على ذكر الله وتسبيحه وحمده دليل على تعظيم الله ومحبته وخشيته ورجائه وابتغاء مرضاته ومغفرته.
وقال الشيخ خالد المهنا في خطبة الجمعة اليوم، إن ذكر الله سبحانه هو أفضل الطاعات، وأشرف القربات، ومقصد العبادات، وهو الذي من أجله شرعت الشعائر، كما قال عليه الصلاة والسلام: “إنما جُعل الطوافُ بالبيتِ وبين الصفا والمروة ورمي الجِمار لإقامة ذكر الله” أي ليذكُر العباد ربهم، بقلوبهم عكوفًا على تعظيمه ومحبته وخوفه ورجائه، وبألسنتهم لهجًا بحمده وتكبيره وتهليله وتسبيحه، وبجوارحهم عملًا بطاعته، وسعيًا في مراضيه، فلذلك كان ذكره جلّ جلاله أكبر من كل شيء.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن ذكر الله حياة القلوب ونعيمها وقوّتها، وهو قوتُها وغذاؤها، وهو حياة الروح، وروح الحياة، ودليل الإيمان، وإن الإيمان لما كان قولًا باللسان، وإخلاصًا بالقلب وعملًا بالجوارح كان ذكر الله تعالى ترجمانًا له ودليلًا عليه، ولأجل ذلك جاء الذكر في كتاب الله وسنة نبيه، مرادًا به مفهومًا واسعًا يعم اللسان والقلب والجوارح.
وبيّن الشيخ خالد المهنا أن ذكر الله تعالى باللسان، يشمل تلاوة القرآن في الصلاة وخارجها، والأذكار المشروعة في الصلاة وبعد الفراغ منها، وما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلمه وفعله من الأذكار والأدعية المأثورة من عمل اليوم والليلة، ويتناول كل ما عظّم العبد به ربه، وأثنى عليه به من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ويدخل فيه الدعاء، وأجلُّه الاستغفار.
وتابع فضيلته، مذكرًا بما أعده الله للذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، من المغفرةً والأجر العظيم، وما وعدهم به سبحانه من النصر والفلاح والحفظ، وحطّ الأوزار والخطيئات، ورفعة الدرجات وتكفير السيئات مبينًا أن ذكر الله تعالى دأب عليه سادة العارفين بربهم من الأنبياء والمرسلين، والصديقين، وأولي الألباب الصالحين، فقد كان قدوة المؤمنين وإمام المتقين لا يفتر عن ذكر الله تعالى في كل أوقاته، كما أخبرت بذلك أمنا الصديقة عائشة بنت الصديق – رضي الله عنهما – ولذلك أرشد عليه الصلاة والسلام من قال له: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليّ فمُرني بأمر أتشبثُ به، أرشده بقوله: : “لايزال لسانك رطبًا من ذكر الله”.
وأضاف، إن العبد متى ذكرَ ربهُ بلسانهِ، فهو على خير، ومتى اجتمع له مع حركة اللسان حضور القلب فتواطأ القلب واللسان على الذكر كان الخير أعظم والفضل أتمّ، إذ يتفكر العبد في معاني ما يلهج به لسانه من ذكر الله، ويتدبر بفؤاده مقاصد تلك الأذكار من تعظيم الله سبحانه وتوحيده، وإخلاص الدين له في عبادته واستعانته، ويتفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، وما أودع في خلقه من دلائل عظمته وقدرته وقوته ورحمته، وذلكم هو السبيل القويم، والمنهج الواضح الذي يسلك بالعبد إلى ذوق ثمار الذكر اليانعة، ويظفره بنتائجه النافعة، التامة الكاملة، من نيل كريم الأجر، وانشراح الصدر، وتحصيل محبة الله وتعظيمه ومحبته وخوفه ورجائه، فإن من علامة المحب لله المعظم له عز وجل دوامه على ذكر ربه بقلبه ولسانه، وقل ما ولع المرء بذكر الله بلسانه وقلبه إلا أفاد منه حب الله عزوجل.
