شهيد ومع رسول الله.. الميتُ حاجًا بين حكم الشرع والحكمة الإلهية
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في لحظة ارتسم على وجوه المؤمنين طابع الخشوع والتأمل، وفي أجواءٍ محملة بروحانية الإيمان، يعلو صوت التلبية والدعاء، يبحث الحجاج عن نفسٍ جديدة في وسط أرض مقدسة تعطي الحياة وتذكر بالموت.. إنها رحلة الحج، تلك الرحلة الروحانية التي تجمع بين الفضيلة والتواضع، بين البحث عن الرحمة والتوبة.
في طريقهم إلى بيت الله الحرام، يسعى الملايين من الحجاج لتحقيق رغبة قلوبهم وهي الاقتراب من الله، متطلعين للغفران والثواب العظيم، ولكن في هذه الرحلة المباركة، تكون القدرة الإلهية هي التي تحكم، وقد يختار الله لبعضهم نهايةً مباركة، تُكتب بأحرف الشهادة وتُختم بعبادة الله.
إن وفاة الحاج في أرض الحرمين الشريفين تجسد روحانية عميقة، فهي ليست مجرد نهاية لرحلة بل هي بدايةٌ جديدة في عالم الروحانية والجنة، حيث تنتظرهم جوائز لا يمكن تصورها إلا بعدما يفتح باب السماء لهم.
دعونا نستكشف، حكم وفاة الحاج في الحج، بعيونٍ تحمل روح الايمان والتأمل، ونرتشف من عبير الحكمة الإلهية والتقدير الإلهي.
الحج للمسلمين هو من الفرائض الخمسة في الإسلام، ويعتبر حدثاً مهماً في حياة كل مسلم، ومع أن الحج يعتبر رحلة إيمانية وروحانية تهدف إلى تجديد العهد مع الله وتطهير النفس، إلا أنه قد تقع حوادث غير متوقعة، ومنها وفاة الحاج خلال أداء فريضة الحج.
في الإسلام، تعتبر وفاة الحاج في أداء فريضة الحج أمراً يحمل معه حكماً خاصاً ويستدعي تفسيراً دينياً وقانونياً، وبصورة عامة، فإن الإسلام يعامل هذه الحالات بالتقدير والرحمة.
بين الشهادة والفرحأولاً : وقبل كل شيء، ينظر إلى وفاة الحاج في الحج بالتقدير والإشادة، فهي تعتبر واحدة من أعظم الأوقات والأماكن التي يمكن للمسلم أن يتوفى فيها، ففي الثقافة الإسلامية، يُعتبر الحاج الذي يموت خلال الحج شهيدا، ويُؤمن له بالأجر العظيم والرحمة الإلهية.
ثانياً: ينص الشرع الإسلامي على أن من مات خلال أداء فريضة الحج، يُعتبر شهيداً، وفي الإسلام، الشهيد هو الشخص الذي يموت في سبيل الله أو أثناء أداء شيء من الفرائض الإلهية، ويُؤمن له بالجنة والراحة الأبدية.
الناحية الشرعيةثالثاً: من الناحية القانونية، يتعامل الفقه الإسلامي مع وفاة الحاج بمرونة ورحمة. ففي حال وفاة الحاج، يُبذل كل جهد لتسهيل عملية دفنه وإتمام مراسم الجنازة بحسب الشريعة الإسلامية، حتى لو كان ذلك يتطلب نقل الجثمان من بلد إلى آخر.
بشكل عام، فإن وفاة الحاج خلال أداء فريضة الحج تعتبر مناسبة للرحمة والتقدير، وتذكيراً لباقي المؤمنين بأهمية الاستعداد الروحي والجسدي لهذه الرحلة المقدسة. وتظل رحمة الله ووعده بالمغفرة والجنة هي الأمل الذي يرافق كل مسلم في رحلته إلى بيت الله الحرام.
