موقع النيلين:
2024-06-27@10:58:06 GMT

ما نكتبه لا يكتمل إلا عندما يقرأه الآخر

تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT

قال إبراهيم بن أدهم : ” الكَلَامُ يُظهِرُ حُمقَ الأحمَقِ ،
وعَقلَ العَاقِلِ ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ليسَ كلُّ أحدٍ يُمكنه إِبانةُ المَعانِي القائِمةِ بقلبِه ” .
وفي العنوان أعلاه ، يلتمع جوهر فرضية مقالنا هذا وإشارتنا إلى إتجاه السير ، والتعبير نفسه بكامل صياغته هو إغتذاء من قول الشاعرة الأمريكية ” ريتا دوف ” المرأة التي بدأت حياتها العلمية بدراسة القانون ، ثم الطب النفسي ، وانتقلت بعد ذلك إلى الانثروبولوجيا .


ثم أخيرا رضخت لقدرها المكتوب ووهبت نفسها لشغفها الأوحد ، دراسة الأدب ، بعدما اقنعت والديها ، أنها لن تستطيع أن تحقق لهما رغبتهما إلا لاحقا ، بأن تكون محامية أو طبيبة ، بعد أن تنال شهادة في الأدب الإنجليزي .
وفي مشوارها مع الكتابة الأدبية ، نسيت القانون والطب النفسي إلى الأبد .
عمدت ” ريتا دوف ” على توظيف موهبتها الإبداعية وثقافتها وولعها بالتاريخ ، الجماعي والفردي على السواء ، في شعرها المتعدد الصوت والفكرة والإنفعال ، غير مبالية بكل معوقات الطريق ، قافزة فوق كل جراحاتها الخاصة لتحقيق الهدف .
أن تكون صوت للناس ، رجالا ونساء ، في شعر يفيض حيوية دون اضطراب ، وحسية دون ابتذال .
فالكتابة هي قراءة لشعور الآخر ، حتى يشعر أن هذا الصوت صوته . وأن هذا النص هو صوغ لحياته بالكلمات .
ذهب ” أمبرتو إيكو ” الروائي الإيطالي ، أستاذ علم الرموز والعلامات واصفا طريقته الخاصة في الكتابة قائلا :
القارئ في حاجة إلى ما ينهكه . أعتقد أن رواياتي ، روايات ” صعبة ” إلا أن الناس يقبلون عليها بكثرة ، وهي نخبوية إلا أنها تثير رد فعلا جماهيريا .
فلماذا يا ترى ؟
لقد مل الناس الأشياء السهلة . إنهم في حاجة إلى تجربة متعبة ، معقدة معقدة تنطوي على تحديات كفيلة أن تشعرهم بالرضا عن أنفسهم وقدراتهم .
حتى الإنسان الذي تعود السير في الدروب الواسعة والمنبسطة ، يشعر أحيانا بالرغبة في تسلق الجبال . التسلق متعب طبعا ، لكنه يجذب لأنه متعب .
تلك هي اللذة التي تمنحها إيها الأعمال الجيدة .
وعلى هذا الأساس ظل ” أمبرتو إيكو ” يعمل في إبداعه الروائي على إيجاد فسحة لحرية تفسير القارئ ، حتى يشارك في خلق المكتوب ويساهم في ضخ كلماته وصوره .