واختتم فضيلته الخطبة، مبينًا أن ليس للقلوب طمأنينة ولا سكينةٌ، ولا راحة ولا قرارٍ، إلا بكثرة ذكر الله في الغيب والشهادة، والسرّ والجهر، فالقلوب إنما خلقت لذكر الله، فلا تحيا إلا به، ولا تثبت على الإيمان إلا به، فهو الفرقان بين أهل النفاق وأهل الإيمان.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 21 يونيو 2024 - 1:59 مساءً شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد21 يونيو 2024 - 12:45 مساءًانطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية بالرياض 3 يوليو أبرز المواد21 يونيو 2024 - 12:39 مساءًالأسهم الصينية تغلق على تراجع أبرز المواد21 يونيو 2024 - 12:04 مساءًأرمينيا تعترف رسميًا بدولة فلسطين أبرز المواد21 يونيو 2024 - 11:31 صباحًا«فيفا»: 27 يونيو موعد قرعة التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026 أبرز المواد21 يونيو 2024 - 11:14 صباحًامستوطنون يعتدون على الفلسطينيين في مدينة نابلس21 يونيو 2024 - 12:45 مساءًانطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية بالرياض 3 يوليو21 يونيو 2024 - 12:39 مساءًالأسهم الصينية تغلق على تراجع21 يونيو 2024 - 12:04 مساءًأرمينيا تعترف رسميًا بدولة فلسطين21 يونيو 2024 - 11:31 صباحًا«فيفا»: 27 يونيو موعد قرعة التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 202621 يونيو 2024 - 11:14 صباحًامستوطنون يعتدون على الفلسطينيين في مدينة نابلس 488 حاجاً يقلعون عن التدخين في عيادات "كفى" 488 حاجاً يقلعون عن التدخين في عيادات "كفى" تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عنالمصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: أبرز المواد21 یونیو 2024 إمام وخطیب المسجد ذکر الله تعالى المسجد الحرام ى الله تعال ى صباح ا
إقرأ أيضاً:
الأوقاف تنشر نص موضوع خطبة الجمعة غدا بعنوان ونَغْرِسُ فَيَأْكُلُ مَنْ بَعْدَنا
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "ونَغْرِسُ فَيَأْكُلُ مَنْ بَعْدَنَا"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بفضيلة الإتقان في كل شيء، وأثر ذلك في تقدم الأمم، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول التحذير من حبة الغلة، وضرورة بث الأمل في القلوب.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، هَدَى العُقُولَ بِبَدَائِعِ حِكَمِه، وَوَسِعَ الخَلَائِقَ بِجَلَائِلِ نِعَمِه، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، إلهًا أَحَدًا فَرْدًا صَمَدًا، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَقَدْ ذَكَرَ المُؤَرِّخُونَ أَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ كان يَسِيرُ بِمَوْكِبِه يَوْمًا، فَعَبَر عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ يَغْرِسُ شَجَرَةً لُا تُنْبِتُ إِلَّا بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: إِنَّ شَأْنَكَ لَعَجِيبٌ، أَرَاكَ قَرِيبًا مِنَ المَوْتِ ثُمَّ هَا أنْتَ ذَا تَغْرِسُ شَجَرَةً لَا تُنْبِتُ إِلَّا بَعدَ مِائَةِ عَامٍ، مَا أَطْوَلَ أَمَلَكَ! فَقَالَ لَهُ الرُّجُلُ: أَصْلَحَ اللهُ المَلِكَ! لَقَدْ غَرَسَ مَنْ قَبْلَنَا فَأَكَلْنَا، وَنَحْنُ نَغْرِسُ لِيَأْكُلَ مَنْ بَعْدَنَا!
أَيُّهَا النَّاسُ، فَلْنَبُثَّ هَذِهِ الثَّقَافَةُ فِي نُفُوسِنَا وَفِي مُجْتَمَعِنَا، نَغْرِسُ لِيَأْكُلَ مَنْ بَعْدَنَا، نُنْتِجُ لِيَنْتَفِعَ مَنْ بَعْدَنَا، نُتْقِنُ لِنُنِيرَ الدُّنْيَا لِمَنْ بَعْدَنَا، وَهَا هُوَ اللِّسَانُ الأَشْرَفُ يَدُلُّنَا عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ الأَنْوَرِ مِنَ الإِتْقَانِ وَالبَذْلِ وَالسَّخَاءِ والإيثَارِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا».
وَيَا مَنْ تَغْرِسُ لِيَأْكُلَ غَيْرُكَ، أَتْقِنْ غَرْسَكَ! وَانْتَظِمْ فِي سِلْكِ الإِبْدَاعِ وَالإِتْقَانِ الإِلَهِيِّ؛ فَإِنَّ الكَوْنَ كُلَّهُ يَشْهَدُ عَلَى عَظَمَةِ الخَالِقِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى إِتْقَانٍ لَا يُضَاهَى، وَإِحْكَامٍ لَا يُبَارَى، وكُلُّ نَفْسٍ سَوِيَّةٍ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا بِذَرْةَ الإِتْقَانِ، وَرُوحَ العَطَاءِ، وَرَغْبَةً فِي تَرْكِ بَصْمَةٍ نَافِعَةٍ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ! وَهَذَا هُوَ الحَالُ النَّبَوِيُّ الشَّرِيفُ مَمْزُوجًا بِبَيَانِ المَحَبَّةِ الإِلَهِيَّةِ «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ».
