موقع النيلين:
2025-04-30@13:42:48 GMT

ما نكتبه لا يكتمل إلا عندما يقرأه الآخر

تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT

قال إبراهيم بن أدهم : ” الكَلَامُ يُظهِرُ حُمقَ الأحمَقِ ،
وعَقلَ العَاقِلِ ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ليسَ كلُّ أحدٍ يُمكنه إِبانةُ المَعانِي القائِمةِ بقلبِه ” .
وفي العنوان أعلاه ، يلتمع جوهر فرضية مقالنا هذا وإشارتنا إلى إتجاه السير ، والتعبير نفسه بكامل صياغته هو إغتذاء من قول الشاعرة الأمريكية ” ريتا دوف ” المرأة التي بدأت حياتها العلمية بدراسة القانون ، ثم الطب النفسي ، وانتقلت بعد ذلك إلى الانثروبولوجيا .


ثم أخيرا رضخت لقدرها المكتوب ووهبت نفسها لشغفها الأوحد ، دراسة الأدب ، بعدما اقنعت والديها ، أنها لن تستطيع أن تحقق لهما رغبتهما إلا لاحقا ، بأن تكون محامية أو طبيبة ، بعد أن تنال شهادة في الأدب الإنجليزي .
وفي مشوارها مع الكتابة الأدبية ، نسيت القانون والطب النفسي إلى الأبد .
عمدت ” ريتا دوف ” على توظيف موهبتها الإبداعية وثقافتها وولعها بالتاريخ ، الجماعي والفردي على السواء ، في شعرها المتعدد الصوت والفكرة والإنفعال ، غير مبالية بكل معوقات الطريق ، قافزة فوق كل جراحاتها الخاصة لتحقيق الهدف .
أن تكون صوت للناس ، رجالا ونساء ، في شعر يفيض حيوية دون اضطراب ، وحسية دون ابتذال .
فالكتابة هي قراءة لشعور الآخر ، حتى يشعر أن هذا الصوت صوته . وأن هذا النص هو صوغ لحياته بالكلمات .
ذهب ” أمبرتو إيكو ” الروائي الإيطالي ، أستاذ علم الرموز والعلامات واصفا طريقته الخاصة في الكتابة قائلا :
القارئ في حاجة إلى ما ينهكه . أعتقد أن رواياتي ، روايات ” صعبة ” إلا أن الناس يقبلون عليها بكثرة ، وهي نخبوية إلا أنها تثير رد فعلا جماهيريا .
فلماذا يا ترى ؟
لقد مل الناس الأشياء السهلة . إنهم في حاجة إلى تجربة متعبة ، معقدة معقدة تنطوي على تحديات كفيلة أن تشعرهم بالرضا عن أنفسهم وقدراتهم .
حتى الإنسان الذي تعود السير في الدروب الواسعة والمنبسطة ، يشعر أحيانا بالرغبة في تسلق الجبال . التسلق متعب طبعا ، لكنه يجذب لأنه متعب .
تلك هي اللذة التي تمنحها إيها الأعمال الجيدة .
وعلى هذا الأساس ظل ” أمبرتو إيكو ” يعمل في إبداعه الروائي على إيجاد فسحة لحرية تفسير القارئ ، حتى يشارك في خلق المكتوب ويساهم في ضخ كلماته وصوره .
ذلك المعنى نفسه قالته ” ريتا دوف ” بتعبيرها الخاص ” فما نكتبه لا يكتمل ، أو لا يتحقق إلا عندما يقرأه شخص آخر .
فالرابط بين الكاتب والقارئ ، بين الكلمة المكتوبة وحياته ، موجود وحقيقي وليس وهما .
لذا نجد مثلا الطيب صالح لم يعد إلى كرمكول – موطنه – منذ هجرها قبل ثمانين عاما لكنها بقيت حياته وحياة أهله ، الأكثر تجليا كقيمة في أدبه ، أكثر من أي أديب آخر .
ومن الومضات الأدبية في عالمنا العربي يقول الكاتب المسرحي المغربي الدكتور عبدالكريم برشيد :
وكتابة بدون ارض صلبة تقف عليهأ ، وبدون رؤية ، وبدون موقف ، وبدون بوصلة ، وبدون طريق تختاره وتمشي فيه ، وبدون افق تتطلع إليه ، وبدون لغة حية وجديدة ومتجددة تبدع بها وفيها ، فإنه لا يمكن أن تكون إلا كتابة تدعي أنها كتابة وما هي فعلا كتابة .
والأصل في الكتابة انها فعل مدني ، وانها اختيار حر ، وانها خدمة عمومية ، وانها أقرب إلى الجنون العاقل منها إلى العقل المقيد والمعتقل .
وهي فوضى نعم ، ولكنها فوضى منظمة ، والولاء الوحيد الذي يؤمن به الكاتب هو الولاء للوطن .
وعن سؤال لمن يكتب الكاتب ، قال عبدالكريم برشيد :
بأنه يكتب لنفسه أولا ، وأنه من خلال نفسه يخاطب كل الناس ، ويكتب لكل البشرية ، وأن أسعد سعداء الكتاب هو من يرضي نفسه في الكتابة ، وهو من ترضى عنه نفسه ، وهو من ترضى عنه كتابته ، وهو من يرضى عنه روح الكتابة ،
وهو من يرضى عنه تاريخ الكتابة .
وتاريخ الكتابة في السودان لن ينسى الشاعر المرهف إدريس محمد جََّماع ، الذي امتاز بشعر متعدد الإتجاهات ، مؤسسا لواقع البيئة الإجتماعية في إطار فني يستأثر فيه الجمالية في كلِّ شيء ، لكن بقلق باهر تتمظهر آثاره في نفس المتلقي .
وبرغم تناغم أشعاره مع حركة حياة الناس ، وتقلبات الأحوال ، إلا أنه كان صوت صراعه مع نفسه عاليا في شعره ، حتى بلغ أن رسم بشاعريته حال الشاعر :
ماله أيقظ الشجون فقاسى وحشة الليل واستثار الخيالا .
ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي خميله وظلالا .
حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شيء جمالا .
هينٌ تستخفه بسمة الطفل قويٌ يصارع الأجيالا .
ماجنٌ حطم القيود وصوفي قضى العمر نشوة وابتهالا .
خلقت طينة الأسى وغشتها نارُ وجد فأصبحت صلصالا .
ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة البؤس شاعرا
مثالا .
الكتابة مشروع إبداعي مستمر ، بحث لتجاوز السائد والمألوف ضدا للاستنساخ . هو أمتياز خاص له حق الإختلاف موضوعيا وجماليا .