ذلك المعنى نفسه قالته ” ريتا دوف ” بتعبيرها الخاص ” فما نكتبه لا يكتمل ، أو لا يتحقق إلا عندما يقرأه شخص آخر .
فالرابط بين الكاتب والقارئ ، بين الكلمة المكتوبة وحياته ، موجود وحقيقي وليس وهما .
لذا نجد مثلا الطيب صالح لم يعد إلى كرمكول – موطنه – منذ هجرها قبل ثمانين عاما لكنها بقيت حياته وحياة أهله ، الأكثر تجليا كقيمة في أدبه ، أكثر من أي أديب آخر .
ومن الومضات الأدبية في عالمنا العربي يقول الكاتب المسرحي المغربي الدكتور عبدالكريم برشيد :
وكتابة بدون ارض صلبة تقف عليهأ ، وبدون رؤية ، وبدون موقف ، وبدون بوصلة ، وبدون طريق تختاره وتمشي فيه ، وبدون افق تتطلع إليه ، وبدون لغة حية وجديدة ومتجددة تبدع بها وفيها ، فإنه لا يمكن أن تكون إلا كتابة تدعي أنها كتابة وما هي فعلا كتابة .
والأصل في الكتابة انها فعل مدني ، وانها اختيار حر ، وانها خدمة عمومية ، وانها أقرب إلى الجنون العاقل منها إلى العقل المقيد والمعتقل .
وهي فوضى نعم ، ولكنها فوضى منظمة ، والولاء الوحيد الذي يؤمن به الكاتب هو الولاء للوطن .
وعن سؤال لمن يكتب الكاتب ، قال عبدالكريم برشيد :
بأنه يكتب لنفسه أولا ، وأنه من خلال نفسه يخاطب كل الناس ، ويكتب لكل البشرية ، وأن أسعد سعداء الكتاب هو من يرضي نفسه في الكتابة ، وهو من ترضى عنه نفسه ، وهو من ترضى عنه كتابته ، وهو من يرضى عنه روح الكتابة ،
وهو من يرضى عنه تاريخ الكتابة .
وتاريخ الكتابة في السودان لن ينسى الشاعر المرهف إدريس محمد جََّماع ، الذي امتاز بشعر متعدد الإتجاهات ، مؤسسا لواقع البيئة الإجتماعية في إطار فني يستأثر فيه الجمالية في كلِّ شيء ، لكن بقلق باهر تتمظهر آثاره في نفس المتلقي .
وبرغم تناغم أشعاره مع حركة حياة الناس ، وتقلبات الأحوال ، إلا أنه كان صوت صراعه مع نفسه عاليا في شعره ، حتى بلغ أن رسم بشاعريته حال الشاعر :
ماله أيقظ الشجون فقاسى وحشة الليل واستثار الخيالا .
ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي خميله وظلالا .
حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شيء جمالا .
هينٌ تستخفه بسمة الطفل قويٌ يصارع الأجيالا .
ماجنٌ حطم القيود وصوفي قضى العمر نشوة وابتهالا .
خلقت طينة الأسى وغشتها نارُ وجد فأصبحت صلصالا .
ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة البؤس شاعرا
مثالا .
الكتابة مشروع إبداعي مستمر ، بحث لتجاوز السائد والمألوف ضدا للاستنساخ . هو أمتياز خاص له حق الإختلاف موضوعيا وجماليا .

