يحتفظ زعماء محليون بقوائم مكتوبة بخط اليد لأسماء الموتى في مخيم "كلمة" للنازحين في إقليم دارفور غرب السودان، ويقول أحد هؤلاء الزعماء إن القوائم تطول ولا يمر يوم دون أن تتضمن اسم طفل.

وخلال أسبوعين فقط في مايو/أيار، اشتملت القوائم على أسماء 28 طفلا، أما سبب الوفاة فهو سوء التغذية والمرض، وفقا للزعماء المحليين.

وسرعان ما توسعت المساحات المخصصة لدفن الموتى حول مخيم كلمة في الأشهر القليلة الماضية. وأظهر تحليل أجرته رويترز لصور الأقمار الصناعية أن مقبرة على الطرف الجنوبي لمخيم كلمة توسعت في النصف الأول من عام 2024 بمعدل أسرع 2.5 مرة مما كانت عليه في النصف الثاني من عام 2023.

وتتمدد مساحات المقابر بسرعة في أماكن أخرى في إقليم دارفور، الذي تعصف به الحرب المستمرة في السودان بين الجيش السوداني  وقوات الدعم السريع.

وفي مخيم زمزم المزدحم بالنازحين، حيث يعيش حاليا مئات الآلاف، توسعت المقبرة الواقعة على الطرف الجنوبي للمخيم في النصف الأول من عام 2024 بوتيرة أسرع نحو ثلاثة أمثال مقارنة بالنصف الثاني من العام الماضي.

14 مقبرة في 5 تجمعات

وإجمالا، حددت رويترز 14 مقبرة في خمسة تجمعات سكنية في أنحاء دارفور توسعت بسرعة في الأشهر الماضية. وزادت المدافن المحفورة حديثا في هذه المقابر بمعدل أسرع ثلاث مرات في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالنصف الثاني من العام الماضي.

وعلاوة على ذلك، جاءت هذه الزيادة إلى جانب توسعات كبيرة سابقة بالفعل حيث شهدت المنطقة أسابيع من العنف في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2023 أسفرت عن مقتل كثيرين.

وقال تيمو جاسبيك، الذي أعد تقريرا صدر حديثا عن معهد كليجندال الهولندي للأبحاث يحذر من ارتفاع معدل الوفيات المرتبطة بالجوع في السودان، إن هذه المقابر "بمثابة إنذار مبكر" وإنه "كلما طال أمد الحرب، كلما تفاقمت المشكلة".

وراجعت رويترز مئات الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية لأماكن المدافن على مدى عدة سنوات لتحديد الارتفاع الكبير في معدل الوفيات بالتجمعات الخمس في دارفور. وربما يرجع أحد أسباب التوسع الأخير في منطقة المقابر الجديدة إلى ارتفاع معدل الوفيات نتيجة تدفق سكان المخيمات الفارين من العنف.

ومع ذلك، ربما تكون حسابات رويترز لمدى توسع المدافن أقل من الحقيقي لأنها لا تأخذ في الاعتبار على سبيل المثال القبور الجديدة التي تم حفرها بين المقابر الموجودة في أماكن عديدة أو وجود مدافن صغيرة لا يمكن تحديدها بسهولة في صور الأقمار الصناعية.

ولم تبحث رويترز الأمر إلا في التجمعات التي لم تشهد قتالا خلال الأشهر الستة الماضية لاستبعاد احتمال أن يكون سبب توسعة المقابر هذا العام هو زيادة عدد القتلى في الصراع.

انتشار الجوع والمرض

وتكشف صور الأقمار الصناعية عن مدى انتشار الجوع والمرض بسرعة في السودان، وهو ما يتضح أيضا من خلال بيانات انعدام الأمن الغذائي والصور ومقاطع الفيديو للأطفال المصابين بالهزال والمقابلات مع عشرات الأشخاص من 20 تجمعا سكنيا في أنحاء دارفور.

وقد وصفت أمهات في هذه التجمعات كيف مات أطفالهن بسبب عدم القدرة على إطعامهم وتوفير الرعاية الصحية والدواء لهم.

