لجريدة عمان:
2025-03-06@21:02:04 GMT

سنرجع يوما .. لهارون هاشم رشيد

تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT

سنرجع يوما .. لهارون هاشم رشيد

في الوقت الذي ينتظر الغزيون العودة إلى شمال غزة وأماكن أخرى داخل قطاع غزة الحبيب، في الحرب الشرسة التي يشنها الاحتلال البغيض عليه، فإن هؤلاء اللاجئين وغيرهم، ممن هجّر أهاليهم من فلسطين، ما زال يحدوهم أمل العودة إلى الوطن السليب، هناك في فلسطين المحتلة عام 1948، تلك التي بنى الاحتلال أوهامه من خلال ما ذكره ساستهم: الكبار يموتون والصغار ينسون.

سنرجع يوما خبرني العندليب.. صعب ألا يقرأ أي إنسان هذه القصيدة أو يسمعها، دون أن يجيش الحنين في قلبه، فتدمع عيونه؛ فأية جريمة حدثت وما زالت حلقاتها مستمرة تجاه شعب تم تشريده وطرده من وطنه، من سيحنو على الحزانى حينما تنهمر دموعهم حين يقرأون:

سنرجع خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى

بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا

منذ غنت فيروز هذه القصيدة، عام 1956، أي بعد نكبة فلسطين عام 1948 بثماني سنوات، حتى الآن، واللاجئون يتوارثون اللجوء، من قبل ومن بعد، والبكاء، لكنهم لم يكتفوا بالبكاء والحنين، بل ضمنوا سفر رحلتهم للعودة نضالات عظيمة. موضوع العودة هو الهاجس الرئيس لشاعر العودة والثورة والنكبة هارون هاشم رشيد، إنه هاجسه الأساسي، فثقته بحق العودة وتحققها يوما، جعله مطمئنا لهذا الشعور، أي العودة إلى الحيّ، أي البيوت، رغم بعد المسافات وطول فترة التشرد، حيث توقع اللاجئون العودة بعد أسابيع أو أشهر على أبعد تقدير.

إنه الأمل العظيم فعلا بالرجوع، إلى تلال الحنين بناسها، ولعل العندليب هنا رمز للوجود وسيرورة التاريخ، التي تعني نهاية الاحتلال.

بنى الشاعر قصيدته على جزيئات معمارية مرتبطة معا في سياق شعوري؛ فابتدأ بفكرة حتمية العودة كفكرة أولى، كما قلنا، المرتبطة بسيرورة وصيرورة التاريخ، التي تعني نهاية الاستبداد والاحتلال مهما طال، فالأرض لأهلها لا محالة.

سنرجع يوما إلى حينا ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمر الزمان وتنأى المسافات ما بيننا

أما الفكرة الثانية، فهي امتداد للأولى، وهي زرع الأمل ومنع اليأس:

فيا قلب مهلًا ولا ترتمي على درب عودتنا موهنا

يعز علينا غدًا أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا

وهنا، جاءت الفكرة الثالثة، وهي المسوغ الوطني والإنساني، فالوطن الجميل بصفصافه وأزهاره ينتظر عودتهم كما هم ينتظرون بشجن:

هنالك عند التلال تلال تنام وتصحو على عهدنا

وناس هم الحب أيامهم هدوء انتظار شجي الغنا.

ربوع مدى العين صفصافها على كل ماء وها فانحنى

تعب الزهيرات في ظله عبير الهدوء وصفو الهنا

وهنا تأتي الفكرة الرابعة وهي تكرار الاطمئنان بالعودة، التي تحتمل أيضا بأن الباقين في فلسطين المحتلة، الذين رمز إليهم بالبلابل ما زالوا متمسكين بعروبتهم «تعيش بأشعارنا:

سنرجع خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى

بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا

وما زال بين تلال الحنين وناس الحنين مكان لنا

وأخيرا، الفكرة الخامسة المؤكدة لحتمية تحقق العودة رغم ما عانى اللاجئون من تشريد:

فيا قلب كم شردتنا الرياح تعال سنرجع هيا بنا

سنرجع يومًا إلى حينا...

سنرجع يومًا إلى حينا ونغرق في دافئات المنى

لم يعبّر شاعر قبل هارون هاشم رشيد بمثل هذه الصورة البديعة، الغرق في دافئات المنى، أي الإشباع العظيم والارتواء بحضن الوطن الدافئ، فلا أكثر دفئا من الوطن، ولا من تحقق أمنية العودة.