الدليل من السنة النبويةفي السنة النبوية، وردت العديد من الأحاديث التي تشير إلى فضل وثواب الشهيد الذي يموت في سبيل الله، ومن بين هذه الأحاديث الدالة على حكم من مات في الحج:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج والعمرة معي: فمن جعل لنفسه حجة فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه)
هذا الحديث يشير إلى فضيلة الحج، وأن من أدى الحج بإخلاص وتقوى، ولم يرتكب المعاصي والذنوب خلال أدائه، فإنه يعود كما لو كان قد ولد من جديد، وهذا يشمل الحاج الذي يموت في أثناء أداء فريضة الحج.
إضافةً إلى ذلك، هناك العديد من الروايات التي تحكي عن تشجيع النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الحج والعمرة، وأنها من أعظم الأعمال التي يقبلها الله، وهذا يعطي دلالة أخرى على فضل وثواب الحاج الذي يموت أثناء أداء هذه الفريضة.
باختصار، يعتبر فضل الحج والثواب العظيم لمن يؤديه بإخلاص وتقوى دليلاً على أن من يموت في الحج يعود كشهيد، ويحظى بالمغفرة والرحمة من الله عز وجل.
الدليل من القرآن الكريموالقرآن الكريم لم يأتِ بنص صريح حول حكم من مات في الحج، ولكنه يتحدث عن فضل الشهداء والأجور العظيمة التي ينالها الذين يموتون في سبيل الله، وهذا يشمل الحاج إذا مات في أداء فريضة الحج، فهو يعتبر من الشهداء.
من الآيات التي تشير إلى فضل الشهداء:
"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آل عمران: 169)
هذه الآية تشير إلى أن الذين يموتون في سبيل الله لا يعتبرون موتى بل هم أحياء عند ربهم، وهذا يشمل الحاج إذا مات في أداء فريضة الحج. فهم يحظون بالرزق والرحمة من الله.
وعليه، يمكن استنتاج أن الحاج الذي يموت في أداء فريضة الحج يعتبر من الشهداء، وله الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحج أرض الحرمين الشريفين وفاة الحاج في الحج الشهادة فی أداء فریضة الحج وفاة الحاج فی الذی یموت فی فی سبیل الله فی الحج من الله مات فی
إقرأ أيضاً:
اتفاق الشرع ـ عبدي: ما الذي يتبقى من معادلة «روج آفا»؟
أظهرت تقارير مصوّرة أنّ غالبية أبناء سوريا من الكرد والعرب ابتهجوا لتوقيع اتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد» مظلوم عبدي، وللبهجة موجبات شتى بعيدة المدى يتوجب أن تعالج بعض (والأرجح: ليس كامل) جوانب المسألة الكردية في البلاد؛ وأخرى قريبة الأثر والجدوى، لجهة توقيت يأتي في أتون محاولة انقلاب قادها ما تبقى من فلول نظام «الحركة التصحيحية» وما يواصل البقاء من أفراد فصائليين وجهاديين توّاقين إلى تسعير ثارات طائفية عمياء، وما يقترن بهذَين الفريقين من نزوعات تعطش إلى إراقة الدماء والمجازر الوحشية.
ثمة إلى هذا، وتماشياً مع منطق سياسي أو انتهازي أو مصلحي أو قوموي أو عصبوي، فئات من الكرد والعرب (أقلية، حتى الساعة على الأقلّ) لم تبتهج بالاتفاق؛ لموجبات شتى بدورها، قد يبدأ بعضها من حسن النوايا والتشبث بما مثّلته تجربة «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ـ روج آفا» من معطيات جرى ترقيتها إلى سوية القيم العليا في الحكم والتعبير الديمقراطي لدى فئات «قسد» أو على العكس كانت حاضنة تسلط وتطهير إثني وانتهاكات حقوقية ونهب ثروات في ناظر شرائح من عرب المنطقة. بعض تلك الموجبات لا يعفّ القائلون بها عن التمترس خلف أوهام هذه أو تلك من درجات الاستقلال والفدرالية أو حتى صيغة غائمة هلامية من دويلة كردية لدى الكرد أوّلاً، مقابل التمسك بالهوية العربية أو التعددية الإثنية (في صفوف الأرمن والسريان والآشوريين، مثلاً) لدى فئات أخرى عربية أو غير كردية. ولا يصحّ، في كلّ حال، إغفال فئة رافضة على الجانبين وبمعزل عن الملابسات القومية أو الإثنية، لأنها إنما تولت شبكات فساد مالي واسعة، على امتداد مناطق «قسد».