سودانيون يفرون نحو الحدود التشادية مع دارفور بسبب الحرب (رويترز)

وتحدث أكثر من 30 من زعماء القبائل والمسعفين ومسؤولي الصحة عن ارتفاع مثير للقلق في عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية والمرض. وشارك زعماء القبائل صورا ومقاطع فيديو تظهر عشرات القبور الجديدة في المدافن التي أجرت رويترز مسحا لها باستخدام صور الأقمار الصناعية.

وذكرت رويترز هذا الشهر أن نحو 765 ألف سوداني قد يواجهون نقصا كارثيا في الغذاء بحلول سبتمبر/أيلول، وفقا لتوقعات أولية لمبادرة رائدة في رصد المجاعات في العالم.

وتشير التوقعات إلى أن 9 ملايين شخص، أي ما يقرب من 20% من السكان، يعانون من حالة غذائية طارئة أو ما هو أسوأ من ذلك.

وأعد التحليل الجديد، مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، التي تتخذ من روما مقرا، وهي أداة تستخدمها وكالات الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة لتحديد ما إذا كان سيتم إعلان المجاعة رسميا.

وتعود تقديرات المبادرة إلى ديسمبر/كانون الأول، ولم تنشر بعد أحدث تقديراتها الأولية.

وفي مارس/آذار الماضي، قالت المبادرة إن التهديدات الأمنية وحواجز الطرق وانقطاع الاتصالات في السودان تعيق قدرتها على إجراء التقييمات.

وفي وقت سابق، قالت متحدثة باسم المبادرة إن التحليل بشأن السودان "مستمر" ولكن لم يتضح بعد متى سيتم الانتهاء منه.

إحصاء القبور

للحصول على صورة محدثة لحالة الطوارئ الغذائية في السودان، استخدمت رويترز تقنيات مشابهة لتلك التي تستخدمها جهات رصد الجوع والأوضاع الصحية في مناطق الصراع والكوارث التي يتعذر الوصول إليها.

وحدد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في كتيب إرشادي عام 2021 الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحديد مستوى الوفيات في "المناطق التي يكون وصول المساعدات الإنسانية إليها محدودا أو منعدما"، وتضمنت "مقابلات مع مصادر رئيسية للمعلومات وإحصاء القبور".

وأزمة الجوع في السودان من صنع الإنسان، حيث تلعب الصراعات العسكرية دورا في خلقها وتفاقمها، وقد أدى القتال بين الجيش السوداني  وقوات الدعم السريع الذي اندلع في أبريل/نيسان من العام الماضي إلى نزوح أكثر من 9 ملايين شخص، أي ما يقرب من خمس السكان، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق كثيرة في البلاد.

وأفادت رويترز في أبريل/نيسان بأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها نهبت مخازن المساعدات وسرقت المحاصيل والمعدات الزراعية من المزارعين مما أجبرهم على ترك أراضيهم.

وتشير التقديرات إلى أن إنتاج الحبوب في دارفور وكردفان، وهي منطقة أخرى تضررت بشدة من الحرب، سيقل بنسبة تصل إلى 80% عن المتوسط في عام 2023، وفقا لتقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في مارس آذار.

وذكرت رويترز في أبريل/نيسان أن السكان أصبحوا غير قادرين على العثور على الطعام أو تحمل تكلفته حتى لو كان متاحا، لأن الأسعار ارتفعت بشكل كبير فاضطروا إلى التخلي عن وجبات وتناول أوراق الشجر وحتى التراب.

ولم ترد الحكومة بقيادة الجيش أو قوات الدعم السريع على أسئلة عن هذا التقرير. وقالت الحكومة إنها ملتزمة بتسهيل إيصال المساعدات وتتهم قوات الدعم السريع بنهب المساعدات وعرقلتها، ولكن قوات الدعم السريع تنفي ذلك، وتقول إنها ستحاسب أي أطراف مارقة في صفوفها واتهمت الجيش بعرقلة تسليم المساعدات.

