ما نكتبه لا يكتمل إلا عندما يقرأه الآخر
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
قال إبراهيم بن أدهم : ” الكَلَامُ يُظهِرُ حُمقَ الأحمَقِ ،
وعَقلَ العَاقِلِ ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ليسَ كلُّ أحدٍ يُمكنه إِبانةُ المَعانِي القائِمةِ بقلبِه ” .
وفي العنوان أعلاه ، يلتمع جوهر فرضية مقالنا هذا وإشارتنا إلى إتجاه السير ، والتعبير نفسه بكامل صياغته هو إغتذاء من قول الشاعرة الأمريكية ” ريتا دوف ” المرأة التي بدأت حياتها العلمية بدراسة القانون ، ثم الطب النفسي ، وانتقلت بعد ذلك إلى الانثروبولوجيا .
ثم أخيرا رضخت لقدرها المكتوب ووهبت نفسها لشغفها الأوحد ، دراسة الأدب ، بعدما اقنعت والديها ، أنها لن تستطيع أن تحقق لهما رغبتهما إلا لاحقا ، بأن تكون محامية أو طبيبة ، بعد أن تنال شهادة في الأدب الإنجليزي .
وفي مشوارها مع الكتابة الأدبية ، نسيت القانون والطب النفسي إلى الأبد .
عمدت ” ريتا دوف ” على توظيف موهبتها الإبداعية وثقافتها وولعها بالتاريخ ، الجماعي والفردي على السواء ، في شعرها المتعدد الصوت والفكرة والإنفعال ، غير مبالية بكل معوقات الطريق ، قافزة فوق كل جراحاتها الخاصة لتحقيق الهدف .
أن تكون صوت للناس ، رجالا ونساء ، في شعر يفيض حيوية دون اضطراب ، وحسية دون ابتذال .
فالكتابة هي قراءة لشعور الآخر ، حتى يشعر أن هذا الصوت صوته . وأن هذا النص هو صوغ لحياته بالكلمات .
ذهب ” أمبرتو إيكو ” الروائي الإيطالي ، أستاذ علم الرموز والعلامات واصفا طريقته الخاصة في الكتابة قائلا :
القارئ في حاجة إلى ما ينهكه . أعتقد أن رواياتي ، روايات ” صعبة ” إلا أن الناس يقبلون عليها بكثرة ، وهي نخبوية إلا أنها تثير رد فعلا جماهيريا .
فلماذا يا ترى ؟
لقد مل الناس الأشياء السهلة . إنهم في حاجة إلى تجربة متعبة ، معقدة معقدة تنطوي على تحديات كفيلة أن تشعرهم بالرضا عن أنفسهم وقدراتهم .
حتى الإنسان الذي تعود السير في الدروب الواسعة والمنبسطة ، يشعر أحيانا بالرغبة في تسلق الجبال . التسلق متعب طبعا ، لكنه يجذب لأنه متعب .
تلك هي اللذة التي تمنحها إيها الأعمال الجيدة .
وعلى هذا الأساس ظل ” أمبرتو إيكو ” يعمل في إبداعه الروائي على إيجاد فسحة لحرية تفسير القارئ ، حتى يشارك في خلق المكتوب ويساهم في ضخ كلماته وصوره .
ذلك المعنى نفسه قالته ” ريتا دوف ” بتعبيرها الخاص ” فما نكتبه لا يكتمل ، أو لا يتحقق إلا عندما يقرأه شخص آخر .
فالرابط بين الكاتب والقارئ ، بين الكلمة المكتوبة وحياته ، موجود وحقيقي وليس وهما .
لذا نجد مثلا الطيب صالح لم يعد إلى كرمكول – موطنه – منذ هجرها قبل ثمانين عاما لكنها بقيت حياته وحياة أهله ، الأكثر تجليا كقيمة في أدبه ، أكثر من أي أديب آخر .
ومن الومضات الأدبية في عالمنا العربي يقول الكاتب المسرحي المغربي الدكتور عبدالكريم برشيد :
وكتابة بدون ارض صلبة تقف عليهأ ، وبدون رؤية ، وبدون موقف ، وبدون بوصلة ، وبدون طريق تختاره وتمشي فيه ، وبدون افق تتطلع إليه ، وبدون لغة حية وجديدة ومتجددة تبدع بها وفيها ، فإنه لا يمكن أن تكون إلا كتابة تدعي أنها كتابة وما هي فعلا كتابة .
والأصل في الكتابة انها فعل مدني ، وانها اختيار حر ، وانها خدمة عمومية ، وانها أقرب إلى الجنون العاقل منها إلى العقل المقيد والمعتقل .