في إطار هذا التشخيص، ومن دون انتفاء تشخيصات أخرى تأخذ ببعض هذه العناصر أو تستبعد بعضها الآخر أو تضيف إليها؛ في الوسع السجال بأنّ البنود 4 و5 و6 و7 من نصّ الاتفاق بين الشرع وعبدي ذات طبيعة إجرائية، وهي على أهميتها أقرب إلى تحصيل حاصل. ذلك لأنها تتناول دمج المؤسسات المدنية والعسكرية والمعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز؛ وتضمن عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وتُلزم الدولة بحمايتهم؛ ومن باب الاستطراد، الهامّ مع ذلك، تضمّ «قسد» إلى جبهة السلطة الراهنة في مكافحة فلول الأسد؛ كما تشدد على رفض «دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».
ليس من كبير جدال، أغلب الظنّ، في أنّ البند الأوّل (الذي يضمن «حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية») لا يخصّ المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل يشمل جميع أبناء سوريا.
وأنه، تالياً، لا يُرضي «قسد» بصفتها التنظيمية التي تزعم التعددية الإثنية في صفوفها، فحسب؛ بل يُراضي حلفاءها السوريين، بعضهم أو جلّهم، ضمن توافق مضمَر على «حقوق» جبهات «روج آفا» السياسية والعسكرية المتعددة. صحيح، بالطبع، أنّ هذا البند، وبالأحرى نصّ الاتفاق كله، لا يقارب ارتباط «قسد» الوثيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي (وهذا أحد العقابيل الكبرى المنتظَرة خلال أشهر التطبيق الفعلي، حتى نهاية العام الجاري 2025)؛ إلا أنّ وصول عبدي إلى دمشق على متن طائرة أمريكية، كما تردد، يجبّ قسطاً غير قليل من تغييب المقاربة تلك.
البند الأوّل (الذي يضمن «حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية») لا يخصّ المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل يشمل جميع أبناء سوريا
يبقى البند الثاني، وهو في تقدير هذه السطور الأهمّ من حيث ملاقاة حقوق الكرد ومظالمهم في ظلّ ما تعلنه إدارة الشرع من عزم على المواطنة المتساوية ودولة القانون، خاصة في ميادين دستورية جوهرية تتجاوز (بكثير، كما يِؤمل) الصيغة الرائجة حول إنصاف المكوّنات/ الأقليات. وهو، أيضاً، البند الأخطر في الجانب التطبيقي لأنه يفتح، على مصاريعها كافة، بوّابات المسألة الكردية في سوريا وإشكالياتها ومصاعب معالجة ملفاتها المعقدة؛ هذه التي قامت تاريخياً، ولعلها تظلّ قائمة اليوم في كثير أو قليل، على سرديتين متكرّرتين، متكاملتين على نحو جدلي، رغم تناقضهما في الشكل والمحتوى. في الأولى موجات متعاقبة من الاضطهاد الإثني والسياسي والثقافي، على يد أمم صغرى وأمم كبرى، إقليمية وكونية؛ وفي السردية الثانية، وقائع خيانة ذات طابع مزدوج، على يد الحلفاء أو الأصدقاء، وبأفعال قيادات سياسية كردية على مرّ تاريخ الكرد، والحديث منه خصوصاً.