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: وهو من

إقرأ أيضاً:

الانتخابات الرئاسية في أمريكا وإيران.. من يلعب في ملعب الآخر؟

26 يونيو، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

محمد صالح صدقيان

في الوقت الذي تنشغل فيه إيران بانتخاباتها الرئاسية المبكرة، إثر وفاة رئيس جمهوريتها إبراهيم رئيسي بحادث تحطم طائرة، صعّدت الدول الغربية مواقفها من إيران، سواء بإصدار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار ادانة بحق طهران تقدمت به الترويكا الأوروبية وأيّدته الولايات المتحدة أو باطلاق مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي تصريحات يُحذّر فيها من مخزون اليورانيوم المُخصّب والذي أدرجه في خانة سعي إيران بلوغ مرحلة انتاج السلاح النووي.

داخلياً؛ شكّل الاتفاق النووي مادة أساسية علی طاولة المرشحين للسباق الانتخابي الرئاسي خصوصاً بعد أن جلس وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف ـ الذي قاد مفاوضات التوصل للاتفاق النووي عام 2015 ـ إلی جانب المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، في إحدی الندوات التلفزيونية الانتخابية، بوصفه أحد أبرز مستشاريه وأعمدة حملته الانتخابية؛ وركّز الأخير بشكل دقيق علی الاتفاق النووي وعلاقته بالوضعين الداخلي والخارجي، في مقابل المرشحين الآخرين الذين دافعوا عن مواقفهم الرافضة لهذا الاتفاق، مستندين علی موقف غير معلن لمرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي بشأن هذا الاتفاق، ما دعا مكتب المرشد إلی طلب توخي الحذر في نقل مواقف غير مكتوبة أو غير مسموعة مباشرة من المرشد.

الملف الإقتصادي الداخلي حضر بقوة على طاولة المتسابقين للرئاسة الإيرانية، وهو أيضاً ليس ببعيد عن الملف النووي، وبات يحتل حيزاً مهماً في برامج المرشحين، في حين ينخرط الناخب الإيراني بشغف لمتابعة الآلية التي يريد المرشحون من خلالها معالجة المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها كل عائلة إيرانية.

خارجياً؛ يبدو أن الولايات المتحدة تريد الدخول علی خط هذه الانتخابات ونتائجها لأنها لم تنجح في ترويض الحصان الإيراني لتقديم تنازلات وابرام تفاهمات تصب في خانة معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يخوضها الرئيس جو بايدن ضد خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، ولذلك أوعزت واشنطن للترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) لاستخدام نفوذها باعتبارها شريكة في ابرام الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018، وذلك من خلال الضغط علی الناخبين الإيرانيين والمشهد الانتخابي بواسطة ورقة تفعيل الـ”سناب باك”، وهي الآلية الأتوماتيكية الموجودة في الاتفاق النووي لإعادة العقوبات الإقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي علی إيران، بما في ذلك العودة للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

وليس خافياً أن الولايات المتحدة تملك الإرادة والقوة والامكانية لفرض عقوبات أو إعادة عقوبات ضد إيران؛ وفي المقابل، ثمة خيارات تملكها إيران قادرة من خلالها على ارباك الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

وبعيداً عن الخيارات الأمنية والسياسية الإقليمية؛ فإن طهران تعلم المسار الذي تريده واشنطن وتعلم أن القرار الدولي الرقم 2231 الذي احتضن مجلس الأمن من خلاله الاتفاق النووي سوف ينتهي تاريخه في تشرين الأول/أكتوبر 2025. وأمام واشنطن مهلة أشهر من أجل استكمال عملية ترحيل الملف الإيراني من أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أروقة مجلس الأمن الدولي.

وطالما أن طهران تعلم ذلك كُلّه جيداً، تضع أمامها “خارطة طريق” واضحة ومعلنة يُلم بتفاصيلها المعنيون بالملف في واشنطن والعواصم الأوروبية، وأساسها،

أولاً؛ إعادة النظر بــ”عقيدتها النووية” ربطاً بالسلوك العدواني الذي تتخذه الدول الغربية. التلويح بهذه الخطوة تكرّر أكثر من مرة، ما يعني أننا لسنا أمام “شطحة لسان” بل تهيئة المناخ أمام خطوات “قد” تفكّر بها طهران بشكل جدي.

ثانياً؛ أعلنت طهران بأنها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا تم ترحّيل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي واستخدام آلية “سناب باك”، وتحديداً كما تعاملت مع “قرار الإدانة” الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة، ولا سيما لجهة التلويح بإجراءات إيرانية معينة إذا صدر قرار الإدانة؛ وبالفعل، أعلنت عن عزمها زيادة عدد أجهزة التخصيب في منشأتي فوردو ونطنز النوويتين.

