صحيفة التغيير السودانية:
2024-12-18@11:09:42 GMT

دبلوماسية «صرف البركاوي»!

تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT

دبلوماسية «صرف البركاوي»!

دبلوماسية «صرف البركاوي»!

بثينة تروس

نرثى لحالة مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، الذي أتت به ثورة ديسمبر (السلمية) ولم تشفع له الجنسية المزدوجة ليتعلم من حكمة دبلوماسيتها، فيكون مترافعاً عن بلده باحترام، إذ أن الحق في السلام هو أصل الحقوق على الإطلاق، لدى الأحكام السماوية والأرضية، وانه لا توجد أي فرصة لنيل حقوق اخرى في ظل الحرب، واستعلاء لغة الكراهية كشعار دبلوماسي.

. ففي ظل اجتياح حالة كوكبية من الاحتراب والعنف والتوترات السياسية، تحدث المندوب وهو مشدود الوثاق بوظيفة، شروط الاستمرار فيها الولاء والبراء، تحدث وتلبسته روح الجلافة، والرعونة، التي فارق فيها اعراف الدبلوماسية المعروفة، وهو يعلم يقينا انه لم يكن يخاطب مناديب الأمم المتحدة  خفيضي الصوت، مسددي البيّنات، بليغ اللغة، من النساء والرجال المبتعثين من بلدانهم، بشروط الكفاءة والاستحقاق، بل كان في الحقيقة لا يري ولا يسمع سوي أصوات من ابتعثوه، فهو يتسقط رضاهم، بعد أن صار بوق أولياء نعمته (البلابسة) حتي ولو فاضت دماء السودانيين للركب!  كان جل سعيه التصفيق والتهليل المرتقب للفلول دعاة الحرب، الذين كان يخطب فيهم رئيس مهووس سفيه، نعته الشعب بالرئيس (الراقص)، كانت سمات سياسته الخارجية (أمريكا تحت مركوبي) والسفيرة البريطانية السابقة روزا ليندا مارسدن ومبعوثة الاتحاد الأوروبي (صرفت ليها بركاوي صاح)، و(المحكمة الجنائية تحت جزمتي).

لذلك انصرفت شكوى السيد المندوب على نفس نسق معارك الدونكيشوت من شاكلة اننا نحن من بنينا دولة الامارات، واساس نهضتها! بالفعل كان السودانيون جزء من (عمال) بناء دولة ذات بترول في طور نهضة وقتها، نالوا اجورهم كغيرهم من الوافدين من انحاء العالم، فقط كان السودانيون اقواماً حازوا على احترام، وثقة حكام وشعب الامارات، لما اشتهروا به من مكارم الاخلاق. لكن (انما الأمم الاخلاق ما بقيت ** فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا). وذهاب الاخلاق هو محل الشكوى الأساسية في الحقيقة، اذ ان تصدير الذهب والمعادن والحبوب، والماشية هي مجلبة ثروات وبناء وعمران للبنية التحتية ونهضة ومفخرة للبلدان، ان تم ذلك عبر القنوات الرسمية لمؤسسات الدولة المحترمة!