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: وهو من

إقرأ أيضاً:

هل مجزرة صالحة دي هي أول مجزرة للميليشيا

هل مجزرة صالحة دي هي أول مجزرة للميليشيا ولا هي أول مرة تقوم بعمل بشع زي ده؟
في ناس كده بحسسوني انو ما كان متابعين الحاصل في الحرب دي وفجأة كده بقو متابعين ولا كيف ما عارف
ياخي الميليشيا دي من أول لحظة في الحرب دي شغاله فتك ومتك في المواطن
من شهر أبريل ٢٠٢٣م
والله شفناهم بقتلو ناس ساي وبعتقلو ساي و بعذبو الناس ساي وبجلدو الناس ساي
ياخي اليوم الما بتسمع فيهو الميليشيا عملت جريمة في المحيط حقنا هناك في جبرة ده كان هو الغريب
أنا ما بقول ليك الكلام ده تقليلا لأحد أو تهوين من بشاعة الحصل
لكن أنا من الناس ما قاعد أستغرب من أي شيء تعملو الميليشيا
ومتوقع منهم يعملو أي شيء وما اظن في شيء بغضب ربنا تعالى هم ما عملوا
قتل اغتصاب نهب مجازر كلو
التدوين اليومي للمواطنين و الاغتصابات وبيع النساء و جلد الأطفال و الرجال
عشان كده ما تجي فجأة وتقول الحكومة ليه ما طلعت بيان
تطلع تقول شنو يعني ؟
كدي وريني
أنا مرات بحس انو في جهات بتكون دايره تسوق الناس لغرض معين
الجريمة دي نقلبها على الجيش وبدل ما أصابع الاتهام تتجه للميليشيا لالا تتجه للجيش
الجيش مقصر
الجيش المفروض يطلع بيان
الجيش ما عارف
هو الجيش ده من أول يوم قاليك الزول ده عدو و استنفر المواطنين عشان كده وقاليك ابعدو منهم وقاعد يقاتل في الميليشيا دي من أول يوم ما فترت له همة و لا ضعف له عزم وكل يوم بقدم عشرات الشه.داء
وتطلع بيان لشنو زاتو
يعني لمن تطلع بيان لمنو وعشان شنو ؟
للمجتمع الدولي و لا لشنو يعني
ما هو المجتمع الدولي شاف مجازر الخرطوم والجزيرة وسنار و الفاشر ووادي هور ومعسكر زمزم و الجنينة
عمل شنو ولا قدم ليك شنو
بدل ما توجه سهامك للجيش وحكومتك
وجه سهامك للعدو
ووجه جهدك كلو لمقاومة هذا العدو
وقبل ما تنساق وراء موجة المنشورات شوف المستفيد منو من المنشورات دي ؟

مصطفى ميرغني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هل مجزرة صالحة دي هي أول مجزرة للميليشيا
  • التصالح مع الذات (السعادة الأبدية)
  • تعداد محليي “الخضر” يكتمل وبن خماسة يُغادر التربص
  • بشرى للأمهات في تركيا: دفعات دعم الولادة في عيد الأم.. وبدون شروط
  • تعداد محلييي “الخضر” يكتمل وبن خماسة يُغادر التربص
  • النائب كنعان اطلع رئيس الجمهورية على نتائج زيارته واشنطن: الإصلاح المالي لا يكتمل دون معالجة الفجوة المالية
  • مرة تغلبني الكتابة
  • ورشة حول الكتابة الصحفية بالجامعة القاسمية
  • بسبب فيديو..مشاجرة بين طلاب تسفر عن إصابة إحداهما داخل الحرم الجامعي بسوهاج
  • المنافقون.. الوجه الآخر للعدوان على الأمة الإسلامية