نحن اليوم في مفترق طرق علينا أن ندرك أبعادها والأهم من إدراك الأبعاد فهم حساسية الوضع والتصرف تجاه هذه الحساسية بصبر وحكمة، والمطلوب من بعض الذين ينشطون في التواصل الاجتماعي من الذين يتقلدون مناصب مهمة في الصف الأول، أن يعوا حساسية المرحلة وأن لا يأخذهم الزهو إلى مربعات يسعى العدو للوصول إليها منذ عشر سنوات من العدوان، فالركون إلى دعة الهدوء ليس من الحكمة.
اليمن يمر بمرحلة هي من أخطر المراحل في تاريخه القديم والحديث، فالدولة مهددة بالتشظي والانقسام, ويقظة الهويات المحلية والوطنية والقومية التاريخية بدأت تبرز على سطح المشهد السياسي والثقافي، وبدأت بعض الجماعات تعيد ترتيب نفسها خوف عوامل الفناء ومفردات القوة والاستهداف أن تصيبها، وفي مقابل ذلك لا نجد نشاطا حكوميا يعمل على ترميم المتصدع في الوجدان الجمعي، فالأداء الحكومي في التفاعلات اليومية، وفي النشاط العام كاد أن يكون عدما وباعثا على العدم، وعلى الشعور به، والممارسات الخاطئة للكثير من الوزراء تبعث كوامن الغضب الشعبي وتعزز من الشعور بفقدان القيمة، ويبدو أن الأداء الإعلامي وغياب النشاط الثقافي قد ساهم في حالة النكوص بالقدر الأوفر، إذ ظل دورهما مفقودا – ودورهما من أساسيات الحالة السياسية في كل مؤسسات الحكم في العالم – ولذلك نرى العالم من حولنا يولي الشريحة الإعلامية والثقافية الاهتمام الأكبر, فهو يقترب منها ويبدد السُحب التي تحجب الرؤية عنها، ويحاورها أملا في تصحيح التصورات المسبقة لكل طرف عن الآخر، ويعمل جاهدا على توفير متطلبات الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي حتى ينعكس ذلك الاستقرار على الحالة الأمنية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي على التنمية الوطنية المستدامة، وفي المقابل فإن التقليل من شأن وقيمة الشريحة الثقافية والإعلامية ومحاولة إقصائها من تفاصيل المشهد لن يكون بالضرورة إجراء واعيا، فالتبعيد لقادة الرأي وصناعه ضرر نتائجه كارثية على الوطن، وعلى أمنه واستقراره – وحديثي هنا عن المثقف وفق مفهومه الشامل بما في ذلك المثقف الديني – فالتعدد في الرؤية والمنطلقات أصبح واقعا لا يمكن القفز على حقائقه الموضوعية، والتعامل مع مثل ذلك التعدد لن يتحقق إلا بالاعتراف بوجوده، وبالتوافق على قيم ومبادئ الالتقاء، ومن خلال ترشيد الخطاب وتشذيبه من نوازعه الذاتية، فالآخر المختلف معك موجود، ووجوده يضاهي وجودك، وموقفه من القضايا العامة يجب أن يحترم ويتم تقبله، مثلما تريد منه أن يحترم موقفك ويتقبله، وعند هذه النقطة المحورية تبرز المهارات السياسية التي تستخدم الممكنات الذهنية والثقافية والسياسية في تحقيق المكاسب السياسية لهذه الجماعة أو الحزب، فالعداوات لن تخلق إلا عداوات مثلها والدم لا يجر وراءه إلا دما مثله، والاشتغال على قيم السلام الاجتماعي والتماسك الوطني يتطلب مهارات ذهنية وثقافية وقواعد منطق سليم.
لذلك فالفرق التي تشتغل على حالات الانقسام الاجتماعي، وتحاول تعميق ثقافة الثأر والعداوات على أسس مذهبية وطائفية تشكل خطرا على مستقبل اليمن، ويصبح تدخل الدولة بكل إمكانياتها المادية والمعنوية في هذه الحالة ضرورة ملحة على أسس التعدد وقبول الآخر والتعايش والسلام وتهذيب الخطاب، كما أن المؤسسة الإعلامية الرسمية والمؤسسة الثقافية بالتوازي مطالبتان بالقيام بدورهما من حيث إشباع حاجات الفرد وتكثيف تجاربه، فالوعاء الذي يشكو الفراغ هو يشتهي الامتلاء وحين يملأ بقيم الخير والحب والسلام والحق تكون ثمرته اليمن السعيد الذي يستعيد بُعده الحضاري ومجده التاريخي، وحين نتركه لفراغه فرغبة الامتلاء تجعله يبحث عن كينونته، ونحن نشهد أنه لا يجدها إلا في العبوات المتفجرة والأحزمة الناسفة، لذلك فالتركيز على بناء الإنسان بناء سليما يجب أن يكون من أولويات المرحلة، وتفعيل دور الأدوات في البناء الإنساني يجب أن يأخذ حظه من الاهتمام والتركيز والعناية، وإذا كنا نردد في خطاباتنا أن الإنسان هو هدف التنمية ومحورها فمثل ذلك التوجه يقتضي التركيز وبشكل محوري على أساسيات البناء وأدواته وتحسين جودة الأداء وإطلاق العنان لخاصيتي الإبداع والابتكار.