على سبيل المثال، من حوليات حكم حزب البعث، في سنة 1963 كان الملازم محمد طلب هلال، الذي سيرتقي بعدئذ سلّم المناصب العليا سريعاً، قد رفع إلى قيادة الحزب دراسته الشهيرة التي اقترحت جملة إجراءات تستهدف «تذويب» الكرد في «البوتقة» العربية! تأسيساً على مقترحاته تلك، جرى تعريب أسماء عشرات القرى والبلدات الكردية، ومُنع الأكراد من تسجيل أطفالهم إذا اختاروا لهم أسماء كردية، كما مُنعوا من الطباعة باللغة الكردية، وسوى ذلك من الإجراءات التمييزية الفاضحة.
وفي مطلع السبعينيات، عهد الأسد الأب، أقام النظام حزاماً عربياً بطول 375 كم وعمق يتراوح بين 10 – 15 كلم، على طول الحدود السورية التركية؛ جرى بموجبه ترحيل 120 ألف مواطن كردي من 332 قرية، وإحلال سكان عرب محلّهم بعد بناء قرى نموذجية لهم.
وعلى امتداد 54 سنة من سلطة «الحركة التصحيحية» كان بديهياً أنّ الأحزاب والقوى السياسية الكردية في سوريا جزء لا يتجزأ من حركة الأحزاب والقوى السورية التي رفعت شعار تغيير جوهري ديمقراطي في حياة البلاد.
وكان بديهياً أيضاً أنّ بلوغ مرتبة أرقى في النضال من أجل تغيير نظام استبداد آل الأسد، سوف يشمل انتزاع المزيد من حقوق المواطن السوري، عربياً كان أم كردياً، بصرف النظر عن خلفيته الإثنية أو الدينية أو المذهبية.
ولم تكن غالبية القوى الكردية غافلة عن هذه البديهيات، بل كانت تعرفها وتؤمن بها، وعلى أساسها تواجدت ونشطت في قلب الحراك الديمقراطي السوري، على اختلاف أشكاله وأزمنته.
بذلك فإنّ البند الثاني مُلزَم بمقاربة ما تتركه، أو تركته لتوّها، سرديات انتقاص حقوق الكرد في سوريا، ثمّ معادلة «روج آفا» التي إذا كانت لا تقلّ تعقيداً، فإنّ احتساب مستقبلها حافل بمصاعب بالغة التجذّر، ومزالق مركّبة الاستحقاق والضرورة.
والأصل أنّ المعادلة تنهض على مرتكزات إيجابية خدمت سوريا جمعاء مثلما فعلت إزاء الكرد السوريين، وليست محاربة «داعش» ودحرها في مناطق عديدة سوى مظهر أوّل في هذا السجلّ؛ سوف يتفاعل، على نحو جدلي يقترن خلاله التمثيل السليم بالمصادرة القسرية، مع انتخابات خريف 2017، والتدابير الفدرالية المتعجلة والمصطنعة، وإشاعة مناخات «علمانية» وحقوقية بصدد مكانة المرأة بصفة ملحوظة، والتكريس (النظري، الشكلي، المتعجل هنا أيضاً) لمفهوم اللامركزية، وما إلى ذلك. السلبيات، في المقابل، لم تقتصر على علاقات ارتهانية لقيادات الـPKK في جبال قنديل فقط، بل جمعت التناقض الصارخ في التسليم لإدارة أمريكية تواصل تصنيف الـPKK كتنظيم إرهابي؛ ولم تتوقف عند أنساق استبداد صارخة، وممارسة التجنيد القسري، والتنكيل بمعارضين وصحافيين كرد وعرب، وتنصيب شخصيات عسكرية وسياسية تقود شبكات النهب والفساد.
وهكذا، لعلّ بعض نجاح، أو إخفاق، تنفيذ اتفاق الشرع ــ عبدي رهنٌ بما يتوجب الإبقاء عليه أو استبعاده من معادلة «روج آفا» التي عادت بمحاسنها وبمظانّها إلى خارطة اتحاد سوري مضطرد.
(القدس العربي)