أي سحر في قوله: فيا قلب مهلًا ولا ترتمي على درب عودتنا موهنا؟ سحر هذا الشعر، حين صوّر الشاعر القلب بإنسان يرتمي بضعف، وهو بذلك يحفز القلب ويقوي أمله.

مضمون سامٍ، استلزم جماليات غاية في الشفافية والبلاغة القريبة غير المتكلفة؛ كأن التلال بشر ينامون ويصحون، الوطن هنا إنسان. والوطن متمسك بالعهد:

هنالك عند التلال تلال تنام وتصحو على عهدنا

تأمل جماليات أسلوب هارون هاشم رشيد رحمه الله، يعيدنا إلى دوره في حركة الشعر العربي، حين تحرر الشاعر من الثقل اللغوي، وللنظر هنا في هذا البيت حين يقول:

تعب الزهيرات في ظله عبير الهدوء وصفو الهنا؛ فالعادي والطبيعي أن تعب (تشرب) الزهيرات الماء، لكن هنا جعل الشاعر الزهيرات تشرب عبير الهدوء الجميل.. فالماء هنا عطر.

ترى ماذا قصد الشاعر بالبلابل في قوله: بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا؟ هل ثمة رمز هنا؟

يمكن أن تكون البلابل هي الطيور، ويمكن أن يكون الشاعر شبه الباقين في فلسطين بالبلابل. ويمكن بالطبع الطيور والناس، الذين تمسكوا بالعروبة والأدب العربي.

فيا قلب!

آه من هذا النداء، الذي كرره مرتين:

فيا قلب مهلًا ولا ترتمي على درب عودتنا موهنا

فيا قلب كم شردتنا الرياح تعال سنرجع هيا بنا

لقد شبه الشاعر القلب كأنه إنسان وصديق ينادي عليه صاحبه.

لو تأملنا استخدام الشاعر بشكل معمق للفعل المضارع (الحاضر) كما هو موجود في كل الأبيات:

(نرجع، نغرق، يمر، تنأى، ترتمي، يعز، تعود، تنام، تصحو، تعب، لما تزل، تعيش...)، فإن تفسير ذلك نفسيا يعود للأثر الحي للوطن، الذي يرفض الشاعر نفسيا أن يراه زمنا ماضيا.

وهنا نتذكر الروايات الشفوية للاجئين حين كانوا دوما يبدأون حديثهم بأسلوب الحاضر عن الغائب، كونهم يرفضون مجرد فكرة أن الوطن غائب، كونه حاضرا داخلهم.

لذلك نرى الشاعر مثل المهجرين عن ديارهم دوما يرددون سنرجع، لما له من مسوغ التأكيد النفسي على شعور العودة. وهو تكرار استساغته الأذن، في ظل تقبل الذهن والشعور لمضمونه.

يعد الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد، من أكبر الشعراء الذين استخدموا اللغة العربية في انسيابية بعيدا عن التعقيد في اللفظ والمعنى.

إنها قصيدة واضحة اللغة بجمالية بلاغية قريبة إلى النفس، دفعت الرحابنة إلى تلحينها، وربما هي النص الشعري الفلسطيني الذي غنته فيروز.

كما ابتدأنا نصنا ننهيه؛ فليست القضية عودة الغزيين والغزيات إلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم في قطاع غزة، بل هناك ما ينشده الفلسطينيون من عودة مشروعة للوطن، فإن مات الكبار، فإن الصغار لا ينسون، وتلك هي دوافع الوجود المقاوم.

وسنرجع يوما قريبا..لقد صار أكثر قربا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«العازي».. فنٌ أصيل يرمز للشجاعة والإقدام

تامر عبد الحميد (أبوظبي)

أخبار ذات صلة بدور القاسمي تكرّم طاقماً تمثيلياً من الجامعة الأميركية في الشارقة مكتبة محمد بن راشد تنظم ورشة «فن الإيجاز» رمضانيات تابع التغطية كاملة

تشكّل فنون الأداء التقليدية جزءاً من ثقافة وتاريخ دولة الإمارات، وتستعرض الفرق الشعبية في المهرجانات الثقافية والتراثية والفنية، هذه الفنون التي تتنوع بين الفلكلور والأهازيج والموروثات القديمة التي تتمثل في الأداء الشعبي الرصين، والتي تضيء للآخر جزءاً من ملامح الثقافة الإماراتية، بهدف الحفاظ على موروث الأجداد ونقله إلى الأجيال الجديدة.
يُعتبر فن «العازي» من فنون الأداء الشفهية الأصيلة والذي أُدرج ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة «اليونسكو» عام 2017، والذي يتم تقديمه بصفة مستمرة في المحافل الوطنية والمهرجانات الثقافية والمناسبات الخاصة.