وهي فوضى نعم ، ولكنها فوضى منظمة ، والولاء الوحيد الذي يؤمن به الكاتب هو الولاء للوطن .
وعن سؤال لمن يكتب الكاتب ، قال عبدالكريم برشيد :
بأنه يكتب لنفسه أولا ، وأنه من خلال نفسه يخاطب كل الناس ، ويكتب لكل البشرية ، وأن أسعد سعداء الكتاب هو من يرضي نفسه في الكتابة ، وهو من ترضى عنه نفسه ، وهو من ترضى عنه كتابته ، وهو من يرضى عنه روح الكتابة ،
وهو من يرضى عنه تاريخ الكتابة .
وتاريخ الكتابة في السودان لن ينسى الشاعر المرهف إدريس محمد جََّماع ، الذي امتاز بشعر متعدد الإتجاهات ، مؤسسا لواقع البيئة الإجتماعية في إطار فني يستأثر فيه الجمالية في كلِّ شيء ، لكن بقلق باهر تتمظهر آثاره في نفس المتلقي .
وبرغم تناغم أشعاره مع حركة حياة الناس ، وتقلبات الأحوال ، إلا أنه كان صوت صراعه مع نفسه عاليا في شعره ، حتى بلغ أن رسم بشاعريته حال الشاعر :
ماله أيقظ الشجون فقاسى وحشة الليل واستثار الخيالا .
ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي خميله وظلالا .
حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شيء جمالا .
هينٌ تستخفه بسمة الطفل قويٌ يصارع الأجيالا .
ماجنٌ حطم القيود وصوفي قضى العمر نشوة وابتهالا .
خلقت طينة الأسى وغشتها نارُ وجد فأصبحت صلصالا .
ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة البؤس شاعرا
مثالا .
الكتابة مشروع إبداعي مستمر ، بحث لتجاوز السائد والمألوف ضدا للاستنساخ . هو أمتياز خاص له حق الإختلاف موضوعيا وجماليا .
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: وهو من
إقرأ أيضاً:
«عفوا لقد نفد رصيدكم».. 8 خطوات مهمة للبلوك النفسي والتحرر من شخص ما
يعد «البلوك النفسي» قرارا صعبا، لكنه يؤدي إلى نتائج إيجابية، إذ يعتبر نوعا من التحرر ضد الطاقة السلبية المشحونة من الآخرين، لذا فإن هناك مجموعة من الأسباب والنصائح التي يجب الاطلاع عليها، ودراستها جيدا قبل اتخاذ قرار «البلوك»، حتى لا يتم شحن النفس والعقل باللوم والأمور المغلوطة.
تقدم الكاتبة الصحفية هدى رشوان، مدير تحرير جريدة «الوطن»، عبر بودكاست «ستايل بوك» الخاص بـ«الوطن»، أسباب «البلوك النفسي».
«البلوك» شعور يسيطر على الآخرين بعد استنفاذ المشاعر«البلوك» هو الحالة التي يصل إليها الفرد بعد استنفاذه لكل مشاعره تجاه شخص ما، حيث يضع الفرد في خانة كأنه ليس موجودا لا يراه ولا يسمع عنه شيء، فلا توجد أي مشاعر سواء حب أو كره، إذ يدخل في منطقة الحياد التام تجاهه.
قرار «البلوك» ليس أمرا سهلا، لأنه يؤدي عمل الفلتر، والتخلص من كل المواقف والطاقات السلبية، التي تترك آثارا نفسية صعبة، لذا فإن هناك عدة أسباب يجب اتباعها قبل اتخاذ قرار «البلوك النفسي»:
خطوات يجب دراستها جيدا قبل «البلوك النفسي»معرفة سبب «البلوك» بوضوح، إذ يمكن أن يكون لأسباب يمكن علاجها بالحديث مع الطرف الآخر مثل التطفل أو التجاهل.
- توضيح المشاعر تجاه الآخر، الأمر الذي يساعد في تحديد المشكلة جيدا بشكل هادي.
- تقييم تأثير «البلوك» على حياة الطرفين بشكل عام.
- تقليل التفاعل مع الشخص الآخر بعد «البلوك»، وعدم التعامل معه بشكل مباشر.
- اتخاذ قرار «البلوك» بهدوء وبدون أي ندم، حتى لا يحدث شعور بالذنب فيما بعد.
- تجنب محاولة شرح أسباب «البلوك» للآخرين.
- تجنب النقاش المطول مع الآخرين فيما يخص الأمر.
ضرورة فهم أن «البلوك» لا يعبر عن كراهية، بل هو بمثابة حماية للطاقة السلبية التي قد تحيط بالشخص، والاستعداد لأي رد فعل.