فَلْنَتَساءَلْ أَيُّهَا الكِرَامُ، هَلْ نَحُنْ حَقًّا نَصِلُ بِأَعْمَالِنَا إِلَى أَقْصَى دَرَجَاتِ الجَوْدَةِ وَالتَّمَيُّزِ وَالكَمَالِ؟! هَلْ حَقَّقْنَا تِلْكَ الوَصِيَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ الخَالِدَةَ «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»؟! هَلْ تَدَبَّرْنَا سِيَرَ الصَّحْبِ الكِرَامِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، كَيْفَ سَرَتْ فِيهِمْ رُوحُ الإِتْقَانِ فِي كُلِّ عَمَلٍ سَرَيَانَ مَاءِ الوَرْدِ فِي الوَرْدِ؟ فَهَذَا سَيِّدُنَا بلَالٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ بِصَوْتٍ نَدِيٍّ جَهُورِيٍّ، يَحْرِصُ عَلَى إِبْلَاغِ نِدَاءِ الحَقِّ بِأَحْسَنِ صُورَةٍ وأَعْذَبِ بَيَانٍ، وبَيْنَ يَدَيْكَ سِيرَةُ سَيِّدِنَا خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُخَطِّطُ لِلْمَعَارِكِ بِإِتْقَانٍ وَإِحْكَامٍ وَبَراعَةٍ، وَهَذَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُبْهِرُ الدُّنْيَا بِفِكْرَةِ الخَنْدَقِ المُبْدِعَةِ، فَكَانَ مَقَامُهُمُ- أَهْلَ المَدِينَةِ الفَاضِلَةِ- مَقَامَ الإِحْسَانِ «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
أَيُّهَا النَّبِيلُ، لِيَكُنْ فِي شَرِيفِ عِلْمِكَ أَنَّ الإِتْقَانَ ضَرُورَةٌ لَا رَفَاهِيةٌ، فَفِي عَالَمٍ يَمُوجُ بِالتَّحَدِّيَاتِ لَا رُقيّ لِمُجْتَمَعِنَا إِلَّا بِالعَمَلِ المُتْقَنِ الَّذِي يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ رُوحَ التَّفَانِي وَالإِخْلَاصِ، فَلْنَزْرَعْ بُذُورَ الإِتْقَانِ فِي كُلِّ مَيْدَانٍ، في عِبَادَتِنَا، فِي وَظَائِفِنَا، فِي صِنَاعَتِنَا، فِي تِجَارَتِنَا، فِي تَعْلِيمِنَا، فِي عَلَاقَاتِنَا الإِنْسَانِيَّةِ، فَلْنَجْعَلْ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ لَوْحَةً مُبْدِعَةً تَسْتَحِقُّ التَّأَمُّلَ، وَلِسَانَ صِدْقٍ يَتَرَدَّدُ فِي أَرْجَاءِ الكَوْنِ، لِنَكُنْ لِلدُّنْيَا قِصَصًا مُلْهِمَةً، وَحَكَايَاتٍ وَسِيَرًا مُحَفِّزَةً، وَأَثَرً مُمْتَدًّا بَاقِيًا مَا بَقَيِتَ الدُّنْيَا.
عِبَادَ اللهِ، اعْلَمُوا أَنَّ إِتْقَانَنَا لِلْعَمَلِ فِي كُلِّ مَيْدَانٍ هُوَ سِرُّ نَهْضَتِنَا وَمِدَادُ رُقِيِّنَا، عِنْدَمَا يُخْلِصُ الطَّبِيبُ فِي عِلَاجِهِ، وَيَجْتَهِدُ المُهَنْدِسُ فِي بِنَائِهِ، وَيُبْدِعُ العَامِلُ فِي صَنْعَتِهِ، وَيَسْهَرُ الجُندِيُّ عَلَى حِمَايَةِ وَطَنِهِ، فَإِنَّنَا نَبْنِي مُسْتَقْبَلًا مُشْرِقًا لِأَبْنَائِنَا وَأَحْفَادِنَا، فَالحَيَاةُ قَصِيرَةٌ، وَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَتْرُكَ فِيهَا الأَثَرَ الطَّيِّبَ، وَالعَمَلَ المُحْكَمَ، وَالغَرْسَ المُمْتَدَّ، وَالبَصْمَةَ البَاقِيَةَ، لِنَكُنْ كَالنَّخْلَةِ الشَّامِخَةِ، تَرْمِي بِخَيْرِهَا دَائِمًا، وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا كُلُّ عَابِرِ سَبِيلٍ، وَلْيَكُنْ حَادِيَنا نِدَاءُ اللِه جَلَّ جَلَالُهُ {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، وَلْنَغْرِسْ أَيُّهَا الكِرَامُ لِيَأْكُلَ مَنْ بَعْدَنَا.