تدمير منظومة الرعاية الصحية

ودمرت الحرب أيضا منظومة الرعاية الصحية التي كانت تعاني بالفعل من ضغوط قبل تفجر القتال.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن حوالي ثلثي السودانيين لا يحصلون على الرعاية الصحية ولا تعمل ما بين 70 و80% من المرافق الصحية في البلاد منذ من فبراير/شباط.

وذكر أطباء وزعماء محليون في دارفور تم الاتصال بهم هاتفيا أن الآباء يلجؤون إلى الأساليب التقليدية في محاولة يائسة لمساعدة أطفالهم المرضى.

ويقول خبراء الأمن الغذائي والتغذية إن في أزمة مثل تلك التي يشهدها السودان، حيث انهارت المنظومتان الغذائية والطبية، يتلازم سوء التغذية والمرض.

وقالت ليزبيث ألبريخت المتخصصة في انعدام الأمن الغذائي والصحة في منطقة القرن الأفريقي الكبرى بمنظمة الصحة العالمية إن التهديد يتمثل في "مزيج قاتل" من سوء التغذية والحصبة والملاريا والكوليرا وغيرها من الأمراض.

"سنموت من الجوع"

وقال موظف إغاثة محلي لرويترز إنه في بلدة نيرتتي بوسط دارفور لم تصل الإمدادات ونهبت قوات الدعم السريع المحاصيل. وأضاف أن الأطفال يموتون بسبب نقص الغذاء، ويلجأ الناس إلى تناول أوراق الشجر وينبشون أعشاش النمل لعلهم يجدون فتات الخبز وغيرها من بقايا الطعام.

وذكر أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها تسطو على التجار، مما جعل الطرق غير آمنة. وأضاف أنه لا يوجد من يحمي وكالات الإغاثة الدولية إذا رغبت في العودة إلى المنطقة. وأشارت بيانات صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة إلى أن عدد سكان نيرتتي تضاعف بسبب تدفق ما يربو على 33 ألف شخص فرارا من العنف.

وأظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية في شهري مارس/آذار، ويونيو/حزيران صفوفا من المدافن الجديدة على الطرف الجنوبي من بلدة نيرتتي.

وفي الفترة بين 21 نوفمبر/تشرين الثاني إلى السادس من يونيو/حزيران، تمددت مساحة المدافن الجديدة بوتيرة أسرع بنسبة 13% مقارنة بالأشهر الأربعة السابقة.

وقال أحد الزعماء المحليين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن سكان المخيم يخافون مغادرته للبحث عن عمل لأنه لا يوجد من يحميهم من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، وأضاف أن الرجال يخشون الاعتقال أو القتل بينما تخشى النساء التعرض للاغتصاب.

وقدم صورا لرجل قال إن مسلحين قتلوه بالرصاص على الطريق الرئيسي الذي يربط بين كلمة ونيالا عاصمة جنوب دارفور يوم 29 مايو/أيار عندما حاول مغادرة المخيم للبحث عن عمل.

وأضاف "نحن محاصرون هنا وسنموت من الجوع".

وتشهد بلدة كاس بولاية جنوب دارفور الوضع نفسه. وقال محمد علي عثمان مسؤول التغذية بوزارة الصحة هناك إن الناس في منطقة كاس، التي تضم البلدة والقرى المحيطة بها، يموتون جراء الأمراض وسوء التغذية. وأضاف أن نسبة ضئيلة فقط من المرضى يصلون إلى المستشفيات لأن الطرق غير آمنة وقرى بأكملها معزولة.

ويزداد عدد المدافن أيضا في كاس، فقد تمددت مقبرة واحدة على الحافة الجنوبية الشرقية للبلدة بمعدل أسرع بنسبة 49% في الفترة ما بين الرابع من يناير/كانون الثاني، والأول من يونيو/حزيران مقارنة بالنصف الثاني من العام الماضي.

وهناك دلائل الآن على أن المقابر تتوسع بشكل أسرع.

وفي الفترة بين 28 مارس/آذار، والثالث من مايو/أيار، توسع حجم مدفن كبير في مخيم زمزم بشمال دارفور بمعدل 50% أسرع مما كان عليه في الثلاثة أشهر ونصف شهر السابقة.

وفي أبريل/نيسان الماضي، قال زعيم محلي في المخيم إن الكثير من الناس يتناولون وجبة واحدة فقط يوميا، في حين أظهر مسح شامل أجرته منظمة أطباء بلا حدود في مارس/آذار، وأبريل/نيسان أن أكثر من 46 ألف طفل دون الخامسة أي نحو ثلث الأطفال في المخيم يعانون من سوء التغذية الحاد.

وفي مخيم الحميدية بوسط دارفور، تشهد المقابر نموا متسارعا في الأشهر القليلة الماضية. ورصدت صور التقطها أقمار صناعية العشرات من المدافن الجديدة في موقع واحد خلال الفترة بين 30 مارس/آذار، والرابع من يونيو/حزيران، كما كشفت أن وتيرة توسع المدافن كانت أعلى بنسبة 53% مما كانت عليه في الثلاثة أشهر الماضية.

وشارك سيف الدين عبد الله، أحد الزعماء المحليين في مخيم الحميدية، مقاطع فيديو للمدافن في المخيم. وعرض مقطعا يُظهر مجموعة من الأشخاص وهم يدفنون رجلا يبلغ من العمر 40 عاما قال عبد الله إنه كان يعاني من مرض السكري.

وأضاف أن المساعدات الإنسانية لا تصل إلى المخيم مشيرا إلى أنها بالغة الأهمية "لإنقاذ الأطفال الذين يموتون كل يوم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات صور الأقمار الصناعیة قوات الدعم السریع من العام الماضی النصف الثانی من الرعایة الصحیة فی أبریل نیسان سوء التغذیة فی السودان مارس آذار فی الأشهر فی دارفور وأضاف أن الأول من فی النصف فی مخیم من عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

قوات حميدتي تواصل استراتيجية الأرض المحروقة في السودان

يستمر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، رفقة مليشياته في السودان، بتنفيذ استراتيجية "الأرض المحروقة"، التي تتمثل بحرق المناطق الريفية والإبادة الجماعية للسكان المدنيين.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير لها ترجمته "عربي21": إن المعركة النهائية من أجل دارفور قد بدأت، فمنذ العاشر من أيار/مايو؛ كثفت قوات الدعم السريع، هجماتها على الفاشر، وهي آخر مدينة في المنطقة لا تزال تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان. 

ومن شأن الاستيلاء على عاصمة شمال دارفور أن يمنح قوات الدعم السريع سيطرة شبه كاملة على الثلث الغربي من السودان، وهي منطقة شاسعة تماثل مساحة فرنسا.

وأوردت الصحيفة أن هناك ما يقرب من مليوني مدني ما زالوا محاصَرين حيث لا تستطيع أي مساعدة إنسانية الوصول إليهم عبر خطوط الجبهة.


 وبعد أسبوعين من دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إنهاء القتال وحث قوات الدعم السريع على رفع الحصار؛ لا تزال القذائف تنهمر على الفاشر. 

وفي هذا السياق، يقول محمد أيوب، أحد سكان مخيم أبو شوك شمال غرب المدينة: "لا أحد يعرف ما إذا كنا سنستيقظ أحياء غدا أم لا. نيران المدفعية تتساقط باستمرار وبشكل عشوائي"، بحسب ما نقلت عنه الصحيفة.

ومن جانبه، يصف محمد عثمان من "هيومن رايتس ووتش" الوضع قائلا: "تجري المعارك في الفاشر في قلب المناطق المكتظة بالسكان، بما في ذلك مخيمات النازحين. ويتم تنفيذ الهجمات دون تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. لقد وثقنا قصف المناطق السكنية، والمباني العامة، من قبل قوات الدعم السريع التي هاجمت عدة مستشفيات".

وأوضحت الصحيفة أنه في الثامن من حزيران/ يونيو؛ اقتحمت القوات شبه العسكرية المستشفى الواقع في جنوب الفاشر، وأطلقت النار داخل المجمع، ونهبت مخزون الأدوية وسيارة إسعاف منظمة أطباء بلا حدود، مما أجبر الموظفين والمرضى على إخلاء المبنى. 

وفي يوم الـ21  من نفس الشهر، تعرض المستشفى السعودي، المؤسسة الوحيدة في المدينة التي لا تزال قادرة على استيعاب الجرحى، لقصف بحوالي عشر قذائف صاروخية، مما أسفر عن مقتل صيدلي وتدمير مخزون الأدوية.

ويعترف أحد العاملين في المجال الصحي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته أنه "في الداخل، تسود الفوضى. في أسبوع واحد، استقبلنا أكثر من 500 جريح، العديد منهم من الأطفال المتضررين من حطام الانفجار، وتوفي 76 شخصا. ويتراكم الناجون اثنان اثنان، ظهرا لظهر، على كل سرير. وفي مساء يوم الأحد 23 حزيران/يونيو، دمرت قوات الدعم السريع المستشفى الوحيد المتخصص في أمراض الكلى بالمنطقة".

التفوق العددي الساحق
وبينت الصحيفة أنه في غضون ستة أسابيع؛ يُظهر التقرير الوحيد المتاح وقوع 260 حالة وفاة وأكثر من 1600 جريح. وقد تكون هذه الأرقام - التي يُعتقد أنها أقل بكثير من الواقع وفقًا للمصادر المتواجدة على الأرض - أعلى بعشر مرات. 

ويقول أنور عمر الخطيب؛ وهو صحفي سابق في الفاشر والآن عضو في خلايا الطوارئ، وهي شبكة من المتطوعين من المجتمع المدني: "معظم الجرحى والجثث لا تصل إلى المستشفيات، وغالبا ما يتم دفنهم على عجل في باحات المنازل".

وفي الفترة نفسها، اضطر ما يقرب من 100 ألف مدني إلى النزوح جنوبا باتجاه مخيم زمزم، وغربا باتجاه مدينة الطويلة وجبل مرّة. 


ويتابع المتطوع قائلا: "ينام البعض في وديان الصحراء، متكدسين في ظل بعض الأشجار"، وحث المجتمع الدولي على "حماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية".

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ 10 حزيران/ يونيو، لم تقم قوات الدعم السريع بأي هجوم بري جديد، واكتفت بقصف المدينة من الجو. 

وحسب مصدر محلي: "إنهم يعيدون تجميع صفوفهم وإعادة تنظيمها. لكنهم عازمون على تنفيذ الهجوم قبل أن يجعل موسم الأمطار الأرض غير قابلة للعبور".

وفي محيط الفاشر، تمتعت قوات الجنرال "حميدتي" بتفوق عددي ساحق، وتضم قواتهم، التي يقدر عددها بنحو 30 ألف رجل، ميليشيات تم تجنيدها من المجتمعات العربية في دارفور والدول المجاورة أو القريبة، ولا سيما تشاد والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى.

ولفتت الصحيفة إلى أنه في المقابل تقاتل الفرقة السادسة مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية، والتي لا يتجاوز تعدادها 8000 جندي، إلى جانب حركات التمرد السابقة التي تم تجنيدها من مجتمع الزغاوة، أبرزها حركة العدل والمساواة التابعة لوزير الاقتصاد جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بقيادة والي دارفور السابق ميني ميناوي.

"التطهير العرقي قد بدأ بالفعل"
وذكرت الصحيفة أن تعبئة العديد من المدنيين من كلا الجانبين اعتمادا على انتمائهم العرقي تزيد من خطر وقوع مذابح. وإذا تمكنت قوات الدعم السريع من احتلال الفاشر، فهناك مخاوف من حدوث حمام دم مشابه للذي حدث عند السيطرة على الجنينة في غرب دارفور. 