قصائد هادفة
وعن هذا الفن يقول مبارك العتيبة، عضو في جميعة أبوظبي للفنون الشعبية: «العازي» فن عريق ومتوارث جيلاً بعد جيل، وتشير التسمية إلى أنه يعبر عن العزة والاعتزاز بالنفس والعزوة والتكاتف، ويطلق على القصيدة المؤداة بهذا الفن مصطلح «العزاوة»، أما الشاعر الذي يؤدي هذا الفن فيسمى «العازي» وهو من يقوم بترديد كلمات شعرية وفق نمط هذا الفن ووحي المناسبة، وتكون كلمات القصائد هادفة ومنتقاة وغالباً ما تكون لتأكيد تلاحم المجتمع.
وتابع: يؤدى فن «العازي» عن طريق الشخص الرئيس وهو الشاعر، حيث يتولى توجيه المؤدين وتنسيق إيقاع حركاتهم، ويشارك في «العازي» مجموعة تتراوح بين 40 و60 شخصاً، يشكلون صفوفاً متناسقة ومتراصة مرددين الكلمات الحماسية بصوت واحد خلف الشاعر، والتي تدعو إلى الوحدة والتكاتف، والبطولة، والاعتزاز، والفخر.

تكاتف وتضامن
ولفت العتيبة إلى أن أصل هذا الفن يعود إلى الاحتفالات بالنصر، حيث كان يُلقى في ساحة المعركة، ثم توارثته الأجيال عبر مئات السنين، ويتكون شعر العازي من أبياتٍ مقفّاة على غرار الشعر العربي التقليدي، مع اقتباس الأقوال المأثورة، والأمثال في بعض الأحيان، ويتميز شعر العازي بالصوت الجهوري القوي للشاعر الذي يصدح بأبيات الشعر ويرددها جواباً فريق المنشدين الذين يحملون بنادق رمزية متكاتفين في صفوف خلف الشاعر الذي يحمل بدوره سيفاً، وتنقل طريقة إلقاء شعر العازي بأسلوب النداء من الشاعر والجواب من المنشدين شعوراً عاماً بالتكاتف والتضامن، بينما تؤكد الأسلحة الرمزية التي يحملونها على معاني الشجاعة.

آلة الكاسر
وأشاد العتيبة بجهود دولة الإمارات في الحفاظ على هذا التراث، وإعادة إحياء فنون الأداء التقليدية في مختلف المحافل والمهرجانات والمناسبات، وقال: استعراض أداء فن «العازي» من الوسائل المهمة لنقل التقاليد والمعارف والثقافة التقليدية الإماراتية في فن التأقلم مع البيئة والطبيعة المحيطة من جيل إلى آخر.
وأضاف: بين الأهازيج التراثية، وإيقاعات الفنون التقليدية، بمصاحبة آلات موسيقية متنوعة، تعمل الفرقة على تأدية «العازي» رفقة آلة الكاسر التي تُعتبر أهم إيقاع في هذه اللوحة الفنية.

تعزيز القيم
أوضح مبارك العتيبة، أنه على الرغم من أن «العازي» من فنون الأداء التي عرفها مجتمع الإمارات قديماً، إلا أنه يشهد إقبالاً متزايداً من الأفراد وفرق الفنون الشعبية لإحيائه من خلال تنظيم قصائد جديدة، بحيث تتناول أغراضاً جديدة كالاعتزاز بالوطن وقيادته الرشيدة، وما تحقق من إنجازات في مختلف المجالات، إضافة إلى تعزيز القيم التي عرفها المجتمع والحرص على تكريسها، ومنها المروءة والشجاعة والكرم والتضحية، ما يجعل «العازي» فناً متجدداً وقابلاً للاستمرار والتطور.

مقالات مشابهة

  • نجم العقرب
  • نجم فم الحوت
  • حسن المطروشي ... معلّقة عمانيّة
  • البحيرة: متابعة أعمال رفع كفاءة طريق الموازنة بمركز رشيد
  • نجم العيوق
  • بعد 166 يوما.. الحارس مرباح يعود إلى تدريبات شبيبة القبائل
  • "رشيد للبترول" تُطلق مشروع "حواء".. تمكين وتدريب السيدات بالبحيرة لتحقيق التنمية المستدامة
  • شعر عن يوم المرأة العالمي 2025
  • في ذكرى الشاعر خليل فرح
  • «العازي».. فنٌ أصيل يرمز للشجاعة والإقدام