والشاهد ان وزراء حكومة الإسلاميين خلال ثلاثين عام، كان بينهم تسابق محموم في الثراء الحرام، وغسيل الأموال، والتهريب، فتحت فيها الحكومة أبواب الاستثمار والاتجار الغير مشروع في موارد الدولة، ليس للإمارات وحدها بل بلغت حتي اقاصي الصين وروسيا،  وحين عجزت عن محاربة هؤلاء القطط السمان في حكومتها، طفقت في مواجهة الانهيار الاقتصادي للدولة باستدانة القروض مقابل الأراضي والاستثمار فيها للمانحين، وفتحت أبواب تهريب الذهب علي مصراعيه،  وبحسب تقارير الأمم المتحدة نفسها، ان السودان فقد نحو 267 طناً من الذهب تم تهريبه عبر الحدود البرية، ومطار الخرطوم، وبعلم الأجهزة الرسمية، بل سهلت الحكومة لمليشيا الدعم السريع، وللأجهزة النظامية الأخرى، بل للأفراد من كبار ضبط الجيش والأمن، كما أفاد مبارك أردول في التسريبات الأخيرة، من بيع الذهب وثراء الشركات الخاصة بهذه المنظومات والأفراد وبصورة خاصة آل دقلو من عائداته! فهل تتوقع حكومة الجنرال الغافل ان تكف الدول المستفيدة من صراع الافيال في ان تمتنع من شراء ما تحتاجه بلدانها في سبيل زيادة اعمارها!  وبين البائع والشاري مصلحة بائنة بينونة كبري! ام يعقل ان يرعوي الدعم السريع في الكف عن بيع وتصدير الذهب للإمارات وهو يحتاج لتسليح الجنجويد المنتشرين في ساحات المعارك بطول البلاد وعرضها؟

نؤكد انه لا اعتراض على عريضة المندوب في شكوى الإمارات، فهي تنخرط تحت بنود تنظيم الحروب بين الدول والتعهد بحماية المدنيين، بل والمقاتلين من الجرحى والاسرى! ان كان قد وفق في حيثياتها بالصورة المتعارف عليها في الشكاوى، أو كان المكون العسكري الذي يقوده البرهان وتدعمه الحركة الإسلامية حريص على إيقاف الحرب، وحفظ دماء المواطنين، أو لو كانت الحرب الدائرة في السودان تلتزم بأخلاقيات الحروب المتعارف عليها، اذ شهدنا قوات الجنجويد يتاجرون بالسلام، ولا تعنيه أرواح وامان المواطنين في شئ فلا أمنهم في منازلهم وبيوتهم، ولا هو تركهم يأكلون خشاش ارضهم في المناطق التي استولى عليها، كما ان الجيش المدفوع برغائب وخطط الفلول الخائبة، ظل رافعاً لسلاح الحرب واستمرارها، يخسف منازل المواطنين والمنشآت العامة بالبراميل المتفجرة وتقتل كتائبه المهووسة الأبرياء على الأسس العرقية والجهوية كما حصل اليوم في القرية (32) التابعة لمحلية ام القرى بولاية الجزيرة.. فلا هو انتبه لمهمته الأساسية في حماية أمن المواطنين، وطرد المحتلين للبيوت، ولا فتح معابر الإعانات الإنسانية لإنقاذ من تبقي منهم، بل أكثر من ذلك ارتكب جرائم في حق المواطنين لا تقل بشاعة من تلك التي ارتكبها الجنجويد.. مطلوب مندوب الأمم المتحدة للسودان كان امامه لكنه عجز عن الإفصاح عنه، الا وهو إيقاف الحرب ومحاسبة مجرمي الحرب من الطرفين، لكنه وكما قلنا يخدم غرض أرباب نعمته من الفلول لا غرض المواطن السوداني المحروب والمشرد في السلام والأمن والاستقرار.

الوسومالأمم المتحدة الجيش الحارث إدريس الدعم السريع السودان القرية 32 بثينة تروس حكومة الإسلاميين دارفور مندوب السودان ولاية الجزيرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الجيش الحارث إدريس الدعم السريع السودان حكومة الإسلاميين دارفور مندوب السودان ولاية الجزيرة الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