ما يجب أن ندركه في هذا المخاض العسير – الذي تمر به اليمن – أن الذات تشعر بفراغ وبفقدان حلقات مهمة في سلسلة التراكم التاريخي والامتداد الحضاري وترميم المتصدع، وإعادة الحلقات المفقودة إلى سياقها الحقيقي يتطلب جهدا مضاعفا فالذات التي تشعر بالفراغ الحضاري والفراغ التاريخي لا يمكنها التفاعل مع اللحظة الحضارية الجديدة لأنها تشعر بفقدان القيمة وتشعر بالاغتراب الحضاري والاغتراب التاريخي وبالتالي الاغتراب عن اللحظة الجديدة.
ومن هنا يمكننا القول باطمئنان لا نبالغ فيه، أن الاهتمام بالإنسان وصناعته وإعداده لمتطلبات المرحلة الحضارية الجديدة هو الرهان الأمثل الذي من خلاله نتجاوز عثراتنا التاريخية وعثراتنا الحضارية مع التأكيد على خياري التعدد والحوار فهما الوسيلة التدافعية التي من خلالها نضمن الاستقرار والسيادة على كامل التراب الوطني دون قدرة العدو على النفاذ من الفراغات التي نفذ منها في زمن عدوانه.
نحن مطالبون اليوم بقراءة الواقع قراءة فاحصة وواعية لكل الأبعاد وببصيرة الحكماء لا بوعي الانفعال، وخلفنا الكثير من التجارب إن أردنا صلاحاً.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: یجب أن
إقرأ أيضاً:
تيار الحكمة ينتقد ضعف الإرادة في مواجهة الأزمات وغياب القرارات الجريئة
17 مارس، 2025
بغداد/المسلة: أدلى القيادي في تيار الحكمة فهد الجبوري بتصريح لافت يعكس قلقاً متزايداً حيال الواقع السياسي في العراق، حيث أشار إلى أن مواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالبلاد تتطلب إرادة قوية وصلابة على مختلف المستويات، مع التركيز بشكل خاص على المجال السياسي.
ويبرز هذا التصريح في ظل أزمات متشابكة تشهدها الساحة العراقية، بدءاً من التوترات الأمنية وصولاً إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تثقل كاهل المواطنين.
ويسلط الجبوري الضوء على فجوة واضحة بين الحاجة إلى إرادة سياسية حاسمة وبين الواقع الذي يفتقر إلى هذه القوة بالشكل المطلوب.
ويأتي هذا التصريح في سياق نقاشات متصاعدة حول قدرة النخب السياسية على اتخاذ قرارات جريئة لمعالجة المشكلات المزمنة، حيث يرى مراقبون أن الإرادة السياسية غالباً ما تصطدم بحسابات المصالح الضيقة والصراعات الداخلية بين الكتل المتنافسة.
وتكتسب هذه الرؤية زخماً إضافياً عند النظر إلى التفاعلات على منصة “إكس”، حيث أثار تصريح الجبوري نقاشاً بين النشطاء.
فمن جهة، يرى البعض أن حديثه يعكس وعياً حقيقياً بالتحديات، كما كتب أحد المستخدمين : “الجبوري يضع يده على الجرح، لكن من يملك الشجاعة للعلاج؟”.
في المقابل، يدعو آخرون الى جدية في التعامل مع هذه التصريحات، حيث علق مستخدم آخر: “كلام جميل يحتاج الى الأفعال؟ السياسيون يحتاجون الى الأخذ بأهمية هذه التصريحات وليس قراءتها فقط”.
ويتزامن هذا التصريح مع تقارير حديثة تشير إلى تفاقم الأوضاع في العراق، حيث أظهرت إحصائيات أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 31% خلال العام الماضي، بينما تستمر معدلات البطالة في التزايد لتصل إلى حوالي 14% وفقاً لتقديرات وزارة التخطيط العراقية.
ويرى محللون أن الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق ناجمة عن غياب استراتيجيات فعالة، مما يدعم وجهة نظر الجبوري حول ضعف الإرادة السياسية.
ويثير تصريح الجبوري تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية في البلاد، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المقررة في أواخر 2025.
ويقول خبراء إن التحديات الحالية، بما فيها الخلافات حول تشكيل الحكومات المحلية والتوزيع غير العادل للموارد، قد تعمق الأزمة إذا لم تظهر قيادات قادرة على تجاوز الانقسامات الطائفية والحزبية.
ويضيف التحليل أن العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق، إذ إن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، كما حدث في 2019، بينما تشير بعض المؤشرات إلى أن تيار الحكمة، الذي ينتمي إليه الجبوري، يسعى لتعزيز موقفه كقوة وسطية قادرة على التوفيق بين الأطراف المتصارعة. لكن نجاح هذا المسعى يبقى مرهوناً بمدى قدرة القادة على ترجمة الكلام إلى خطوات عملية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts