يُساهم اليمن اليوم في تشكيل جغرافيا سياسية جديدة في المنطقة، بحيث ينطلق من مدرسة متباينة عن المدارس العسكرية والسياسية الأخرى، هذه الجغرافيا الجديدة بلورتها الأحداث الجسام، التي عصفت باليمن في الأعوام الفائتة، واكتملت مع صورة عنجهية الكيان الإسرائيلي وتفرده بغزة وأطفالها وبنيانها.
ولأنّ لكلّ فعلٍ ردَّ فعل، رفع اليمن لغته عالياً، ورفع أسلحته وقدراته وأخرج شعبه إلى الميدان، وبرز في أمة لها خمسة وخمسون جيشاً تنظر إلى أسوأ إبادة جماعية في القرن.


ولأنّ اليمن له عمقٌ تاريخي ضارب وثقافة إسلامية وقتالية قديمة وحديثة، أسند إلى ذلك قيادة غير هيابة ولا مرتابة من لقاء الإمبراطوريات، فلقد سخّر اليمن العنيد كل ما بين يديه ليبدأ التحكم في المضائق والبحار، ورمى ببصره أقصى القوم فكسب الرهان، ومحا جهد عقدين من التشويه والظلم اللذين شنتهما ماكينة خليجية عربية سابقاً، وانتقل من مرحلة إلى مرحلة ليقدم درساً لأمة مقيدة بالرسمية النظامية، حتى وصل إلى تحقيق كل الأهداف، مشبعاً برغبة جامحة في لقاء العدو الأول: واشنطن و”تل أبيب”.
لقد انطلق اليمن وخلفه سر كبير لم تقف لدراسته مراكز البحوث الغربية، ولم تفك شيفرته أنظمة وجيوش، مدرسة تتشكل في منطقة جغرافية استراتيجية ستعيد التوازنات، وتمهد حقبة التغيرات الكونية القادمة وتنهض قائلة “أنا هامة القوم وكاهلها الشديد الذي يوثق به ويحمل عليه”.
لقد كسب اليمن جماهير الأمتين العربية والإسلامية، وأبرز القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام، وأعاد إليها التوازن من جديد، في ظل التآمر والتخابر والمساهمة مع العدو في حرب الإبادة، وفي ظل دعم لامحدود، أوروبياً وغربياً.
ومن اليمن تبرز القوى البحرية لتشكل ورقة ضغط استراتيجية مع أنها كانت سابقاً أضعف عظمة في جسد الجيش اليمني، إلا أنّ المشروع في اليمن يستفيد من كل شيء فيبني واقعاً عسكرياً متطوراً ومتقدماً.
وكسلاح ردع استراتيجي برزت القوّة الصاروخية اليمنية وسلاح الطيران المسير كقوتين وازنتين، وأعادت إلى اليمن حضوره وهيبته، وإلى الأمة حقها الطبيعي في الدفاع عن نفسها وكيانها.
قوّة ثلاثية بدأت عملياتها على ميناء أم الرشراش وأهداف حساسة في “إيلات” كمرحلةٍ أولى من مراحل الإسناد اليمني لغزة، فاهتزّ كيان الاحتلال وتحرّك اللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا، ليشكلوا ورقة ضغطٍ غير مسبوقة على السياسية الخارجية لهذه الدول.
بعد أن تحرّك الأمريكان وحلفاؤهم، صعّد اليمن عملياته ووسعها لتنطلق المرحلة الثانية، التي فرضت حصاراً بحرياً على الملاحة الإسرائيلية والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، وربطت ذلك بشرط توقف العدوان ورفع الحصار عن غزّة.
ومع استمرار الإبادة وتدفق الأسلحة والأموال الأمريكية إلى الكيان، وفي ظلّ حالةِ الصخب والمجون التي تعيشها بعض البلدان العربية وحالة التآمر، واصلت القوات المسلحة اليمنية عملياتها البحرية نصرةً للشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدّى إلى توقف ميناء “إيلات” (أم الرشراش)، ودفع واشنطن ولندن إلى أن تشنّا عدواناً على اليمن وتشكلا تحالفاً دولياً سُمّي “تحالف الازدهار”، وتشكَّل من 17 دولة لتأمين مرور السفن إلى كيان الاحتلال.
وعندما أرسلت هذه الدول أساطيلها وحاملات طائراتها ومدمراتها البحرية، والتي تجاوزت أكثر من 17 سفينة ومدمرة، وحاولت عسكرة البحر الأحمر، وشكّلت مسرح عمليات جديداً وواسعاً، انطلق اليمن ليبني مواجهته المقبلة، وليتصدى لهذه القدرات، مطوراً أسلحته وقدراته وفقاً لتطور عدوه الأمريكي والغربي، فاستغل اليمن هذا التحالف وهذا الحراك، وبدأ اختبار مسرح عملياته، موجهاً إلى كل سفينة وبارجة ومدمرة أسلحته المتوسطة وإمكاناته التي راكمها سابقاً.
لقد أطلقت واشنطن، في تحالفها ضد اليمن، أهم سفنها الإلكترونية، ووجهتها إلى البحر الأحمر، وهي سفنٌ صُممت لمواجهة روسيا والصين ودول متقدمة عسكرياً، كما زجّت بأسطول آيزنهاور وقطعه البحرية هناك، وزوّدت جيشها البحري بمختلف التقنيات، لكنها فشلت، وخصوصاً بعد أن وجهت صنعاء بوصلتها تجاه هذه المدمرات والسفن، ولم تتوقف عند استهداف إيلات.
اختبر اليمن في هذه المرحلة العقلية العسكرية الأمريكية – البريطانية، ومثّل كابوساً مؤرقاً دفع قيادة هذه القوات إلى كشف بعض ما يدور في البحر الأحمر، فصُدموا من جرأة هذا البلد وقيادته ومن أسلحة اليمن ودقتها، وتطور الجيش، عبر مختلف تشكيلاته.
وهنا يمكن القول إنّ اليمن ربح الجولة من جديد بعد أن حقق أهدافه واختبر القدرات العسكرية لعدوه في عرض البحر، وانتقل إلى مرحلة إغراق العدو في مياه اليمن. لذا، غرقت السفينة البريطانية (روبيمار) وفشلت كل الأسلحة في حمايتها، كما أعلنت بريطانيا سحب سفينتها الحربية (HMS Diamond) بعد تعرضها لثلاث عمليات عسكرية يمنية.
بعد أن وجدت أمريكا وبريطانيا قواتهما عرضة للاستنزاف والاستهداف المباشر، انطلقتا من أجل إعادة تموضع قواتهما من جديد. وتباعاً، غادرت هذه السفن الحربية البحرية والفرقاطات وحاملات الطائرات وعادت إلى مرابضها، ومنها ما ذهب إلى البحر المتوسط من دون إعلان هزيمة ساحقة، لم يتطرّق إليها الكثير، ونترك أجمل تفاصيلها لمقبل الأيام.
نجح اليمن استراتيجياً، واستفاد من المواجهة المباشرة مع فخر الصناعات الأمريكية والأوروبية، والتي استهدفت اليمن بمئات الغارات، محاولة تحييد القوات اليمنية واستهداف أسلحتها، فخرجت صنعاء بنصر معمَّد بتطوير أسلحة الدفاع الجوي، والتي دخلت مباشرة في المواجهة، لتُسقط فخر الصناعة الأمريكية (MQ9) التي طورها الأمريكان وأعادوها إلى الخدمة، لكنّها سقطت في يد الدفاع الجوي، الذي مثل أيضاً رافداً نوعياً يُضاف إلى قُدرات اليمن الاستراتيجية والنوعية.
لقد استهدفت القوات المسلحة اليمنية سفناً أمريكية وبريطانية وإسرائيلية في هذه المرحلة، واستمرت عمليات القوات المسلحة اليمنية، حتى وصل إجمالي عدد السفن المستهدفة المرتبطة بالعدو الإسرائيلي والأمريكي إلى 107 سفن.
لقد استمرّت المرحلة الثالثة من التصعيد في توسيع عمليات القوات المسلحة اليمنية، وكانت المفاجأة أن أعلن المتحدث العسكري، العميد يحيى سريع، وصول الأسلحة اليمنية إلى المحيط الهندي، وهذا ما سيدفع اليمن إلى منع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة من العبور عبر رأس الرجاء الصالح.
بعد الفشل والتراجع والسقوط الأمريكي البريطاني، وبعد تطوير رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية لكل تشكيلاتها العسكرية، مهّد قائد اليمن الأول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مرحلةً جديدة أطلق عليها المرحلة الرابعة، فخرج العميد سريع معلناً إياها، ومرسلاً رسائل تحذيرية إلى واشنطن من استمرار التعنّت ومواصلة العدوان والحصار على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.
لقد وضع اليمن تعنّت نتنياهو ودعم أمريكا وكل الدول التي تسعى للتطبيع في مرحلة حرجة جداً، وخصوصاً أن هذه المرحلة لن تقتصر على استهداف سفن متجهة إلى الكيان، بل ستصل العمليات اليمنية إلى كل موانئ فلسطين المحتلة المطلة على البحر الأبيض المتوسط. وبدأ سريان المرحلة فور انتهاء البيان في الثالث من مايو 2024.
لم تقتصر المرحلة الرابعة على البحر المتوسط فحسب، بل ربط اليمن أيضاً عملياته بتصعيد العدوان على رفح، معلناً عقوبات كبرى على الشركات المتعاونة مع الكيان. وهنا ألقى سيد اليمن عصاه في بحار المنطقة، قائلاً إن أي شركة ترسل إحدى سفنها إلى “إسرائيل”، ستكون كل سفنها في مرمى الاستهداف، حتى إن لم تكن مُتجهة إلى كيان الاحتلال.
إنّ إعلان استهداف كل سفن الشركات المتعاملة مع “إسرائيل” سيمثل ضربة اقتصادية كبرى للعدو الإسرائيلي وداعميه، وضغطاً مؤلماً على واشنطن، التي استمرت في الدفاع عن مجرمها الصغير.
لقد قال اليمن، في مرحلته الرابعة، إنّ مياه البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي والبحر المتوسط محرّمة على كل شركة قد تتجرأ وتدعم الكيان، ولو بسفينة واحدة.
إنّ المرحلة الرابعة تقول بلغة الأرقام إنّ 736 سفينة تابعة لشركة MSC الإيطالية و696 سفينة لشركة ميرسك الدنماركية، ستكون عرضة للاستهداف والإحراق والإغراق في مسرح العمليات اليمنية، من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط وما بينهما، في حال أقدم العدو على التصعيد في رفح، واستمرت هذه الشركات في تعاملها مع الكيان.
لقد أعادت القيادة اليمنية اعتبار القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأعادت اعتبار الأمة إلى مكانها. وفي اعتقادي أن ما يتم إعداده لليمن من جانب الدول الاستكبارية لا يستهان به، وخصوصاً بعد توقيف الخلايا التجسسية التابعة لواشنطن ولندن وكشفها، وهي الأخطر على الإطلاق في حروب البلدان والمدن.
يقول اليمن إنّه متعود على الصراع، وخبر العدو وعقليته وسلاحه، وسيصمد أمام أي تصعيد بعد “طوفان الأقصى”، وخصوصاً أنّه تم كسر قواعد الاشتباك ومس اقتصاد كبرى الدول، فكيف إذا اشتعلت النيران بسفن النفط، وتفرّغ اليمن لمعركة بحرية يعرف جيداً كيف يُديرها ويهزم خصومه فيها.
* مدير مكتب الميادين في صنعاء

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: القوات المسلحة الیمنیة البحر المتوسط البحر الأحمر بعد أن

إقرأ أيضاً:

نوة المكنسة.. تعرف على أصعب النوات التي تضرب الإسكندرية

 تعتبر الإسكندرية الأكثر تعرضًا للنوات وهبات الرياح لموقعها المتميز علي البحر الأبيض المتوسط، وتعد النوات عبارة عن رياح قادمة من البحر إلى الأرض في الغالب وتأتى في بعض الأحيان بالأمطار الشديدة وأخرى تأتي برياح ساخنة في الصيف تؤثر على الحياة اليومية ويعرف مواعيدها الكثير من الخبراء المعنيين بحالة الطقس والبحر وكذلك الصيادين.

وتستعد الإسكندرية والسواحل الشمالية لاستقبال نوة المكنسة وهي من أخطر وأشد النوات على الإسكندرية، والتي تستمر لمدة 4 أيام متصلة.

انتهاء حياة ثلاثيني أسفل قطار "الإسكندرية/ الأقصر" في سوهاج

ونوة المكنسة هي أول نوات الشتاء الحقيقية التي يصاحبها أمطار، وتهب في النصف الأخير من نوفمبر من كل عام مع اختلافها من عام إلى آخر بحسب التغيرات المناخية، وتستمر لمدة 4 أيام متواصلة ويصاحبها أمطار غزيرة ورياح شمالية غربية.

اشتهرت النوات التي تتعرض لها مدينة الإسكندرية بأسماء عديدة وغريبة، أطلقها الصيادين في الماضي على الموجات الشديدة التي تهب على المحافظة، ومن تلك الأسماء «المكنسة» والتي أطلقت على أول نوات الشتاء شدة وذلك لأنها «تكنس البحر» كما يُقال عنها.
استعدادات شركة الصرف الصحي

وأجرى اللواء "محمود نافع" رئيس شركة الصرف الصحي بالإسكندرية جولة تفقدية لمتابعة سير العمل خلال النوة متفقدًا محطة خورشيد؛ للتأكد من جاهزيتها.

وتفقد "نافع" محطة خورشيد؛ وذلك للتأكد من الحالة الفنية للمحطة ومدى جاهزيتها الفنية ومتابعة انتظام العمل بها؛ مؤكدًا على أهمية متابعة الحالة الفنية للمعدات، والاهتمام بنظافة المحطة والتشغيل الأمثل لها، وضرورة إجراء الصيانة الدورية المنتظمة وفقًا للخطة الزمنية، والحفاظ على تخفيض منسوب بيارات المحطات؛ وذلك من أجل استيعاب أكبر كمية من مياة الأمطار .

وأكد على أهمية اتباع إجراءات السلامة والصحة المهنية، حفاظًا على سلامة المواطنين والعاملين، موضحًا أن أهم مسئولياتنا هي الحفاظ على العاملين وتدريبهم ورفع كفاءاتهم وتوفير بيئات آمنة للعمل وإتاحة كافة الاحتياطات ووسائل السلامة للعاملين بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية.

وأكد "نافع" على جاهزية الشركة بسياراتها ومعداتها للتعامل مع أى تجمعات لمياه الأمطار في حال حدوثها .

ونبه على جميع العاملين بضرورة الالتزام بإجراءات السلامة والصحة المهنية حفاظًا على سلامة العاملين والمواطنين والتعامل الفوري مع أي تجمعات مياه فور حدوثها، وتطهير الشنايش والمطابق لرفع أي مخلفات؛ لتسهيل سريان مياه الأمطار.

وشدد "نافع" على استمرار عمل غرفة الطوارئ، والخط الساخن 175 على مدار الساعة؛ لتلقي الشكاوي، والعمل على حلها فورًا .

وأكد "نافع" على تواجد رؤساء القطاعات ومديري العموم؛ لمتابعة سير العمل، والتأكد من عدم وجود أى مشاكل في الشبكات، واتخاذ الإجراءات اللازمة فورًا في حال وجود أي شكوى.

وأشار "نافع" إلى ضرورة التنسيق الكامل مع غرفة عمليات محافظة الإسكندرية، والأحياء، وجميع الأجهزة التنفيذية بالمحافظة، وغرفة عمليات الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي؛ لضمان عدم تضرر أي مواطن سكندري.
 

مقالات مشابهة

  • العمليات اليمنية تدفع مدمرة إيطالية إلى الانسحاب من البحر الأحمر
  • تصاعد العمليات اليمنية المساندة لغزة ولبنان.. مرحلة جديدة أم تمهيد لتحول استراتيجي؟
  • فيلم «غزة التي تطل على البحر» يكشف أمنيات سكان القطاع بالحرية
  • صراع خفي في أعماق البحر الأحمر: اليمن تتهم الأمم المتحدة بالتستر على تهريب السلاح
  • سفينة تبلغ عن سقوط صاروخ بالقرب منها قبالة اليمن
  • خبير عسكري أردني:التصعيد قادم في اليمن وأمريكا قررت اتباع استراتيجية الاغتيالات التي تمس قيادات الحوثيين
  • هزيمـة أمريكا في البحار وخسارتُها أمام اليمن
  • ألمانيا تكشف عن موقف جديد بشأن العمليات اليمنية في البحر الأحمر
  • نوة المكنسة.. تعرف على أصعب النوات التي تضرب الإسكندرية
  • الأرصاد هذه المدن اليمنية ستشهد انخفاض كبير في درجات الحرارة!