***
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ «حَبَّةَ الغَلَّةِ» شَبَحٌ أَسْوَدُ، وَرَمْزُ مَوْتٍ مُخِيفٍ، وَبَوَّابَةُ عَدَمٍ مَوْهُومٍ، وَوَعْدٌ زَائِفٌ بِرَاحَةٍ أَبَدِيَّةٍ، فَيَا مَنْ أَثْقَلَتْكَ الهُمُومُ، وَكَدَّرَت خَاطِرَكَ أَعْبَاءُ الحَيَاةِ، وَلَاحَتْ فِي عَيْنَيْكَ غُيُومُ اليَأْسِ القَاتِمَةِ، أَسَأَلُكَ بِرَبِّكَ: هَلْ هَذِهِ الحَبَّةُ تَحْمِلُ الحَلَّ؟ هَل الانْتِهَاءُ هُوَ الانْتِصَارُ؟ هَل الهُرُوبُ هُوَ الخَلَاصُ؟! أَمْ أَنَّ المَلْجَأَ وَالمَلَاذَ وَالنَّجَاةَ وَالفَلَاحَ فِي الفِرَارِ إِلَى «اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ» الرَّحْمَنِ، الرَّحِيمِ، الوَدُودِ، الكَرِيمِ، التَّوَّابِ، الرَّزَّاقِ! أَيُّهَا النَّبِيلُ اعْلَمْ أَنَّهُ {لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيهِ}.
اعْلَمْ أَيُّهَا الحَبِيبُ أَنَّ عِلَاجَ الهَمِّ وَاليَأْسِ لَيْسَ فِي ابْتِلَاعِ السُّمِّ، بَلْ فِي بَثِّ الأَمَلِ، الأَمَلِ الَّذِي يُولَدُ مِنْ رَحِمِ الأَلَمِ، الأَمَلِ الَّذِي يُزْهِرُ فِي قَلْبِ اليَأْسِ، الأَمَلِ الَّذِي يُضِيءُ كَقِنْدِيلٍ فِي عَتْمَةِ الرُّوحِ، الأَمَلُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ عَابِرَةٍ، بَلْ إِنَّ الأمَلَ فِعْلٌ، الأَمَلُ سَعْيٌ، الأَمَلُ إِيمَانٌ بأَنَّ الغَدَ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ فُرَصًا جَدِيدَةً للنَّجَاحِ، وَأَشِعَّةَ شَمْسٍ دَافِئَةٍ تُنِيرُ القُلُوبَ، وَابْتِسَامَاتٍ صَادِقَةً تُزِيلُ الهُمُومَ، الأَمَلُ هُوَ أَنْ نَرَى فِي كُلِّ عَثْرَةٍ دَرْسًا، وَفِي كُلِّ سُقُوطٍ نُهُوضًا، وَفِي كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ العَالَمِينَ}.
أَيُّهَا الكِرَامُ، نَعْلَمُ جَمِيعًا أَنَّ الحَيَاةَ لَيْسَتْ دَائِمًا سَهْلَةً مُبْهِجَةً، فقَدْ تَعْصِفُ بِنَا الرِّيَاحُ، وَتَشْتَدُّ بِنَا الأَمْوَاجُ، وَقَدْ نَضِلُّ الطَّرِيقَ فِي الظَّلَامِ، وَلَكِنْ لَا تَسْتَسْلِمُوا لِهَمَسَاتِ اليَأْسِ، وَلَا تُصَدِّقُوا وُعُودَ المَوْتِ الكَاذِبَةِ، ابْحَثُوا عَنْ بَصِيصِ النُّورِ فِي أَعْمَاقِكُم، تَمَسَّكُوا بِخُيُوطِ الأَمَلِ الرَّفِيعَةِ، وَاسمَحُوا لِلْحَيَاةِ أَنْ تَهَبَكُمْ جَمَالَهَا المُتَجَدِّدَ!
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الخَلَاصَ لَيْسَ فِي حَبَّةِ غَلَّةٍ قَاتِلَةٍ، بَلْ في حَبَّةِ أَمَلٍ بَاسِمَةٍ نَزْرَعُهَا فِي قُلُوبِنَا، وَنسْقِيهَا بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ، لِتُزْهِرَ حَيَاةٌ جَدِيدَةٌ، مُشْرِقَةٌ، مَلِيئَةٌ بِالبَهْجَةِ والسُّرُورِ وَالأُنْسِ وَالحُبُورِ، فَلْنَنْبُذْ حَبَّةَ الغَلَّةِ، وَلْنَحْتَضِنْ حَبَّةَ الأَمَلِ، وَلْنُعْلِنْهَا بِلِسَانٍ مُفْعَمٍ بِالأَمَلِ: نَعَمْ لِلْحَيَاةِ.
اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَى بِلَادِنَا مِصْرَ بِسَاطَ الأَمَلِ والنُّورِ والفَيْضِ وَالإِكْرَامِ
وَافْتَحْ لَنَا البَرَكَاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