ثالثاً؛ أعلنت طهران أنها ملتزمة بالتعاون مع الوكالة الدولية وأن كل الاجراءات التي تتخذها تتم بعلم ومراقبة الوكالة من خلال فرق التفتيش التي يبلغ عدد أفرادها 250 مفتشاً لا تخلو منهم المنشآت النووية وأنها مستمرة في تنفيذ قانون الضمانات التابع للوكالة، لكنها قالت أيضاً بأنها عملت علی تخفيض التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي بما يتيح لها الاتفاق نفسه، حسب المادة 36، عندما لا تلتزم بقية الأطراف ببنود الاتفاق المذكور. وما تطالب به الوكالة من أجوبة علی أسئلة تتعلق بمواقع عُثر فيها علی مواد ملوثة، فإن طهران أبدت استعدادها للإجابة عليها شريطة أن تتعامل الوكالة بمهنية بعيداً عن الضغوط السياسية التي تمارسها بعض الأطراف وتحديداً الولايات المتحدة وإسرائيل.

في ظل هذه الأجواء، هل تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر علی نتيجة الإنتخابات الإيرانية؟ الإجابة علی هذا السؤال ليست سهلة لكن الأكيد أن الثقة المفقودة بين طهران وواشنطن لا يُمكن أن تُرمَّم بموقف من هنا أو من هناك.. وأن ثقة الشارع الإيراني لا تختلف عن ثقة النظام السياسي بمصداقية الولايات المتحدة حيال إيران.

ربما تصدر عن بعض الأوساط انتقادات للسياسة الأمريكية، لكن عندما أتاح النظام الإيراني استخدام سياسة “المرونة البطولية” وجلس المفاوضون الإيرانيون مع نظرائهم الأمريكيين في فيينا وتوصلوا إلى الإتفاق النووي عام 2015؛ كانت واشنطن هي التي تبرعت بالانسحاب من هذا الاتفاق الذي اعتبره دونالد ترامب “سيئاً”! ولذلك من الصعب تصور استجابة الشارع الإيراني للضغوط التي يُطلقها البيت الأبيض، غير أن ذلك لا يعني اغلاق باب المفاوضات؛ بل علی العكس من ذلك، تحاول طهران استخدام جميع الأوراق المتوفرة بين يديها لكن في أوقاتها المناسبة، بما يُحقّق مصالحها في السياسة والاقتصاد والأمن من دون أن نستبعد استغلال طهران للأجواء الانتخابية الأمريكية وحاجة المرشحين الأمريكيين إلى “جوائز” تخدمهم في لهاثهم الانتخابي لبلوغ عتبة البيت الأبيض.

معنى ذلك أنه ليس مستبعداً أن تحاول كل من طهران وواشنطن اللعب في الملعب نفسه حتی تتوضح صورة الوافد الجديد إلى القصر الرئاسي الإيراني والحاكم الجديد البيت الأبيض الأمريكي.. ولننتظر ما سيقوله المرشحان الأمريكيان الجمهوري والديموقراطي في مناظرتهما الأولى هذه الليلة عن إيران والاتفاق النووي.. ومن بعدها لكل حادث حديث!

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

مقالات مشابهة

  • د. عنتر حسن: صراع في غير معترك!!!
  • الانتخابات الرئاسية في أمريكا وإيران.. من يلعب في ملعب الآخر؟
  • الاضطرابات النفسية لجنود الاحتلال.. البُعد الآخر لتأثير المقاومة
  • رئيس الطائفة الإنجيلية: السلام المجتمعي يُبنى على أسس الديمقراطية والعيش المشترك وقبول الآخر
  • لعلاجه من الإدمان.. حبس المتهم بقتل شقيقه وإصابة الآخر بمدينة نصر
  • خبير بيئي يكشف سبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة (فيديو)
  • الكتابة في زمن الحرب (28): عن الامل واليأس
  • ابن كيران: التضامن مع غزة ضعيف وبدون أثر سياسي... وما تتبناه جهات نافذة في الدولة لا يسر
  • بسبب المخدرات.. التحقيق في مقتل شاب على يد شقيقه بالقاهرة
  • المساوى ومداعس يطلعان على سير العمل بالمنفذ الشرقي لمدينة تعز