وفي الفترة بين حزيران/يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2023، قُتل هناك ما يقرب من 15 ألف شخص، معظمهم من مجتمع المساليت غير العربي، على يد قوات الدعم السريع والميليشيات العربية التابعة لها.

وفي غضون أشهر قليلة، أحرقت قوات الدعم السريع في شمال دارفور أكثر من 50 قرية. ومنذ العاشر من أيار/ مايو، تم محو أحياء كاملة من مدينة الفاشر، التي تقطنها في الغالب مجتمعات غير عربية، من قبل القوات شبه العسكرية.


ونقلت الصحيفة عن ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأمريكية، قوله: "لقد تأثر ربع المدينة بالفعل بالقتال. والوتيرة تتسارع والمجتمع الدولي يراقب دون اتخاذ إجراءات ملموسة. هناك "معايير مزدوجة" مزعجة فيما يتعلق بالسودان".

وفي مواجهة صعوبة الوصول إلى الميدان، تقوم فرق المختبر بتوثيق الدمار والتهجير القسري عن بعد، باستخدام صور الأقمار الصناعية والبيانات مفتوحة المصدر. 

ويوضح الباحث الأمريكي قائلا: "لم يعد بإمكاننا استخدام صيغة الشرط. لقد بدأ التطهير العرقي بالفعل، وهذا ليس مفاجئا؛ حيث تتبع قوات الدعم السريع نفس النهج منذ بداية الحرب. بالنسبة لهم، يعتبر هذا بمثابة استكمال الإبادة الجماعية التي بدأت سنة 2003".

وأكدت الصحيفة على أن الهجمات القاتلة التي تشنها قوات الدعم السريع لا تقتصر على دارفور.

وخلال الأسابيع الأخيرة؛ ارتكبت قوات الجنرال "حميدتي" عدة مجازر في منطقة الجزيرة الزراعية جنوب شرق الخرطوم. وفي الخامس من حزيران/ يونيو، قتل أكثر من 156 شخصًا في قرية ود النورة. وفي 21 حزيران/يونيو؛ قُتل 17 شخصا بعد صلاة الجمعة في بلدة عسير. وبعد شن هجوم ناجح في العشرين من حزيران/ يونيو على مدينة الفولة، عاصمة غرب كردفان، وطرد القوات النظامية الموجودة في المنطقة، شنت قوات الدعم السريع يوم الاثنين، 24 حزيران/ يونيو، هجوما على مدينة سنار في النيل الأزرق جنوب شرق البلاد، مما أثار الذعر في صفوف السكان المدنيين.

وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه في مواجهة عدم فعالية قواته البرية، يقوم الجيش السوداني بتكثيف الضربات الجوية في جميع أنحاء البلاد. وبسبب استيائهم من الانتهاكات المتكررة وتكتيكات الأرض المحروقة التي تتبعها القوات شبه العسكرية، يقوم عدد متزايد من المدنيين بتسليح أنفسهم وتشكيل مجموعات للدفاع عن النفس في جميع أنحاء البلاد. وبعد 14 شهرًا من الصراع؛ انزلق السودان إلى حرب أهلية محققة.

مقالات مشابهة

  • قوات حميدتي تواصل استراتيجية الأرض المحروقة في السودان
  • لوموند: الأرض المحروقة إستراتيجية الدعم السريع في السودان
  • حرب السودان في عامها الثاني.. مفترق طرق
  • مبيعات الحبوب والدقيق الروسية إلى الصين تتضاعف 3 مرات
  • قصف مركز غسل الكلى في الفاشر يغضب السودانيين واتهامات للدعم السريع
  • الجيش السوداني يتقدم بولاية الجزيرة والمعارك تدفع 143 ألف للنزوح من الفاشر
  • الأمم المتحدة: لا يزال السودان ينزلق «نحو الفوضى» 
  • الأمم المتحدة: 143 ألفا نزحوا من الفاشر بالسودان جراء القتال  
  • اشتباكات عنيفة في "سنار".. ملتقى طرق وسط السودان
  • ‏الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على عسكريين سودانيين