السؤال الأصعب حول وقف الحرب في السودان

تعريف وفهم طبيعة حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023 كمدخل لبحث كيفية إيقافها، إضافة إلى تعريف الآليات والوسائل المناسبة والممكنة لوقف القتال، ناقشناهما في مقالاتنا السابقة، وهما من ضمن الأسئلة الصعبة التي تشكل جوهر الرؤية المطلوبة كأساس للتفاوض حول وقف الحرب، مع التأكيد على أن صياغة هذه الرؤية هي من صميم عمل القوى المدنية والسياسية السودانية.
ولكن لعل من أهم هذه الأسئلة الصعبة وأشدها صعوبة، ما هو متعلق بمستقبل قيادة القوات المسلحة والخيارات المتاحة لأدوارها بعد توقف الحرب في السودان، وحول إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى بما يحقق قوميتها ومهنيتها واحتكارها للعمل العسكري والنظامي في البلاد، وبما يتماشى مع المعايير الديمقراطية وتحت إشراف مدني، وضرورة تناول كل ذلك مقرونا بالتقرير في مستقبل قوات الدعم السريع وقوات الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، واستكشاف الخيارات الممكنة أمام هذه القوات على أساس خضوعها لمبدأ بناء الجيش القومي والمهني الواحد في البلاد، وبناء المؤسسات النظامية الأخرى بذات الطبيعة وخضوعا لذات المبدأ، رفضا لتعددية المؤسسات النظامية في البلاد. وهذا ما سنتناوله في مقال اليوم.
بالطبع، فإن وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات يتطلب وجود طرفي الاقتتال، الجيش والدعم السريع، على مائدة التفاوض، في منبر جدة أو أي منبر آخر يتم التوافق عليه، لا بهدف النقاش على أساس ما يقدمه الخبراء الإقليميون والدوليون من الآليات الفنية لوقف إطلاق النار وإعادة نشر القوات فحسب، وإنما أيضا بهدف التفاوض على أساس الرؤية الوطنية التي تتضمن خيارات الإجابات على الأسئلة الصعبة المشار إليها، والتي تقدمها القوى المدنية والسياسية السودانية كمشروع رئيسي لوقف إطلاق النار الدائم. وبالنسبة للسؤال حول مستقبل الطرفين العسكريين، فأعتقد من الضروري البدء بنقاش المسؤولية القانونية حيال الحرب باعتبارها جريمة مركبة من عدة جرائم في حق الوطن والمواطن، تستوجب محاسبة كل من أشعلها وزكى نيرانها، وكل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة التي مورست خلالها. وفي هذا الصدد، فإن ضربة البداية هي تشكيل لجنة تحقيق محلية أو إقليمية أو دولية أو مختلطة، تتقصى وتحقق في كل تفاصيل هذه الجريمة المركبة، بما في ذلك المذابح التي جرت في دارفور، والتوصية بتقديم المتهمين إلى العدالة على ذات النسق الذي تم مع قادة الصرب في حرب البلقان. أما أي حديث عن العفو أو العدالة الانتقالية فيظل محكوما بالقانون الدولي الذي ينص على إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرب. ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن مستقبل ودور كل من قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

أهم هذه الأسئلة وأشدها صعوبة، ما هو متعلق بمستقبل قيادة القوات المسلحة والخيارات المتاحة لأدوارها بعد توقف الحرب في السودان، وحول إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية

بالنسبة للقوات المسلحة، فإن الخيارات متعددة وتتراوح ما بين الإعفاء واستراتيجية الخروج، والمساهمة في الحل عبر «مجلس الدفاع والأمن» أو «مجلس الأمن القومي» برئاسة رئيس السلطة المدنية، رئيس مجلس الوزراء، والذي يتأسس وفق قانون يحدد مهامه وصلاحياته التي من ضمنها إعداد سياسات الأمن القومي وتنسيق السياسات الأمنية في البلاد بما يخدم وحدة السودان وسلامة وأمن أراضيه، كما يشرف على عمليات الدمج والتسريح، وعلى الترتيبات الأمنية والعسكرية المتفق عليها مع الحركات المسلحة، ويخطط وينفذ برامج بناء وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والأمن، والإيفاء باحتياجاتها وتأمين مواردها. أما بالنسبة لقوات الدعم السريع، فأعتقد لا مجال سوى حلها وإلغاء قانونها، والتطبيق الفوري لإجراءات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بالنسبة لأفرادها ما دون المستويات القيادية، بحيث يتم استيعاب هولاء الأفراد في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ومؤسسات الخدمة المدنية، ولكن وفقا لقانون وشروط الالتحاق بالقوات المسلحة أو القوات النظامية الأخرى، وكذلك قوانين وشروط الالتحاق بالخدمة المدنية. كما يتم البدء في تنفيذ الترتيبات الأمنية الشاملة بالنسبة لحركات الكفاح المسلح الأخرى، وانتقالها إلى الحياة المدنية، بما في ذلك تحول من يرغب منها إلى تنظيمات سياسية. وبالنسبة للاستثمارات والموارد الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فتتم تبعيتها للسلطة التنفيذية المدنية، وتستثمر لصالح إعمار ما دمرته الحرب ولتعويض ضحايا الحرب والمتضررين منها، ولتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى.
هذه مجرد أفكار أولية في معرض الإجابة على أكثر أسئلة الرؤية صعوبة، قابلة للنقض والتطوير، ولا شك أن هناك العديد من الخيارات الأخرى يمكن طرحها على طاولة التفاوض، ولكن بالضرورة أن تحكمها بوصلة البحث عن مخرج يحقق وقف القتال، وكذلك ضرورة أن تحكم هذه الخيارات المتعلقة بمستقبل ودور كل من قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، نقطتان جوهريتان: النقطة الأولى هي ارتباط هذه الخيارات مقرونة بالمساءلة والمحاسبة القانونية على ارتكاب جريمة الحرب، أما النقطة الثانية فهي لا خيارات بدون مقابل.
وبالتأكيد، فإن المسألة مرتبطة بعملية الإصلاح العسكري والأمني، وهذا ما يمكن تناوله بالتفصيل في مقال آخر، ولكن تحضرنا هنا بعض المبادئ التي تحكم هذه العملية:
أولا، هدفها الرئيسي تصالح القطاع الأمني والعسكري مع القوى المدنية واستعادة الثقة المفقودة بينهما. ثانيا، ليس مجرد التفكيك والإحلال، وإنما تطوير وتحديث القطاع حتى يتماشى مع مفاهيم التحول المدني.
ثانيا، لا تتم بضربة واحدة وخلال فترة زمنية قصيرة، وإنما هي سلسلة عمليات مركبة تُبتدر خلال الفترة الانتقالية، لكن استكمالها واعتماد نتائجها تقوم به المؤسسات المنتخبة.
ثالثا، ترتبط بالإصلاح الشامل لكل مؤسسات الدولة الأخرى.
رابعا، هي ليست مجرد قرارات أو إجراءات سياسية أو إدارية أو فنية، ولا تخضع للمزايدات السياسية والإعلامية وإنما تستند إلى مفاهيم علمية متوافق عليها دوليا، وتستهدي بالتجارب الناجحة التي تمت في البلدان الأخرى.
خامسا، تنفيذها من داخل المؤسسات العسكرية والأمنية وبواسطة منسوبيها، على أن تخضع إلى رقابة المؤسسات المدنية من حكومة ومجلس تشريعي.

نقلا عن القدس العربي  

مقالات مشابهة

  • حرب ١٥ ابريل و الامبريالية (الجديدة) (5 من 6)
  • الأمم المتحدة: المجتمع الدولي لا يدرك “خطورة” الأزمة في السودان
  • هل يعيد ترامب فتح دبلوماسية سرية مع زعيم كوريا الشمالية؟
  • استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
  • الأمم المتحدة: المجتمع الدولي لا يدرك خطورة الوضع في السودان
  • السودان: توقعات بوصول حصائل صادر الذهب إلى ملياري دولار
  • شاهد.. معلق رياضي سوداني يوثق دمار ملعب الهلال جراء الحرب
  • كيف ممكن تنتهي الحرب السودانية ؟؟؟
  • السؤال الأصعب حول وقف الحرب في السودان
  • مجلس الأمن يعقد جلسات عن السودان وسوريا وغزة وليبيا خلال الأسبوع الجارى